إلى بن غبريط .. الوضع الكارثي الّذي يعانيه قطاع التربية في خنشلة لا يحتمل مراسيم الإيتيكيت
إلى السيّدة : د. بن غبريط نوريّة
وزيرة التربية الوطنية
تحيّة وبعد؛
السيّدة الوزيرة؛ لا أظنّ الوضع الكارثي الّذي يعانيه قطاع التربية، ككثير من القطاعات، في ولاية خنشلة، يحتمل المقدّمات والمجاملات والتّحايا، ومراسيم الإيتيكيت الاعتيادية، ولا عمليات التّجميل التي يمارسها الموظّفون بقطاعك والقائمون عليهم على حدّ سواء، كما جرت بهم العادة. ورسالتي هذه، التي كتبتها على أمل أن تصلكِ خلال زيارتك لولاية خنشلة، ليست إلّا مبادرة لإيصال جزء من صورة، عن الواقع الذي أظنّ، وأتمنّى، ألّا علم لكِ بتفاصيله وحجمه الكارثي، حقيقة، لعلّكِ تضعين الولاية محلّ اهتمام، وتحاولين إصلاح ما يمكن إصلاحه، خلافا لسابقيكِ.
أحاول من خلال هذه النّقاط الاختصار في عرض وضعية قطاع التربية، ومختلف مؤسسات التربية والتعليم، وحالة التلاميذ، والأساتذة في ولاية خنشلة، من موقعي كناشط ومدوّن ومهتمّ بالشّأن الثقافي في ولاية خنشلة ومنطقة آوراس آمقران.
فيما يتعلّق بـ”الأقسام الموّحدة” بالابتدائيّات؛
من الغريب حقّا أن تستمرّ منظومة الأقسام الموحّدة، في المدارس الابتدائية، التي لا يتلقّى فيها التلاميذ إلّا مادّتي اللغة العربية والرّياضيات (في حالة ولاية خنشلة) ويحشدُ تلاميذ من مستويات مختلفة في قسم واحد ويدرّسهم جميعا أستاذ واحد!
وبوصولهم إلى امتحانات شهادة التّعليم الابتدائي، التي من المفترض أنْ يجتازوها فقط في المواد التي درسوها، يقفز بعض المسؤولين على ذلك، ويفضّلون عدم الإدلاء بذلك رسميّا عبر الوثائق، ويجتاز التلاميذ الامتحان في بقيّة المواد صوريّا، حيث يملي معلّمون الإجابات على التلاميذ (وهي حالة سجّلت في مركز امتحان متوسّطة مفتاح رمضان ببلدية أولاد رشّاش خلال امتحان شهادة التعليم الابتدائي في السنة الدراسية الفارطة 2014/2015)، وليس هذا إلّا تزييفا للنتائج، يؤثّر طبعا على التقارير النّهائية ويضخّم نتائج التلاميذ، ويخلّ بكلّ تأكيد بتقييم المستوى الحقيقي للتلاميذ بالولاية، بل يجعله مستحيلا.
تلاميذ هذه الأقسام (الموحّدة)، وبانتقالهم إلى المستوى المتوسّط، يجدون أنفسهم جنبا إلى جنبا في مستوى واحد مع تلاميذ زاولو دراستهم في أقسام عاديّة وتلقّوا كامل المواد المبرمجة، دون أدنى جهد لاستدراك ما فاتهم من قبل الإدارات، عدى بعض المحاولات الشخصية لأساتذة ذوي دوافع إنسانيّة لدعم أولئك التلاميذ فيما فاتهم، خاصّة في اللغة الفرنسية. و لا يخفى على أحد أن التلاميذ في ولاية خنشلة على وجه الخصوص، ومنطقة آوراس آمقران عموما، يعانون من ضعف قاعدي في اللغات الأجنبية، التي هي لبّ التعليم الجامعي، والمستقبل الآكاديمي بأكمله.
