أصبحت الشتيمة المفضلة لدى التعريبيين ضد الأمازيغية هي: العرق. فكل من يدافع عن هوية المغرب الأمازيغية وعن اللغة الأمازيغية ينعته التعريبيون بـ”العرقي” و”صاحب المشروع العرقي” و”صاحب المنظمة العرقية” و”صاحب الأفكار العرقية”. بل إن بعض مجانين التعريب ينعتون كل من يكتب اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني أو بحرف ثيفيناغ بأنه “عنصري” أو “عرقي يكره العربية”.
لكي نفكك هذا الهوس التعريبي بـ”العرق” يتوجب علينا تفكيك مجموعتين أساسيتين من الأفكار:
– مجموعة من المفاهيم المغلوطة الشائعة لدى عامة المغاربة ناطقين بالأمازيغية وغير ناطقين.
– مجموعة من الاستراتيجيات الخبيثة والماكرة التي يتعمد بها التعريبيون ربط الأمازيغية بالعرق والعنصرية لتشويهها في أذهان الناس تمهيدا لمهاجمة الأمازيغية أو إنكارها أو تقزيمها.
1) ما هو العرق؟
لا أظن أنني أبالغ حين أقول أن معظم المغاربة لا يعرفون المعنى الحقيقي الدقيق لكلمة أو مفهوم “العرق”.
ويطبق كثير من المغاربة مصطلحي “العرق” و”العنصرية” على أية فكرة لا تعجبهم وعلى أي شخص لا يعجبهم. فتسمع البعض يصف الأمازيغية بـ”العرق” ويصف الحكومة بـ”العنصرية” ويصف الوزير الفلاني بـ”العنصري”. فبدل أن يقول أن “الوزير الفلاني غير كفء” يلجأ إلى أعلى تهمة وأقبح شتيمة على الإطلاق (قابلة للطباعة والنشر) ينتقم بها من ذلك الوزير فيصفه بـ”الوزير العنصري”.
من الواضح أن الأمر يتعلق باضطراب لغوي (عدم معرفة المغاربة بالمعنى اللغوي الدقيق للكلمات) وبانعدام المسؤولية اللغوية (استخدام المغاربة لكلمات لا يعرفون معناها جيدا).
إلا أن الأمازيغية (لغة وثقافة وهوية) هي أكثر موضوع يتم ربطه عمدا بالعرق والعنصرية من طرف الأميين والعوام ومن طرف التعريبيين والإسلاميين عن جهل أو عن خبث. فما سر هذا الربط العجيب بين الأمازيغية (لغة وثقافة وهوية) والعرق (الذي هو لون وشكل الجسم البشري)؟
تسود لدى الأميين والعوام فكرتان خاطئتان، الأولى حول “العرق” والثانية حول “من هو الأمازيغي”.
يظن الأميون والعوام أن “العرق” يعني النسب، أي نسب الإنسان من أمه وأبيه وقبيلته وشعبه. وكثيرا ما يلصقون بالعرق أيضا اللغة والعادات الثقافية والهوية الوطنية أو الشخصية. وهذا كله جهل مطبق وغلط في غلط وخلط أحمق بين شعبان وشتمبر.
الذي يخلط بين اللغة والعرق فهو يخلط بين شعبان وشتمبر.
الذي يخلط بين الثقافة والعرق فهو يخلط بين شعبان وشتمبر.
الذي يخلط بين الهوية الوطنية والعرق فهو يخلط بين شعبان وشتمبر.
ويظن العوام والأميون أن الأمازيغي هو فقط من ينحدر من قبيلة أمازيغية في القرية أو من يتحدث اللغة الأمازيغية. وإذا تتبعنا هذا المنطق العامي الأمي الأعوج فإن من ولدوا وعاشوا في المدينة ولا يعرفون قبيلة أجدادهم في القرية ليسوا بأمازيغ! وكذلك إذا تتبعنا هذا المنطق العامي الأمي الأعوج فإن الولد الناطق بالدارجة يتحول إلى عربي لمجرد أنه لا يتكلم الأمازيغية رغم أن أباه وأمه ناطقان بالأمازيغية وأهملا تعليمه الأمازيغية! حسب هذا المنطق الغبي فالأب الأمازيغي والأم الأمازيغية ينجبان طفلا عربيا!
إذن هذا المنطق العامي الأمي المتفشي بين الناس لا يعتمد عليه لأنه إما مغلوط أو محدود قاصر.
