مسرح على ضوء الشّموع .. التريسيتي ماكانش واللعنة على من يريد الثقافة في قايس!
عشيّة اليوم العالمي للمسرح، وتزامنا مع الذكرى العشرين لوفاة المسرحيّ الدزيري الشّهير عبد القادر علّولة، لبّيت دعوة الفنّان والكاتب والمخرج المسرحيّ : عمّار قدّاش، لحضور تدريبات فرقة “ناس المسرح” بمدينة قايس، في قراءة إيطاليّة لمسرحيّة جديدة بعنوان “طبول الموت” بقاعة المسرح المهترئة في المركز الثّقافي الوحيد بالمدينة.
لم أضع في الحسبان، أنّي سأجدُ ما وجدت؛ أكبر فنّاني قايس يتمرّنون على ضوء الشّموع، ليس بداعي رومانسيّة اقتضاها النّص أو الاقتباس أو الديكور، بل لأنّ سونالغاز قامت بقطع التيّار الكهربائي … نعم! المركز الثقافي الوحيد بمدينة قايس، الّتي تعدُّ أكبر مدينة بعد عاصمة الولاية ماسكولا (خنشلة)، بدون تيّار كهربائي، منذ أيّام .. والسبب عدم دفع المستحقّات.
كان الأجدى، أظنّ، أن تسمّى مسرحيّتهم هذه “ظلمات القبر” أو “نفخ الأرواح في موتى” .. لم أتمالك بصراحة نفسي أمام منظر كبار مسرحيي وفنّاني مدينتي؛ عمّار قدّاش، كاتب ومخرج أوّل مسرحيّة بالشّاوية في نهاية الثمانينات، طارق عشبة الفنان المسرحي والتلفزيوني المعروف، هشام بردوك مؤسس مهرجان مسرح الطّفل الوطني المعروف… قابعين وسط الظّلام. ماذا عساني أقول في موقف كهذا؟! .. ما قلتُه لنفسي لا مقام لكتابته هنا !
وسط نفس الظّلمة، وعلى أضواء الشموع وبعض نور النّوافذ، وجدت في قاعة المطالعة أطفالا يحاولون القراءة، من عادتهم التسكّع في المكتبة كلّ مساء، وكلّ نهاية أسبوع، لم يجدوا ملاذا آخر، ولم يمنعهم غياب النّور من عادتهم تلك .. لكنّه كان منظرًا يحيل الدّماء سمّا في العروق.
آه يا بلاد الـ one, two, three !
آه يا بلاد الـ … لا أدري ما سأقول!!
أطفال الفرقة الغنائيّة لم يكن حالهم أحسن، لكنّهم واصلوا تدريباتهم على ضوء الشّموع.
بين المسؤوليّة التسييرية التي تتنصّل منها مديرية الثقافة بحجّة أنّها تنازلت .. أو ستتنازل عن المركز! لأنّه ليس من صلاحيّاتها، رغم أنّها وضعت مسؤولا يمارس دور الإله فيه على المثقّفين والفنّانين، وتبرأ البلدية منه بحكم أنّه ليس من صلاحيّاتها، وزيارة الوزير التي لم تك ذات فائدة إذ اقتصرت، فقط، على عاصمة الولاية .. يجدُ أطفال المركز وفنانو المدينة أنفسهم مضطرّين إلى العمل على إخراج وإنتاج إبداعات تقف أمامها كلّ الظّروف…
لماذا؟ .. لأنّه قدرهم ببساطة أن ولدُو في أرض سلّطَ عليها صعاليكُ الثّقافة ومكّن شذّاذ الآفاق من رقبة الفنّ فيها، إنّها لعنةٌ حقيقيّة أن تكون مثقّفا أو فنّانا، أو ذوّاقا للفنّ حتّى في هذه المدينة، بل في المنطقة بأسرها، وخاصّة في هذه الولاية. هذا المركز الّذي يعتبره فنّانو المدينة ملاذهم الوحيد، في ظلّ انعدام المرافق الثقافية في المدينة رغم ما قدّمه مسرحيّو قايس على الساحة الولائية والجهوية والوطنية، ليس فقط بدون كهرباء، بل إنّه غير صالح، في رأيي، للاستعمال البشري. ورشة الموسيقى لا تملك إلّا قيثارة واحدة! قيثارة واحدة .. عدد واحد (01) قيثارة .. لورشة “الموسيقى” حاشاكم! في مركز ثقافي هو الوحيد لأكثر من 50.000 إنسانا! افهم ولّا نتّف شعرك .. كتب قاعة المطالعة تعود إلى سنوات التسعينات، ورشة التّراث عبارة عن مرحاض .. نعم “مرحاض حقيقي” .. قاعة المحاضرات أو المسرح، يمتلؤ بالماء كلّما هطل بعض المطر، وبابه لا يتّسع لدخول غرض طوله متران.
بقطع النّظر عن كوني ابن المدينة، أجدُ من العجيب أن يواصل هؤلاء الفنّانون والمثقّفون عملهم التطوّعي، في مثل هذه الظّروف التي تسخر بصراحة من آداميتهم وتهينهم خاصّة وأنّ منهم أسماءً استمرّت لأكثر من 25 سنة في العمل الثقافي دون مردود أو حتّى اعتبار من قبل أرباب المجال. بل إنّ الأعجب والأدعى لرفع القبّعة احتراما لهؤلاء، اجتماعهم وإصرارهم رفقة عدد من رؤساء الجمعيّات الثقافية والمثقّفين والنشطاء، على حلّ وضعيّة هذا المركز وإعادته إلى سابق عهده، كيفما كانت الوسائل.
أعلم أنّ الأمر لن يحلَّ إلّا بأزمة بين الإدارة والمثقّفين في المدينة، يوضعُ فيها المسؤولون أمام أمر واقع، يجبرهم على تعديل الأوضاع، وإلى ذلك الحين .. فلتعش الثّقافة في بلاد المسؤولّين الجهلة .. وليعش المثقّفون رغم الدّاء!
ڨاسمي فؤاد