كواحد من متبني ثيموزغا (الآمازيغية كتوجّه أو l’Amazighité) في نطاق إحدى أكثر المناطق إستراتيجيةً، أهمّية وحساسية بالنسبة للتوجه برمته وأقصد بلاد ءيشاويّن، أجدُ نفسي، وهذا ما يجب، ملزما أخلاقيا بالمشاركة ولو بتساؤل في عملية إخراج مشروعِه.
بـ”الإخراج” أقصدُ تلك العملية المؤسّسة، طويلة المدى، ذات النمطية التراكمية التي تقتضي في جوهرها وضعَ عناصر الطبخة، إن صحّت التسمية، كلّها في قدر واحدة والنفخ على النّار. لا يعني هذا أن أكون أحد الفاعلين، أو البارزين في هذا العرض، فأنا مجرّد متفرّج .. متفرّج يسمحُ له بالمرور إلى ما وراء الكواليس غالبا.
01 | الحركة الآمازيغية في آوراس: أيّ حركة وأيّ آمازيغية؟!
بحكم الأزمة التي يعانيها مفهوم الثقافة في العالم المعاق حضاريا، وفي بلاد ءيشاوين خاصة، جُعلت الهوية مسألة “عاطفية” لا تعدوا الأطروحات المتعلّقة بها مجرّد تنفيسات إستلابية استعلائية مرَضية أو تأوّهات من موقع ضحية. وسواء أكان المنبر جريدة أو وسيلة إعلام رسمية وطنية لمعادي الآمازيغية، أو مطوية غير رسمية لحركة مناصريها، فإنّ تراكمات الفصيلين، لعبت دورا أساسيا في بلورة الوعي بهكذا قضية حساسة ومصيرية، نحو زقاق ضيق مظلم. وبما أنّ (النخب) عاطفية، على أيّ حال سيكون الرأي العام؟
لهذا فإنّ الآمازيغية، شأنها شأن الطروحات المعادية لها، ليست بعد محلّ نظر وتأمّل وقول وردّ، من قبل النّخب، فمجموع المفاهيم المحيطة بها، والنابعة منها، والمحيلة إليها، والمضادّة لها، إلى اليوم مشرّدة بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى على الألسن والقصاصات، والفلاشات، دون أدنى محاولة لجمعها على الأقلّ في بادرة لخلق مادة استقطاب وبحث، كأي توجه في العالم.
ومع أنّ الآمازيغية هي التوجّه الأكثر إثارة للجدل على جميع المستويات، والأضعفُ تأسيسا وتنظيما وهيكلة على الإطلاق، خاصة في بلاد ءيشاويّن، إلّا أنها تواصل تواجدها المحتشم نوعا ما، وترفض الزّوال، ومردّ هذا طبعا ليس إلى وعي جماعي متزايد، أو موجة تحرر فكري متصاعدة، بل إلى طبيعة حركتها التي تميّزت بطابع قبلي جهويّ وإن كانت الفكرة مرفوضة في الظاهر من قبل متبنيها.
وعليه أتساءل مرّة أخرى: أيّ آمازيغية؟…
الأمازيغية اليوم، كمفهوم، عبارة عن كيان هلامي – شأنها شأن المنظومة الفكرية للحركات الدينية – غير محدّدة المعالم، ولا الاتجاهات ولا الملامح بعبارة أبسط: لا نعلم موقف آمازيغيتنا من الدّين، من الدولة، من الآخر، من الأنا .. لا نعلم أهي إثنية أم لغوية أم ثقافية أم سياسية .. لا نعلم منهجها في استقراء التّاريخ، ولامدرستها الفلسفية، ولا مواقفها الأدبية .. لا نعلم نظرتها تجاه الدّين، أو التديّن أو الدولة أو الشعب أو الأمّة .. لا نعلم أهي علمانية أم دينية…
فقط لا نعلم!
