كيف يسطو عثمان سعدي و خشيم على المساهمة الأمازيغية في الحضارة الأوروبية و ينسبانها للعرب
بعدما رأينا في المقال السابق كيف اخترع فهمي خشيم وعثمان سعدي و اصدقائهما مصطلح “اللغات العروبية” (انظر مقالنا تفكيك مصطلح اللغات العروبية ) , نتناول اليوم بعض توظيفات هذا المصطلح السخيفة .
من بين هذه التوظيفات , الإدّعاء ان جذور الحضارة اليونانية-اللاتينية عربية و ذلك عن طريق السطو على الإسهامات الحضارية للأمازيغ في هذه الحضارة المتوسطية و نسبِها الى العرب .
بعد ان خلقوا خرافة “الامازيغية لغة عروبية ” كما رأينا في مقالنا السابق , قاموا اعتمادا على هذه الخرافة , بنَسب أي شخصية امازيغية كانت لها اهمية في التاريخ الأوروبي الى العرب . فالأباطرة و الباباوات و الكتّاب المشهورين من اصول أمازيغية هم دليل على كون جذور الحضارة الغربية عربية في نظر هؤلاء .
يقول هذان المهووسان بالعروبة ان جذور الحضارة اليونانية اللاتينية عربية , و عندما يُسألان عن الدليل يقومان بتعديد الأفضال الحضارية للأمازيغ على الحضارة البونانية-اللاتينية و هي مفارقة كبيرة لهذين الشخصين اللذان نذرا حياتهما من اجل انكار التاريخ الامازيغي و تحقيره .
في مقال بعنوان ” العربية هي أمّ اللغات و ثلثا كلمات اللاتينية عربية ” (جريدة الشروق 2017/04/17) يحاول عثمان سعدي اثبات الأصول “العروبية” للحضارة الرومانية فيذكر آراء المؤرخين الأوروبيين القائلة أن الشعوب البدائية التي سكنت اوروبا ” الليغور” و “الإتروسك” لم يكونوا هندوا-أوروبيين بل كانوا من اصول أمازيغية.
الشعوب التي سكنت شبه الجزيرة الإيطالية امازيغية , إذن فحضارة روما “عربية “, هذا هو منطق العروبي عثمان سعدي ! .
بالنسبة لليغور يورد عثمان سعدي ما قاله المؤرخ دوتان (G.Dottin) حول اصولهم الأمازيغية . فيكتب سعدي ” يقول دوتان أن الليغور هم بربر أيبير وإمبراطوريتهم كانت تمتد حتى وسط إيطاليا” . ثم يردف ” و يؤكد المؤرخون الأوروبيون بأن الإيبير ما هم إلا بربر أمازيغ هاجروا من إفريقيا إلى جنوب أوروبا ” .
ثم يحاول ربطهم بالمشرق بطريقة سخيفة عندما يقول ” ومن المعلوم أن تسمية نهر الرون في أصلها رودانوس وإذا حذفنا اللاحقة اليونانية سيصير الاسم رودان أي نسبة لنهر الأردن في بلاد كنعان ”
أما بالنسبة للإتروسك أو الإستروكيين (étrusques) و هم الشعب الأول الذي سكن شبه الجزيرة الإيطالية , فيقول عثمان سعدي “أما الإتروسك فجذر التسمية عروبي (بربري) وهو إسك وتعني قرن بالبربرية، ينتمون للعروبيين، وهم من أصل واحد مع الفينيقيين “.
اذا كان الإتروسك من اصول أمازيغية كما تذكره عدة مصادر تاريخية , فإن جذور روما أمازيغية . و لا علاقة لهم بالعرب و لا بالساميين (أو العروبيين وفق المصطلح السخيف الذي اخترعه سعدي و صديقه خشيم) .
و هو نفس ما ذهب اليه صديقه علي فهمي خشيم في كتابه “العربية اللاتينية , لغتين بعيدتين قريبتين” عندما اراد اثبات ان العربية كانت من اهم روافد اللاتينية رغم تكتم التأثيليين (علماء الاشتقاق اللغوي ) الأوروبيين على ذلك “لأسباب ايدولوجية”على حد زعمه .
يقول فهمي خشيم أن الإتروسكيين هم في الحقيقة قبيلة ليبية و يكتب “إذا كان عدد من الباحثين الغربيين يصرّ على ان اصل الإتروسكيين مجهول فإن عالما شهيرا هو “فنلندرز بيتري” يذهب الى أن هؤلاء ال” ترسينوي” ليسو سوى قبيلة “ترشا” الليبية التي صدّها الفرعون مرنبتاح أواخر القرن الثالث عشر ق.م عندما غزت من مجموعة قبائل ليبية أخرى وادي النيل فمضت غربا ثم أبحرت الى شبه الجزيرة الايطالية (Petrie A. History of Egypt) ” .
