الأمازيغية الاقتصادية
الحديث عن الأمازيغية هنا هو حديث عن اللغة وليس شيء آخر و الحديث عن الأمازيغية الاقتصادية هو حديث عن تصورنا للأمازيغية التي نريد.
“آش أتعطينا هاد الأمازيغية ؟!” كثيرا ما يقابل النشطاء الأمازيغ بهدا السؤال الإستنكاري في نقاشاتهم. سواءا من طرف العامة، من طرف خصومهم الإديولوجيين، أو حتى من طرف بني جلدتهم من الأمازيغ الغير الحاملين لأي توجه سياسي أو فكري معارض. ويطرح غالبا كحجة دامغة وجب بناءا عليها التخلي عن مطلب الأمازيغية والرضوخ للهيمنة الثقافية السائدة في شقها اللسني. وهو استنكار مبني عن جهل.
علاش ما عطاتناش الأمازيغية ؟
للإجابة على التساؤل، وجب أولا أن نتفق على أن اللغة كنسق و كبنية ليست رأسمال. إنما تفاعل اللغة والمجتمع هو الذي يجعل من اللغة رأسمال ثقافي و يخول للمتحدث بها إمكانية مراكمة الرأسمال ( مادي, ثقافي, أو رمزي ). بالتالي فاقتصاد اللغات يبنى، تبنيه مؤسسات الدولة بالإستثمار فيه كما تستثمر في البنيات التحتية بالرباط و طنجة، وتهمشه كما تهمش البنيات التحتية في الأطلس والجنوب الشرقي. كما يبنيه الأفراد بإنتاجاتهم في ظل توفر الشروط المناسبة للإنتاج وإدماج اللغة المعنية بالأمر.
فالدولة إذن عن طريق آلية التهميش والإستثمار هي التي تحدد من بإمكانه تحويل مورده اللسني إلى رأسمال ثقافي يمكنه من مراكمة أنواع أخرى من الرأسمال ومن يضحى مورده اللسني من دون قيمة في سوق اللغات، وأكثر من ذلك عائقا أمامه من أجل المشاركة في أي نشاط إقتصادي كان (سواءا كمنتج او مستهلك).
الأمازيغية في السوق اللغوية الوطنية
السياسات اللغوية العنصرية التي نهجتها الدولة المغربية مند الإستقلال والمتمثلة في الإقصاء الممنهج والتام للأمازيغية (بالتالي الأمازيغ)، و اعتبار كل من العربية و الفرنسية اللغتين الشرعيتين للنظام أدى إلى جعل الأمازيغية عملة من دون قيمة في السوق اللغوية الوطنية مقارنة بنظيراتها الفرنسية و العربية. بحيث لم تضحى فقط المشاركة في أي نشاط اقتصادي شبه مستحيلة للفرد الناطق بالأمازيغية (monolingual)، بل أضحت المشاركة في الحياة العامة شبه مستحيلة ما لم يتبنى هدا الفرد (قسرا) خيار ثنائية اللغة (bilingualism).
فالأمازيغية لوحدها لن تمكنك من الحصول حتى على شغل كحارس (عساس) لإحدى الفيلات بالرباط، فما بالك بمناصب مدرة لدخل محترم في مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص. ويعتبر هدا الحصار الإقتصادي للناطقين بالأمازيغية عن طريق السياسات اللغوية من أهم المرتكزات التي راهن عليه بعثيي و إسلاميي المغرب للقضاء على الأمازيغية كلغة في أفق تعريب شامل للإنسان والمحيط و الحياة العامة. فليس للأمازيغية من سلطة سياسية تدعمها، ولا سند ميتافيزيقي تتكأ عليه. فأضحت وضعية الناطقين بالأمازيغية في المغرب كوضعية المهاجرين في جميع بقاع العالم، وجب عليهم تعلم العربية والدارجة والفرنسية إن هم أرادوا الإندماج في المجتمع أولا، ثم المشاركة في الحياة الإقتصادية او السياسية ثانيا.
فبملاحضة بسيطة للتوزيع اللسني على مستوى مختلف مجالات إستعمال(domain) اللغات بالمغرب ( المصنع، الإدارات، المسجد، الشارع، الخدمات، البيت، الحكومة، القصر …) ستتضح للفرد وبالملموس التراتبية اللغوية المؤسسة التي تجعل من الأمازيغية رهينة البيت والتواصل البيني بين الناطقين بها، وكيف أن النظام نجح عبر سياساته اللسانية إلى تحويل التعددية اللغوية إلى فوارق (inequality).
تبعات أخرى
على المستوى الثقافي، و أخدا بعين الإعتبار معطى أن هيمنة أية لغة كانت لدى الفرد تتحدد أساسا بقيمة هذه اللغة من حيث دورها في التقدم في الهرم الإجتماعي، أنتجت لنا السياسة السالفة الذكر التي جعلت من الأمازيغية في أسفل التراتبية اللغوية من حيث الرأسمال مجموعة من الإشكالات على مستوى الفهم. فإلى جانب أصحاب “آش أتعطينا هاد الأمازيغية”، يوجد كذلك أصحاب “الأمازيغية ليست لغة” ، ومن يتوهم أفضلية لغة على أخرى، ومن يخشى التحدث بالأمازيغية جهرا باعتبارها مظهرا من مظاهر الدونية، وأمازيغ غير ناطقين بالأمازيغية، وغيرهم.
الأمازيغية رسمية: بأي معنى؟
أكيد هو أن ترسيم الأمازيغية الذي ترمي إليه الدولة هو ترسيم رمزي وفقط. ترسيم يكرس من واقع حال الأمازيغية كلغة “مكاتوكلش الخبز”. ترسيم لن يغير شيء في ميكانيزمات التعريب والإقصاء, في حين نحن نريدها أمازيغية اقتصادية.
هشام بويحولين-المغرب