ما محل الأمازيغية من الإعراب في عالم ويكيبيديا؟
يعتبر موقع Wikipedia الأمريكي الموسوعي الذي تأسس عام 2001 أحد أكثر المواقع شعبية وتلقيا للزوار في العالم. فرغم كونه موقعا غير ربحي فهو يحتل المرتبة 5 عالميا من حيث عدد الزوار، ولا تتفوق عليه إلا مواقع Google وYouTube وFacebook الأمريكية وموقع Baidu الصيني وكلها مواقع تجارية ربحية مملوكة لشركات عملاقة ذات ميزانيات خيالية تفوق ميزانيات بلدان كبيرة بأكملها كالمغرب مثلا.
وبسبب التكاليف الهائلة لإدارة موقع Wikipedia من حيث فاتورة الكهرباء للكومبيوترات العملاقة وتكاليف الصيانة ورواتب العاملين به مع انعدام مدخول تجاري له فهو يعتمد كليا على تبرعات الأشخاص والمؤسسات.
وسبب نجاح موقع Wikipedia يمكن تلخيصه في مجانيته التامة وخلوه من الإشهار وسهولة استخدامه وتعدديته اللغوية (298 لغة) والسماح للجميع بالمشاركة في تدوين وتصحيح وتعديل مواده العلمية والأدبية الموسوعية بشرط إيراد المراجع الأكاديمية والإعلامية وعدم الشطط والتخريب.
ويعتبر حضور اللغات في Wikipedia معيارا جيدا لقياس مدى حضورها الأدبي والعلمي والإعلامي في العالم ومدى نشاط أهلها في الكتابة بها.
وكما هو متوقع فالإنجليزية تتربع على الصدارة متبوعة بلغات أوروبية أخرى ولغات من دول متقدمة أخرى كاليابان والصين وكوريا الجنوبية وأيضا بلغات من دول نامية كاللغة الفيتنامية (المكتوبة بالحرف اللاتيني).
ومن بين لغات البلدان النامية وبلدان العالم الثالث التي تملك حضورا جيدا أو لا بأس به على موقع Wikipedia والإنترنيت عموما نجد اللغة الفارسية والعربية والتركية والإندونيسية والماليزية والكردية ولغة Yoruba المنتشرة في نيجيريا واللغة السواحيلية Swahili المنتشرة في كينيا وتانزانيا.
إلا أنه يلاحظ أن دقة المعلومات في الويكيبيديا العربية رديئة جدا أحيانا، كما أن نسبة من موادها ذات انحياز أيديولوجي واضح للقومية العربية أو للإسلام السياسي أو لدول معينة، ولكن بعض مواد الويكيبيديا العربية جيدة جدا أو لا بأس بها.
1) ضعف حضور الأمازيغية على Wikipedia والإنترنيت عموما:
حضور الأمازيغية ضعيف جدا في Wikipedia ولكنه على الأقل غير منعدم. لا توجد أية نسخة أمازيغية رسمية لويكيبيديا تحت الاسم Tamaziɣt (أو Berber بالإنجليزية) وهذا يأتي بسبب إهمال المتعلمين والمثقفين الناطقين بالأمازيغية للكتابة بالأمازيغية. ولكن توجد نسخة رسمية لويكيبيديا بالأمازيغية القبايلية Taqbaylit بالحرف اللاتيني وقد أنشأها مدونون جزائريون قبايليون منذ سنوات.
ويمكن الاطلاع عليها هنا: https://kab.wikipedia.org
وسبب الضعف الأمازيغي في هذا المجال معروف للجميع ويتلخص في المنع والقمع الذي تعرضت له اللغة الأمازيغية من طرف الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في العالم الأمازيغي، حيث مُنِعت الأمازيغية من التدريس والإعلام في القرن العشرين لأن تلك الأنظمة رأت في الأمازيغية تهديدا لقبضتها على سلطتها. وتبنت تلك الأنظمة سياسة التعريب والفرنسة. كما أن رجال الدين الإسلامي لعبوا دورا محوريا في تنفير الناس من الأمازيغية ونشر سياسة التعريب. وبجانب ذلك تعرضت الأمازيغية للإهمال من طرف المثقفين الناطقين بها وحتى من طرف أغلب نشطائها الذين ما زالوا إلى حد الآن في 2018 يعمدون إلى الكتابة حصريا بالعربية والفرنسية بدل بذل مجهود ولو صغير في الكتابة والتدوين الصحفي بالأمازيغية.
