“هاعريشت” الميلاد الرسمي للشعر الحديث بهشاويث
“هاعريشت” أو شجرة البلوط باللغة العربية , بكل ما تحمله من رمزية في المخيال الجمعي لإيشاوين , تلك الضاربة بجذورها الى أقصى الأعماق , المتشبثة بالأرض بكل امتداداتها , حتى الجذع الذي لا ينحني للنسيم لا تفصله عن الأرض أعتى العواصف . هاعريشت المتمسكة بخضرتها رغم تعاقب الفصول , الناشرة لأكثر الظلال انعاشا هي ديوان الشاعر أغقالي يونس بتماثل سيميائي عجيب , حيث أن هذه الرائعة و التي لم يسبق لها مثيل في الفضاء الثقافي الشاوي ستدوم دوام الذوق الراقي للأعمال الأدبية و الفنية .
هاعريشت تُعتبر قفزة من قفزات مرايا الأسطورية و التي تتخطى السبع جبال في الوثبة الواحدة متحدية واقعنا المكرس . هذا الديوان الذي استلهم فيه شاعرنا كل تجاربه الأكاديمية مع الشعر الانجليزي تجعل منه ظاهرة متفردة و طفرة صارخة , ففي وسط ابداعي شاوي تنعدم فيه تجارب شعرية جادة أو خلفية تراثية للارتكاز عليها في اي مشروع أدبي ملتزم بالعناصر الحديثة و معبر في آن عن الخصوصية الثقافية الشاوية بكل أبعادها اللسانية و الأنثروبولوجية بمختلف مستوياتها , جاءت هاعريشت لتسد فراغا رهيبا بينها كمنتج رائد و بين الواقع الشعري الشاوي , ورهبة هذا الفراغ أو المسافة الواضحة للمهتمين و المطلعين على هذا المجال في نطاقه الشاوي يجعلنا نفكر و نعيد التفكير في الجرأة و القدرة الابداعية لهذا الشاعر الذي أنتج بعثا من عدم و ميلادا للشعر الشاوي الحديث , بلغة غنية بالمفردات , جد متوازنة ما بين المحكي و المصطلحات المحدثة , ليرسم بلمسة ساحر صورا شعرية لا نبالغ ان قلنا انها تكاد تنعدم لدى باقي شعراء ايشاوين لجماليتها و تميزها , والمحتوية أفكارا و مشاعرا و أحاسيس و تحليلات بسيكولوجية , روحية و سوسيولوجية بعمق و تسامي شبه معجزين و طرح لكل الأبعاد الوجودية للانسان بشمولية غائبة في كل الأشعار الشاوية السائدة .
تحتوي هاعريشت على ما يقارب الأربعين قصيدة من الشعر الحر ولا أكون كاذبا ان جزمت أنها أول اصدار للشعر الشاوي الحر بكل أدواته الفنية و الأكاديمية , أي أن هذا الديوان يعتبر سبقا – دون نقاش- في الساحة الشعرية الشاوية , ببنية مبدعة و متقنة يصعب التحكم في انتاجها لغير الموهوبين فطريا والباحثين الملتزمين بالمعطى الفني و العلمي للبناء الشعري , لتنتج موسيقى شعرية جديدة تماما يحكمها التناسق و الاطراب ,كرس انسيابها في اطار هذه البنى استمرار الثورة التجديدية التي أعلنها الشاعر على الأنماط الشعرية التقليدية لتكتسح القوافي في اطار ابداعي كامل و مذهل حيث قدم الشاعر قصائده بقوافي حديثة تماما كان السباق اليها ككل تفاصيل تجربته الشعرية .
وفي ما يخص المقدمة التي خطها الأستاذ حسان محروش من جامعة بجايث , فككاتبها الأكاديمي و المتخصص صاحب التجربة الطويلة , لم تتجاوز و لا لحظة الحقيقة ولا يمكن اعتبار أيا مما ورد فيها كمجاملات بل قد يكون أستاذنا المحترم قد اختصر و تجاوز الخوض في التفاصيل بما يوفره المنبر كحالنا تماما . و كاهداء لروح كاتب يسين كانت هاعريشت في الموعد كبيرة في مقام هذا الكبير دائما . أما عن الشكر فباسمي و نيابة عن الكبير أيضا حميد ايبري أقدم أصدق أنواع الشكر و العرفان لك أغقالي يونس لأنك أعطيتنا أخيرا نصوصا بالشاوية كنا نحلم بها , أي نصوصا تستحق القراءة بل و اعادت القراءة مرات و مرات لتستمر أسرارها في الانكشاف المستمر.
وفي الأخير و دون اطناب , إن رائعة هاعريشت تستحق مكانة في تاريخ الابداع الشاوي كأيقونة و منارة لكل باحث عن بداية أدبية جادة و مستدامة , فالشاعر قد أحرق المراحل التقنية و الفنية ليوصل الشعر الشاوي لمستوى كنا نحلم فقط بإرهاصاته فما بالك بأن يصل منتهاه في لحظة فارقة و مهمة في صراع البقاء بين المشافهة و الضحالة السائدة من جهة و التدوين و الجدية اللازمين لتخطي الثقافة الشاوية لكل متطلبات البقاء و النجاة من الانقراض أو التحنيط المكرس رسميا و اجتماعيا بل و على يد حتى الفاعلين الثقافيين ب”فَلْكرة ” (من فلكلور) شاملة لكل المناحي الثقافية في بلاد إيشاوين .
كمال تيحمامين – شاعر