فيما يتعلّق بالنّقل المدرسي؛
يعاني تلاميذ الأرياف الكثيرة في الولاية، من أزمة في وسائل النّقل التي إن توفّرت فإنها حافلات تابعة للبلديات، في حالة مهترئة غالبا، لا تصلح للاستعمال الآدمي (مثال : حالة وسائل النقل المخصصة لتلاميذ الأرياف المحيطة ببلدية قايس) كما أّنّ هذه الحافلات تضطر إلى نقل التلاميذ على دفعات، لأنّها في غالب الأمر لا تكفي لنقلهم جميعا. وفي حالات أخرى، في غياب وسائل النّقل، يضطرّ تلاميذ الابتدائيات والمتوسّطات إلى التنقّل مشيا على الأقدام لمسافات طويلة للوصول إلى مؤسساتهم (مثال: حالة تلاميذ الأرياف المحيطة ببلدية يابوس)، بينما يتنقّل تلاميذ آخرون متطفّلين على وسائل النّقل الخاصة hitchhiking للوصول إلى مدارسهم، مما يعرّضهم لأخطار جسيمة، إناثا وذكورا (مثال: حالة تلاميذ الأرياف المحيطة ببلدية الحامّة).
فيما يتعلّق بالنّشاطات اللاصفيّة؛
لا تفسح، تقريبا، أيّ مؤسّسة تربوية بولاية خنشلة المجال ولا تقوم بمبادرة لإقامة نشاطات لاصفيّة تحتوي التلاميذ وهواياتهم وتقنّن ميولاتهم، على جميع المستويات (خاصّة المتوسّط والثّانوي). والأمر يتعدّى ذلك إلى خلق نشاطات وهميّة صوريّة (على الورق)، وهو تزييف يؤثّر طبيعة على تقييم وضعيّة التّعليم. يضاف إلى ذلك رفض المسؤولين، سواء مدراء المؤسسات أو المسؤولين في مديرية التربية لولاية خنشلة، إشراك أيّ جمعيّات ثقافية محليّة في ذلك، وسدّهم لأبواب النّشاط الثقافي (سجّلت حالات رفض شفهي من قبل بعض المدراء، وحالة مماطلة وتهرّب بعد وعد شفهي من قبل مدير التّربية) لأسباب تبقى مجهولة.
فيما يتعلّق بمتابعة المتمدرسين؛
تعاني كثير من المؤسسات التربوية في ولاية خنشلة، إن لم تكن كلّها، من غياب المتابعة النفسية والاجتماعية خاصّة لتلاميذ المتوسّطات والثّانويّات في مرحلة المراهقة.
وذلك ما يظهر أثره جليّا في سلوكات تلاميذ هذه المراحل، وانتشار مظاهر ومؤشّرات خطيرة؛ ميول إلى العنف، وتعاطي المخدّرات داخل وخارج محيط المؤسسات، وملاحقة المراهقات القاصرات من قبل بالغين أمام المؤسسات، وانحرافات سلوكية لدى شريحة واسعة من التلاميذ، ذكورا وإناثا.
هذا إضافة إلى غياب أدنى متابعة أو تكفّل بالتلاميذ ذوي الأوضاع الاجتماعية الخاصّة والسيّئة، عدى مبادرات بعض الأساتذة لدوافع إنسانيّة في ظلّ غياب تامّ للإدارة، ولمديرية التربية عن المشهد. كذا والتّسرب المدرسي الذي يعرف تزايدا رهيبا في السنوات الأخيرة، دون أدنى متابعة أو محاولة فهم من قبل الإدارة.
