في نقض أسطورة مساعدة الأتراك للجزائريين
بعد الإستقلال قام المؤرخون الرسميون للدولة الجزائرية بتقديس حِقبة الدايات و تصويرها على أنها كانت فترة مزدهرة للجزائر وذلك بهدف إدانة و تسويد صورة الإستعمار الفرنسي .
هذه القراءة المُؤدلجة للتاريخ أفضت إلى المفاضلة بين إستعمارين و إعتبار الأول مجرد “تواجد ” رغم الجرائم البشعة التي إرتكبها طيلة ثلاث قرون .
و لتبييض التاريخ الإستعماري الأسود للعثمانيين في الجزائر , إخترع مُؤرخوا البلاط هذه العبارة الشهيرة : ” لا يمكن أن نعتبر الأتراك كغزاة لأنهم جاؤوا تلبية لطلبنا و تحريرنا من الإسبان” . هذه العبارة بالإضافة إلى سذاجتها – من يأتي بنجدتك لا يحتلّك ثلاث قرون- هي خالية تماما من الصحة كما سوف نرى في هذا المقال.
الإستسلام للإسبان و بناء قلعة البينيون El peñon
عندما سقطت مدينة بجاية تحت قبضة الإسبان يوم 6 جانفي 1510 , ذهب “سليم التومي” حاكم مدينة الجزائر إلى بجاية لإعلان ولائه للقائد الإسباني “بيدرو نافارو “.
إشترط هذا الأخير على سليم التومي دفع ضريبة باهضة و إطلاق سراح كل العبيد المسيحيين الأسرى في يد سكان المدينة , ومن جهة أخرى فرض بناء قلعة على تلال الجزر المقابلة لمدينة الجزائر و التي أصبحت تُعرف ب” البينيون El peñon” نسبة للصخور الصلبة التي بنيت فوقها .
بُنيت القلعة على شكل مُثمن وحُصّنت بحصنين و كان يربض فيها حوالي 200 جندي إسباني . كان موقع البينيون قريبا من مدينة الجزائر بحيث أن طلقات الأسلحة النارية تصل اليابسة و أن طلقات المدفعية تمر فوق المدينة من سور إلى أخر . ومهمة هذا الحصن هي مراقبة كل ما يجري من تحركات في البحر دون إنقطاع و منع القراصنة من إستعمال الميناء كملجأ . وبحسب أحد الأقوال الشعبية أنذاك, كانت البينيون شوكة في قلب كل جزائري[1].
للتخلص من هذه القلعة و نقض المعاهدة المجحفة مع الإسبان , فكر “سليم التومي” في الإخوة بربروس الذين كانوا يسيطرون على ميناء جيجل , و أعتقد أنهم أفضل من يساعده على تهديم القلعة .
إتفاقية سليم التومي مع “عروج”
أوفد سكان مدينة الجزائر عدة شخصيات بارزة لإقناع عائلة بربروس لمساعدتهم على القضاء على قلعة البينيون و الجنود الإسبان الموجودين فيها . يقول المؤرخ الأمريكي ” وليم سبنسر” : “وقد عُقدت إتفاقية بين سكان المدينة و حاميهم الجديد تحدد بمقتضاها أن تُحترم سيادة مدينتهم و أن لا يخضعوا لدفع أية أتاوة جديدة و لا لأي تدخل في تجارتهم و أن تكون مساعدة عروج مقصورة على إسترجاع صخرة (البينيون)“[2] .
يقول هاييدو ” وقبلت عائلة بربروس هذا الطلب و رأت في ذلك فرصة للإستيلاء على مدينة الجزائر الهامة و الغنية جدا و المأهولة بالسكان و خاصة كونها مريحة و مناسبة لعمليات القرصنة ” .[3]
سار عروج و إخوته بسفنهم و جيشهم نحو مدينة الجزائر و قبل أن يقوموا بمهاجمة قلعة “البينيون” , شنوا حملة على شرشال و طردوا منها القرصان “كارا حسن” الذي كان منافسا لعروج .
