أولاً – دحض طروحات عثمان سعدي :
تلقيت العديد من الرسائل الإلكترونية تطالبني بالدخول في النقاش حول القضية الأمازيغية التي طرحتها يومية الشروق على صفحاتها، ولعل ذلك يعود إلى أعمالي حول هذه المسألة أو معرفتي الدقيقة بالفكر القومي العربي، وبتعبير أدق فقد طلب مني الكثير بالرد على ماأسموه”ترهات عثمان سعدي”، لكني فضلت وضع المسألة في إطار علمي وهاديء دون أي سجال أيديولوجي الذي غلب على الكثير من المعادين للبعد الأمازيغي للجزائر، الذي يعد بعدا أساسيا وعميقا وواقعيا للأمة الجزائرية إلى جانب الإسلام والعربية والمصير المشترك تاريخ الأمة وعناصر أخرى، ولم يكن ردي إلا حرصا على تماسك ووحدة الأمة الجزائرية وعدم الوقوع في حروب ثقافية تضرب هذه الوحدة، والتي عادة ما يشعلها البعض من دعاة القومية العربية المتطرفين والإقصائيين بوعي أو دون وعي ثم يتهمون الآخرين بأنهم يهددونها بالرغم من أن هؤلاء الذين يسميهم سعدي ب”البربريست” يؤمنون ب”الأمة الجزائرية” على عكس البعض من هؤلاء القومين العرب الذين لا يؤمنون بها ، وقبل أي نقاش لابد من تحديد بعض المفاهيم بصيغة علمية وتصحيح ما يشاع حولها.
1- مشكلة إلتباس المفاهيم :
عادة ما يقع الخلط في المفاهيم والمصطلحات، فصنعنا إلتباسات خطيرة لدى الإنسان الجزائري عمدا ولأهداف سياسوية بحتة، ومنها هناك فرق كبير بين العربية والعروبة، فالعربية هي لغة وثقافة نعتز بها وجزء أساسي من هويتنا، أما العروبة فهي الأيديولوجية القومية التي تتخذ طابع إقصائي وإستعلائي تجاه الثقافات الأخرى، وتسعى لطمس أي تنوع، وينطبق نفس الأمر على البربرية أو الأمازيغية التي هي لغة وثقافة وبعد تاريخي، وهي أيضا جزء أساسي من هويتنا، فالبربريزم يقابل العروبة والبربريست يقابل العروبي، فكلاهما أيديولوجية تفتيتية، لكن الفرق بينهما أن البربريزم والبربريست في الحقيقة قد ظهر كرد فعل على العروبة أي الأيديولوحية القومية العربية الإقصائية، كما سنوضح ذلك فيما بعد، ونفس الأمر ينطبق حول الإسلام والإسلاموية، فالأول معتقد ودين، ويعد القاعدة الأساسية لهويتنا، لكن الإسلاميوية هي أيديولوجية توظف الإسلام للوصول إلى السلطة، وأنا عادة ما أنطلق من فكرة مفادها أن هوية الأمة الجزائرية تتشكل من خمس عناصر أساسية على شكل مثلث ذهبي قاعدته الإسلام وضلعين هما العربية والأمازيغية مزجها كل من تاريخنا والمصير المشترك كمركبين أي catalyseurs، وأي مساس بأي ضلع من هذه الأضلاع الثلاث معناه تفكك الأمة، كما يتفكك ذلك المثلث الذهبي، وعادة الذين يهددون هذا المثلث هم الذين لا يعترفون بواحد منها، فمثلا الأمازيغية جزائرية والإنسان الناطق بالأمازيغية في الجزائر هو جزائري، فإذن من ضدها فهو أوتوماتيكيا ضد الأمة الجزائرية ومهددا لتماسكها، لأنه يتنكر لمقوم أساسي فيها، وينطبق نفس الأمر على كل بعد من هذه الأبعاد الخمسة التي ذكرناها آنفا، أما الذين يسعون لتحويل أي بعد من هذه الأبعاد إلى أيديولوجية معناه يهدد وحدة الأمة، ولهذا يمنع منعا باتا توظيفها في العمل السياسي بصفتها رأسمال رمزي هو ملك الأمة كلها، ويجب أن تبقى في الإطار العلمي والثقافي، لكن ليس بالتمييز فيما بينها كما يفعل اليوم في الجزائر ضد البعد الأمازيغي، لأن ذلك من شأنه الشعور بالإقصاء وإدخال هذا البعد في العمل السياسي، أي نقله من مجاله الطبيعي وهو العلمي والثقافي إلى المجال السياسي والأيديولوجي، ولايجور تحميل المسؤولية في هذه الحالة للذين أخرجوه من مجاله الثقافي إلى السياسي، بل على الذين همشوه لأن فعلهم ينم عن رد فعل لفعل، وينطبق نفس الأمر عند إقصاء أو تهميش أي بعد من أبعاد هويتنا، وبناء على ذلك كله يجب على كل جزائري مهما كان موقعه في السلطة أو المعارضة في المدرسة او الجامعة أو المسجد أن يدافع عن هذه الأبعاد كلها.
لكن حسب تتبعي لخطاب كل هذه التوجهات سواء كانت العروبية أو ما يسميها عثمان سعدي “البربريست”، فإن هؤلاء الأخيرين لم يطالبوا إلا بإضافة البعد الأمازيغي إلى الإسلام والعربية، ولم يدع احدهم يوما بإقصاء أحدها، فلنعد إلى أدبياتهم، وللأسف لم يتحقق هذا المطلب دستوريا إلى بعد عقود من النضال، وهذا ما لا يقوم به بعض دعاة القومية العربية الذين يعملون على إقصاء البعد الأمازيغي وتهميشه، بل القضاء عليه بشتى، مما يولد ردود فعل طبيعية لدى الكثير من المواطنين، مما يؤدي إلى المساس بوحدة الأمة وإدخالنا في حروب ثقافية نحن في غنى عنها، وعادة مايخطط لها في مخابر أعدائنا ونحن ننساق وراءها دون وعي منا، ويبدو أنها هذه الحروب خطط لها منذ أمد بعيد، واليوم وصلت إلى درجة خطيرة بعد ما وضع هننجتون نظريته حول صدام الحضارات ثم شرع برنارد لويس بالتخطيط لها بإشعال حروب طائفية وعرقية وهمية في العالم الإسلامي.
