منعة تتزيّن للربيع بمهرجان “ثافسوث ثفلزي” السّنوي
بحلول شهر مارس “مغرس” تستقبل بلاد إيشاويّن دخول فصل الرّبيع بطقوس عائليّة أهمّها صنع “لبْراج”. مدينة “منعا” أو منعة كما شاعت كتابتها التّابعة إدارية لولاية باتنة “هباثنت” (باتنا) لها طقوس أكبر صدى واتّساعا، تحوّلت مع السنين إلى مهرجان فولكلوريّ جهويّ بامتياز تستقبل خلاله في بداية شهر مارس مئات الزّائرين الّذين تعوّدوا على الحجّ إليها كلّ سنة من مختلف بقاع بلاد إيشاويّن وحتّى من خارجها، لاغتنام الفرصة الوحيدة تقريبا في السنة للاحتكاك بأهازيج إيشاويّن وتراثهم وفولكلورهم الثريّ، في جوّ عائلي. خلال أيّام 3، 4 و5 مغرس من كلّ سنة تفتح مدينة منعا أبوابها ويتجنّد الجميع لاستقبال الزّائرين، من الفاعلين الجمعويّين إلى ربّات البيوت الكلّ معنيّ بهذا المهرجان.
الطبعة التّاسعة لهذا المهرجان التي نظّمتها “الجمعية الثقافية التراثية ثافسوث منعة” والّتي جاءت كالعادة بهدف “استظهار الموروث الثقافي الشّاوي” بمدينة منعا الّتي يخصّ سكّانها هذه المناسبة بعناية واهتمام فائق لما لها أهميّة على أصعدة عدّة : ثقافية، سياحية، اجتماعية واقتصادية. برنامج هذه الطّبعة جاء متنوّعا: يبدؤه معرضٌ بدشرة منعة، مساء اليوم الأوّل ويستمرُّ خلال اليوم الثّاني بنشاطات متنوعة بين عروض للأطفال : مسرحية، قصصية، شعرية وفكاهية. محاضرات، أشعار، مسرحيّات ثمّ يبدأ المهرجان : في اليوم الأخير يستقبل أهل منعا وفود الجمعيات والفعاليّات المشاركة. صباح آخر يوم من المهرجان تخرج النّساء، كعادتهن منذ عقود، إلى المروج في مجموعات لإحضار حزم من الحلفاء والأعشاب التي تصنع منها كرة : “ثاكورث”. في منعا تكشّل هذه الكرة من حشائش مختلفة وضفائر الحلفاء وشمع العسل. لينطلق بعدها موكب تتقدّمه النسوة والخيّالة وفرق البارود والموسيقى الفولكلوريّة نحو الدشرة الأثريّة، أين تقام مقابلة لعبة ثاكورث التقليدية العريقة، معلنة بداية الاحتفال بمهرجان عيد الرّبيع “ثافسوث ثفلزي “.
هذه المرّة تميّزت عروض الدشرة القديمة بحضور فرقة رياضة مظلّة المنحدرات، التي تعتبر إضافة نوعيّة وإدماجا لنشاط شبابي جديد ومثير للاهتمام في البرنامج الّذي غالبا ما سادته عروض فولكلورية مختلفة من بارود، إيرحابن، وإيمناين .. ليختتم المهرجان بحفل موسيقي وتنسلّ جماهير الزوّار عائدة من حيث أتت بعد يوم حافل بالبهجة.
ويحاول منظّموا المهرجان المحافظة على رياضة ثاكورث التّقليدية الآمازيغية العريقة، والّتي تشبهها رياضة “الهوكي” إلى حدّ بعيد، كما يسعون من خلال مختلف المعارض والنشاطات التي يقيمونها خلاله، إفساح مجال استعراضيّ لمختلف مكوّنات الثقافة الشاويّة، ورغم بعض الابتذال الّذي يشوب جوانب المعارض والروتينية التي تسود مختلف العروض منذ سنوات، إلّا أنّهم نجحوا في آداء المهمّة نسبيّا. ويرفع منظّمو المهرجان وسكّان مدينة منعا مطلب ترميم “دشرة منعا” ؛ المعلم الأثري الّذي يفوق عمره 700 سنة، وتصنيفه وحمايته باعتباره معلما معماريّا وأثريّا، وأيقونة للعمارة الشّاوية، والّذي يعاني اليوم من آثار الزّمن ولولا وقوف ساكنة منعة وفاعليها الجمعويين ونشطائها على حمايته وصيانته لكان مصيره الزّوال منذ عقود. كما يطالب سكّان المدينة بترسيم مهرجان ثافسوث ثفلزي وتكفّل الدولة به، بوصفه مهرجانا سياحيّا ثقافيّا جهويّا ذا أفق وطنيّ وإمكانيّات وثراء يرشّحه ليكون مناسبة سياحية وثقافية دوليّة.
ورغم ما تعانيه المنطقة من نقص فادح في هياكل الاستقبال والبنى التحتية السياحية، إلّا أن المنظمين ينجحون كلّ سنة بفضل إصرارهم وتكافل مختلف الفاعلين الجمعويين في المنطقة، في استقبال ضيوف الحدث والمشاركين فيه والتّكفّل بهم، على أحسن وجه.
تبقى النشاطات الثقافية الشّاوية خاصّة ذات الصّبغة الفولكلوريّة كمهرجان منعة، بعيدة حتّى الآن، عن الاستثمار الثقافي، والسيّاحي والاقتصاديّ والعلمي؛ فبين وسم الفتيات بأقلام الحبر، ونقص التجديد والاستغلال والترويج وقلّة الإمكانات التقنيّة والفنيّة والماليّة كذلك، يستمرّ عيد الرّبيع بحلّته الحاليّة في المقاومة، في انتظار مبادرات جادّة للتكفّل والتأطير.