على غير العادة، التي جرت منذ أكثر من 16 سنة، جاء الدخول المدرسي، لهذا الموسم في بلدية الحامة بماسكولا (ولاية خنشلا)، ليضع نهاية لتدريس مادة اللغة الآمازيغية في ثانوية “الشهيد عقون صالح بن بوقرة” تبعا لإرادة أحد “الربوب” الذين تعج بهم إدارات الولاية، وينبسط سلطانهم اللامتناهي على كلّ صغيرة وكبيرة، مقتلعا كلّ ما لا يوافق رغباتهم وأهواءهم وإيديولوجياتهم العشائرية والسياسية، حتى وإن كانت أوامر وزير، أو مراسيم رئيس أو دستور وطن بأكمله.
كانت لمدينة الحامة جولة منذ أكثر من سنة، مع محاولة سابقة لتقليص عدد التلاميذ الدارسين لمادة اللغة الآمازيغية، من قبل إدارة متوسطة “الشهيد بلفضل بايزيد” التي شن أفراد بها، وعلى رأسهم مديرها، حملة دعائية ضدّ مادة اللغة الآمازيغية وأستاذتها، مستغلين علاقاتهم العشائرية خدمة لإيديولوجيات تناقض صريح محتوى الدستور الذي من المفروض أنه عنوان هذه الدولة .. التي أظنها دولة تقنن عيشنا. لكن قدرة قادر، وصمود أستاذة المادة في وجه استفزازات وتلاعبات الإدارة حالت دون تمكين هؤلاء من مبتغاهم.
الكرّة هذه المرة كانت على ثانوية “الشهيد عقون صالح بن بوقرة” التي قرر مديرها في آخر مجلس للأساتذة، السنة الماضية (كما أعلمني مصدر موثوق)، أن يوقف تدريس مادة اللغة الآمازيغية بها، بعد إرضاء “الأستاذ” الوحيد الذي كان يدرّسها في المؤسسة بأحد خيارين؛ إما منصب “ناظر” بنفس الثانوية، أو منصب إداري بمديرية التربية لولاية خنشلة. الأستاذ الذي لم يجب على اتصالاتي الهاتفية المتكررة (واتصالات الكثير من المهتمين) للاستعلام عن الأمر قرر أخيرا (وهذا أغلب الظن) أن يختار المنصب الإداري بمديرية التربية “ويتهنّى من تكسار الراس”. يأتي هذا على مشارف إعلان نتائج اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة فيما يتعلق بتدريس مادة اللغة الأمازيغية، وبعد وعود الوزيرة المتكررة بتعميم تعليمها، وخرجات أمين عام المحافظة السامية للامازيغية المتوالية علينا في الإعلام بقرب تعميمها وتدعيمها وتقنينها، لكنهم أخيرا “كرفسوها”.
وقد أكد لي بعض أولياء التلاميذ المهتمين اليوم، أن اللغة الآمازيغية لم تكن في برامج أبنائهم الأسبوعية، ولم تمنح لأبنائهم أي استمارات، لاختيار دراستها، بينما يظنّ البعض أنّ هناك عجزا في الأساتدة، وأنهم سيستخلفون أستاذا ما لمادة اللغة الأمازيغية، بينما لا يعرفون أنّ المنصب المالي لأستاذ اللغة الآمازيغية في ثانوية “الشهيد عقون صالح بن بوقرة” قد تم تقليصه. من قبل الإدارة ومديرية التربية لولاية خنشلة.
وعلى أنّ وضع المادة تحت بند الاختيارية كان ولا يزال عائقا أمام تعميمها، في ظلّ الدعاية الرسمية التي شكّلت لخمسين سنة، عقدة، ورهابا من الآمازيغية لدى العام والخاص السلطوي، أقصد حاشية النظام، ولكنّها كانت منفذا على الأقل لتدريسها في بلدية الحامة لأكثر من 16 سنة دون انقطاع، بفضل جهود الأساتذة، وبعض النشطاء، ليأتي اليوم عليها أجل فنائها لا لشيء إلّا لرغبة اعترت مدير الثانوية، وإدارته، وعين مدير التربية وموظفيه التي تنظر ولا ترى. أتساءل، كيف يمكن في ظل الحملة الدعائية المجانية التي تقوم بها مختلف وسائل الإعلام لصالح وزيرة التربية والمحافظة السامية للآمازيغية، وحكومة “سي سلّال” ومع كلّ الوعود التي قطعت والتطمينات الرسمية المسجلّة والموثقة التي أطلقها الجميع، من رأس الحكومة إلى وزيرته إلى مستشار الرئاسة إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني، أن يقوم موظّف دولة، مجرّد مدير مؤسسة، بما قام به .. أو أنهم “يهدرو برك .. وواقيل نديو غير الهدرة”.
أليس سلوك موظف الدولة هذا، هدما لكلّ ما تحاول الوزارة بأكملها، وهو أحد موظفيها، أن تبنيه؟ أو أن الوزارة أصلا تدّعي أنها تحاول أن تبني، وأنّنا من السذاجة بحيث صدّقناها .. أم أنه، كبقية زملائه في ولاية خنشلة، وسائر ولايات آوراس آمقران “ربّي” جديد، لم نكن نعرفه، لا يهمه أحدّ وطزّ في الجميع؟…
ڨاسمي فؤاد