ميمونة التي تعرف الله، ميمونا التي لا نعرفها
لالة ميمونة الحكاية التي سمعتها أول مرة من عمة والدتي، بعد محاولتي تصحيح صلاتها واقتباسها الرد من حكاية لالة ميمونة التي عاشت نفس الواقعة:
ميمونا تسن ربي، ربي يسن ميمونا.
فمن تكون لالة ميمونة؟
حكاية أو حكايات لالة ميمونة تروج في كل ربوع المغرب و هي على تنوعاتها ذات أساسات متشابهة رغم الاختلافات، يمكن تلخيصها في امرأة تتعبد الله بقلبها (النية) لأنها لم تستطع تعلم العبادات الإسلامية ورغم ذلك كانت ذات كرامات، وظل ردها على من أتعب نفسه في تعليمها إقامة الصلاة دون جدوى متواترا بألسن مختلفة.
أكاديميونا لم يكونوا لينتبهوا إلى الحكاية لو لم يدرسها الأنتروبولوجيون الأوربيون باعتبارها حكاية أو أسطورة أمازيغية، ودراساتهم المغرقة في البيبليوغرافيا اعتبرتها ولية وصوفية، وحاولت البحث عن شخصية حقيقية محددة تاريخيا لنسبتها إليها…
ربما الالتباس الحاصل الذي جر البحث في من تكون لالة ميمونة إلى هذا المسار ناتج عما يمس الرواية الشفهية ويعلق بها مما ليس من صميم الحكاية الأصل، فترد لدى البعض الحكاية بحيث لشخصيات تاريخية من أولياء وصلحاء أدوار في أحداثها كسيدي عبد اجليل ومولاي بوسلهام.
فهل يمكن البحث في مسار آخر غير نسبة شخصية لالة ميمونة إلى هته الصوفية أو تلك، أو إلى هته الطريقة أو غيرها، بالتركيز على مغزى الحكاية الذي جعلها متواترة لأجيال وقرون، وهو مسار تفرضه ملاحظات:
– تعدد أماكن تواجد لالة ميمونة.
– وحدة الحكايات في نقطة ناظمة هي ردها بجملة: ميمونة كاتعرف ربي، ربي كايعرف ميمونة، رغم تعددها وتنوعها.
الاسم:
تسمى الأمازيغ بأسماء عربية كثيرة، لكن الأكثر انتشارا منها كانت ذات صبغة دينية، كأسماء الرسول وبناته ونسائه وعائلته وأسماء الصحابة الأقربين، ورغم أن زحف الأسماء العربية على الأسماء الأصيلة كان على مراحل وبالتدريج، فإن انتشارها لم يكن متساويا فإسم خالد لم يكن رائجا بقدر علي مثلا، ورغم أن ميمونة كانت إحدى نساء الرسول، فلا هي ولا شخص اسمه ميمون ذوي أثر في التاريخ الإسلامي، مما لا يفسر انتشار الاسمين عند الأمازيغ.
من خلال الملاحظات:
– بالنسبة لليمن وما يقاربه من حظ نجد أن الكلمة المستخدمة والقريبة البركة و الفأل ولا نجد ما يفيد اليمن…
– توجد تسميات أقدم من اسم ميمونة عند الأمازيغ ك تاميمونت و ميمونت.
لذا فإن نسبة التسمية إلى اسم ميمونة العربي الذي يعني الطيبة المباركة أو الطيبة المباركة الصفة الجالبة للحظ (مادة يمن في المعاجم)، أو أم أيمن يبقى مستبعدا…
المكانة الاجتماعية:
ترد لالة ميمونة في بعض الحكايات أمة وفي أخرى من سلالة ملكية، بالنسبة لاعتبارها أمة يمكن إرجاعه إلى أمرين:
– رسوخ الصورة النمطية عن تسمية الإماء باسم ميمونة.
– ورود اسمها مقرونا بتاكناويت أو لكناوية الذي اقترن في المخيال الشعبي بذوات الأصول الزنجية أو الإماء.