“العرق” (بالإنجليزية: race وبالأمازيغية: aẓor أو acettal [أشتّال]) لا علاقة له إطلاقا بالنسب ولا باللغة ولا بالثقافة ولا بالهوية.
“العرق” هو فقط خاصيات جسمانية فيزيائية سطحية لجسم الإنسان تتلخص في: اللون والشكل. أي: لون الجلد ولون الشعر ولون العينين وشكل الجمجمة والهيكل العظمي وبعض الخصائص الشكلية الأخرى. أما غير ذلك فهو ضجيج. ويجدر القول بأن لا أحد يعرف بالضبط عدد الأعراق الموجودة في العالم. ولا يتفق العلماء البيولوجيون على تعريف علمي دقيق للعرق. وهناك من يرى أن “العرق” مفهوم لاعلمي لا قيمة له. والتعمق في العرق عبر دراسة الجينات يجعل مفهوم العرق يتلاشى حتى يختفي تماما ويفقد معناه تماما. ولكن من المعقول القول بأن هناك مجموعات بشرية ذات مظاهر مختلفة في الشكل واللون، وذلك راجع إلى أشعة الشمس والظروف المناخية التي تؤثر في لون الجلد، وكذلك نظام التغذية الذي يؤثر في شكل العظام والجمجمة. وبتراكم تلك الظروف المناخية والغذائية عبر مئات أو آلاف السنين تظهر اختلافات وراثية في الألوان والأشكال بين سكان القارات المختلفة عبر خطوط العرض.
2) البشرة السوداء ليست ظاهرة أفريقية صرفة بل هي موجودة في القارات الأخرى حول خط الاستواء:
بخلاف ما يتوهمه العوام والأميون والجهلة فإن البشرة الداكنة جدا أو السوداء ليست ظاهرة أفريقية صرفة، بل إننا نجد نفس البشرة السوداء أو الداكنة جدا لدى السكان الأصليين لأستراليا ولدى سكان بلاد بابوا غينيا الجديدة Papua New Guinea شرق إندونيسيا ولدى جزء من سكان إندونيسيا ولدى سكان أمريكا الجنوبية في الأمازون ولدى سكان جنوب الهند وسكان بنغلاديش وسريلانكا وجزر فيجي Fiji وفي مئات جزر المحيطين الهادئ والهندي المليئة بسود وسمر البشرة. فأشعة الشمس هي أقوى في مناطق خط الاستواء لذلك تظهر هناك مجموعات داكنة أو سوداء البشرة. ومن الطرائف أننا نجد سكانا أصليين سود البشرة ذوي شعر أشقر بشكل طبيعي في جزر ميلانيسيا Melanesia وخصوصا منها جزر سولومون Solomon Islands وجزر فانواتو Vanuatu في المحيط الهادئ.
وفي مناطق شمال أوروبا وشمال آسيا تكون أشعة الشمس ضعيفة جدا لذلك ظهرت هناك مجموعات بشرية فاتحة أو بيضاء البشرة. وفي حوض المتوسط مثلا (شمال أفريقيا وجنوب أوروبا) حيث أشعة الشمس معتدلة والمناخ معتدل ظهرت مجموعات بشرية ذات بشرة بيضاء أو فاتحة أو خفيفة السمرة. وكلما صعدنا نحو شمال أفريقيا وشمال أوروبا إلا وازداد بياض بشرة السكان. وكلما تعمقنا في أفريقيا نحو الجنوب أي نحو خط الاستواء إلا وازدادت سمرة بشرة السكان تدريجيا بسبب ازدياد قوة أشعة الشمس.
ومن المعلوم أن ألوان وأشكال المجموعات البشرية تطورت وظهرت قبل ظهور الشعوب الحالية واللغات الحالية والقبائل بآلاف أو عشرات الآلاف من السنين، فتصادف أن الشعب الفلاني في جنوب أوروبا غالبية سكانه بيض البشرة وأقلية منه سمر البشرة مثلا، وتصادف أن الشعب الفلاني في الهند غالبية سكانه سمر أو سود البشرة وأقلية منه فاتحو البشرة، …إلخ.
الحاصول هو: الأعراق هي اختلافات سطحية بين مجموعات بشرية في لون الجلد والشعر والعينين وشكل الجمجمة أو الهيكل العظمي. ولا توجد علاقة للعرق بالشعوب واللغات والهويات.