…
لظروف ومعطيات كثيرة لا يمكن الحكم على الحراك الآمازيغي في آوراس، كحركة في هذا المقام، لأنّ مسيرة فاقت الأربعين سنة لا يمكن الإدلاء برأي فيها عبر كلمتين، لكن انطباعي الشّخصي حولها أنها كانت ثم اندثرت وهاهي تحاول أن تعود. وحتّى عندما كانت، ولأنها لم تخلّف أثرا، ولا تركت بابا مفتوحا وراءها، في ما سبق من تساؤلات، فكأن لم تكن. هي تلك الحركة المطلبية الثقافية، كما تصف نفسها، التي لم تستطع لسبب أو لآخر أن ترسم طريق المطالبة للأجيال القادمة، ولا أن تخلّف ثقافة بعينها.
02 | ثقافية أو سياسية؟!
على صعيد آخر فإنّ النقاش الّذي غالبا ما يحتدمُ حول الإطار الذي يجبُ أن تتموضعه الآمازيغية كتوجّه، والسبل النضالية التي يجب انتهاجها، يعدّ نقاشا مثمرا بكل المقاييس: فالتساؤل أهي سياسة أم ثقافة، إنّما هو في جوهره بداية مرحلة تحدّد المعالم، وسيختار تبعا لهذه النقاشات التي أرجوا أن تتواصل في فضاءاتها ونظمها وأطرها الخاصّة كلّ منّا طريقا، تؤدّي كلّها نهاية إلى هدف واحد. وهذا هو المطلوب تحقيق المعادلة الصّعبة: “كل الأشياء تدور في فلك : الآمازيغية”. لذا فالتساؤل أثقافة أم سياسية؟ باشرة خير أتمنّى أن تصدُق وتثمر.
03 | هل نحن غاشي؟!…
يري البعض منّا أنّ علينا أن نهتم فقط باللغة والتاريخ والتراث الآمازيغي بوصف التوجّه ثقافيا، متناسين أنّ الثقافة ليست استعادة الماضي، بل فتح نافذة نحو المستقبل. بينما يرى آخرون أنّ علينا فقط أن نكثر من أكل ءابربروش في بيوتنا والعودة إلى ءيمسندا وشرب اللبن وأكل الرّغدة، بحكم أننا ندافع عن (هويتنا) ونمط معيشتنا، ويرى آخرون ويرى هؤلاء ويرى …
بين ثنايا كلّ رأي من الآراء الكثيرة المختلفة حول هذا الموضوع، هناك شيء مثير للاهتمام، ومسترع للانتباه، لكن كحال حركتنا وآمازيغتنا، لا وجود للكلّ : فقط طلقات عرّاسي وأوراق متناثرة مشرّدة تهوي في يوم عاصف من على قمة جبل.
شخصيّا، آمازيغيّتي ليست إلّا قاعدة: مجموعة ثوابت قومية وسياسية وأدبية وفلسفية، تشكّل حين استقرارها في قاع العقل الجمعي للشعب الشاوي، والأمّة الشمال إفريقية منصّة انطلاق لبناء وطن حقيقي. يسعى متبنّوها عن وعي لتوظيف معارفهم ومجهوداتهم، وحتى صورهم الكثيرة بالأعلام وعلامة الأصابع الثلاثة، في خدمة عملية التمهيد لبناء حضارة: عبر البحث، والإنتاج، والنّشاط في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية والسياسية وبيئية والإنسانية… مسخّرين قدراتهم في تنظيم مهيكل، أفقي، مدروس، في خدمة التّوجه عبر الإعلام والإعلام البديل، والجسد المدني، والسّاحة الثقافية، والسياسية والاجتماعية.
إمّا ذلك وأعني : “حركة” بكلّ معنى الكلمة تعنى بإخراج “مشروع مجتمع” لحراكنا الآمازيغي في بلاد ءيشاوين، والجزائر، والشمال الإفريقي، أوإمّا فإنّنا لا نعدو مجرّد غاشي.
ڨاسمي فؤاد – مدوّن
