قسنطينة أمازيغية – ليبقية يا أستاذ سعدي
أود أن أرد على السيد عثمان سعدي والذي من خلال مجموعة من مقالاته، يحاول جاهدا ربط الجزائر وتاريخها بمعطيات بعيدة عن الدراسة العلمية في رأيي، واخرها كان التحريف الزماني لمجيء الفنيقين الى شمال افريقيا، في هذا المجال يقول الاخ ان الفينيقيين اتوا في النصف الاول من الالفية الثانية قبل الميلاد وهذا الكلام غير صحيح.
كل الدراسات وعلى رأسها كتاب الفنيقين والغربThe Phoenicians and the West للمؤرخة ماريا اوجينا، يعطي لنصب نورا Stele Di Nora والذي اكتشف سنة 1773 بجزيرة سردينيا، مدة اقصاها 730 سنة قبل الميلاد. وكل الكرة الارضية تعرف ان وصول الملكة اليزا الى السواحل التونسية اثر خلافها مع اخيها بيغماليون في صور اللبنانية، تزامن مع هذه الحقبة، كان من الاجدر والموضوعي ان لا نضخم الارقام والسنين ليجد القارئ نفسه خارج الاطار الزماني حتى في وجود مملكة صور في حد ذاتها. ولكن المميز في اطروحات الاستاذ هو التسلسل الغريب بين العروبيين – الكنعانيين – الفينيقيين الذين اتوا لإخراج البربر القحطانيين من العصر الحجري. الملاحظة الاولى هو ان الكاتب لم يعطينا في أي حقبة ظهر العروبيين الذين قسمهم في مقال آخر بين عدنانيين وقحطانيين، وهل ظهروا حقيقة، قبل الشعوب الامازيغية الليبيقية ؟ لنا المبادرة في الاجابة ولا نريد ان نستدل بكتاب غربيين لأننا ننتمي الى المؤامرة الفرنسية، ونفضل الذهاب لاستكشاف احسن عمل في تاريخ قبائل المملكة العربية السعودية، الاردن واليمن لصاحبه وهبي حريري الرفاعي ونأخذ المثال القحطاني. يحدد المؤرخ الحقبة القحطانية اساسا في ارتحالهم من دجلة والفرات الى اليمن في تسلسل للحضارات السبئية 800 الى 850 سنة قبل الميلاد ثم الحميرية بحوالي 200 سنة قبل الميلاد .اذا ربطنا البربر بالقحطانيين تسقط نظرية الكاتب عثمان سعدي، في الحقبة الزمنية التي تخدث عنها. ثم اذا حاولنا اخذ المراجع الجامعية كـ PrincetonUniversity الامريكية وخاصة في المعادلة Demography-Epigraphy نجد ان الامازيغ الليبيقيين كانوا اكثر عددا بكثير من كل سكان شبه الجزيرة العربية عند وصول الملكة اليزا، واقدم منهم بمئات السنين لماذا؟ لان التغيرات المناخية في المربع الامازيغي الممتد من جيزيس (Gyzis) 195 كلم غرب الاسكندرية في مصر الى السويرة (Mogador) بالمغرب، والذي يتوسع جنوب شرقا الى ان يصل القبائل الامازغية اوزو (Ouzou) وتيبستي (Tibesti) بتشاد وشمال دارفور بالسودان وجنوبا الى اودالن (Udalen) ببوركينافاسو، كل هذه المنطقة تعرضت لتغيرات مناخية سهلت الحياة وخاصة عند الامازيغي القديم المعروف بالصياد المقتطف chasseur- Cueilleur. لنا مدلول اخر ودامغ وهو السكان الاصليين لمنطقة الطاسيلي ومنطقة جرمة بليبيا الحالية. هنا لا أحد يستطيع ان يزايد على العمل الذي قام به Pierre Pinta حول الامازيغ الليبيين حين اعطى بعض الرسومات، عمرا يناهز الاربعة الاف سنة.
من الاجدر ان نوضح ان استعمال العجلة في جرارات قبائل غات جنوب شرق ليبيا كان قبل ميلاد عدنان الاب الاول لعرب الشمال والذين يتعرفهم الدراسات بالعدنانيين وهذا بـ 2500 سنة. فالعدنانيين كالقحطانيين لهم اصول واحدة في حوض الرافدين قبل ان ينفصل القحطانيين ويهاجروا جنوبا ومن انجازات ذريتهم سد مارب المشهور.
