مسقط رأس الثائر تاكفاريناس عرضة للتّخريب
يستمر دون توقّف تخريب التراث الأثري في بلاد إيشاويّن، فبعد مدينة “سيڨوس ⵙⵉⴳⵓⵙ Sigus” الأثرية الّتي عاث فيها المقاولون فسادا، في إطار مشروع بناء إقامة تابعة لشركة فرنسية، تحت أنظار السلطات الّتي لم تحرّك ساكنا. جاء دور “خميسا” العتيقة المدينة النوميدية التي عرفت قديما باسم “ثوبيرسيكو نوميداروم Thubursicu Numidarum” الواقعة 37 كيلومترا شمال غرب “ثاڨاست ⵝⴰⴳⴰⵙⵜ (ولاية سوق آهراس).
رغم القيمة الأثرية والتاريخية للمدينة التي تشكلّ معلما لا يقدّر بثمن، إلّا أنّ التخريب ناهيك عن الإهمال الذي يطالها، لا يزال مستمرّا. فبعد تعرّضها للتخريب سنة 2010 خلال أشغال شقّ الطريق السيّار شرق-غرب، تعاد الكرة هذه المرّة؛ فالأشغال لا تزال جارية على الطريق المحاذي للموقع الأثري، وخلال عمليات حفر لها علاقة بالتهيئة العامة، خرّبت دون مبالات جزءا من الموقع، واستخرجت كتلا صخريّة كبيرة قامت مصالح البلدية بنقلها إلى مكان آخر بكلّ بساطة، هكذا دون إشراف أو مراعات لقيمة الموقع الأثرية والتاريخية. ودون مراعات لوضعيته الحساسة الّتي تتطلّب دراسة وتنسيقا أوليّا، على الأقل، بين مختلف المصالح للحفاظ عليه.
المدينة الأثرية النوميدية خميسة والتي أصبحت “بلدية” بعد القرن الثاني للميلاد تحت حكم الإمبراطور “تراجان Trajan” ثم مستعمرة شرفية في القرن الثالث، كانت تحتل موقعا استراتيجيا عالي الأهميّة لتموقعها على الطريق الرابط بين ميناء Hippo Regius الواقع قرب عنابة، ومعسكر فيلق إفريقيا بـ”ثيفيست ⵝⵉⴼⵉⵙⵜ Thevestis” يصفها ستيفان ڨزال Stéphane Gsell فيقول :
«elles occupent cinq collines voisines qu’elles couvrent entièrement: leur superficie est considérable : on l’a estimée à 100 hectares, sans compter les cimetières extérieurs à la ville; cette immensité même [……] leur donne un aspect imposant, mais sévère.»
“تحتل خمس تلال مجاورة، وتغطيها تماما: مساحتها معتبرة، لقد قدرت بـ 100 هكتار، دون احتساب المقابر الموجودة خارج المدينة، هذه الضخامة في حد ذاتها (…) أعطتها مظهرا مهيبا، وصارما”
المدينة التي من المفترض أنها مسقط رأس الثائر النوميدي الشّهير : “تاكفاريناس Takfarinas” والتي كما يذكر المؤرّخ تاستيوس Tacite كانت عرضة لحصار قوات تاكفاريناس خلال ثورته على الرومان، كما عرفت كما ذكر القديس أوغسطين Saint Augustin في رسائله عدّة مرّات بأنها كانت حصنا للمذهب الدوناتي المتمرّد على الحكم الروماني. وعليه فإنّها معلم تاريخي ذو رصيد ثريّ جدا، يلاقي بدون تفسير إهمالا متعمّدا، يضاف إليه ما نشهده اليوم من تخريب.