في نقض مشروعية الفتوحات الإسلامية
إنّ مسألة “الفتوحات” الإسلامية المزعومة، للشمال الإفريقي، على ما فيها من أخذ وردّ وجدل ومداهنة ومهادنة وتكلّف، أبسط من أن تسيل كلّ هذا الحبر. فقد كانت ببساطة غزوا عربيا، لا فتحا إسلاميا، والبيان أسهل ما يكون، والحجّة تكمن أصلا في التساؤل: هل الفتوحات الإسلامية المزعومة موافقة لما جاء في القرآن، المرجع الأول والأعلى والمحفوظ في التشريع الإسلامي؟!
سنجد الكثيريــــــن ممّن يتكلّفون الأعذار لتبرير الغزو العربي لشمال إفريقيا، المدّعَى فتحا إسلاميا، زورا وبهتانا، أو تحيّزا لعاطفة الدين التي زرعت في النفوس لتجعل كلّ مسلم عربيا، يتعاطف ويبرر ويتأول لكل ما اجترحه الأوائل وإن كان جريمة، وإن كان مخالفا لجوهر العقيدة الاسلامية؛ من أجل الرّد على الأوائل، وتوضيح المسألة للّأواخر فإنّ مقاربة الموضوع تقتضي أولا وقبل كل شيء، بما أنّ التسمية “شرعية” -أقصد تسمية “الفتوحات الإسلامية”- أن نثبت أوّلا وقبل كل شيء شرعيّتها. وهو ما لايمكن لوجود آيات قرآنية ثلاث؛
آية تقنن للدّعوة إلى الدين وتحددّ سبلها : (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالّتي هي أحسن، إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين) [النّحل – 125] هته هي الطرق المقرّرة في النص القرآني، للدعوة: الحكمة، الموعظة الحسنة، الجدال بالّتي هي أحسن، ولا أظنّها معانٍ تحتاج إلى تفسير أو تقبل التأويل بالقتال، والسلب، والسبي. ولا سبيل آخر للدّعوة، غير ما أقرّ القرآن في صريح نصّه، وما دون ذلك من التّكلّفات، باطل، يخالف القاعدة الشهيرة: لا اجتهاد مع النص.
آية تأمرُ بالقتال وتقيّدهُ على الدّفاع فقط: (وقاتلوا في سبيل الله؛ الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين) [البقرة- 190] وهنا أمر صريح بالقتال؛ قتالَ “الّذين يقاتلونكم” فقط، ونهيٌ عن العدوان، “ولا تعتدوا”، لا تبدؤوا العدوان، وتأكيد على النهي، بأنّ “الله لا يحبّ المعتدين”، والغزاة موضع حديثنا اعتدوا، أيّ أنهم خالفوا أوامر إلهية مباشرة، صريحة لا تقبل التأويل.
آية تؤكّدُ على مشروعيّة القتال دفاعا: (أُذِنَ للّذين يُقَاتَلونَ بأنّهم ظُلِموا، وأنّ الله على نصرهم لقدير) [الحج – 39] وهذا تأكيد آخر على أنّ القتال لا يكون إلّا دفاعا، وأنّ الله ينصر المظلومين، بل إنّ الأخذ بها منفردة يعطي الحقّ للمدافعين عن أرضيهم، في القتال دفاعا، ويؤكد على نصر الله لهم.
أخيرا، وباقتضاب هته الآيات المحكمات، من القرآن؛ المرجع الأول، الأعلى، والمحفوظ للتشريع الإسلامي، تضبط أمر الدّعوة، ثمّ القتال، وعليه فالمخالفون بدفع الجيوش إلى الشمال الإفريقي، وتقتيل أهله، وسلب أموالهم وسبي نسائهم، ارتكبوا جرما، بتجاهل، ومخالفة الأمر الربّاني، الصريح. إذن فالفعل أصلا لا شرعي. وبالعودة إلى القاعدة الفقهية : لا اجتهاد مع النّص، نجدّ أنّ كل التكلّفات الباردة التي يسوقها المخالفون لهذا الرأي، من إقحام للتاريخ في محاولة لاكتساب الشرعية بأثر رجعي، مع أن التاريخ نفسه، يثبت إجرام الغزاة المحاربين وساديّة قادتهم، وهمجية جيوشهم، أو محاولات لإلصاق الغزو بشخوص مقدّسة في التراث الإسلامي، لفرض هالة من الشرعية باسم الصحابة، والتابعين، أو تدليس وتأويل باطل لآيات بيّنات فيما يخالف هته المعاني. كل هته التكلّفات باطلة لا أساس لها ولا تجوز فيما هو أصلا مخالف للشرع الذي يحاولون نسبها إليه.
هكذا تُنسَف حججهم من الأصل، ولا يجوز، فعلا، التبرّير لفعل مخالف للشرع، ومحاولة تأويله، في ظلّ نصوص واضحة كالّتي سردنا.
ڨاسمي فؤاد