2- فكرة القوميات كقنبلة إنشطارية في العالم الإسلامي :
هذا الأمر يدفعني إلى توضيح مسألة تاريخية هامة جدا يتستر عليها بعض دعاة القومية العربية، لكنهم يستخدمون إلتباسات مؤثرة في الكثير من مواطنينا، وهذه المسألة تتعلق بظهور القوميات، ومنها القومية العربية، فهذه القومية برزت بعد مخطط جهنمي وضعته القوى الأوروبية الكبرى لتفتيت الدولة العثمانية في البداية، فبعد ما وضعوا أكثر من مئة مخطط لتفجير الدولة العثمانية تمكنت من إبتكار القنبلة الإنشطارية، والتي بقيت تعمل إلى حد اليوم، ففتت أوطاننا ودولنا، فهذه القنبلة هي فكرة القومية بكل تعصباتها ، فبدأت بنشر الفكرة الطورانية لدى الأتراك وكذلك فكرة العروبة كأيديولوجية قومية لدى عرب المشرق خاصة على يد الإرساليات التبشيرية الأمريكية والأوروبية، لكن لم تنتشر الفكرة بقوة، ولم يعط لها البنزين الحارق إلا بعد وصول القوميون الأتراك إلى السلطة في اسطنبول بعد ما يسمى بالثورة الدستورية عام 1908 ضد السلطان عبدالحميد الثاني التي فرح بها وناصرها كل شعوب الدولة العثمانية بما فيها العرب، لكن في الكثير من الأحيان الأفراح تتحول إلى أتراح، وذلك بعد سياسات التتريك والعنصرية الطورانية ضد العرب وثقافتهم، فهو ما أدى إلى ردود فعل طبيعية لعرب المشرق دفاعا عن ثقافتهم التي يهددها الأتراك، وهو حق مشروع لهم، وقد وصل هذا القمع العنصري حده الأٌقصى بعد مذابح جمال باشا ضد العديد من الزعماء العرب عام 1916 بتعليقهم على المشانق.
وأدت سياسة التتريك إلى إستعانة بعض العرب بدعم غربي لحماية أنفسهم وثقافتهم، ومنها فرنسا أين وقع الإجتماع العربي عام 1913 بتمويل فرنسي، ثم دخل الأنجليز على الخط إستغلال مأساة هؤلاء العرب، فوظفت هؤلاء القوميون العرب ضد الدولة العثمانية بإشعال ما يسمى ب”الثورة العربية الكبرى” عام 1916، فوقع المشرق العربي بعدها تحت الإنتداب البريطاني والفرنسي.
وبعد هذا السرد التاريخي أطرح سؤالا على أعداء البعد الأمازيغي في الجزائر بإسم العروبة، وأقول لهم هل من العدل إتهام هؤلاء العرب في المشرق بالعمالة للغرب وإدخالهم الإستعمار أم نحمل المسؤولية للقومية الطورانية التركية التي همشتهم، وأرادت تتريكهم والقضاء على الثقافة العربية ولغتها؟ فإذا كان القومبيون العرب يرفضون ذلك ويفضلون الطرح الثاني، فلماذا إذا لا يتحملون مسؤولية القيام بنفس ما قام به القوميون الأتراك في العدد من البلاد التي تعرف بتعدد الثقافات والهويات، ومنها الأكراد في العراق وسوريا؟، وكذلك لماذا لا يتحملون مسؤوليتهم في تفكيك السودان بعد ما طمس القوميون العرب في الخرطوم وهم أقلية بدعم مصري ناصري كل ثقافات الجنوب ودارفور وكردفان وغيرها ودفعهم للتعصب ثم الإنفصال بعد تهميشهم ثقافيا وإقتصاديا؟، فيجب على هؤلاء القوميون القيام بنقد ذاتي والإعتراف بأنهم يتحملون جزء كبير من المسؤولية في تفكيك هذه البلدان بتعصبهم وتهميش كل ثقافات هذه البلدان وعدم الإعتراف بها والعمل على طمسها، بل تعريبهم بكل الوسائل، وهو ما يولد ردود فعل طبيعية، فبدل تحميل المسؤولية للغرب وحده، فلنحملها أيضا للقوميين العرب الذي وقعوا في قنبلة إنشطاريه صممها الغرب لازالت تقوم بمفعولها إلى اليوم، وإذا أردنا الحفاظ على أوطاننا، فيجب القضاءعلى مفعول هذه القنبلة بإقامة دولة ديمقراطية تعددية يحترم فيها الجميع بصفتهم مواطنون يتساوون في الخقوق والواجبات، وإحترام الخصوصيات الثقافية، بل تحويل مسألة الهوية إلى مسألة فردية بدل أن يأتي أي كان فيعمم ما يعتقده أنها هويته أو أصله على كل أفراد الأمة، وهذا ما يسمى في الغرب “مبدأ المواطنة”.
3- المسألة الأمازيغية في الجزائر نتاج التعصب القومي العروبي :
أن المسألة الأمازيغية في الجزائر لم تكن على الإطلاق نتاج إستعماري كما يريد القوميون العرب إيهام الناس، بل هي نتاج التعصب القومي العروبي، فهو كان رد فعل لفعل متطرف وإقصائي مورس في الجزائر منذ إسترجاع إستقلالها، بعد ما تمكن بن بلة من الوصول إلى السلطة بدعم مصري ناصري الذي ما فتيء يحذر من وصول ما يسميهم ب”البربر” إلى السلطة، لأنه كان يخشى أن يفقد الجزائر التي أراد أن يحولها إلى دولة تابعة مثل الكثير من دول العالم العربي في إطار الزعامة، لكن في الأخير خدمة مصالح مصر، لأنه سيتفاوض مع قوى الغرب مكان هذه الدول، أي سيجعل الغرب بدل التعامل مع الجزائر فسيتعامل معها بواسطة مصر، ولهذا تهجمت مصر ومعها البعض من الذين يريدون أن توصلهم إلى السلطة بالتهجم على أرضية الصومام إلا لأنها قالت بإستقلالية الأمة الجزائرية عندما قال “أن الجزائر لن تكون تابعة لواشنطن ولا موسكو ولا باريس ولا القاهرة”، فهذه الكلمة الأخيرة هي التي أقلقت عبدالناصر، ودفع عبان رمضان ثمنا غاليا في حياته، مثلما دفعت منطقة القبائل بشكل رئيسي وجزائريين آخرين هذا الثمن لأنها بقوا صامدين ومدافعين عن الأمة الجزائرية الغير تابعة للقاهرة، كما دفع أجدادنا ثمنا غاليا برفضهم التبعية لدمشق بإقامة الدولة الرستمية، ثم رفض التبعية للخلافة الفاطمية في القاهرة، وومادام نتحدث عن القاهرة حسب منطق عثمان سعدي فلما لا نقول أن المصريين أمازيغ أو على الأقل سكان القاهرة التي بناها أكثر من مئة ألف من قبيلة كتامة الأمازيغية الذين وضعوا مصر تحت سيطرة الفاطميين، وهو عدد كبير جدا بمقاييس آنذاك، لكن هجرة بضعة مئات من العرب حولت الجزائر كلها عربية برغم من إختلاط هؤلاء وتزاوجهم مع السكان الأصليين، وأكثر من هذا فهجرة شخص واحد من أهل البيت هو إدريس هربا من الأمويين حولت الكثير جدا من شعبنا أحفاده، ويدعون أنهم من الأشراف كأنه تزوج كل نساء شعبنا ورجالها يمنع عليهم الإنجاب، أنه التزوير البشع للتاريخ.