والحقيقة هي أن كل الشعوب، حتى المنعزلة منها، هي متعددة الأعراق (متعددة الألوان والأشكال) بنسبة منخفضة أو مرتفعة بسبب ظهور التحورات الجينية داخلها أو تغير مناخها. وهذا يعني أن العرق لا محل له من الإعراب في هويات الشعوب ولغاتها وثقافاتها.
3) فما علاقة الأمازيغية إذن بلون الجلد والشعر والعينين وشكل الجمجمة؟
العوام والجهلة يكررون هذا الربط الخاطئ بين الأمازيغية والعرق لأنهم غالبا ما يكررون أكاذيب وبروباغاندات التعريبيين الذين يتعمدون ربط الأمازيغية بالعرق من أجل تسويغ اتهامهم للمدافعين عن الأمازيغية بالعنصرية وبحمل “المشروع العرقي”. كما أن التعريبيين يروجون لفكرة أن “الأمازيغية مسألة عرقية” لكي يؤسسوا ويرسخوا في أذهان الناس أن المغرب فيه “عرق عربي” مستقل بذاته.
فالخطاب التعريبي خاسر ولا فرصة له في الحياة في مجال الهوية الوطنية المبنية على الأرض وشعبها المنتمي إليها، لأنه لا معنى للعروبة في المغرب وشمال أفريقيا على الإطلاق. والعروبة لها معنى فقط في بلاد العرب التي هي شبه الجزيرة العربية في قارة آسيا. كما أن التعريبيين أصبحوا يستوعبون الآن جيدا أن تعريب الشعوب (تحويل الأمازيغ إلى عرب) شيء قبيح ينفر منه كل إنسان، خصوصا مع تصاعد الوعي الأمازيغي في السنوات والعقود الأخيرة، لذلك يحاول التعريبيون صناعة عالم مغربي عرقي ليصنعوا لأنفسهم فيه “مكانا عرقيا عربيا” بجانب “العرق الأمازيغي” الوهمي الذي يتحدثون عنه، خصوصا بعد أن فقدوا الأمل في تعريب الأمازيغ كليا بأكاذيب القومية العربية الفاشلة وأكاذيب الفتح الإسلامي المفضوحة.
4) الخطاب الهوياتي العرقي للتعريبيين: لا راس لا ساس
التعريبيون يراهنون حاليا على العرق في كل شيء، في دفاعهم وهجومهم. العرق هو القشة التي يتمسك بها التعريبيون لتعريب المغرب أو لتعريب جزء منه على الأقل.
التعريبيون يراهنون على كاسيطة العرق لإثبات أن المغرب “عربي جزئيا أو كليا” حسب الحاجة أو حسب المزاج. فحين يشعر التعريبيون بنفحة من الاعتزاز العربي الإمبراطوري الوهمي يقولون أن المغرب عربي وينتمي إلى العالم العربي بجانب الصومال “العربي” وجزر القمر “العربية” ولبنان “العربية” ومصر “العربية” ودجيبوتي “العربية” وإيريتريا “العربية” (وهذه طبعا كلها بلدان غير عربية وشعوب غير عربية). وحين يشعر التعريبيون بنفحة من التواضع أو بوخز الأسئلة المحرجة والحقائق الصادمة فإنهم يقولون على مضض بأن “المغرب مزدوج العرق عربي أمازيغي” وبالتالي “مزدوج الهوية” (عندو جوج ريوسا). وأحيانا تنتابهم موجة من الكرم فيقومون بإدماج اليهود والأندلسيين في هذا الخليط الهوياتي العرقي الديني العجيب.
الحاصول: حكاية التعريبيين لا رأس لها ولا رجلين. فسيقولون لك أن المغرب عربي خالص حينا، ثم يستدركون بأنه عربي إسلامي، ثم يقولون أن المغرب عربي أمازيغي، ثم يزعمون أنه عربي إسلامي أمازيغي، لا بل سيؤكدون لك أن المغرب عربي إسلامي أمازيغي عبري يهودي أندلسي متوسطي أوروبي أفريقي آسيوي فوقاني تحتاني يمني عماني قطري سعودي فرنسي إسباني انفتاحي انخلاطي تمازجي تشاركي. ذلك هو الهذيان الهوياتي العرقي الديني للتعريبيين. لا راس لا ساس.
