عندما تُمجد الدولة الجزائرية الإستعمار العثماني
إحتفلنا يوم 11 نوفمبرالماضي بالذكرى المئوية لثورة الأوراس 1916 , إنتفاضة شكلت منعرجا حاسما في تاريخ الجزائر إذ رفع خلالها ثوّار آيث سلطان بمنطقة “بومڨر” شعار إستقلال الجزائر لأول مرة .
على خلاف الثورات الشعبية الجزائرية السابقة التي كانت وراءها الزوايا و الطرق الدينية , شكلت ثورة 1916 استثناءا حيث قاد “لصوص الشرف” (Les bandits d’honneur) كمسعوذ “أوڨزلماظ” و آخرون هذه الثورة التي كانت في البداية مجرد إنتفاضة ضد قانون التجنيد الإجباري لتصبح بعد ذلك ثورةً ضد الإستعمار للتحرر و الإنعتاق , لذلك يعتبر المؤرخون ثورة الأوراس 1916 أول إرهاصات الوعي القومي الجزائري و شهادة ميلاد الدولة الجزائرية الحديثة.
في نفس اليوم , أي 11 نوفمبر, نظمت جامعة بجاية بحضور رسمي كبير, تظاهرة من نوع آخر , إحتفالية مرور 5 قرون على “قدوم” الأخوين عروج إلى الجزائر .
“التواجد” العثماني و “الإستعمار” الفرنسي
في تصريح غريب جدا على هامش هذه التظاهرة , قال مدير المركز الوطني للأرشيف عبد المجيد شيخي أن “الاستعمار الفرنسي قد حاول طمس كل الآثار التي لها علاقة بالإسلام أو الهوية الوطنية التي توحدت و تأسست حسب رأيه في سنة 1516 على يد الأخوين عروج” .
ماذا يقصد السيد عبد المجيد شيخي ب”الهوية الجزائرية ” ؟
لماذا يعتبر التاريخ الرسمي الجزائري الرومان , و الوندال , و البيزنطيين و الفرنسيين “محتلين” فيما يعمل على تلميع التاريخ الأسود للأتراك في الجزائر و يعتبر إحتلالهم للجزائر مجرد “تواجد” ؟
كلمة جزائريين كانت تُطلق على أتراك أيالة الجزائر وليس على السكان الأصليين
يقول المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان :
” لقد أعطى خير الدين بربروس , لما يسمى بدولة الجزائريين وهو إسم كان يُطلق على الأتراك الذين إستقروا في الجزائر العاصمة , تنظيما عسكريا لم يخضع لتغييرات كبيرة حتى الغزو الفرنسي . كما في القسطنطينية شكلت الميلشيا الإنكشارية أو ما يسمى ب”الأوجاق” (بالتركية تعني الموقد) أساس الحكم….. كان يتم تجنيد الأوجاق من الرُعاع الاناضوليين , فيتحول هؤلاء الأوباش إلى أمراء في مدينة الجزائر ” .
أحصى المؤرخ و رجل الكنيسة الإسباني دييغو دي هايدو (Diego de Haëdo) الذي أمضى سنوات أسيرا في مدينة الجزائر , عدد منازلها ب 1220 منزلا تأوي حوالي 60000 نسمة , بالإضافة إلى 25000 أسير .يعتبر “هايدو” أن أغلبية السكان كانو أتراكا و “عُلوج” يعني من المسيحيين الذين إعتنقو الإسلام (les renégats).
يضيف شارل أندري جوليان أن السكان الأصليين الجزائريين كانو يمثلون أقلية في عهد “البايلربايات” و يحتلون أسفل السُلّم الإجتماعي :
“كان المزابيون يملكون الحمامات الشعبية , القصّابات و المطاحن , فيما كان القبائل عمّالا يوميين و أُجراء , البساكرة سُقاه و حمّالين , كانو يعيشون بباب عزون داخل أكواخ من القش أو ينامون في العراء“
كانت اللغة الرسمية في أيالة الجزائر في ذلك الوقت هي “التركية” ولا يمكن لغير الأتراك تبوء مراكز مهمة في الحكم , قبل أن يُسمح للكراغلة (من أب تركي و أم جزائرية) بذلك بعد أن إزدادت أعدادهم .
لكي يُمولوا دولتهم كان يعتمد أتراك الجزائر على القرصنة بالإضافة إلى سلب و نهب الجزائريين كما يوضحه شارل أندري جوليان :
” لم يكتفِ الباشاوات بعمليات القرصنة لكنهم توجهو إلى استغلال الجزائريين تدريجيا مع احتلالهم الأراضي الداخلية . إرتكز نظامهم على إستغلال المواطنين الذين أرهقوهم بالضرائب , بدعم من القبائل المخزنية الذين أنشئوها إبتداءا من سنة 1563 و ذلك بإرسالهم مع عساكر لنهب البلاد ….” .
لم يتمكن الأتراك من دخول جبال الأوراس طيلة 3 قرون من الزمن , فقد واجهتهم ثورات شعبية لم تنجح الحملات العسكرية العثمانية رغم وحشيتها في إخمادها .
لم تكن الجزائر “قوة كبيرة في حوض البحر المتوسط” كما لم تكن لها “مكانة مرموقة” بين الدول , كما تدّعيه كتب التاريخ المُؤدلجة و المقررات الدارسية الكاذبة , بل كانت تحت إستعمار مجموعة من القراصنة و”رُعاع الأناضول” يسمون انفسهم جزائريين (كما فعل الفرنسيون بعد ذلك) .
إن إحتفال الدولة الجزائرية بالذكرى 500 لبداية الإستعمار العثماني لأرضنا و تجاهل الذكرى المئوية لإنتفاضة الاوراس 1916 , يُعد تمجيدا للإستعمار و إحتقارا لبطولات إيشاوين و ثوراتهم ضد مختلف الغزاة و المستَعمرين .
يوغرطا حنّاشي
المراجع :
2–دييغو دي هايدو : تاريخ ملوك الجزائر 1612 Épitome de los Reyes de Argel