وكي نتأكد من التخويف المصري ممن أسماهم ب”البربر”ن فلنقرأ كتاب فتحي الديب “عبدالناصر وثورة الجزائر”، وكيف كان يصنف قادة الثورة في تقاريره لعبدالناصر على أساس أنه “بربري” أم “عربي”، أي نفس التصنيف الإستعماري الذي صنف شعبنا إلى أعراق، وهو ليس صحيح على الإطلاق، فنحن جزائريون أمتزجت دماء القلائل الذين آتوا إليها بدماء السكان الأصليين، وغرابة الأمر نفس التقسيم تقوم به الجزيرة القطرية بعد الثورة في ليبيا، مما جعلنا نشك أن هناك مخططا جهنميا لإثارة عرقيات وهمية لتفجيرنا من الداخل حسب مخططات برنارد لويس بتفيت المشرق على أساس طائفي وبلداننا المغاربية على أساس عرقي حسب الأيديولوجية الإستعمارية.
4- هزالة طرح عثمان سعدي البعيد عن العلمية :
يقول عثمان سعدي أن الأمازيغ عرب عاربة حسب طرحه الهزيل، والذي سماه البعض ب”الترهات”، ويستند في ذلك على مسألتين أنهم جاءوا من اليمن، وهي الأكذوبة الكبرى ولا نعرف لماذا فقط شعبنا هو الذي يقال عنه أنه جاء، فالبعض يقول من اليمن وآخرين من فلسطين والفرنسيين يقولون أنهم جاءوا من أوروبا، ولو تتبعنا هذا المنطق فإن أصل الأمازيغ هم كل شعوب العالم خاصة التي سعت لٌلإستيلاء على أرضهم، فمن المستحيل الإجابة الدقيقة عن هذه المسألة الموغلة في عمق التاريخ، لكن مايستغرب لماذا نحن الذين جئنا، وليس نحن الذين ذهبنا، بالرغم من أن شعبنا معروف بالتنقل والمغامرة بالأسفار، لكن ما يقوله البحث العلمي التاريخي لحد اليوم أن أقدم هيكل عظمي أكتشف هو إنسان تغنيف بنواحي معسكر وعمره أكثر من 500ألف سنة، ولهذا يحق لنا أن نقول أن آدم عليه السلام نزل في بلادنا، وبالتالي فنحن مركز العالم، لكن نحن لا نذهب هذا المنحى، لأننا نؤمن بأن هناك أمرين هامين سيعجز الإنسان حتى يوم القيامة على معرفتها، وهي مكان نزول آدم وهبوط سفينة نوح، وذلك لحكمة من الله سبحانه وتعالى، لأن حدث ذلك سيدفعنا إلى نوع من العنصرية بين الشعوب، وسيقول الذين أكتشف فيه المكان بأنهم أسياد البشر، ونعيد عنصرية بني إسرائيل الذين أعتبروا أنفسهم “شعب الله المختار” بحكم أن عددا معتبرا من الأنبياء منهم، وكذلك عنصرية البعض من العرب إلا لأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منهم، لكن إشارتنا إلى إنسان تغنيف لنثبت فقط أن أرضنا كانت من أقدم الآراضي الآهلة بالسكان، فقامت فيها حضارات عظيمة طمسها المؤرخ الكولونيالي وكذلك القومين العرب.
أن حديث عثمان سعدي ماهو إلا ترديد للأيديولوجية الإستعمارية التي تقول بأن الأرض الجزائرية كانت فارغة ثم جاءت مختلف الأجناس، ومنها الفنيقيون والرومان والوندال والبزنطيون والعرب والأتراك وغيرهم ثم “جئنا نحن الفرنسيون”، لكن لا وجود أي ذكر للأمازيغ هؤلاء السكان الأصليين، وإن ذكروا مباشرة يطرح السؤال عن أصلهم ومن أين جاءوا؟، وبالتالي سيقول الإستعمار لنا “بأي حق تطردوننا من هذه الأرض فأنتم أيضا جئتم مثلنا”، فالإستعمار عمل على تعريب الكثير من الجزائريين بأساليب ذكية جدا، ونشروا في عقولهم بأنهم جاءوا من الجزيرة العربية، فمثلا كتب ونشر بعض المؤرخين الإستعماريين، وروجت الأيديولوجية الإستعمارية بأن عدد الهلاليين الذين جاءوا إلى الجزائر ثلاث ملايين، وهو رقم غير منطقي ومبالغ فيه بشكل كبير جدا جدا، فسكان قبائل بني هلال كلها لا يمكن أن تتجاوز بضعة آلاف أنذاك على أكثر تقدير سواء في موطنها الأصلي أوالقليل منهم الذين هاجروا، والقليل جدا جدا من الذين جاءوا إلى الجزائر تزاوجوا وتآخوا ثم أمتزجوا مع السكان الأصليين بمرور الزمن، وأختلطت دمائهم بدماء السكان الأصليين، فهل يعقل أن يهاجر ثلاث ملايين إنسان في ظرف سنوات رغم ضعف المواصلات وبعد المسافة والمناخ الصحراوي الصعب جدا مما يؤدي إلى هلاك الكثير أثناء تلك الهجرات الصعبة، وكل الهدف الإستعماري من هذه الطروحات وغيرها هو إعطاء شرعية للإستيطان الإستعماري في الجزائر، وبأن جميع سكان الجزائر مستوطنين جاءوا من الخارج، فلا يحق لأي كان أن يدعي أن الأرض أرضه، طبعا هو الطرح الأيديولوجي الإستعماري لتبرير إستيطانه على أرضنا، والذي مافتأ يردده البعض من القوميين العرب مثل عثمان سعدي.
5- علاقة طروحات عثمان سعدي وبعض القوميين العرب بالصهيونية :
لكن ما يضحك فعلا هو طرح عثمان سعدي بأن الأمازيغ عرب، لأنهم ساميون فهذه فعلا هي الترهة بذاتها، فحسب منطقه، فكل الشعوب السامية عربا، لكن بأي حق يرفض سعدي مصطلح “ساميون” ويستبدله ب”العرب”، فحسبه كل الساميون عرب، فإذن فليكن الكيان الصهيوني أيضا دولة عربية، لأنهم من الساميين مثل العرب والأمازيغ، ويبدو لي أن هذه الفكرة لم تخرج إلا من مخبر صهيوني، فروج لها سعدي بوعي أو دون وعي، لأنه بذلك أوجد مكانة لهذا الكيان الذي أعتدى على أرض أخوتنا الفلسطنيين لأخذ مكانة شرعية، هذا ما يدفعنا إلى طرح مسألة هامة عن العلاقة الوطيدة الموجودة بين البعض من القوميين العرب والصهيونية، ويبدو أنها توطدت يوم أتفق رئيس الحركة الصهيونية وايزمان مع الملك فيصل صديق الأنجليز وأحد زعماء القومية العربية الذين فرضتهم الأنجليز على شعب العراق بهدف إجهاض ثورة العشرين الذي قادها الزعيم الكردي الشيعي عبدالواحد الحاج سكر ثم كان دوره قمع الأكراد والشيعة والإنتقام منهم وإحتكار العرب السنة الحكم بدعم بريطاني.