5) كيف يستخدم التعريبيون “العرق” كسلاح متعدد الاستخدامات؟
يستخدم التعريبيون “العرق” مثل سكين سويسري Swiss Army knife متعدد الاستخدامات كما يلي:
– التعريبيون يلصقون العرق بالأمازيغية لتحجيم الأمازيغية في “مجرد عرق” (وليس هوية وطنية وشمال أفريقية) ولتعبيد الطريق من أجل شتيمة كل من يدافع عن اللغة والهوية الأمازيغية للمغرب بأنه يحمل “مشروعا عرقيا” وأنه “يريد تقسيم المغرب عرقيا”.
– التعريبيون يستخدمون العرق لتفسير تاريخ المغرب ويكررون تلك الأسطوانة المشروخة حول كيف أن “المغاربة متمازجون أمازيغا ويهودا وعربا” وكأن المغرب هو البلد الوحيد على وجه الأرض الذي هاجرت إليه قبائل أجنبية أو كأن اليهود والعرب هما القبيلتان الوحيدتان اللتان هاجرتا إلى المغرب.
– التعريبيون يصرون على أن “الأمازيغ عرق” وأن “العرب عرق” وأن “اليهود عرق”. والحقيقة أن هذه ليست أعراقا بل هي شعوب أو إثنيات قبلية أو هويات وطنية تنتمي إلى أجزاء مختلفة من العالم. فبلاد الأمازيغ هي شمال أفريقيا (Tamazɣa)، وبلاد العرب هي شبه الجزيرة العربية في آسيا، وبلاد اليهود هي إسرائيل/فلسطين في آسيا. وكل هذه الشعوب الثلاثة نجد فيها ألوانا متعددة للبشرة وأشكالا متعددة للجمجمة. كل هذه الشعوب متعددة الأعراق أصلا، كل في بلده الأصلي.
– التعريبيون يقدمون العرق كتصور لصياغة هوية مغربية متشظية على أساس التعدد العرقي، بينما الأعراق لا تصلح أصلا لبناء وحدة وطنية. فمن يريد بناء الوحدة لن يركز على ما يشتت بل سيركز على ما يوحد الجميع بلا استثناء، ولن يركز على ما هو أجنبي دخيل بل سيركز على ما هو محلي أصيل. وهدف التعريبيين الحقيقي من تأسيس الهوية على الأعراق وربط الأمازيغية بالعرق هو ضمان مقعد للهوية العربية (كـ”عرق عربي” وهمي يلمحون إليه) في هوية المغرب وشمال أفريقيا. وما دام التاريخ والجغرافيا ضد عروبة شمال أفريقيا طولا وعرضا فإن المنفذ الوحيد المتبقي للتعريبيين هو العرق. ولذلك يصر التعريبيون على إنزال النقاش الهوياتي والتاريخي والحضاري إلى حضيض العرق. بدون خزعبلة “العرق الأمازيغي” وخزعبلة “العرق العربي” لا يتبقى للتعريبيين أي شيء يقولونه ولن يجدوا مفرا من الاعتراف بأمازيغية المغرب مثلما أنه لا يعقل إنكار عروبة السعودية.
إصرار التعريبيين على النزول إلى حضيض العرق يشبه مدمن مخدرات يريدك أن تنزل إلى مستواه المنحط لتدمن معه المخدرات وتتحول إلى زبون دائم له. فأنت مثلا إنسان ناجح في عملك لديك حياة جيدة أما ذلك المدمن بائع المخدرات فهو إنسان فاشل لا يستطيع منافستك في الحياة العادية وفي العالم المتحضر الراقي وإنما يريدك أن تنزل إلى مستواه المنحط لكي يشعر هو بأنه يتساوى معك في المرتبة الاجتماعية والنجاح المهني، ولا بأس من أن يربح منك بضع دريهمات بالمخدرات التي يبيعها لك. التعريبيون يريدون إنزال الأمازيغية إلى حضيض العرق لأنه المكان الذي يشعر فيه التعريبيون بالراحة والأمان والثقة. أما الهوية المغربية الأمازيغية المبنية على التاريخ والجغرافيا والانتماء للأرض المغربية الأمازيغية والشعب المغربي الأمازيغي (وليس الانتماء للسعودية العربية) فهو شيء يخيف التعريبيين ويجعلهم يشعرون بالغربة في المغرب.