فيما يتعلٌّق بنشاطات الأساتذة خارج مناصب عملهم؛
تفشّت في السنوات الأخيرة، ظاهرة الدّروس الخصوصية مدفوعة الأجر حدّ الانفجار بولاية خنشلة، فبعض الأساتذة، خاصّة أساتذة المواد الأساسية في المرحلة الثانوية : الأدب، الفرنسية، الإنجليزية، الفلسفة، الرّياضيات، العلوم، الفيزياء؛ اتّخذوا من الدّروس الخصوصية، التي تقدّر أرخص أسعارها بـ 1500 دج شهريّا عن كلّ تلميذ، مهنة أخرى إلى جانب وظيفتهم. بل إنّ الأمر يتعدّى ذلك إلى تعمّد كثير منهم التقاعس عن شرح الدروس في الأقسام الرسمية، في مؤسساتهم التربوية، من أجل جلب “زبائن” أكثر، حتّى أصبحت هذه الدّروس عبئا يثقل كاهل الأولياء، وهاجس لتلاميذ الامتحانات المصيرية، ومصدر ربح سريع للأساتذة الّذين اتّخدوا من مباني كبيرة مدارس موازية، لتلاميذ شهادة الباكالوريا والتعليم المتوسط؛ دون أن أنسى الدّروس الخصوصية الفردية التي يصل سعرها إلى 12000 دج شهريا.
زيادة على ذلك، يعمل بعض الأساتذة على نشر أفكار خطيرة في أوساط التلاميذ (سجّلت حالة أستاذ تعليم ثانوي بثانوية الشّهيد عثماني ابراهيم، بلدية قايس، تحوّل إلى داعية إلى المذهب الوهّابي، وحاول إجبار التّلميذات على ارتداء الحجاب) (كما سجّلت حالة أستاذة تعليم ثانوي بثانوية شرقي زراري، بلدية باغاي، قامت بفتح مقهى إنترنت Cyber café خارج المؤسسة، ومنعت فيه الاختلاط بين الجنسين، وجعلت من نفسها داعيّة للمذهب الوهّابي، علما أن معظم زبائنها تلاميذ في المؤسسة التي تدرّس بها).
فيما يتعلّق بوضعيّة تعليم مادّة اللغة الآمازيغية في ولاية خنشلة؛
وضعيّة تعليم مادّة اللغة الآمازيغية في ولاية خنشلة، أكثر من كارثية؛ فعلى مستوى الولاية، لا يوجد غير أستاذين للمادة، بمتوسّطة بلّفضل بايزيد – بلدية الحامّة، أولهما مستخلف منذ خمسة أشهر، والثانية تدرّس المادة منذ قرابة ستّ سنوات ولاتزال في وضع الاستخلاف، نظرا لعدم وجود مفتّش لغة آمازيغية بولاية خنشلة، وعدم انتداب مفتّش من ولاية أخرى لترسيم الأساتذة، ناهيك عن حرمانهم من الاستفادة من الزّيارات التوجيهية والنّدوات والتّكوين.
هؤلاء الأساتذة الذين تعرّضو لمختلف أنواع المضايقات من قبل الإدارة في وقت سابق، فمادّة اللغة الآمازيغية لا تدرج في رزنامة الامتحانات الرّسمية، كما يتمّ الضّغط على الأستاذ بتخصيص آخر الحصص من كلّ يوم للمادة، ومعاملتها كمادة ثانوية، ما يجعل التّلاميذ الذين يعلمون أنّها اختيارية أصلا، يتهاونون في دراستها.
هذا إضافة إلى قيام إدارة ثانويّة “عڨون صالح بن بوڨرة” بتوقيف تدريس المادّة رغم وجود أستاذها بمنصبه، في مطلع السنة الدراسية الجارية، ورغم رغبة التلاميذ في دراستها، خاصّة التلاميذ الذين انتقلوا من مرحلة المتوسّط، دون أدنى تبرير من الإدارة.
عدى هذا فلا وجود لمادّة اللغة الآمازيغية في بقية مؤسسات الولاية ذات التعداد السكاني الذي يجاوز 400 ألف نسمة، وتبلغ نسبة الناطقين بالآمازيغية فيها (في متغيّرة تاشاويث) أكثر من 95 بالمئة؛ وهذا زاده سوءا غياب الدّور التحسيسي إيجابا بتعليم اللغة الآمازيغية، من قبل المؤسسات ومديرية التربية على حدّ سواء، والّتي لا تبذل أدنى جهد لتوعية أولياء التلاميذ وتغيير الأفكار المسبقة المغلوطة حول الآمازيغية التي نُشِرَت في فترات سابقة.