إن العلاقة الوطيدة بين الطرفين لاتعود فقط لمهمة مواصلة القوميون العرب تفعيل القنبلة الإنشطارية لتفتيت كل اوطاننا بوعي ودون وعي، بل خرجت من المخابر الصهيونية فكرة خطيرة جدا، وهي ربط الإسلام بالعروبة لدرجة النجاح في تسويقها حتى أصبحت تردد كأنها “لاإله إلا الله”، وهو أمر خطير جدا خطط بإحكام، فما يجمع بين العروبة التي هي أيديولوجية قومية، وطبعا ليست العربية التي هي ثقافة ولغة نعتز بها، والإسلام الذي هو دين الإنسانية جمعاء، ألم يكن الهدف تحويل هذا الدين إلى دين قومي خاص بالعرب فقط مثلما حولت الصهيونية الديانة اليهودية دين قومي خاص ببني إسرائيل؟، والهدف في الأخير هو عزل العرب عن عمقهم الإستراتيجي المتمثل في العالم الإسلامي، وأكثر من هذا دفع المسلمين الغير العرب إلى التخلي عن الإسلام، لأنه سيقولون أي دين هذا الذي يحولني إلى عربي، ويقضي على لغتي وهويتي، فهذا الأمر هو الذي سمح بإنتشار المسيحية في جنوب السودان لأنها لم تقض على هويتهم الثقافية، وكاد أن ينجح هذا المخطط عندنا، لكن لحسن حظنا أنكشفت اللعبة التي يديرها البعض من القوميين العرب .
لكن لماذا نستغرب هذا الطرح لعثمان سعدي، أفلم يحول القوميون العرب كل كلمة “مسلم” إلى “عربي”، أو لم يحولوا كلمة “الحضارة الإسلامية” إلى “حضارة عربية” بالرغم من أن دور العرب فيها ضئيل جدا مقارنة بدور الشعوب الإسلامية الأخرى بمافيها الأمازيغ، وخاصة الفرس؟، أفلم يسرق هؤلاء القوميون الإنجازات الحضارية والبطولية لشعوب مسلمة ونسبوها إلى العرب، أفلم يقولو مثلا أن صلاح الدين الأيوبي الكردي وكذلك طارق بن زياد وقطز والظاهر بيبرس وغيرهم الكثير جدا أنهم عرب؟، ألم يقولوا بأن كل علماء الحضارة الإسلامية عربا، وهم غير ذلك؟ ألا يعتبر هذا سرقة لإنجازات الآخرين، وإن كان من المفروض أن نكتفي بالقول بأنهم مسلمون وكفى، لكن إذا ألحينا على نسبهم إلى اقوامهم، فإنه من الظلم والبهتان أن ننزعها من هذه الأمم والشعوب وننسبها للعرب، ولما نستغرب من طرح عثمان سعدي بالقول أن كل الساميون هم عرب إذا كان بعض القوميين العرب لم يستحوا بترجمة لفظ الجلالة “الله” ب”العرب”، فعندما كتبت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة كتابها “شمس الله تسطع على الغرب” ترجم هؤلاء القوميون العنوان إلى “شمس العرب تسطع على الغرب” فترجمت لفظة الجلالة وهي “الله” سبحانه وتعالي ب” العرب”، ويبدو أنه أسلوب صهيوني، لأن الصهاينة يعتبرون أن لهم إلههم الخاص وهو “الياهو”، فأراد هؤلاء لعلاقتهم المشبوهة بالصهيونية أن يحولوا الله جل جلاله إلى إلههم، فلديهم نسميهم “العرب” أو “الله” فهو سيان لدلى هؤلاء الذين ما فتأوا يزورون التاريخ والحقائق، وهو ليس هنا موضوع دراستنا هذه.
أما حديثه عن اللغة الأمازيغية وبأنها لهجة عربية مثل كل اللغات الأصلية في البلاد العربية، إلا لأنها لغات سامية فهو غير منطقي، ويسير في ذلك على أسلوب منهج أحد أصدقائه القوميين وهو القذافي الذي أعتبرب أن “شكسبير” عربي لأنه في الأصل “الشيخ الزبير”، وقد غابت عنه مسألة التثاقف والتلاقح بين شعوب الأرض، فكل لغات الأرض تأخذ بعضها عن بعض ومن الممكن جدا ان تكون هناك لغة أم لهذه اللغات، لكن لما نسميها عربية، والتي تعد لغة حديثة، لما لا نسميها بتسميتها الحقيقية، فليست العربية أقدم من الأمازيغية بإعترافه هو، وليست أقدم من الآرامية أو العبرية، فلما لا نقول أن اللغة العربية هي اللغة العبرية مادام أنها أقدم من العربية، وتحتوي هذه الأخيرة أكثر من ستين بالمئة من العبرية، فهنا مرة أخرى هؤلاء القوميون يبحثون عن مكانة للكيان الصهيوني، فلم يبق لهم إلا أن يقولوا لنا أن هذا الكيان الصهيوني هو عربي ولغته العربية ولما نحاربه، ونخشى أن يكون هذا هو بيت القصيد على المدى البعيد.
ودائما في المسألة اللغوية، فكثيرا مايردد القوميون العرب في الجزائر، ومنهم أحمد بن نعمان، أنه لا وجود للغة أمازيغية واحدة بل هناك 10 لهجات في كل البلاد الجزائرية، ويقولون بأن ولا واحد يفهم الآخر، فهذا هو البهتان بعينه، فالفرق بين مختلف هذه اللهجات المنحدرة من الأمازيغية الأصلية لا يعدو أن يكون في أغلب الأحيان مثل الفرق بين اللهجات العربية، فلايعدو الفرق بين الشاوية في الشرق والقبائلية والشنوية في الوسط والمزابية والزناتية والورقلانية والتارقية في الجنوب والشلحية في الغرب والجنوب الغربي وغيرها مثل الفرق بين اللهجات العربية الكويتية والسعودية واليمنية وغيرها، فلماذا إصرارهم على القول هناك أمازيغيات ولا يقولون هناك عربيات، بل يفضل هؤلاء القوميون في المجال اللساني الطرح الأيديولوجي الإستعماري الذي قسم الأمة الجزائرية إلى أعراق على أساس هذه اللهجات التي تنحدر من لغة أمازيغية واحدة كما أنحدرت اللهجات العربية الدارجة من لغة عربية، مما يجعلنا نشك في نوايا بعضهم .
6- إعتماد عثمان سعدي والقوميين العرب على التفتيت بدل الوحدة :
قبل أن ننتقل إلى موضوع آخر نريد أن نطرح مجموعة أسئلة على عثمان سعدي فما يضيره بإحتفال الشعب الجزائري بيناير؟ هل هذا الإحتفال يهدد الوحدة الوطنية أم يمتنها؟، فمايضيره بإجتماع الأسر الجزائرية على مائدة عشاء في كل مناطق البلاد الجزائرية والمغاربية، ويتذكرون وحدتهم، وبأنهم شعب وأمة واحدة؟ ونطرح نفس الأسئلة على هؤلاء الوهابيين الذين تحولوا مثل القوميين العرب أداة هدم وحدتنا ونشر الكراهية الدينية في صفوف شعبنا لتفتيته في إطار مخطط جهنمي يدخل في إطار الحروب الثقافية التي مهدت لها فكرة صدام الحضارات لهننغتون.