– التعريبيون يعتبرون المغرب ابنا للعرب وابنا للحجاز أو يريدون تخيله كذلك وترويج صورته كذلك، لذلك فإنهم يستخدمون “العرق العربي” الوهمي كوسيلة للارتباط بأرض أجدادهم الحقيقيين أو المتخيلين في شبه الجزيرة العربية. فالمعروف أن الهوية الأمازيغية المغربية تعني الانتماء إلى المغرب الذي هو جزء من أرض الأمازيغ وهذا يقطع تماما أية صلة بالشعوب الأجنبية البعيدة كالعرب واليهود في آسيا أو الأندلسيين في أوروبا. أما التعريبيون فلا يعجبهم هذا القطع لأنهم سيشعرون بالضياع واليتم في المغرب وفي نفس الوقت يرفضون الاندماج في الأمازيغية. لذلك يريد التعريبيون جعل المغرب جزءا من العرب وتابعا للعرب يتبني قضايا العرب وحروب العرب لكي يشعروا بالأنس والألفة مع العرب (ولا داعي للتذكير بأن العرب لا يفهمون الدارجة المغربية ولا يعتبرون المغاربة عربا حقيقيين ولا يفهمون عقلية المغاربة بتاتا). والجوهر الأعمق لهذا المشكل الموجود لدى التعريبيين المغاربة هو أنه لديهم نفور عميق من اللغة الأمازيغية والثقافة الأمازيغية والهوية الأمازيغية غالبا ما يكونون قد استنشقوه وتشربوه خلال سنين تكوينهم العاطفي والتربوي والديني والدراسي في طفولتهم وشبابهم.
6) لا يوجد “عرق أمازيغي” ولا “عرق جرماني” ولا “عرق عربي” ولا “عرق صيني”:
نعم يوجد “عرق أبيض” و”عرق أسود” و”عرق أسمر” و”عرق أصفر” و”عرق أحمر” وألوان أخرى لا نعرف عددها. فهذه تقسيمات اعتباطية أو عشوائية ابتدعها البشر للتعبير عن ملاحظاتهم الانطباعية لألوان بعض المجموعات البشرية المتمايزة بوضوح فيما بينها. وهذه التقسيمات لا عيب فيها من حيث المبدإ لأنها مجرد تعبيرات تقريبية عن ألوان جلود الشعوب. فأنت حين ترى تفاحة خضراء فأنت تقول “هذه تفاحة خضراء” Ta d-tadeffuyt tazeyzawt. وحين ترى تفاحة حمراء فأنت تقول “هذه تفاحة حمراء” Ta d-tadeffuyt tazeggʷaɣt. وحين ترى تفاحة فيها شيء من الخضرة وشيء من الصفرة فقد تسميها أنت “تفاحة خضراء” وقد يسميها شخص آخر “تفاحة صفراء”، فهذه مجرد تعبيرات تقريبية عن لون فاكهة.
ولكن لا يوجد شيء اسمه “عرق أمازيغي” ولا “عرق عربي” ولا “عرق جرماني”.
فهذه شعوب إثنية أو قبائل تنتمي إلى جهات محددة: شمال أفريقيا (Tamazɣa) للأمازيغ، شبه الجزيرة العربية للعرب، شمال أوروبا للجرمان. هذه الشعوب ليست أعراقا (فالعرق لا إثنية له ولا جنسية له ولا لغة له ولا قبيلة له ولا هوية له ولا ديانة له). العرق (أي اللون والشكل) هو ظاهرة بيولوجية صرفة.
الأمازيغ والعرب والجرمان شعوب أو مجموعات قبلية تعيش في مناطق معينة تصادف أن أغلبية سكانها من هذا اللون أو ذاك مع وجود أقليات ذات لون مختلف قليلا أو كثيرا للجلد أو الشعر أو العينين أو ذات شكل مختلف للجمجمة.
وبالتالي فمن الحماقة أن نعتبر الشعب الأمازيغي عرقا. فالأمازيغ (سكان بلدان ثامازغا) فيهم أغلبية من فاتحي وبيض البشرة ونسبة مهمة من سمر البشرة وأقلية أخرى من سود البشرة. وكلهم في البداية والنهاية أمازيغ. فأين العرق الأمازيغي المزعوم هنا؟! لا يوجد شيء اسمه “عرق أمازيغي”. ونجد في الأمازيغ ذوي الشعر الأشقر وذوي الشعر البني وذوي الشعر الأسود. أين العرق الأمازيغي المزعوم؟! لا يوجد “عرق أمازيغي” وإنما يوجد شعب أمازيغي يعيش في قارة أفريقيا. فالأمازيغ أصلا متعددو الأعراق (أي متعددو الألوان والأشكال) منذ القديم ولا يصح اعتبارهم عرقا واحدا لأن ذلك حماقة وبلاهة.
