-كل الأحداث الواردة حقيقة تماما و لم يتم التصرف فيها بأي شكل و لأي ضرورة أدبية ,لغوية كانت أو درامية .
-أي إيحاء بالسخرية الوارد في بعض الفقرات ناتج لزاما عن مخيلة القاريء و الكاتب يتبرأ من أي مسؤولية .
-كل الطقوس و الشعائر بدون رخصة الواردة في النص لا تقع تحت طائلة القانون فهي ممارسات فردية غير تابعة لأي طائفة و لا تستوجب مقرا رسميا لأدائها .
-استهلاك التبغ مضر بالصحة و البيع للقصر ممنوع .
أحلام منتصف ليلة صيفية[1]
في منتصف ليلة صيفية عند سفح شليث[2] الجبارة بهيكلها و روحها ,رفض يوبا ابن أختي الشقيقة الذي لا يزال يراوح في فسحة عامه الأول ,النوم و قرر توديع والدته بحركات من كفيه الشهيتين ليلتحق بممَي[3] أو خاله الذي يحب و يفضّله على الجميع ,و بسبب الحر الخانق للأسبوع الثاني لجويلية قرّرتُ مجالسته خارج غرفتي في الفناء علَّنا نحظى بالحد الأدنى من الأكسجين اللازم للنجاة ,حينها لاحظ يوبا الصغير في الصفحة السوداء للسماء إلاها من آلهة الأزمنة الغابرة ,لقد لاحظ يوبا القمر بدرا لأول مرة ,حينها مستثيرا انتباهي أشار بسبّابته الى السماء و بدأ في محاورة مع القمر . لقد كان يتسامر معه كما اعتاد مع ممّيه و كأن صديقا جديدا دخل حياته في تلك اللحظة ,و كأن “يوبانا” قد و جد سيلينيه[4] باكرا كما وجدها يوبا الثاني مع الفارق حيث أن سيليني “يوبانا” لم تكن إمرأة تحمل إسما رمزيا بل كانت سيليني الأصل ,القمر بدرا في منتصف ليلة صيفية .
و هنا لم يستحضر الخال رائعة وليام شيكسبير و لا تاريخ يوبا الثاني و كليوباترا سيليني ,ولم تجل في بالي ولا خاطرة أركيولوجية أو رومنسية واحدة عن قبر الرومية[5] ,بل كل ما كان هو فقاعات حسية على شاكلة الحشوية العروبية في الأدب الحديث من عصافير تزقزق و النسيم يداعب الوجنتين ,فلم أكن جاهزا لأي تجربة ذهنية جادة فكل نشاط على مستوى المادة الرمادية عندي كان معنيا فقط بإيجاد أسرع طريقة ممكنة للحصول على لفافة تبغ , و أي تبغ ,إنه أمقسُوس[6] وما أدراك ما أمقسوس ,أما الحائل الوحيد بين الرغبة الجامحة و التجنّد الشامل لكل ملكاتي للظفر بالمرام ,كان تواجد طفل رضيع على الساحة ,المهم أني لن أدّعي التمثل بصورة المثالية و التمدن بهذا الموقف فرغم إدعائي الخوض في مستويات غير معهودة للذات الإنسانية كوني شاعرا مع وقف التنفيذ إلا أن الرغبة في لفافة أمقسُوس خنقت كل بذرة حية للتسامي الذهني الممكن لتلك اللحظة فلا رومانسيات تاريخية للعاشقين يوبا الثاني و كيليوباترا سيليني و لا واقع تكلم البراءة مع السماء صمدت في معادلة أمقسوس جزء من معطياتها ,فأمام أمقسوس تتجلى الوقائع بفجاجة ,فيوبانا المترعرع في ربوع “أفراقسو” بعيدا جدا زمانيا و مكانيا عن مركز العالم و بين أحضان ممِّي و المساعد الأول بابايا[7] فلا قيصر و لا أنطونيو يمثلان الأدوار الأساسية في تنشأته ,لن يحصل على القلب شرشال[8] عاصمة لملكه فكل ما يمكن أن يأمل له هو لقب يوبا الثالث أمير بوزوامل[9] و ما جاورها و لن تتجاوز حدود نفوذه أبعد من منازل مرتادي المسجد المحلي ,أما عن التصورات الشعرية لمحاوراته مع القمر فكما أشرت هي لا تتعدى براءة الطفولة فبمجرد تعلمه القراءة سينضج باكرا فيكفيه تهجئة صفحة أو اثنتين من كتب دوكنز في مكتبة خاله لتتجلى له حقيقة أن ضحكاتي تلك الليلة لم تكن معه بل عليه .