ثم يقول خشيم ان اللغة الإتروسكية التي كان لها تأثير كبير على اللاتينية ما هي في الحقيقة سوى أمازيغية قديمة . فيكتب ” و قد يدعم هذا الرأي ما ذهب اليه الباحث برنتون في مقالة شهيرة له عن صلة اللغة الإتروسكية باللغة الليبية القديمة و ابنتها البربرية في بحث شهير له “.
يعدّد بعد ذلك علي فهمي خشيم التأثيرات الأمازيغية على الحضارة الإغريقية فيذكر الرّبة “اثينا” و لباسها المأخوذ على لباس النساء الليبيات , و الإله بوسيدون و غيرها. فيقول : “إن هيرودوت نفسه يورد ألفاظا دخيلة على اليونانية و هو يذكر في معرض حديثه عن أخذ اليونان العجلات الحربية ذات الخيول الأربعة و ثوب أثينا الشهير عن الليبيين -الذين كانوا على احتكاك كبير بهم , خاصة بعد إنشائهم مستوطنة قورينا أواخر القرن السابع ق.م – يذكر أخذهم كلمات ليبية إلى جانب بوسيدون و “باتوس” (ملك) آيجس (درع) ” .
و يضيف خشيم أن الإغريق لم يكتفوا بأخذ لباس أثينا عن الليبيات إنما “أثينا” نفسها هي ربّة أمازيغية فيكتب “نضيف أن هيرودوت يقرر بشكل قاطع أن اسم الربة الإغريقية الشهيرة أثينا مأخوذ من اسم الربة المصرية/الليبية الأشهر (نت) و تأتي في صورة (أنث) عن طريق القلب المكاني. كما أن صفة أثينا ربة للحرب و القتال هي ذاتها صفة نث/أنث . كلا , بل إن رداء أثينا ذاته منقول عن رداء المرأة الليبية القديمة ” .
بعد كل هذه المقدمة , هل كان يريد علي فهمي خشيم ان يشيد بالإسهام الحضاري للأمازيغ في الحضارة اليونانية-اللاتينية ؟ كلا , بل كان يستدل بذلك على التأثير “العروبي” المهم على الحضارة الأوروبية !
إثبات عروبة اللغة اللاتينية عن طريق … الأمازيغية !
في كتابه هذا “العربية اللاتينية , لغتين بعيدتين قريبتين” يحاول علي فهمي خشيم بمحاولة إيجاد اصول عربية لأكبر عدد ممكن من كلمات “المعجم التأثيلي للغة اللاتينية” . و عندما لا يجد كلمة عربية تشبه الكلمة الللاتينية التي يريد تعريبها يبحث في اللغات السامية الأخرى : الآكادية , الآشورية , الفينيقية , العبرية الخ , فإن لم يجد يبحث في اللغة الأمازيغية .
و إليك هذه الأمثلة المضحكة التي يستدل فيها بالأمازيغية على “عربية” كلمات لاتينية :
-يقول خشيم مثلا أن كلمة “Maize” عربية لأنها مؤخوذة من الكلمة الأمازيغية “تامزت” (شعيرة , واحدة الشعير الذي يدعى “تمزين”).
– ” : Adacra نبات طبي , مقابله في العربية (في الشمال الإفريقي) : درياس . في اللهجة الأمازيغية “أدرياس” و هو نبت يعرف عنه في الجبل الأخضر في الإقليم الشرقي من ليبيا أنه يسمن الغنم ” .
يحاول إثبات الأصل العربي لكلمة لاتينية فيورد مقابل لها في … الأمازيغية ! .
-” Alauda : قبرة. في الأمازيغية الشلحية “العيوض” = قبرة . و الضاد مبدلة من الظاء في العربية العيوط.
-“Aesculus : صنف من شجر القرو (في اللاتينية quercus) . ذات صلة بesca كلمة متوسطية (نسبة الى البحر المتوسط ) قريبة من البربرية isker و في لغة الباسك eskur و في اليونانية askra ” .
– “Tegola : غطاء , ستر . لعلها من Tega/Toga . لكن أوريك بيتس في كتابه The Eastern Libyans (ص 79) يورد كلمة Thagul(is) الليبية القديمة (في البربرية الشاوية Thaguliah في صيغة عربية ) ….. ثم يقرر أنها قد تكون كلمة مقترضة في التعبير اللاتيني tugura numidarum (الأكواخ النوميدية)…”.