يضاف إلى هذا أنّ القانون الذي يتمّ تدريس مادّة اللغة الآمازيغية بمقتضاه في ولاية خنشلة، غامض، وغير واضح بالمرّة، فلا وجود لآجال للتسجيل، ولا تقنين لاستمارات الرّغبة.
والغريب، بل المشين، أنّ مديرية التّربية لا ترسل استمارات الرّغبات في دراسة مادة اللغة الآمازيغية، الّتي تفتح على أساسها الأفواج والمناصب، إلى المؤسسات (حسب تصريحات كثير من المدراء الذين تم الاستفسار منهم حول عدم تقديم استمارات الخيار في معظم بلديات الولاية). بل وتصّر المديرية على شرط الطلب الاجتماعي (كما صرّح مدير التربية في لقائي به شخصيّا) بينما لا تبذل أدنى جهد في التّحسيس بضرورة تعليمها، كما هو مفترض بها، إضافة إلى أنّ المديرية، تملّصت من إقامة درس نموذجي في مادّة اللغة الآمازيغية بالمدرسة الابتدائية بدرة مسعودة ببلدية قايس، رغم تقديم طلب رسمي من قبل الجمعية الثقافية “ثاخّامت ثاوراسيث” لحماية التراث الأوراسي لولاية خنشلة؛ عبر المماطلة والتحجج بغياب المدير ومسؤولي المصالح المعنية، مع أنّ الطلب قدِّمَ وسُجِلَ رسميا في سجلات المديرية 12 يوما قبل تاريخ الدّرس النّموذجي (في إطار تظاهرة رأس السّنة الآمازيغية ينّار قايس 2966 التي أقامتها الجمعية).
المشكل العويص الآخر الذي يعانيه أساتذة اللغة الآمازيغية في ولاية خنشلة ومنطقة آوراس آمقران ككلّ، هو غياب الوسائل البيداغوجية وخاصّة الكتاب المدرسي، الذي كان من المفروض وفق خطّة وزارة التربية الوطنية، أن يكون بمتغيّرة “تاشاويث” في بلاد إيشاويّن، في سياق تعليمها بالمتغيّرات المحليّة مبدئيا. وإلى اليوم يقوم الأساتذة ببذل جهود زائدة في “ترجمة” النصوص والمستندات التربوية من متغيّرة “ثاقبايليث” (الّتي لا تتوفّر الكتب المدرسية إلّا بها) إلى متغيّرة “ثاشاويث”.
السيّدة الوزيرة؛ هذه باختصار “بعض” المشاكل التي يعانيها قطاع التربية في ولاية خنشلة، والّتي ارتأيت أن أوصلها إليك بهذه الطّريقة التي قد تبدو غير اعتياديّة، ولكنّها أكثر من ضرورية، لأنّي أؤمنُ، بصراحة، بأن مواطنا في موقعكِ بخلفيّتك الآكاديمية، يمكنُهُ إذا توفّرت لديه المعطيات أوّلا والوسائل ثانيا أن يغيّر، الكثير، إلى الأحسن في هذا القطاع، الذي جعل تدهوره في منطقة آوراس آمقران، من الشباب فيها خزّانا للسّجون، والوظائف “البسيطة” وأفرغه تدريجا من الطّاقات الإبداعيّة والإنتاجات الثّقافية والفكرية والإطارات والآكاديميين، وأمال كفّة ميزان الطّاقة البشرية في دزاير بأكملها، نحو السالب.
في الختام؛ لكِ منّي فائق الاحترام والتّقدير، دكتورة بن غبريط.
ڨاسمي فؤاد : ناشط ومدوّن