فقـــه الهويـة تعـريبُ الإسـلام أمْ أَسْلَمَـة العروبـة ؟
نحنُ أمازيغيُّون لَمْ يُعَرِّبْنَا الإسلامُ…
هل صحيح أن الديانة الإسلاميَّة تُعَرِّبُ معتنقيها؟ كثيراً مّا نسمع – ولا زلنا نسمع – قولة الشيخ «الأمازيغي» الجزائري السيد عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (المتوفَّى ، رحمه الله ، سنة 1940):’’نحن أمازيغيُّون عَرَّبَنَا الإسلامُ’’. فهل هذا صحيح؟ هل صحيح أن الشعب الأمازيغي قد «أصبح عربيّاً» بعد إسلامه؟ هل لا يصح ولا يُقبل إسلام وإيمان المسلمين الأمازيغيين إلاّ إذا تعرَّبوا وتحولوا، من هويتهم الأمازيغية التي فَطَرَهُمْ اللـهُ تعالى عليها، إلى هوية الآسيويين المشارقة العرب؟ ولماذا الأمازيغيون وحدهم دون غيرهم من شعوب الديانة الإسلامية العالَمية الكونية؟ لماذا لم يتعرَّبْ المسلمون الفارسيون والمسلمون الأندونيسيون والمسلمون الماليزيون والمسلمون الأتراك والمسلمون الأميركيون والمسلمون الفرنسيون والمسلمون الصينيون… وغيرُهُم من المسلمين في القارات الخمس؟ هل «فُرض» و«كُتب» التعريبُ والاستعراب على المسلمين الأمازيغيين وحدهم دون غيرهم من المسلمين في العالَم؟ هذه الأسئلة – وغيرها– يبدو أنها لا تخطر ببال فقهاء التعريب والعَرْبَنَة الذين يزعمون أن الإنسان الأمازيغي قد عَرَّبَهُ الإسلام. فهل الإسلام ، فعلاً ، يُعَرِّب الناس؟
إنّ الديانة الإسلامية الربانيةَ الحقيقية، ليس من أهدافها ومقاصدها وأصولها أن تُعرّب المسلمين ألبتّةَ؛ فهويات المسلمين وثقافاتهم ولغاتهم كانتْ موجودة قبل الإسلام ولم يفرض الإسلامُ أو يشترط إلغاءها والتخلّي عنها أوْ تغييرها وتبديلها أوْ محوها وتَــذْوِ(تَعْـرِ)يـبها، بل أمر بالحفاظ عليها والتمسك بها والتشبث بها، لكونها آيةً من آيات الله رب العالَمين. قال الله تعالى: ‘’وجَعَلْناكُم شُعُوباً…. إنّ أكرمَكُم عند اللهِ أتْقَاكُم’’ . والقرآن الكريم (المُنزَّل باللغة العربية: لسانِ العربِ المسلمين والعربِ غيرِ المسلمين) يؤكد أن من آيات الله رَبِّ العالَمين (خَلْقُ السماواتِ والأرضِ واختلافُ ألسنتكم وألوانِكم). لنتأمل العطف والربط والجمع بين (خَلْقِ السماوات والأرض) وبين (اختلاف لغات / هويات الشعوب) ، هذا يدلّ على أهمية تعدّد واختلاف اللغات والهويات الإنسانية، تماماً كخلْقِ السماوات والأرض، وما أدراك ما خَلْق السماوات والأرض. ولما قال الله تعالى للناس:’’إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى’’ ، قال لهم في السياق نفسه: (وجَعَلْناكُم شُعُوباً). «شُعُوباً» بالجمع، لا شعباً واحداً. وقوله تعالى: (شُعُوباً) يشمل –طبعاً- جميعَ ما يتعلق بهذه الشعوب من هوياتها ولغاتها وثقافاتها… وغير ذلك من كل خصوصيات ومميزات الشعوب(1) .
