نذير جبّار؛ شاويّ عاشق .. بالألوان!
ستشعرك للوهلة الأولى لوحات كـ ⵝⴰⴱⵔⴰⵜ ثابراتّ (الرّسالة) للفنّان الشّاوي “نذير جبّار” برغبة جامحة في تعلّم لغته وقراءة حروفه، لا اللغة الشاويّة الآمازيغية الّتي امتهنَ تعليمها لستّ سنوات، ولا حروف “تيفيناغ” الّتي ترسم خيالاته وتؤطّر تعابيره وتحكم رسوماته! بل لغة إبداعاته ذات الأسهم المتنافرة المتجاذبة والوسوم الشّاوية الصّارخة، وحروف ألوانها الطّبيعيّة جدًّا .. فوق الطّبيعة.
ذلك كان إحساسي عندما وقعت عيني للمرّة الأولى على تلك اللّوحات التي اكتشفتها عندما طلب منّي أحد النشطاء في مدينتي (إيمي نوڨيس – قايس) تصميم ملصق لاحتفاليّة ينّار 2961 الّتي أقيمت بـ: آرّيس، واقترح عليّ استعمال إحدى لوحاته، فكانت الدّهشة. لم أتصوّر أن جماليّة خطّ تيفيناغ الذي كنت حديث عهد به – بصراحة – يمكن أن تقارب هذا المدى من التألق، فقد نشأت كغيري من الشّباب في دزاير على تذوّق الخطّ العربي فقط لا غير، وكان تيفيناغ بالنّسبة إلى كثير من أقراني، ولي قبل ذلك، شيطانا مصطنعا لا روح فيه كما أقنعتني “المنظومة”.
ولد نذير جبّار، الفنّان العصامي، في السّابع من سبتمبر 1972 بـ “ثيكرشت” أو عين كْرْشا، بولاية أم البواقي “ماقوميذاس – Makumidas” لعائلة شاويّة ناطقة بـ”هشاويث” كما هو حال أبناء مدينته جميعا، إلى اليوم. وشُغف بالرّسم منذ طفولته، فرسم بقلم الرّصاص، وأبدع في الكاريكاتور، وانساق وراء عشقه للرّسم، إلى أن التقى لأوّل مرّة بحبيبته. يقول دّا نذير:
Rien n’est immuable, tout est en mouvement constant … comme l’identité d’un peuple est une juxtaposition des déférentes strates au fil des siècles (1)
لا شيء غير قابل للتحوّل، كلّ شيء في حركة دائمة … كما هويّة شعب؛ هي تجاورٌ لطبقات مختلفة عبر القرون.
كان أوّل لقاء بينهما صادما، لا أظنّه كان يتوقّع أن يغيّر هذا الحبُّ حياته بتلك الطريقة، ويجعله يدفع ثمنا غاليا، ليعيش من أجله مهمّشا لا لشيء إلّا لأنّه أحبّ… كان تلميذا في الثّانويّة، عندما عرّفه زميل له في الدّراسة عليها … إنّها حروف “تيفيناغ”. تحوّل منذ ذلك اليوم نذير جبّار إلى متصوّف يتوحّدُهُ حرف تيفيناغ في كلّ لوحة، وسكنة وحركة؛ وقرّر منذ ذلك الحين أن يتبعه أينما سار به. رغم أنّ قصّة الحبّ الملوّنة هذه كان، ولا يزال، لها ثمن باهض جدّا إلّا أنّه يأبى التّخلّي عنها أيّا كانت الأسباب.
يستعمل الفنّان نذير جبّار تقنية “الكولاج” le collage أو الفنّ التلصيقي، المتأرجحة بداياتها الحداثيّة في الرّسم بين بيكاسو وبراك .. قصاصات صحف، أغراض مختلفة، أصبغة وضربات ريشة محكمة … وخيال جامح تتلاصق على أقمشة بسيطة لتتجلّى تيفيناغيّةً، بخطٍّ بهيّ ساحر، ليس كمثلها شيء، تأسرك من النّظرة الأولى، وتستفزّ حتّى حلمات التذوّق في الألسن، لتنطق شاويّةً تحيي الوسوم والوشوم والأنماط والحروف الآوراسية بامتياز.
وينتمي نذير جبّار إلى حركة الفنّانين الملتزمين في بلاد إيشاويّن، الّذين اشتغلو على الهويّة الآمازيغية، وشكّلو الجناح الفنّي للحراك الآمازيغي في بلاد إيشاويّن، وقدّمو أرقى الإبداعات الهوياتية في الموسيقى والرسم والنّحت والمسرح؛ أنارت، تنير، درب الماضين إلى نفس الغاية بألوان من نور. وقد شارك في عدد من المعارض داخل دزاير وخارجها، إحدها معرض مع مؤسسة معطوب الونّاس بحفل الإنسانية سنة 2002، وآخرها معرض أقيم على هامش احتفالية ينّار ماقوميذاس 2966. لكنّ التّهميش الّذي تعرّض له لفترات طويلة، فنيّا ما أثّر على مسيرته وأعاقها، ومهنيّا ما أدى إلى توقيفه عن تدريس مادّة اللغة الآمازيغية التي كان أستاذا لها بين سنتي 1997-2002 يواصل حربه عليه، أمام إصراره هو الآخر بعناد الشّاوي المعروف على الاستمرار… ويستمر، إلى اليوم، نذير جبّار الفنّان الإنسان الشّاوي، في العطاء دون توقّف في سبيل حبّه لحرف تيفيناغ من أجل مستقبل أكثر وعيا وإشراقا وهويّة لابنته الوحيدة، وأمّه الوطن : نوميديا.