هوامش كوميديا سوداء
أمقسُوس فخر الصناعة الشاوية و لا فخر,لمن لا يعرفه هو بكل بساطة تلك المهاجرة عكس مسار رحلة كريستوف كولومبوس التاريخية ,القادمة من وراء بحر الظلمات ممتزجة بإبن شمال افريقيا البار مكافح التصحر الأول “زينبا”[10] ,فحين يلتقي الداء و الدواء في جرعة واحدة يكون التوازن مقدسا بامتداداته اللامتناهية لاهوتيا وغرائزيا فطقوس التبخير تتطور عكسيا عن ظاهريتها إلى تشعبات الباطن . أمقسوس الداء-الدواء موحّد المتقابلات طوطم ثقافتنا الطاوشاوية اللاواعية و الغير مؤسسة خارج شعائر اتخذت ملامح العادات و التقاليد حين أخذت الثقافة هيكل الفلكلور وسما .
أمقسوس كما هو دارج تختلف طرق إنتاجه أو طقوس تفعيل مكنوناته و تختلف معها التسميات ,ففي مناطق شمال غرب بلاد إيشاوين أو كما أسميها أرض فاظما ثازقاغث يتم تحميص زينبا قبل إقامة مراسم تزويجه كاثوليكيا مع قصاصات ورقة التبغ و يسمى عندهم “أبرزيلي” ,أما في التل فتترك نبتة التبغ لتنضج تماما و هي بجذورها متمسكة بأرض المهجر ليكون لون أمقسوس كما يسمى عندهم بنيا يذكر بالخريف أما عندنا فيسمى “الفاشكا” ,ورغم الإيحاء بالفجور الذي يطبع الاسم إلا أن الفاشكا تمثل خصوصية لسانية أولا و ثقافية ,فعندنا تقطف أوراق التبغ في ريعان شبابها مخضرة نضرة بكل عنفوانها ونزقها لتتخذ من الظل مرقدا برزخيا بعيدا عن أشعة الشمس المنضجة ليكون تطورها ذاتيا مستقلا عن أي مؤثرات خارجية أو أيادي أجنبية ,ليتم تقطيعها بسكين حادة قبل أن تمزج بأجود أنواع زينبا الجبلي المجفف ذو الأوراق الخضراء المنتفخة وليوجه مباشرة للاستهلاك . و لإستهلاك أمقسوس قصة أخرى ,فكما يقال عنه عندنا “أشريه وأشريلو وأشريلهم” ,أي أن لمرحلة التفعيل تشعبات تستوجب الخبرة و الالتزام من طرف المريد وكما قلنا هي قصة أخرى ستجد مجالا في تتمة النص أما ما يستفز قريحتي في هذا السياق هو أن هذه الممارسة الوثنية و التي لا تتماشى مع مقومات و ثوابت الأمة قد وجدت فسحة في اختراق واضح للمجتمع يذكرنا باجتياح “أقشَّابي”[11] قبل سنوات لشوارعنا بعد أن كاد ينقرض.
صحيح أنّ لِعودة أقشّابي ظروفها الموضوعية الخاصة ,فبسبب البرد الشديد شتاءا في بلاد إيشاوين و الذي لا يقاوم صقيعه إلا بالفودكا و شحم الفقمة ,وبما أن الفودكا رجس من عمل الشيطان و استيراد شحم الفقمة يمثل عبئا على خزينة الدولة حتى قبل حقبة التقشف ,فكانت الهبة الشعبية من المجتمع الشاوي هبة كرامة أولا و حفاظا على قيم الأمة فلا يمكننا القبول بضخ الأموال في خزينة أعداء الله الإسكيمو ,ثانيا بسبب العقيدة الوطنية الأسطورية المترسّخة في وجدان إيشاوين ترسخ جبال الأوراس الأشم – مع اعتذاري لأمغار- وهذا بعيدا عن أية تأويلات ميتافيزيقية مغرضة !!
وبحثا عن الأسباب الموضوعية لتغلغل أمقسوس مؤخرا في أوساط شبابنا “الأنّوش المدعوش” و دون الخوض في البديهيات كالأيادي الأجنبية و المؤامرة الماسونية الصهيونية الصفوية الأذربيجانية و بحثا عن مكامن الضعف في اللحمة الوطنية مركزية البنية ,اتفقت الجماعة على أن تكون الاجابة كالآتي ,و اعتراضيا فقط ليس تحليلنا هنا مؤدلجا في إطار ماركسية دغمائية بل جاهدنا أن يكون تحليلنا موضوعيا بمعطيات معاشة ,فالإقبال على أمقسوس و الذي تجاوز الظاهرة بمراحل ليصير ثقافة بكل أركانها ,راجع أساسا للدافع الاقتصادي أي بسبب الغلاء المطرد للتبغ المصنع تحت اللوائح و الإجرائات القانونية للجمهورية ,فالحاجة جعلت الشباب الشاوي و المتمركز في الآخر بامتياز يعود بصورة عجائبية لممارسات أهلية الطابع و التي كادت تنقرض بإنقراض بقايا جيل ما قبل الثورة في بلاد إيشاوين ,هذا ودون أن ننسى توخيا للموضوعية ,ضعف الوازع و الخطاب التوعوي الراجع لتراجع دور المسجد و المرجعية الوطنية مقابل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت مخبرا خصبا لإنتاج أسوأ أشكال التقهقر الأخلاقي و تمكين العادات المستهجنة في الضمير الوثني –عفوا- الوطني[12] .