يقول سعدي أن البربريست هم الذين أختلقوا فكرة ششناق، ولو نختلف في البحث التاريخي عن ششناق، لأنه يدخل في غور التاريخ، لكنه مذكور في التوراة، بل ذهب البعض إلى القول أنه كان من قادة جيش سيدنا سليمان، لكن ما هو مؤكد أن إحتفالات يناير لا يمكن أن تكون مرتبطة فقط بالسنة الزراعية، لأن إختلاف الفصول تجعل هذه السنة تختلف من منطقة إلى أخرى، وما هو مؤكد أن هناك حدث عظيم قد وقع في حدود 950 قبل الميلاد، وهذا الحدث أتخذ كرأس السنة والقول ب”يناير” معناه صراحة بالأمازيغية “أول السنة” وليس الزراعة، كما أن هذا الحادث بقي راسخا في الذاكرة الشعبية، فرغم إنعدام وسائل الإتصال ورغم دخولنا في الإسلام، فإن المرأة الجزائرية عند ليلة 12 جانفي تتذكر أنه هو يناير، فتحضرهذا العشاء الخاص، أليس من حقنا أن نستغرب كيف ترسخ في هذه الذاكرة الشعبية طيلة هذه القرون كلها، ويقول عثمان سعدي أن البربريست هم وراء إعطاءه بعدا تاريخيا بالعودة إلى أسبابه والحديث عن ششناق، فأقول له هل الإسلاميون هم الذين أعطوا تفسيرا سببيا لإحتفالاتنا بعاشوراء والقيام بسنة الأضحية في عيد الأضحى أم سببه هو تطور التعليم؟، فهل أمهاتنا وأجدادنا الغير المتعلمين-وأؤكد على التعليم- كانوا يعلمون بأنها سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام، أو أن عاشوراء هو يوم غرق فرعون؟، فهم يحتفلون ويطبقون تقاليد وطقوس دينية دون ان يعلموا أسبابها، وهو ما ينطبق على إحتفالات يناير.
فإحتفالات يناير من المفروض أن تدعم وحدة أمتنا أكثر، لأنها تذكرنا بأننا شعب واحد وأصلنا واحد والدليل أننا نحتفل به جميعا منذ ماقبل الإسلام إلى اليوم، طبعا بإستثناء الذين يرفضون ذلك اليوم تحت تأثير السلفية التي تحارب تقاليد أمتنا كي تعوضها بتقاليد أجنبية عنا للأسف تحت غطاء ديني، والدين براء من ذلك، كما ظهر مؤخرا طرح غريب أراد أن ينشره أعداء الأمة الجزائرية بنشر فكرة أنه عيد خاص بمنطقة القبائل، وهي أكبر أكذوبة تستهدف وحدة شعبنا، فليعلم الجزائريون أننا في الغرب الجزائري نشعر بيناير ونحضر له قيل شهر من ميعاده، فلماذا يحتفل الإيرانيون بعيد نيروز والذي أخذ طابعا أكبر مع الحكم الإسلامي في إيران، ويرفض بعض أعداء أمتنا توظيف يناير لتمتين وحدة شعبنا وبأنه ليس شعبا متعدد الأعراق كما روج لها الأيديولوجية الإستعمارية؟
ويعود رفض يناير رغم دوره الإيجابي إلى ثلاثة أطراف أولهما بعض عناصرالسلطة التي تلعب على وتر فرق تسد للبقاء في الحكم، وثانيهما بعض الإسلاميين خاصة السلفية الذين يريدون إلحاقنا بالمملكة السعودية، وثالثهما بعض القوميين العرب الذين يقولون لنا بأنهم يسعون لتحقيق الوحدة العربية، لكنهم في الحقيقة فتتوا وحدة اوطاننا، فهل ستتحقق هذه الوحدة العربية التي ينشدونها بإقصاء جزء كبير من الجزائريين ودفعهم إلى ردود فعل متطرفة، مما يفتت أوصال أمتنا الجزائرية، ونحن لسنا ضد تحقيق التجمعات الأقليمية الكبرى، بل دعاة الأمازيغية يدعون إلى تحقيق وحدة مغاربية، وهذا لايمنع أن نحقق بعدها تكتل أكبر، لكن بعد ماتتثبت الأمة الجزائرية على الأرض مثلما وقع في اوروبا، وليس تحت شعار الوحدة العربية نفتتت أمتنا، فلاالوحدة تحققت ولا الأمة الجزائرية بقيت.
7- إعادة السؤال عن من هو مهدد وحدة الأمة الجزائرية :
نشير إلى مسألة أخرى خطيرة عندما قال محافظ الحزب في تيزي وزو محمد بورزام أنه غير مسؤول على منع محاضرة مولود معمري عام1980، وأن القرار أتخذ على أعلى المستويات بتأجيلها، فهذا عذرا أقبح من ذنب، فوالله أصبحنا أضحوكة عندما تؤخذ قرارات في مستويات محلية أو عليا بشأن محاضرة حول الشعر الأمازيغي لمولود معمري، فمن حقنا أن ننتفض ونعاقب كل هؤلاء الذين أتخذوا قرارا بهذا بتهديدهم وحدة أمتنا وتعريض الجزائر إلى التفكك دون الحديث عن الخسائر المادية والبشرية، لأنه لاأرى أي ضرر ستحدثه محاضرة أو محاضرات حول أي موضوع كان سواء يتعلق بالثقافة الأمازيغية أو العربية أو الإسلامية أو التاريخ أو غيره، أن هذه الأفعال هي المهددة لوحدتنا، والتي تؤدي إلى ردود فعل والشعور بالظلم والإقصاء والتهميش.
فماقاله بورزام هو إعتراف ضمني بتوظيف مسائل الهوية في مسائل الصراع السياسي والريعي في قمة السلطة، فكلما أحتدم هذا الصراع أخرجنا هذه القضايا إلى العلن كنوع من الأسلحة المستخدمة، وقد بدأ هذا التوظيف السياسوي على يد مصالي الحاج في حزب الشعب عام1949 كما سنوضح ذلك فيما بعد، ثم تحول إلى قاعدة بعد إسترجاع الإستقلال.
وما يضير هؤلاء كلهم ومنهم عثمان سعدي لو أدرجنا الثقافة الأمازيغية في برامجنا التعليمية كنصوص القراءة مثلا على شكل أشعار أو حكايا أو غيره، وعممنا اللغة الأمازيغية وثقافتها في كل مدارسنا، وتكون إجبارية مثل كل المواد الأخرى، هل سيهدد هذا الوحدة الوطنية أم سيمتنها أكثر؟، ألا يتعلم كل الجزائريين لغة يتحدث ويعبر بها ثقافيا جزء من إخوانهم ، وهذا الذي لايسمح لنا فقط بالقضاء على هذا التمييز اللساني، بل كي يعرف كل الجزائريين هذا الجزء من الثقافة الجزائرية المعبر بها بالأمازيغية بكل لهجاتها، والتي لا تختلف كثيرا عن الثقافة المعبر عنها بالعربية الجزائرية بكل لهجاتها أيضا مما يدل على وحدة شعبنا وإنطلاقه من هوية ثقافية واحدة تختلف فقط في لغة التعبير عنها، على عكس ما يعتقد الكثير، لأن عادة الإنسان عدو ما يجهل، لكن نعتقد فضل بعضنا السلطة المبنية على مبدأ فرق تسد على بناء الأمة وتمتين وحدتها.