2) حضور لغات العالم على موقع Wikipedia
هذا هو ترتيب وزن اللغات في Wikipedia حسب عدد مقالاتها الموسوعية وفق أرقام ويكيبيديا في 2018:
– الرتبة 1: الويكيبيديا الإنجليزية بـ 5.583.000 مقال.
– الرتبة 2: الويكيبيديا السويدية بـ 3.783.000 مقال.
– الرتبة 3: الويكيبيديا الألمانية بـ 2.160.000 مقال.
– الرتبة 4: الويكيبيديا الفرنسية بـ 1.962.000 مقال.
– الرتبة 5: الويكيبيديا الهولندية 1.925.000 مقال.
– الرتبة 6: الويكيبيديا الروسية
– الرتبة 7: الويكيبيديا الإيطالية
– الرتبة 8: الإسبانية
– الرتبة 9: البولونية
– الرتبة 10: الفيتنامية
– الرتبة 11: اليابانية
– الرتبة 12: الصينية
– الرتبة 13: الويكيبيديا البرتغالية بـ 993.000 مقال.
(…)
– الرتبة 16: الويكيبيديا الفارسية بـ 595.000 مقال.
– الرتبة 17: الويكيبيديا الكاتالانية بـ 574.000 مقال.
– الرتبة 18: الويكيبيديا العربية بـ 561.000 مقال.
(…)
– الرتبة 22: الويكيبيديا الهنغارية بـ 427.000 مقال.
– الرتبة 23: الويكيبيديا الإندونيسية 424.000 مقال.
– الرتبة 25: الويكيبيديا التشيكية 401.000 مقال.
– الرتبة 27: الويكيبيديا الماليزية 312.000 مقال.
– الرتبة 28: الويكيبيديا التركية بـ 306.000 مقال.
– الرتبة 38: الويكيبيديا العبرية بـ 220.000 مقال.
(…)
– الرتبة 91: الويكيبيديا السواحيلية الكينية التانزانية بـ 39.000 مقال.
– الرتبة 96: الويكيبيديا بلغة Yoruba النيجيرية بـ 31.000 مقال.
– الرتبة 106: الويكيبيديا الكردية بـ 23.000 مقال.
– الرتبة 111: الويكيبيديا بالعربية المصرية (مصري) بـ 17.000 مقال.
– الرتبة 176: الويكيبيديا الصومالية بـ 4470 مقالا.
– الرتبة 203: الويكيبيديا الأمازيغية القبايلية بـ 2900 مقال.
– الرتبة 225: الويكيبيديا بلغة الهاوسا Hausa النيجيرية بـ 1687 مقالا.
– الرتبة 228: الويكيبيديا الآرامية (لغة سوريا الأصلية)، 1622 مقالا.
– الرتبة 237: الويكيبيديا بلغة إيگبو Igbo النيجيرية بـ 1285 مقالا.
– الرتبة 296: الويكيبيديا بلغة Kanuri بـ 0 مقال (تم إحداثها مؤخرا).
3) أزمة اللغة الأمازيغية مع الكتابة وإهمال الناطقين بها لها:
الحديث عن Wikipedia مهم جدا. لماذا؟
لأن Wikipedia مشروع غير حكومي مستقل تماما ويجسد روح المبادرة الحرة والاستقلالية الفكرية أحسن تجسيد.
كل المواد المكتوبة على ويكيبيديا بكل اللغات هي مواد مكتوبة من طرف الهواة وبشكل مجاني. فهم هواة حتى لو كانوا علماء وتقنيين متخصصين في علوم معينة لأن كتابتهم في ويكيبيديا هواية في المقام الأول يقومون فيها بالكتابة حول موضوع يعجبهم أو يهمهم. وهذا يعني أن لا أحد هناك يعتمد على الدولة ولا أحد هناك ينتظر الدولة أن تأمره بكذا أو أن تكتب له كذا أو أن تصدر له قانونا تنظيميا ينظم له كذا وكذا ويأمره بكذا وكذا.
ويكيبيديا مشروع مستقل عن الدولة 100%.
وهذه هي العقلية التي تحتاجها الأمازيغية.
تسود حاليا لدى المهتمين باللغة الأمازيغية تيمة واحدة أو نغمة واحدة تتلخص في ما يلي: “لقد اقترفت الدولة جريمة عظيمة في حق الأمازيغية والآن يجب على هذه الدولة أن تعتني بالأمازيغية وتكتبها لنا وتدرّسها لنا وتمعيرها لنا وتفصِّحها لنا.”
نعم، لقد اقترفت الدولة جريمة عظيمة في حق اللغة الأمازيغية ألا وهي منعها وقمعها طيلة قرن. ولكن حل هذا المشكل ليس بيد الدولة ولو تمنينا ذلك.