اما في قضية مدينة قسنطينة والتي حاول الكاتب ربطها بكلمة قيرطة الموجودة في العربية القديمة ومعناها قرية فهذا التعليل ليس لساني على الاطلاق. جميع الدراسات في اسماء الاماكن toponymie بالفرنسي تعطي صفة الامازيغي القديم اي الليبيقي Lybic لأسماء الاشخاص والاماكن التي تنتهي بA، دون ان ننكر بعض الخصوصية البونيقية في أسماء تنتهي ب AL كهيمبسال او هادربال. ثم انه ما هذا المعنى الجديد في التعريف الغير تاريخي للعربية القديمة لان كلمة قرية تعني قرية وهي آرامية الاصل ولم تتغير ولم تكن اطلاقا قيرطا، المشكلة ان الاستاذ الذي يدافع على العربية فشل في رصد التطور اللغوي للعربية منذ السنة 166 قبل الميلاد وانفصالها التدريجي عن الآرامية حتى نزول القرآن الكريم في 611 بعد الميلاد. اضف الى هذا دخول الجماليات والتحسينات خاصة في عهد العباسيين او بما يعرف بالانجليزي articulatory phonetics alteration اثر التأثير على لغات والتأثر بلغات وهذا ماجعل العربية لغة اوسع تتسم بخصوصية في علم الكلام. ان كلمة سيرتا حتى من ناحية التركيبة لا تخضع ابدا لمقياس عربي لان سيرتا اقدم والاكيد انها لا تختلف في منشئها عن مدينة Carteia التي اسسها هيركل Hercule جنوب اسبانيا على مضيق جبل طارق. يقول hesychius of Alexandria عالم القواعد اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد والمدافع على يونانية الاسماء، ان اسم هذا المكان كان يسمى قبل هزيمة هيركل في اسبانيا واندثار جنوده وهروبهم الى الضفة الجنوبية ب :Melicerta .يراها اخرون بونيقية الاصل اي اللغة التي انفصلت بدورها من الفينقية وتاثرت بالليبيقة الامازيغية. فلغة قسنطينة كانت اللغة الامازيغية والمعروفة بالليبيقية (Lybic Language) وهذا بالمفهوم الإقليمي – الديمغرافي والثقافي- رغم اعتراف المتخصصين في الكتابات الصخرية (Epigraphy)، ان اللغة البونيقية (Punic) والإغريقية القديمة (Hellenic) كانتا تستعملان في التجمعات الحضرية وكذا للتواصل مع مملكة قرطاج. وأحسن إثبات على ما نقول هي النصب الموجود في قلعة عتبان بأثار دوقة التونسية (Douga) أي الموطن الأصلي لماسينيسا .فلنذكر انه في سنة 1631، وفي هذا المكان تم العثور، بالاضافة الى مخطوطة صخرية بونيقية ، على مخطوطة صخرية باللغة الليبيقية القديمة تمجد ماسينيسا وهي موجودة الآن في المتحف البريطاني بلندن على شارع (G.Russel) منذ 1852. زيادة على ذلك اريد ان الفت الانتباه الى الجرد الجزئي لـ 1344 كتابة صخرية ليبيقية التي وجدت في شمال شرق الجزائر وتونس واشهرهم مزهرية تديس (Tiddis) بولاية ميلة بالقطر الجزائري. فوصول الملكة عليسة الى شواطئ تونس لم يكن البداية لتعلم الكلام لا لسبب الا وانها وجدت امامها الملك هيارباس الذي لم يكن ابكم وسمح لها بالاقامة وفق معاهدة جلد الثور في مكان بيرسة بتونس العاصمة .. وبيرسة تعني الثور بالفنيقية أي بلغة الفنيقيين الاوائل قبل ان يتأثروا بالامازيغ ويحدثون لغة تسمى البونيقية Punic. يقول الاميرال القرطاجي حنون (425 ق.م) في نصه المكتوب بالبونيقية على طاولات البرنز بقرطاج القديمة: جاؤوا فينيقيينPhoenicians وأصبحوا ليبين (Libyans).
ومن جانب اخر تأتي شهادة Chrysostom الفيلسوف والكاتب الاغريقي 155 -40 قبل الميلاد، في مذكراته، حين قال ان حنونAdmiral Hannon استطاع ان يحول سكان قرطاج من صوريان Tyrians الى ليبيينLibyans
الجامعي والأكاديمي زوايمية م. العربي. ثاڨاست (سوق أهراس) – نوميديا
المصدر: رأي اليوم