وبشأن هذا التمييز اللغوي فإنه بدأ يأخذ أبعادا خطيرة بسبب فشل منظموتنا السياسية والتعليمية والثقافية والإعلامية التي لا تدقق في المفاهيم والمصطلحات، فيجب التوضيح على أن ليس صحيحا كل ناطق بالعربية هو عربي وكل ناطق بالأمازيغية هو أمازيغي، ولهذا علينا أن نبعد تدريجيا إستخدام مصطلحي “عرب وأمازيغ” على كل واحد من هؤلاء، ونكتفي بالقول أنه جزائري ناطق بالعربية أو ناطق بالأمازيغية أي مسألة لسان، وعندما يصبح الجزائري يعرف اللسانين نكف حتى عن هذا الإستخدام، وأفضل ما قيل في الحملة الإنتخابية للرئاسيات السابقة هي مقولة سلال في تعريفه للجزائري ب”أنه أمازيغي ومسلم يتحدث بالعربية”.
ثانياً – مناقشة قضايا تاريخية حول ظهور المسألة الأمازيغية في الجزائر :
1- أزمة 1949 :هل هي أزمة بربرية أم إقصاء للبعد الأمازيغي تحت تأثير مشرقي؟
عادة ما تطرح عدة قضايا تاريخية حول هذه المسألة الأمازيغية، ومنها ما يطلق عليها البعض ب”الأزمة البربرية عام 1949″ وإتهام البعض بأنها قد حركتهم فرنسا الإستعمارية، فيبدو أنه ظلم كبير في حق هؤلاء الذين أنخرطوا فلبا وقالبا في الحزب الإستقلالي، والكثير منهم من مؤسسيه، بل الكثير منهم ألتحقوا بالجبل في ماي1945 لإشعال العمل المسلح يوم 23ماي1945 قبل أن تتراجع قيادة الحزب عن ذلك، أما سلوكهم فلم يكن إلا رد فعل طبيعي لمؤامرة جاءت من المشرق العربي ونفذها مصالي الحاج، فيجب أن نعلم أن مسألة الهوية لم تطرح على الإطلاق داخل نجم شمال أفريقيا وحزب الشعب، فقد تأسس النجم ضمن المهاجرين، وأخذ تسمية شمال أفريقيا وليس المغرب العربي، وسنبين ذلك أصل هذه التسمية الأخيرة فيما بعد، وكان الكثير جدا من أعضائه من منطقة القبائل لدرجة أن أطلق عليه بعض الإعلاميين آنذاك “النجم القبائلي”، ويمكن أن يكون وراء ذلك، وتم إختيار مصالي ليس لأنه أكثر كفاءة من الآخرين كعيماش مثلا الذي كان يشرف لوحده تقريبا على يومية “الأمة”، بل لأسباب تكتيكية وهو أن فرنسا الإستعمارية قد مارست سياسة فرق تسد بين الجزائريين، وقسمتهم تزويرا إلى قبايل وعربا، وسنعود إليها فيما بعد، كما خلقت “أسطورة القبائلي”، فكان هؤلاء الوطنيين الإستقلاليين يخشون تردد بعض المناطق في الإنخراط في النجم بسبب تأثير الدعاية الإستعمارية ضد القبايل عليهم، ففضلوا إختيار مصالي لاأكثر ولا أقل، ويمكن أن تكون إستخدام “النجم القبائلي” كما ذكرنا هي محاولة إستعمارية لإبعاد المتأثرين بتلك الدعاية الإستعمارية ضدمنطقة القبائل، وبدأ مصالي يتراجع عن مباديء الحزب بعد ذهابه إلى المشرق العربي وتأثره بعبدالرحمن عزام الذي طرح عليه فكرة تفضيل العمل السياسي على العنف الثوري، خاصة وأن المنظمة الخاصة قد نشأت وأخذت أشواطا تحت قيادة الكثير منهم من منطقة القبائل، وطلب عزام من مصالي طرح القضية في هيئة الأمم المتحدة، وسيلقى الدعم العربي هناك، كما حاول عزام نشر فكرة القومية العربية في مصالي الحاج، ويبدو في الظاهر أنه قد وقع تحت تأثيره، فهل كان ذلك تكتيكا منه أو إستراتيجية بهدف إيجاد دعم للقضية الجزائرية من العرب في المشرق؟، فطلب تحضير ورقة تبرز الأمة الجزائرية وتاريخها كي يثبت أحقية الجزائر في تقرير مصيرها بصفتها أمة عريقة، وقد طلب من مبروك بلحسين ويحيى حنين وصادق هجريس وآخرين صياغة هذه الوثيقة وهم كلهم من منطقة القبائل، وبالطبع عادوا إلى التاريخ القديم لإثبات عراقة الأمة الجزائرية، وهو أمر طبيعي لأنه يجب توضيح مسألة هامة، وهي أن فرنسا عندما دخلت الجزائر طرحت فكرة أن الجزائر لم تكن أمة ولم تنشأ دولة عبر تاريخها، فقامت معركة على الصعيد التاريخي بين الأيديولوجيتين الوطنية والإستعمارية، خاصة وأن هذه الأخيرة كانت تقول بأفريقيا اللاتينية التي أسس لها الكولونيالي العنصري لوي برتراند، وبأن فرنسا بنت روما فعادت إلى أرض روما، فرد الوطنيون على هذا الطرح خاصة جمعية العلماء ومنهم مبارك الميلي وأحمد توفيق المدني في كتب وكذلك محند الشرف الساحلي وكذلك عمار عيماش في جريدة الأمة التابعة لنجم شمال أفريقيا وآخرين بالعودة إلى التاريخ القديم للجزائر، وكيف أن روما وجدت مقاومات ضدها قادها يوغرطة وتاكفاريناس وطالات وفرموس ودونات وغيرهم، كما أن الدولة الجزائرية عريقة وتعود إلى نوميديا بقيادة ماسنيسا، وهو ما يدل على عراقة الأمة الجزائرية، وأنها سبقت فرنسا إلى الوجود بقرون.