فالدولة أصلا أعجز من أن تنفع الأمازيغية أي نفع جوهري حقيقي. فالترسيم والتدريس والتلفزة الأمازيغية الحكومية الرسمية مجرد شكليات في النهاية (رغم أنها شكليات مهمة طبعا) لا تقارن بالجوهر الحقيقي الذي هو ممارسة الشعب نفسه لهذه اللغة عبر الكتابة والإنتاج والإبداع الإرادي الحر. وإذا انعدم هذا الجوهر فلن ينفع مع الأمازيغية ألف ترسيم ولا ألف قانون ولا ألف قناة تلفزية حكومية لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
الشعلة الحقيقية للأمازيغية موجودة لدى الناطقين بالأمازيغية فإن أطفأوها أو رموها فلن تفلح الدولة في عمل أي شيء لصالح الأمازيغية ولو كانت لديها الرغبة (وهي غائبة لديها حاليا).
النقلة النوعية هي أن يبدأ الناطقون بالأمازيغية في تقمص (أي: لباس) الأمازيغية كما يتقمصون ويلبسون الدارجة والعربية والفرنسية في حياتهم اليومية ونشاطاتهم الواتسابية والفيسبوكية واليوتيوبية والإعلامية والسياسية.
فاللغة الكردية عانت من نفس ما عانت منه الأمازيغية من سياسة تعريبية مدمرة. بل يمكننا أن نقول أن سياسة التعريب والتتريك والتفريس والأسلمة في سوريا والعراق وتركيا وإيران ضد اللغة الكردية وضد الشعب الكردي كانت أشرس وأعنف وأبشع من ممارسات أنظمة العالم الأمازيغي.
ولسبب ما نجح الكرد في إنجاز تراكم إنتاجي بلغتهم الكردية يتفوق بأضعاف مضاعفة على الأمازيغية. فاللغة الكردية الآن (غالبا مكتوبة بالحرف اللاتيني) توجد في Wikipedia وفي Google Translate. وتوجد مئات المواقع الكردية الإخبارية النشيطة باللغة الكردية المكتوبة بالحرف اللاتيني. وتوجد جرائد ومجلات مطبوعة بالكردية 100%. كما أنه يوجد ما يزيد على 30 قناة تلفزية فضائية كردية مملوكة في معظمها للقطاع الخاص وتبث من كردستان أو من أوروبا.
هذه المبادرة الإبداعية الحرة خارج مظلة الدولة هي التي تنقص الأمازيغ.
وهذا الاتكال الأمازيغي المَرَضي على الدولة مقرونا بسلوك انتظاري مزمن هو المرض العضال رقم 1 الذي أصاب الأمازيغ والأمازيغية.
إذا لم يبدإ الناطقون بالأمازيغية في تقمص الأمازيغية وكتابتها (بأي حرف يعجبهم) في تليفوناتهم وصفحاتهم وحياتهم اليومية فلن يتقمصها لهم أحد مكانهم ولن يكتبها لهم أحد مكانهم.
إذا لم يركّب الأمازيغ جملهم وعباراتهم بأنفسهم بالمداد على الورق والشاشات فمن الذي سيركّبها لهم؟!
4) الاتكال على الدولة لتكتب لك الأمازيغية مضيعة للوقت وصب للماء على الرمل:
تتحكم في كثير من المتعلمين والمثقفين الناطقين بالأمازيغية “المخاوف اللهجية” المعتادة التي مضمونها: “إذا كتبتُ جملة بأمازيغية الريف على الإنترنيت فأنا أخشى من أن لا يفهمها السوسيون والأطلسيون لهذا يجب علي أن أكتبها بالعربية الفصحى أو بالفرنسية وأن أنتظر 50 عاما حتى تتنزل علينا الأمازيغية المعيارية الفصحى من سبع سماوات من سدرة المنتهى حيث يوجد الإيركام التابع للدولة”.
هذا المنطق يشل الناس ويمنعهم من الكتابة بالأمازيغية.
من قال لك أن السوسيين (أو الأطلسيين أو الريفيين أو الطنجاويين أو الكازاويين) لن يفهموا ما ستكتبه أو سيفهمونه أو يريدون قراءته أو لا يريدون قراءته؟ هذه تكهنات لا طائل من ورائها.
أنت لا تعرف ما يدور في أمخاخ الناس. وأنت لا تعرف ما هي مهاراتهم اللغوية وما هو مزاجهم في الوقت الفلاني والمكان الفلاني.