ثم قال تعالى: «إنّ أكرمَكُم عند اللهِ أتْقَاكُم» ، كقوله سبحانه: (والعاقبة للتقوى)، «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُه فألئك هم المفلحون» ، ولم يقلْ: [إنّ أكرمكم عند الله مَنْ تعرَّب منكم]، كما لم يقلْ: [وجعلناكم شعباً عربيّاً واحداً من المحيط الأمازيغي إلى الخليج الفارسي] ، أو: [وجعلناكم أمّةً واحدة هي الأمة المشرقية العربية، أوْ: شعباً واحداً هو الشعب المشرقي العربي]. وهذه قضية في غاية الأهمية: ربُّ الناس، مَلِكُ الناس، إله الناس هو الذي خَلَقَ الناس وهو الذي جعلهم شعوباً؛ فجعلنا – نحن الأمازيغيِّين- شعباً أمازيغيّاً. فكيف يصح أن دِينَ الله الإسلام قد عَرَّبنا، مع أن الله تعالى هو الذي خلقنا وجعلنا ئمازيغْنْ، ولم يجعلنا عرباً؟ تماماً كما خَلَقَ -سبحانه وتعالى- الآسيويين العربَ، فجعلهم عرباً، ولم يجعلهم غيرَ عرب.
إن الديانة الإسلامية الربانية/الحقيقية، التي هي ديانة كل من اعتنقها ويعتنقها من جميع بنات وأبناء آدم وحواء عليهما السلام، لم تُعَرّبْ أحداً ولن تُعرّبَ أحداً. والاستعرابيون والتعريبيون الذين يزعمون ويدَّعون أنّ الشعوب المسلمة غير العربية، قد عَرَّبَهَا الإسلامُ ، هم ظالمون وكاذبون؛ لأنهم نسبوا إلى الإسلام ما هو بريء منه براءةَ الذئب من دم نجل إسرائيل عليهما السلام: العَرْبَنَة، فأضافوا إلى الإسلام مقصداً ليس من مقاصده ورُكناً ليس من أركانه: التعريب، مما أدّى إلى تخلّي كثير من المسلمين الأمازيغيين عن هويتهم وثقافتهم وحياتهم الأمازيغية التي فَطَرَهُم اللهُ تعالى عليها، ظنّاً منهم أن الإسلام قد عَرَّبَهُم. لأن التعريبيين قد رسّخوا في أذهان المظلومين من المسلمين غيرِ العرب «قاعدة» عُروبيةً، خاطئة باطلة، وهي: [المسلمُ = العربي، والعربيُّ = المسلم ، وغيرُ العربي = الكافر ، والكافرُ = غير العربي؛ أيْ: العُروبةُ = الإسلام ، والإسلامُ = العُروبة]. (تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
إنّ الإسلامَ لم يعرّبْ حتى المسلمين العرب أنفسهم، لأنهم كانوا عرباً قبل الإسلام (في جاهليتهم الأولى)، فلما جاء الإسلام أسلمواْ، فأصبحوا «مسلمين في ديانتهم، عرباً في هويتهم» بعد أن كانوا (عرباً في هويتهم، غيرَ مسلمين في دِينهم). لأنّ الدين الإسلامي الحقيقي لا يُغيّر ولا يُبدّل ولا يُحوّل هُويات المسلمين، فالهوية تبقى هي هي، سواء قبل اعتناق الإسلام أو بعد اعتناقه: المسلم غير العربي هو إنسان غير عربي قبل إسلامه وبعد إسلامه، والمسلم العربي هو إنسان عربي قبل إسلامه وبعد إسلامه. وإلا، فلماذا بقي سلمان الفارسي فارسيا، وصهيب الرومي روميا، وبلال الحبشي حبشيا ، وهُم – رضي الله عنهم – مِنْ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وظهور الإسلام في المنطقة والأرض العربية (شبه الجزيرة العربية في غرب قارة آسيا)، لا يعني أن «الإسلام عربي الهوية» وأن (المسلمين عرب). الإسلام ليس عربيّاً، والمسلمون ليسواْ عرباً باستثناء مَن أسلم من المشارقة