معراجات على درب التنوير
وعودا على بدأ فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أمقسُوس و رغم كل الحيثيات و البيئة المثالية لحظيا للتفاعلات الشعرية و المستنطقة للغة الأدبية بكل قوة ,بقي هو المهيمن ,ك”يَهوى” إلاه التوراة الغيور كان , أمقسوس محرّما بفعالية تفرض هيمنته كل وصال مع ذات غيره فهو لا يحب الشركاء ,فالبدر كسر ضياءه على تخوم مخيلتي الممتلئة مقسوساً و لم تنفع معه لا وجدانيات التاريخ و لم تشفع عنده ملائكية الطفولة المتسامرة مع السماء ليتكرس كليا و دون تحفظات بل و خارج المدار المعهود القول المتواتر عن أمقسوس ,”تسامر معي لا مع غيري”[13] ,فنشوة الوصال معه تعتبر كالعشق عند العارفين بالله ,تبدأ و تتواصل بمجرد الرغبة و لكن بمثنوية عرفانية تستلزم تشييئا بطقوس و ممارسات وِردية (بكسر الواو) تبدأ باقتناء أمقسوس بتبغه المتناثر بين حطام أوراق زِنْبا رميما في مثواه يليه اقتناء الكفن المناسب أو كما تسمى في الطريقة الذخائر الجنائزية أو عند العوام ب”الماصّة” وبعد تشييعه حسب الشعائر المناسبة و التي تستلزم خبرة ممارسة ونضج تتوجه اجازة كهنوتية رسمية ,يتم التفعيل بإحراقه كطقس تطهيري متأني و مدروس المراحل ليتحول بتدرج الى رماد كرفات أحد غوروات[14] الهندوس .وبين البعث العنقاوي من الرماد وسمسارا[15] البوذيين يولد من جديد حالّاً(من الحلول) في حيزنا الفزيولوجي متقمصا ذواتنا بكل جزئياتها باعثا لحظة التنوير المرجوة ليكون أمقسوس ميتيريا[16] المنتظر و الذي تجلى على بلاد ايشاوين منذ قرون .
المنفستو
قد يعتقد البعض و تحت طائلة العنوان الفرعي أني سأُسم نصي بجمل على شاكلة “يا مدخني العالم إتّحدو” أو أني سأتحدث عن دكتاتورية المقسوس كبديل عن أوليغارشية السيجار أو عن الانعدام المثالي لفائض القيمة في كل الجوانب الاقتصادية ,إنتاجية كانت أو تسويقية في صناعة أمقسوس ,لكن سأقول لا بالتأكيد فبياني محكوم بسياقات النص ,فلو كان نصي دراميا لكانت ذروته العودة الملحوظة لأمقسوس في الأوساط الاجتماعية ,ففي إطار نظرة مادية للتاريخ يمكن اعتبار هذه العودة أو شبه الرجعة بمفهومها الديني لدى بعض الطوائف و النِّحل حتمية لتوافر ظروفها الموضوعية كالحتمية التاريخية لعودة و إنبعاث “أقشَّابيّ” من قبل بل وحتى إسم يوبا و الذي انقرض لقرون عاد ليصير إسما عاديا في سجلات الحالة المدنية ,والعقدة أو الإشكالية و التي سأطرحها خصيصا “للميليتوات و الميليطوهات” أي ضعافا و سمانا ,الناشطين في الفضاء الشاوي هي ,هل يمكن أن تتوافر ظروف ما تجعل ثشاويث تعود كلغة دارجة دون إكراهات إيديولوجية أو بالأحرى هل هناك ظروف موضوعية قابلة للإنتاج حتى ينقلب هذا التراجع المرعب للغتنا الأم الى اكتساح شامل حسب متطلبات السوق اللغوية كما فعل أمقسوس و أقشّابي من قبل كل في مجاله ؟ .ففي إطار الاشكالية اللغوية في شمال افريقيا عموما و التي صارت حربا أخذت طابعا طبقيا بامتياز تبدأ بطبقة النخبة الثقافية الفرونكوفونية تليها طبقة من النخبة المتسلطة سياسيا الداعمة و بكل قوة للعروبية المؤدلجة تحت غطاء التكريس اللاهوتي للغة ,لتليه خصوصا عندنا في الجزائر طبقة تيكنوقراطية قبائلية متغلغلة في مفاصل المنظومة تحتكر كل المجال و اللوائح القانونية المتعلقة بالأمازيغية لصالحها لتكون ثشاويث بعد ما يسمى لغة سوقية[17] في المؤخرة ,لغة غير معترف بها حتى في ضمائر الممارسين لها بل و حتى عند الفاعلين و الناشطين على المستوى الثقافي للبعد الأمازيغي في بلاد ايشاوين فصارت ثشاويث تعبر عن طبقة المنبوذين ثقافيا و إجتماعيا و صراحة إقتصاديا.