وقد كانت هذه الوثيقة التي صيغت لمصالي كي يقدمها إلى هيئة الأمم المتحدة، والتي نشرت فيما بعد بتوقيع إيدير الوطني، وهو محند إيدير آيت عمران صاحب نشيد “قم ياأبن مازيغ الذي وضعه عام 1945 ويذكر فيه أبطال الأمة الجزائرية كماسنيسا ويوغرطة والأمير عبدالقادر ويذكر فيه حتى مصالي ذاته كزعيم للحزب الإستقلالي، وكان احد أناشيد حزب الشعب، وعنوان الوثيقة”الجزائر الحرة ستعيش”، لكن نزع مصالي كل الماضي الأمازيغي للجزائر من الوثيقة، وبدأها كأن الأمة الجزائرية بدأت مع” الفتح الإسلامي”، وهو ما يناقض كل ما قامت به القراءة التاريخية للأيديولوجية الوطنية ضد الأيديولوجية الإستعمارية، واليوم نتساءل هل فعل مصالي الحاج ذلك تحت تأثير وإبتزاز القوميون العرب في المشرق له، ومنهم عبدالرحمن عزام كي تجد القضية الجزائرية دعمهم في هيئة الأمم المتحدة؟ لكن يبدو أن حتى مصالي ذاته قد أستخدم هذا الإستفزاز الغريب المفتت للحزب الوطني وللأمة الجزائرية، وهدفه من ذلك إبعاد الكثير من الوطنيين الراديكاليين الذين كانوا يطالبونه بالإسراع في العمل المسلح، لكنه كان يتماطل معتقدا أن بإمكان تحقيق ذلك سياسيا متأثرا بعبدالرحمن عزام، وهو ماأدى إلى إستغلاله ماسمي بهتانا ب”ألأزمة البربرية” إبعاد الكثير من هؤلاء الوطنيين المعارضين لتماطله ومنهم لمين دباغين الذي برز بقوة، وقد فقد الحزب الكثير من إطاراته بعد هذه الأزمة،خاصة المنظمة الخاصة التي كانت منظمة شبه عسكرية بقيادة آيت أحمد آنذاك تستعد للعمل الثوري المسلح ضد الإستعمار.
وأشاع آنذاك في صفوف الحزب فكرة تأسيس “حزب الشعب القبائلي”، وهي أكذوبة كبرى وظفها مصالي رغم كل التكذيبات، والذي هو في الحقيقة مجرد جمعية ثقافية تدعى ب”حركة النهظة البربرية” تعمل على الصعيد الثقافي لإحياء الثقافة الجزائرية بكل مكوناتها الإسلام والعربية والأمازيغية، وغرابة الأمر أعتقلت السلطات الإستعمارية العديد من أصحاب هذا الطرح فشكوا أنهم قد بيعوا إلى البوليس الإستعماري من أنصار مصالي، وعلى رأسهم عضو المكتب السياسي للحزب وعلي بناي.
وقد أنقسم مناضلو الحزب إلى ثلاث أطراف، ومنهم من تأثر بمصالي الذي له كاريزماتية كبيرة على الكثير من مناضلي الحزب والذي أشاع فكرة أنها مؤامرة ضد الحزب، كما أن هناك من رأى عدم طرح وتأجيل هذه النقاشات حول الهوية التي جرها إليهم مصالي كي لا يحدث شقاق ثقافي داخل الحزب الإستقلالي، وهناك طرف آخر وهو أقلية أصر على الطرح السليم للهوية وعدم ترك محاولة مصالي زرع هوية يرونها غريبة على الشعب الجزائري، وتم إستيرادها من المشرق العربي بتأثير عزام.
وهنا نجد أكذوبة أخرى تشاع اليوم ففي حقيقة الأمر من يدعونهم ب”البربريست” لم يطرحو إطلاقا فكرة أن الجزائر أمازيغية أو عربية أو شيء آخر بل قالوا “أن الجزائر لا هي أمازيغية ولا عربية ولا أي شيء آخر، بل هي جزائرية فقط بكل مكوناتها”، وهو نفس ما كان يطرحه مصالي من قبل خاصة في خطابه بالملعب البلدي بالعناصر في 02أوت 1936، ويرون أن الجزائريون هم جزائريون وكفى حتى ولو تحدث بعضهم بالعربية، فهل البرازيلي الذي يتحدث بالبرتغالية هو برتغالي وهل المكسيكسي الذي يتحدث بالإسبانية هو إسباني وهل الأمريكي الذي يتحدث بالأنجليزية هو أنجليزي وهلم جر، بل كان طرحهم يشبه أحسن ما قيل في الحملة الإنتخابية للرئيس بوتفليقة عندما ردد سلال عدة مرات أن الجزائري هو مسلم أمازيغي يتكلم بالعربية، وهم لم يقولوا حتى بالأمازيغي، لآنهم رفضوا أي طرح عرقي للمسألة، لكن كانوا يرون في الأمازيغية كبعد تاريخي وثقافي للأمة الجزائرية، ولم يطرحوا حتى مسألة اللغة الأمازيغية أنذاك، والصراع اليوم في الجزائر هو بين هذه النزعة الجزائرية المؤمنة بالأمة الجزائرية بكل مكوناتها ونزعة قومية عروبية تتغطى بالإسلام جاءتنا من المشرق العربي، وتهدد الوحدة الوطنية .
وغرابة الأمر فكما ضغط القوميون العرب في المشرق على مصالي الحاج آنذاك فإنهم لازالوا إلى حد اليوم يمارسون دعما لأتباعهم في الجزائر وكذلك ضغطا حتى على النظام الجزائري كي لايعترف بالبعد الأمازيغي الذي هو بعدا جزائريا أصيلا، وفي نفس المجال مارست قطر نفس الضغط على المجلس الإٌنتقالي في ليبيا كي لايعترف بالبعد الأمازيغي هناك، هذا فقط كي نبين لماذا يعرقل كل ما هو في خدمة الثقافة الجزائرية، ونفس الضغوط تمارسها فرنسا أيضا لخدمة ثقافتها على حساب ثقافتنا بمكوناتها الأمازيغية والعربية والإسلام.
2- من وراء تسمية “المغرب العربي”؟
أما بشأن تسمية المغرب العربي، فهي في الحقيقة تسمية جاءتنا من المشرق العربي في بدايات الأربعينيات، فقد حدد القوميون العرب في البداية الأمة العربية فقط في الشام والعراق وشبه الجزيرة واليمن، ويمكن العودة في ذلك إلى كل أدبياتهم آنذاك ،ومنها نجيب عازوري في كتابه “الأمة العربية”، أما بشأن منطقتنا المغاربية، فكانوا في الأغلب يستخدمون تسمية “بلاد البربر” ومنهم حتى شكيب أرسلان، كما يستخدم أيضا شمال أفريقيا، ويمكن العودة إلى كتابات العقود الأولى للقرن العشرين، ولم يبدأ النقاش حول مصر وشمال أفريقيا إلا في بدايات الأٍربعينيات، عندما سعى ساطع الحصري إلى توسيع مفهوم الأمة العربية بداية من مصر ودخل في نقاش مع طه حسين وآخرين الذين كانوا يقولون بمصر الفرعونية، بل ذهب طه حسين إلى حد القول أن مصر متوسطية أقرب إلى أوروبا من العرب، ولولا الإسلام لما عرفت مصر هؤلاء”العرب”، وتقريبا هو نفس طرح علي الحمامي عندنا الذي كان يقول بالنزعة المغاربية أو بتعبير أدق “القومية المغاربية”، أين تابع نشأة هذه القومية عبر الطفل إدريس في كتابه”إدريس” متأثرا بطه حسين، ويمكن أيضا أنطون سعادة في الشام الذي كان يقول بالقومية السورية.