ونفس الشيء نقوله عن العرب (سكان شبه الجزيرة العربية). حيث نجد بينهم ألوانا متعددة. وحتى إن غلب على جلد غالبية العرب لون معين أو على شعرهم لون معين فهذا لا ينفي أنه توجد في العرب عدة ألوان للجلد والشعر وغيره، ولا تهمنا درجة التفاوت بين الألوان أو درجة التقارب بينها فهي أشياء يحددها المناخ والشمس والغذاء في كل الكرة الأرضية. المهم أنها ألوان متعددة وليست لونا واحدا. إذن لا يوجد “عرق عربي” وإنما يوجد شعب عربي يعيش في قارة آسيا.
وكذلك نقول نفس الشيء عن الجرمان أو الشعوب الجرمانية (الألمان، الهولنديين، البلجيكيين، الدانماركيين، الإنجليز، النرويجيين …إلخ). حيث نجد بينهم ألوانا متعددة للجلد والشعر. وحتى إن غلب على جلد غالبية الجرمان لون معين أو على شعرهم لون معين فهذا لا ينفي أنه توجد فيهم ألوان أخرى للجلد والشعر وأشكال متعددة للجمجمة. فلا غرابة في أن تجد جرمانيا ببشرة بيضاء وشعر أسود تماما بجوار جرماني آخر ببشرة سمراء قليلا وبشعر أصفر مثلا. هل هذان عرقان مختلفان أم ماذا بالضبط؟! إذن لا يوجد “عرق جرماني” وإنما يوجد شعب جرماني متعدد الألوان والأشكال يعيش في شمال أوروبا.
7) الحاصول:
إذن، لا يوجد شيء اسمه “عرق أمازيغي” ولا “عرق عربي” ولا “عرق فارسي” ولا “عرق جرماني” ولا “عرق تركي” ولا “عرق كردي”. وإنما هناك شعوب أمازيغية وشعوب عربية وشعوب فارسية وشعوب جرمانية وشعوب تركية وشعوب كردية. وكل واحد منها متعدد الألوان والأشكال وليس متجانسا أبدا.
وكل الشعوب الضخمة المنتشرة على مساحات واسعة تكون متعددة الأعراق والألوان ولو بشكل طفيف أو متدرج. أما الشعوب الصغيرة جدا والمعزولة جدا فقد ترتفع فيها درجة التجانس اللوني والشكلي نسبيا ولكنها لا تبلغ أبدا درجة التجانس الكامل لأن التحورات الجينية مستمرة دائما وأبدا مع ميلاد كل طفل جديد.
العرق هو مجرد خصائص سطحية وشكلية للبشر تتلخص في لون البشرة والشعر والعينين وشكل الهيكل العظمي. والعرق هو تطور جيني بيولوجي مستمر وقديم جدا مرتبط بالشمس والمناخ والتغذية وهو سابق لظهور الشعوب والقبائل الإثنية ولغاتها. والعرق لا يعترف بتلك الشعوب ولا بلغاتها ولا بهوياتها وإنما يتحدد فقط بقوانين البيولوجيا والتأثيرات الشمسية والمناخية والمحيطية التي تؤثر على كل البشر والحيوانات والنباتات في أشكالها وألوانها.
التعريبيون يروجون لخرافة أن “الشعوب أعراق” ثم يحاولون إلصاق العرق بالأمازيغية واختزال الأمازيغية في “عرق” وجعل الهوية المغربية تدور حول العرق أو الأعراق لأنهم يريدون خلط الأوراق وتشويه الأمازيغية تمهيدا لرمي المدافعين عنها بالعنصرية والعرقانية. والهدف الحقيقي للتعريبيين هو إنكار الهوية الأمازيغية للمغرب وضمان مكان للعروبة في المغرب لكي يحتفظوا بوضعيتهم المحبوبة لديهم كـ”أجانب أبديين” أو كـ”جالية عربية حجازية” في المغرب.
التعريبيون يرفضون الاندماج في الهوية الأمازيغية المغربية المبنية على الأرض وأبناء الأرض والتاريخ والجغرافيا.
التعريبيون يرفضون قطع صلتهم بأرض أجدادهم الحقيقيين أو الخياليين في قارة آسيا لأنهم يعتبرون أنفسهم “أجانب أبديين” في
المغرب ينتمون إلى السعودية أكثر مما ينتمون إلى المغرب.
مبارك بلقاسم –المغرب
tussna@gmail.com