أما سياسيا فكل صاحب طرح أكاديمي أو على الأقل طرح جدي نسبيا فيما يتعلق بثشاويث في المقاربات اللغوية أو غيرها –وخصوصا غيرها- يعتبر مُهدِد رسمي للوحدة الوطنية و بناء النسيج العام للدولة أي النسخة المُجزأَرة لليعقوبية الفرنسية و يسقط تحت طائلة القانون كصاحب نشاطات من شأنها المساس بالأمن الاجتماعي و خالق لتشعبات و تعقيدات جديدة للقضية الأمازيغية ذات التراكمات التقليدية و التي تمثل مشكل قائم دون حلول الى اليوم رغم الترقيعات التشريعية و الجرعات التخذيرية التي لا يستفيد منها إلا طفيليات محترفة سياسيا و مرتزقة ثقافيا .
و في الأخير وليس آخراً هل يمكن ليوبا يوما ما أن يتسامر سواء مع سيليني القمر أو مستقبلا مع سيليني الحبيبة عفويا بثشاويث دون قهر الولاءات الحميمة مع خاله أو لنزق ثوري ما على واقع تهميشي لكل مختلف حسب المعايير الدارجة أو هل يمكن أن تشغل لغتنا الأم ملكاتنا كأمقسوس في أي لحظة مستفزة لنشاط ذهني ما ,أي لو توافرت نفس البيئة اللحظية لتلك الليلة الصيفية لأي شاوي صاحب ملكات ابداعية فهل سيتحول النص الى سيليني و ثشاويث ,و إيغالا في الإطناب البيداغوجي هل يمكن أن ينتج نص و لما لا نصوصاً كهذا النص بثشاويث تلقائيا من القرائح و دون دوافع الالتزام المبدئي التي تحكم الكتاب بثشاويث عادة ؟ .
و كنصيحة ختامية لكل مدخني أمقسُوس و كسرا لأي شعور بالدونية ,ليس غريبا و لا يبعث على الشعور بالتناقض انتاج صور شعرية و لحظات رومنسية أثناء مراقبة القمر رفقة لفافة أمقسُوس فالأحلام ليست محكومة لا بماركة أو ثمن سجائر صاحبها بل بالقدرة الفطرية على الحلم و فقط : “يا شباب إيشاوين احلمو ! ” .
Muḥ-Terri
أفراقسو(بوحمامة) 12-07-2017
هوامش :
[1] عنوان نص مسرحي لوليام شكسبير
[2] جبل قمته هي أعلى قمة في جبال أوراس و الثانية في الجزائر
كلمة شاوية تعني ابني و هي الاسم الذي يطلقه علي يوبا[3]
[4] كليوباترا سيليني زوجة يوبا الثاني و سيليني بالقبطية القديمة تعني القمر
[5] هو الاسم الشعبي لضريح كليوباترا سيليني
[6] هو من أهم محاور النص و سيستوفي حقه من التعريف في التتمة
[7] الاسم الذي يطلقه يوبانا على جده
[8] عاصمة موريطانيا القيصرية وكانت قبل تبديل اسمها الى قيصرية تسمى أيول وتعني القلب بالامازيغية
[9] قرية في سهل ملاڨو تابعة إداريا لأفراقسو
[10] العرعار بالعربية
[11] لباس وطني يعتبر مقاوم البرودة الأول
[12] في حال وجود أخطاء مماثلة يرجى تعميم التصحيح وفي الاتجاهين
[13] يقال عندنا بسبب كثرة انطفاء لفافة أمقسوس أنه يقول manes id-i maci id n yudan
[14] جمع غورو وتنطق الغين g وتعني المعلم الديني الكبير والمرشد الروحي عند الهندوس
[15] دورة التناسخات للوصول للنيرفانا
[16] المخلص المنتظر عن البوذيين أي ما يقابل المهدي عند المسلمين أو المسيح عند اليهود
[17] المعني هنا اللغة الأم لغالبية الجزائريين أو ما تعرف بالدارجة