العرب وهم أقلية المسلمين (80 % من المسلمين ليسواْ عرباً)، كما أن غير المسلمين من المشارقة العرب كثيرون وكثيرون، فبدَل «كفاحهم» من أجل تعريب الإسلام والمسلمين، يجب عليهم أن «يجاهدوا» في سبيل دعوة الذين لم يُسلمواْ من المشارقة العرب إلى اعتناق الإسلام والدخول في دِينِ الله أفواجاً، وكذا دعوة المسلمين كلهم إلى احترام عالَمية الديانة الإسلامية وكونيتها، واحترام مذاهب الإسلام وبلدانها ومناطقها وأقطارها، واحترام هويات وخصوصيات المسلمين وثقافاتهم ولغاتهم، واحترام كافة الشرائع والأديان والمِلل، واحترام جميع الشعوب والأُمَم في العالَم كله… أليس كذلك؟
الإسلامُ ليس عُروبة وتعريباً وتذويباً. الإسلامُ هو دِين عالَميّ كونيّ للناس أجمعين على اختلاف هُوياتهم وتعدّد لغاتهم وتنوّع ثقافاتهم وتميّز حضاراتهم… (قُلْ يا أيها الناس إنّي رسولُ اللهِ إليكم جميعاً). صدق الله العظيم.
يقول أزايكو في مقاله التاريخي الشهير (في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية): ‘’[…] وإذا كان القرآن قد نزل بالعربية، فإن الله تعالى حين فعل لم يخلقْ لغة عربيةً جديدة لا يفهمها العرب، بل كان ذلك باللغة العربية نفسها التي كانت من قبل، محملةً بكل مقومات المجموعة البشرية التي كانت تتكلمها […]. فلو كان الإسلام يعني [بـ] الكونية محو كل مقومات الشعوب التي تؤمن به، لطبق ذلك أولاً وقبل كل شيء على العرب أنفسهم، ولنزل القرآنُ بلغة جديدة، يعلّمها الله لنبيه، ويضطر كل المسلمين إلى ترك لغاتهم، التي أراد الله لها أن تكون متنوعة ومختلفة، وتعلّم اللغة الجديدة […]. ومعلوم أن المقياس الوحيد عند الله تعالى هو التقوى’’ . فقيد تامازيغت: الأستاذ المناضل علي صدقي (أزايكو) رحمه الله : كتاب «الأستاذ علي صدقي أزايكو: الراحل الحاضر»، منشورات (ئركام) بالرباط 2005. ص: 76.
براهيم أسافو | أكاديرْ نْ ئغيرْ
(1). يكتب العلاّمةُ ابن خلدون ، رحمه الله ، قائلاً: «اِعلمْ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى اعتمر هذا العالم بخلْقه وكرَّم بني آدم باستخلافهم في أرضه وبثّهم في نواحيها لتمام حكمته، وخالف بين أُمَمِهم وأجيالهم إظهاراً لآياته: فيتعارفون بالأنساب، ويختلفون باللغات والألوان، ويتمايزون بالسِّيَر والمذاهب والأخلاق، ويفترقون بالنحل والأديان والأقاليم والجهات: فمنهم العرب والفرس والروم وبنو إسرائيل والبربر [أيْ: الأمازيغ]. ومنهم الصقالبة والحبش والزنج. ومنهم أهل الهند وأهل بابل وأهل الصين وأهل اليمن وأهل مصر وأهل المغرب. ومنهم المسلمون والنصارى واليهود والصابئة والمجوس. ومنهم أهل الوبر وهم أصحاب الخيام والحلل وأهل المدر وهم أصحاب المجاشر والقرى والأطم. ومنهم البدو الظواهر والحضر الأهلون [...] ؛ خَالَفَ أجناسَهم وأحوالَهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار خصوصياتهم ونحلهم، فتظهر آثار القدرة وعجائب الصنعة وآيات الوحدانية ، إنّ في ذلك لآيات للعالمين» . [ تاريخ ابن خلدون: 2/7- 8 ].