نُذكر هنا أن الكاتب لا يريد إثبات اقتراضات اللاتينية من الأمازيغية و إنما يريد اثبات ” وجود تكافؤ لفظي و قواعدي بين اللغتين العربية و اللاتينية” (العربية اللاتينية , لغتين بعيدتين قريبتين. صفحة 27 ).
– “Tibia : قصبة , ناي (آلة موسيقية ). قصبة الساق (عظم) . لا تأثيل لها. يذكر أوريك بيتس (O. Bates , The Eastern Libyans , p 203) نقلا عن كتّاب يونانيين و لاتينيين ان كلمة tibia من أصل ليبي وهي استعملت أولا تكريما لأم الأرباب “.
نكتفي بهذه الأمثلة التي تثبت لنا بشكل كاف سُخف و شطط نظريات فهمي خشيم التي لا ترتكز على أي أساس علمي . يمكن لقرّائنا مطالعة الكتاب أين سوف يجدون أمثلة كثيرة أخرى.
هذا المهووس بالعروبة الذي روّج لعقود أن الأمازيغية مجرد لهجة بائدة , لم يجد أي حرج في اللجوء الى القاموس الأمازيغي من أجل الخروج من الورطة التي وضع نفسه فيها .
سطو ممنهج على التاريخ الأمازيغي
أما عثمان سعدي الذي يقول انه لم يكن للأمازيغ أي مساهمة حضارية في تاريخهم الخاص و انهم مدينون للفينيقيين و للرومان بكل شيء , ها هو يذكر الأباطرة الأمازيغ الذين حكموا روما و البابوات من اصول أمازيغية الذين سيّروا الكنيسة الكاثوليكية لقرون .
لكنه بدل ان يقول انهم أمازيغ ها هو ينسبهم للعرب بطريقة فجة و سخيفة . فيكتب “فمع بداية التاريخ الميلادي حكم روما أباطرة عروبيون: تراجان (Trajan) سنة 97 م، ويستمر حكم الأباطرة العروبيين حتى 249 م فالأمبراطور سَبْطيم سفير Septeme severe الكنعاني، زوج جوليا (خوله) ابنة كاهن في حمص بسوريا، حكم العالم من مدينة لبدة الليبية الكنعانية وابنه كاركلا وهو اسم كنعاني. وقد حكم أباطرة بربر إيبيريون عروبيون روما مدة 116 سنة مستمرة. كما تولى البابوية ثلاثة من البربر وإيبيري سيّروا الكنيسة الكاثوليكية، الأول فيكتور الأول ابتداء من 189 م، وآخرهم جيلاس الأول من 492 إلى 496 م” .) العربية هي أمّ اللغات و ثلثا كلمات اللاتينية عربية , جريدة الشروق 2017/04/17)
و يختم عثمان سعدي مقاله قائلا : “الأوروبيين و لمدة خمسة قرون بنوا تراثهم على أن اليونانية واللاتينية هي الأساس للثقافة الأوروبية. ويرفضون من يأتي ليثبت لهم أن اليونانية واللاتينية مستمدتان من العربية” . نراهن أن جرائد مشرقية كانت سترفض نشر مثل هذه السخافات لو عُرضت عليها , فقط جريدة الشروق الجزائرية من يجرأ على ذلك .
نرى مما تقدم ان عثمان سعدي و علي فهمي خشيم بعد ان نذرا حياتهما من أجل محاربة التاريخ الأمازيغي و نفي أي مبادرة حضارية عن الأمازيغ , وجدوا في المصادر الغربية ما ينصف الأمازيغ و يعترف بإسهاماتهم في الحضارة اليونانية-اللاتينية . فما كان من عثمان سعدي و صديقه إلا محاولة إحتواء هذا التاريخ الأمازيغي و السطو عليه عن طريق ربط الامازيغ بالساميين بطريقة تعسفية ايدولوجية بحتة من خلال مصطلح ” اللغات العروبية ” .
سعدي و خشيم اخترعا مصطلح العروبية و ربطو الامازيغ بهم فقط من اجل السطو على التاريخ الامازيغي و نَسبِه للعرب .
هناك فرضية ثانية , أن هذان الدعيّان ليسا مقتنعان بما يكتبان , و أنهما مجرد مرتزقين كانا يكتبان ما يتلائم مع أهواء نظام القذّافي و غيره ممّن كان يمول هذه المؤلفات السخيفة التي كانوا يصدرونها .
يوغرطا حنّاشي