كلّما مررت بمدينة “عيون العصافير” أتذكر قصة طريفة حصلت معي منذ عدة سنوات في إحدى الثكنات العسكرية أثناء فحص الخدمة الوطنية . أحد الضبّاط في الثكنة في ذلك الوقت أراد أن يدردش قليلا مع الشباب الذين كانوا ينتظرون دورهم لإجراء الفحص . فكان يسأل كل واحد منهم عن المنطقة التي ينحدر منها إلى أن وصل إلى شاب من ولاية باتنة.
سأله : “من أي منطقة أنت ؟ ” . ” من باتنة” يجيب الشاب
ثم يضيف الضابط ” لدي أصدقاء شاوية كثر , من أي مدينة بالتحديد ؟”
” من عيون العصافير ” أجاب الشاب المسكين .
لينفجر الضابط ضاحكا : ” هاذي في السعودية ولّا في باتنة؟ ” .
لم يصدق الضابط و أغلبية الشباب الحاضرين أن تحمل مدينة جزائرية إسم “عيون العصافير” و ظنوا أن الأمر مجرد مزحة . أحد الحضور سأل متهكما الشاب إن كان متأكدا من أن الإسم موجود في الواقع حقا و ليس في إحدى أفلام الكرتون !
إن هذا الضابط و الشباب الحاضر لم يكونوا بقدر كبير من الثقافة و الوعي لكنهم فهموا بسهولة أن “عيون العصافير” لا يمكنها أن تكون اسما أصيلا لمدينة جزائرية (خاصة في قلب الأوراس) و أنها نتيجة لتعريب همجي لطوبونيميا أمازيغية .
الإدارة الجزائرية تلد مسخا طوبونميا و إداريا
لا يمكننا تحميل المسؤولية هذه المرة للإدارة الإستعمارية و إتهام “المكاتب العربية” السيئة السمعة بإختراع هذا المسخ الطوبونيمي لأن هذا الأخير خرج من أحشاء الإدارة الجزائرية .
البلدية تتكون اليوم من تجمعين حضريين : الرئيسي يسمى ” سيدي معنصر” و الفرعي ” عيون العصافير” .
– سيدي معنصر : أطلق السكان هذا الإسم على المنطقة تبركا بولي صالح مدفون في قرية “مريال” التي تبعد عن المكان بضع كيلومترات .كانت “سيـدي معنصـر” في عهد الإستعمار عبـارة عــن مستوطنــة مساحتهـا حوالـي 1000 هكتـار , كانت تحـت سلطـة بعض المعمِّرين الفرنسيين و عرفت بإسم قريـة ” السبع معمريــن ” . بعد توسعها أطلقت عليها الإدارة الفرنسية إسم ” لافـران ” نسبة إلى الدكتـور الفرنسي ” Laveran Alphonse” مكتشف دواء مرض الملاريا .
– “عيون العصافير” تجمع حضري قريب إلى مدينة باتنة عبارة عن قرية إشتراكية شُيّدت بعد الإستقلال في إطار ما كان يسمى بالثورة الزراعية . سنة 1995 تم ترحيل سكان بعض أحياء باتنة إلى المنطقة الأمر الذي تسبب في مشاكل عديدة للمسؤولين المحليين لإفتقار هذا التجمع الحضري إلى أغلب المنشآت القاعدية .
فوضى إدارية
كان من المفروض أن تحمل البلدية إسم “سيدي معنصر” لأنه التجمع الحضري الرئيسي و الذي يوجد فيه مقرها لكن الإدارة فضلت أن تطلق عليها إسم “عيون العصافير”. فمن يزور المدينة اليوم من الشرق تستقبله لوحة مكتوب عليها “مدينة سيدي معنصر ترحب بكم ” ثم بعد ذلك لوحة أخرى “المجلس البلدي لعيون العصافير” على مدخل البلدية وسط المدينة و عند المخرج الغربي يجد لوحة أخرى توجهه إلى “عيون العصافير” (التجمع الحضري الفرعي) على بُعد بضع كيلومترات .
أصل كلمة ” عيون العصافير”
لا يُستبعد أن يكون قد تم إختراع هذا الإسم في مختبرات الحزب الواحد في السبعينات و الثمانيات . فالأوراس كان ذلك الوقت تحت رحمة بيروقراطيي النظام البومديني العروبي الذين عاثوا فسادا في المنطقة في جميع المجالات .
كما يوجد احتمال آخر ان يكون إسم “العصافير” جاء من كلمة “آعصفور” الشاوية التي تُطلق على بعض يرقات الخنافس (larve de coléoptère) .
إن هذا التشويه الممنهج الذي طال الطوبونيميا الشاوية لعقود يجب أن يتوقف . كما أن الإدارة الجزائرية عليها مسؤولية كبيرة اليوم في تصحيح جرائمها الشنعاء التي إرتكبتها في حق الهوية الشاوية و ذلك بإعادة الأسماء الأصيلة للمدن و القرى و التخلص من مثل هذه التسميات التافهة و المُخجلة .
يوغرطا حنّاشي