ويعد ساطع الحصري أول من أستخدم تسمية “المغرب العربي” كي يلحق المنطقة بالأمة العربية” ثم أنتشر إستخدامها بفعل السيطرة الإعلامية لهؤلاء القوميين العرب التي لا نعلم من أين أكتسبوها، ونشير أن الحصري هو منظر الفكر القومي العربي، وغرابة الأمر أنه كان ضد الفكرة القومية العربية في البداية، وكان يؤمن ب”الرابطة العثمانية”، ولا يعرف حتى العربية، لكنه تحت تأثير النزعة القومية الطورانية التركية وسياسة التتريك، وقع له رد فعل، فعاد إلى تعصب قومي عربي ضد تعصب قومي تركي ضد العرب، لكنه أعاد نفس الفعل مع الآخرين، فكيف يطلق تسمية “المغرب العربي” على منطقة تحوي الكثير لا يتحدثون بالعربية، بل بإمكانهم القول أنهم ليسوا عربا، فهذه التسمية هي تسمية تفتيتية لبلداننا ولو أن تسمية المغرب الإسلامي القديمة أكثر صحة، لأنه لن نجد من يقول لك أنه ليس بمسلم، لكن القول بالعربي أو جتى الأمازيغي، فلا يحقق الإجماع، ويفتت ولا يوحد، ولهذا لجأ البعض مؤخرا إلى طرح أكثر توحيدي، وهو “المغرب الكبير”، وما يؤلم أن الحصري في الوقت الذي أخذ فيه الوضع التعددي في المشرق العربي، فطرح العلمانية كحل للتعدد الديني والطائفي، فأنه لم يأخذ ذلك بعين الإعتبار بالنسبة لمنطقتنا الموحدة دينيا، لكنها ذات اللسانين العربي والأمازيغي دون أي شعور بتعدد أعراق، رغم كل المحاولات الإستعمارية لدرجة عدم إستخدام مصطلح “أعراق” عبر كل تاريخنا إلا في العقود الأخيرة، مما يمكن أن يثير مسألة عرقية وهمية نحن سائرون إليها اليوم بفعل ممارسات القوميين العرب المدعومين بشكل غير مباشر من الغرب والصهيونية بهدف زرع ردود فعل تسمى الأمازيغية في إطار فعل ورد فعل في الوقت الذي لم تطرح فيها إطلاقا هذه المسائل الهوياتية في تاريخنا، وهذا التعصب القومي العروبي هو الذي أدى إلى توسع رد فعل أمازيغي الذي كان في نطاق محدود، ثم توسع شيئا فشيئا كرد فعل، وما نخشاه هو أن يأخذ ويتحول إلى حرب ثقافية تحت غطاء أعراق وهمية، لأنه بدل الإكتفاء بالقول “أننا جزائريون بعضنا تعرب وناطق بالعربية والبعض الآخر ناطق بالأمازيغية بكل لهجاتها” أصر عثمان سعدي وبن بلة وآخرين على القول أننا عرب مما جعل البعض يردون أننا أمازيغ، وهو ليس صحيح لأن ليس معناه الناطق بالعربية هو عربي، وليس حتما الناطق بالأمازيغية هو أمازيغي، أفلم يحن الوقت لحل هذه المشكلة نهائيا قبل أن تنفجر في وجوهنا، فنعود إلى طرح ولد حمودة ووعلي بناي وغيرهم ب”أننا جزائريون وكفى”، فقد أختلط القليل من العرب والإسبان والرومان والتراك وغيرهم بالسكان الأصليين وهم الأمازيغ، فشكلوا شعبا جزائريا وبس حتى ولو تكلم بالعربية أو الأمازيغية، لكن مع أخذ بعين الإعتبار تاريخ الأمة الجزائرية كلها بكل حلقاته، وليس كما فعل مصالي تحت تأثير عزام والقوميين االعرب، وطرحنا هو نفس طرح مفدي زكريا في إلياذته، وكذلك مولود قاسم وغيرهم، فهل من المعقول أن يتهجم البعض من القوميين العرب على مولود قاسم إلا لأنه وضع صورة البطل يوغرطة على العدد الأول من مجلة الأصالة؟، أنها كارثة الجزائر هؤلاء الذين ينادون بالوحدة العربية، ونحن لسنا ضدها، بل بالعكس فالعالم اليوم هو عالم تكتلات كبرى، لكن ليس على حساب الجزائر بتفتيتها، فالإلحاق الثقافي لا يختلف عن الإلحاق السياسي.
3- لماذا التركيز على تشويه منطقة القبائل؟
عادة ما تعود مسألة منطقة القبائل، فهذا ظلم كبير في حق هذه المنطقة بفعل دعايات ضدها مارسها الإستعمار، ثم واصلتها السلطة بدعم من البعض من القوميين العرب، فيجب أن نعلم أن هذه المنطقة التي أطلقت حولها العديد من الإشاعات قد ذهبت ضحية موقعها الجغرافي، وليس لأنها تتحدث بالأمازيغية لأن الكثير جدا من مناطق الجزائر تتحدث الأمازيغية، بل لأن موقعها قريب جدا من العاصمة أو السلطة المركزية، فمنذ أن أختار العثمانيون “الزاير” نسبة إلى مؤسسها بولغين بن الزيري الصنهاجي الأمازيغي، وليس الجزائر كما يريد إيهامنا المشارقة بأنها مجموعة جزر، ولاأعلم اين هي موجودة هذه الجزر، فموقع منطقة القبائل قرب العاصمة أوالمركز أدى إلى إدراك السلطة في العاصمة منذ الفترة العثمانية إلى اليوم أن أي ثورة يقوم بها سكان منطقة القبائل معناه السقوط السريع لهذه السلطة إذا وقفت معها المناطق الأخرى، ولهذا ضرورة عزلها عن المناطق الأخرى كي لا تساندها، فتتحالف السلطة المركزية مع المناطق الأخرى ضدها، ولهذا برزت كل الدعايات ضدها وهذه الصورة المشوهة عن سكانها، فكان ذلك منذ العثمانيين الذين كانوا يقولون عنهم أنهم “كفارا” لإثارة الآخرين ضدها بسبب رفضها دفع الضرائب الإستغلالية والمهينة للسلطة العثمانية، ومورست نفس السياسة في العهد الإستعماري، خاصة بعد ما وضع بوجو تعليماته لقادة الجيش عام 1844، ويحذر فيها بالخصوص ضد سكان المنطقة الذين وصفهم بمحاربين أقوياء ومتعصبين دينيين، وقد تنبه الإستعمار إلى ذلك على يد حمدان خوجة العثماني في تقريره إلى اللجنة الأفريقية التي أنشأتها السلطات الإستعمارية عام 1834، وتأكد من خطورة هذا الموقع الجغرافي عندما كاد الطيب أوسالم خليفة الأمير عبدالقادر على أقليم منطقة القبائل الكبرى من تحرير العاصمة عام 1838، ومورست نفس السياسة بعد إسترجاع الأمة الجزائرية إستقلالها، فموقعها الإستراتيجي القريب من المركز هو الذي جعلها عرضة لكل التشويهات في إطار سياسة فرق تسد لا أكثر ولا أقل، ولو جاء سكان الغرب الجزائري مثلا هم سكان هذه المنطقة لوقع لهم نفس التشويه في إطار سياسة فرق تسد.
المؤرخ والبروفسور: رابــح لـونـيـسـي – جامعة وهْـرَنْ (وهران)