سكان الجزائر ينتفضون ضد عروج و جيشه و يعتبرونهم محتلين
عندما وصل عروج إلى مدينة الجزائر باشر بحفر خندق و نصب مدفعيته مقابل القلعة و بدأ هجومه عليها . غير أن ضعف مدفعيته منعته من تحقيق نتائج مُرضية.
وبعد عشرين يوما بدأ سكان مدينة الجزائر يضيقون ذرعا من تصرفات جنود عروج . يقول هاييدو ” ولم يتحمّل سكان المدينة تصرفات الأتراك لممارستهم العنف و السرقة و غطرستهم مما زاد الوضع سوءا” [4].
ويضيف وليم سبنسر “و لما رأى سليم تومي أن حكمه قد ذهب إنسحب إلى حماية قبيلته في المتيجة. و كان ذلك بمثابة مؤامرةلإخراج الزائرين الذين أصبحوا غير مرغوب فيهم و الذين
تطلّب سلوكهم تجاه السكان النظر إليهم كمحتلين عسكريين“.
عروج يغتال سليم التومي
يروي وليم سبنسر أنه عندما أدرك عروج أن سليم التومي قد إنسحب إلى المتيجة , عمل على إرجاعه إلى مدينة الجزائر مُظهرا له الولاء ثم شنقه بقماش عمامته وهو في الحمام لما كان هذا الأخير يتأهب لأداء صلاة الظهر . ويخبرنا مؤلف مجهول في حوليته “غزوات عروج و خير الدين” أن عروج قد روّج لكلمة فحواها أن سليم تومي كان قد إختنق في حمامه , فقام كل من الأتراك و الأهالي على إثرها و أخذوا أسلحتهم ثم ذهبوا برئيسهم على صهوة حصان إلى المسجد الكبير أين ودعوه الوداع الأخير كحاكم لمدينة الجزائر .
الخلاصة :
مما تقدم نستنتج أنه :
– قبل أن تستجد مدينة الجزائر بالإخوة بربروس , كان هؤلاء يستعمرون جيجل , كما كان القرصان “كارا حسن” يحتل شرشال كغيره من القراصنة الذين إحترفوا السرقة ونهب السفن التجارية و المحاصيل الزراعية للأهالي .
– إتفاقية سكان الجزائر مع عروج كانت واضحة و مقصورة على مساعدته لهم على إسترجاع قلعة البينيون فقط .
– إنتفاضة سكان الجزائر ضد الأتراك جاءت بعد 20 يوما فقط من دخولهم المدينة و كانوا يعتبرونهم كمستعمرين لأن هؤلاء القراصنة عاثوا فسادا في المدينة كما تقدم.
– كان دخول عروج للجزائر و مهاجمة قلعة البينيون يوم 12 أوت 1516 و إغتياله لسليم التومي كان في سبتمبر . أي أنه لم يمر أكثر من شهر عن دخوله المدينة ليغتال الحاكم الشرعي لها . هذا الإغتيال (régicide) دشّن حقبة ثلاث قرون من الإحتلال سوف يرتكب فيها “البايلربايات” , ” الدايات” , البايات” , ” و “الباشاغات ” …جرائم شنيعة في حق الجزائريين .
إذن , فالأتراك كانوا مجرد غزاة كغيرهم من الذين تعاقبوا على إستعمار الجزائر و أن الجزائر كانت طوال 3 قرون مستعمرة عثمانية . القول بأن الإستعمار العثماني كان مجرد “تواجد” لا يعدو أن يكون “دياثة هوياتية” و تمجيداً للإستعمار .
يوغرطا حنّاشي
[1] كورين شوفالييه , الثلاثون سنة الأولى لقيام دولة مدينة الجزائر 1510-1541
[2] وليم سبنسر . الجزائر في عصر ريّاس البحر
[3] هاييدو , تاريخ ملوك الجزائر
[4] نفس المصدر السابق