تاكناويت تعني التي لا تتواصل مع محيطها أو مخاطبيها أي الغريبة اللسان بالنسبة لهم، فهل يمكن أن يكون المعنى أن لغتها أمازيغية ما دامت نطقت الجملة (ميمونا تسن ربي، ربي يسن ميمونا) ويكون مخاطبوها على لسان آخر غير لسانها أي أنها أعجمية بالنسبة لهم…
المزارات:
المزارات باسم لالة ميمونة في المغرب كثيرة:
جبل لالة ميمونة في أنيف، والعرائش، والحسيمة، ودمنات، وبجمعة لالة ميمونة قرب مولاي بوسلهام، ولالة ميمونة باكزنناين بالريف، و بإغزران آيت وراين…
طوبونيميا:
هناك الكثير من المنابع والجبال المسماة باسم لالة ميمونة لكن أهم ما يسعف منها في التفسير هي واحة/ مدينة تيميمون في الجزائر، يرجع اسمها إلى تين ميمون الذي حور إلى تيميمون أي في ملك ميمون، هكذا يفسر أصل التسمية بشكل تبسيطي…
ميمونة وميمون:
رسخ الإعلام و مجموعات لكناوي في العقول ارتباط اسم ميمون بالكناوي وأهازيجهم وطقوسهم، ويظهر في طقوس السحر كملك للجان، لذا اعتبرت مزارات كثيرة له أماكن للسحر أو فكه أكثر منها للتبرك، أذكر منها:
ضريح وحمام سيدي ميمون بالقصر الكبير، ومغارات ما يسمى ملوك الجن بمرشيش ومنها لكناوي سيدي ميمون، ومنابع سيدي ميمون طنجة …
الأولياء والأضرحة باسم سيدي ميمون تنتشر في ربوع المغرب، اذكر منها سيدي ميمون ببوحلو، وقرية أركمان ونواحي بركان ولمهاية ووزان وآيت ملول…
يحتاج الأمر إلى دراسة أصولهم وأثارهم وما كتب عنهم، للتحقق من وجود أولياء فعلا لأن ما يثير الانتباه:
- ورود تسمية سيدي ميمون من دون لقب يحيل لصفة أو كرامة كما في الأمثلة بالنسبة لأولياء بأسماء أخرى:
بوقبراين- جبار لبقر- زروق- أبركان، أو نسب لأب أو لبلد أو قبيلة…
– كما يمكن إثارة الانتباه إلى مسالة مهمة، تتعلق باستمرار انتشار اسم مومن حتى العقود السابقة في المغرب والجزائر، الذي يمكن اعتباره بالتفسير البسيط السريع مأخوذا من مؤمن من دون الانتباه إلى أن التسمي به مكروه شرعا
وبالتالي فقد تكون وراء هته الأسماء أسماء ما قبل إسلامية تم تعريبها وأسلمتها.
اللغة:
اسم ميمون وميمونة يحضر عند آيت وراين في تسميات ومعاني لها علاقة بالحظ والعرافة والمستقبل:
– ميمون نش عند آيت وراين تعني سعدك أو حظك وقدرك السعيد وهو ما لم أجد له جذرا عربيا بالمعنى المذكور…
– تعبير آخر متداول إبد ميمون نس، وقريب منه إبد إدس ربي أو إبد ربي نس، فيعوض اسم ميمون بالرب، وتبقى الجملة بنفس المعنى.
– ميمونا إزيلا وهي السرعوف كانت تستشار في معرفة أمور المستقبل.
ميمونا بدل ميمونة:
كان يمكن الأخذ بالرواية (الرسمية) لولا ملاحظات:
– الأسطورة تنتشر أبعد من المغرب في الجزائر وتونس، التي لها أولياؤها عدا مولاي بوسلهام وسيدي عبد اجليل الواردين فيها محليا.
– المزارات ترتبط بالبحر والمنابع والجبال، فحتى أحد ملوك الجان يسمى البحراوي.
ومع إمكانية استمرار المعتقدات القديمة وعيشها من داخل المعتقد الجديد، وتماهيها وتموهها به، يمكن للمزار نفسه أن يتحول من معبد لإله إلى مجرد ولي كانت له كرامات وقدرات، لذا يمكن الركون للتفسير التالي بخلاصاته:
- لالة ميمونة ليست شخصية واحدة بل شخصيات متعددة، وهو ما يمكن تفسيره بتعدد المزارات، والروايات، فتكون رمزا لفئة من النساء المتدينات المنقطعات للعبادة والعرافة في الجبال وعند المنابع .
- الأصل في زيارة سيدي ميمون هو عبادة الإله أمون الذي يذهب الكثيرون إلى أنه إله أمازيغي انتقل إلى مصر وبلاد الإغريق .
- الأصل في تسمية لالا أو يما ميمونا بالعودة إلى تيميمون أي أن الجذر الأخير هو أمون الإله، سيكون التي يملكها أمون أو عبدة أمون، وهذا يفسر حكاية كونها أمة…
- يتعلق الأمر بحكاية فئة راهبات منقطعات لعبادة أمون…
- تجد الحكاية جذرها في دخول دين جديد هو الإسلام شمال إفريقيا ومحاولة فرضه على هته الفئة أو على الأقل تعليمه إياها اختياريا.
- مثل الرد نبض فئة عريضة من المجتمع التي تبنت الحكاية وانتشرت فيها وهو ما يفسر استمرارها و استمرار الكثير من الطقوس والمعتقدات الماقبل إسلامية من داخل الإسلام الشعبي في شمال إفريقيا، ليشرع في محاربتها بدءا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر.الهاشمي وفيق-المغرب