ففي مدينة الدار البيضاء Anfa أو الرباط Eṛṛbaṭ أو فاس Fas قد يوجد أشخاص بالآلاف أو بمئات الآلاف لا نعرفهم ولا نعرف مهاراتهم اللغوية وقد يستطيعون قراءة نص بالأمازيغية مكتوب بالحرف اللاتيني مثلا بسهولة تامة (بفضل سعة اطلاعهم أو موهبتهم) وبشكل أفضل ربما من المواطن الحسيمي أو الأكاديري أو الراشيدي أو الخميساتي أو الخنيفري أو التطواني المتوسط.
الإنسان يكتب بلغته الأم ليعبر عن نفسه ورأيه. أن يفهم 5 أشخاص كتابه أو تدوينته أو أن يفهمها 40.000.000 شخص فهذه احتمالات مرهونة بعوامل كثيرة لا يتحكم فيها أحد.
والكاتب بأمازيغية خنيفرة Xnifṛa لا يحتاج إلى أن يفهم كل المغاربة بالضرورة تدوينته الأمازيغية العبقرية أو كتابه الأمازيغي العبقري! فإذا قرأ 70 شخصا في مدينة خنيفرة ما كتبه صاحبنا الخنيفري فهذا يكفي لإيصال الفكرة أو القصة إليهم وإحداث أثر في المجتمع.
لا حاجة لصاحبنا الخنيفري لأن يوصل فكرته أو كتابه الأمازيغي إلى كل أهل أكادير Agadir وأهل تارودانت Tarudant وأهل الناظور Ennaḍor وأهل إنزكان Inezgan وأهل مكناس Meknas. فحتى المغربي الذي يكتب تعليقا أو مقالا أو كتابا أو فيلما بالعربية أو بالفرنسية فإنه غالبا لا يصل إلا إلى نسبة صغيرة جدا من المغاربة في مدن محدودة وفي شرائح اجتماعية محدودة.
إذن لا حاجة لصاحبنا الكاتب الخنيفري إلى أن يقلق حول الاختلافات اللهجية والتوازنات السوسيولسانية بين لهجته الخنيفرية وبقية لهجات اللغة الأمازيغية بالمغرب وثامازغا. فهذا ترف فكري لا طائل منه.
اُكتبْ ودوِّنْ في الواتساب واليوتيوب والفيسبوك وبقية المواقع والمطابع بلهجتك ولغتك الأمازيغية المحلية اليومية وكأن العالم بأكمله يفهم لهجتك الأمازيغية المحلية، وستتفاجأ حتما من عدد الناس الذين سيفهمون مقالك أو كتابك أو فيديوهاتك أو تدوينتك الأمازيغية الصغيرة.
تقمصْ لغتك أو لهجتك الأمازيغية كما تنطقها في حياتك اليومية، ودَع عنك كلام اللهجات والمعيارية والفصحى والتقعيد والتكعيب والقانون التنظيمي والقانون العضوي والقانون الزعفراني فتلك مجرد مواضيع للثرثرة والسفسطة لا وزن لها على أرض الواقع. اللغة ليست سوى لهجة تملك جيشا وأسطولا. A language is a dialect with an army and a navy. وإنما إنتاجك اللغوي الفكري والمادي هو الوحيد الذي يغير الموازين في المجتمع ويشكل وجه المستقبل المغربي والأمازيغي.
أنا أقترح على المهتمين بالأمازيغية أن يغيروا عقليتهم اللغوية وأن يتبنوا عادات كتابية جديدة يقومون فيها باستخدام أمازيغيتهم اليومية في كل دردشاتهم الكتابية وإيميلاتهم ورسائلهم مع عائلاتهم ومع أصدقائهم وحتى مع زبنائهم وشركائهم وفي تعليقاتهم وتدويناتهم على مواقع التواصل الإنترنيتي دون أن يقلقوا من هذه اللهجة أو تلك أو من أن سكان المدينة الفلانية البعيدة قد لا يفهمون اللهجة الفلانية.
ومن حقهم أن يختاروا أي حرف يعجبهم لكتابة أمازيغيتهم. ويمكنهم أيضا أن يستخدموا أكثر من حرف واحد. وبقليل من التعود سيكتشفون أن الأمر سهل جدا لا يتطلب إلا التمرين والمراس.
وهذا التراكم التواصلي الجماعي هو الذي سيؤسس مستقبلا لوصول اللغة الأمازيغية تلقائيا إلى ميادين أخرى مثل الانتشار على Wikipedia والإنترنيت عموما والتحول إلى لغة للتدريس في المدارس والجامعات ولغة للسياسة والحكم الديمقراطي والحضارة الجديدة Taɣaṛma tamaynut.
مبارك بلقاسم -المغرب
tussna@gmail.com