توما سيرجيو يتساءل: هل شعب مولدوفيا مسلم وإلى العروبة ينتسب؟…
بعد فوز الرياضي “سيرجيو توما Sergiu Toma“ لاعب الجيدو “المولدوفي” الأصل، حامل الجنسيّة الإماراتية، بالميدالية البرونزيّة في الألعاب الأولمبية التي تقام حاليا في ريو دي جانيرو بالبرازيل (طالع التفاصيل). والّتي كانت أوّل ميدالية تحرزها دولة “عربيّة” خلال المنافسة الأولمبيّة، أجزم بأنّ غرف تحرير مختلف المواقع الرياضية والإخبارية والجرائد الصادرة بالعربيّة، وخاصة “العروبيّة” منها، قد وقعت في أزمة تحريرية خانقة، وحيرة لا حلّ لها، في اختيار “مانشيت” يليق بهذا النّصر “العربيّ” المظفّر الذي أحرزه أوروبيّ متجنّس.
بينما سخر بعض روّاد شبكات التواصل الاجتماعي من خبر إحراز “سيرجيو” المولدوفي الأوروبيّ لميدياليّة “عربيّة”، راح الكثير من متابعي الألعاب الأولمبية في دول الشمال الإفريقي والشرق الأوسط يهلّلون للنصر العربيّ في المنافسة، حامدين الله على توفيقه بطل الأمّة العربيّة “سيرجيو توما” في رفع راية العرب والمسلمين. في استعراض مبهر لنتائج عمليّة غسيل الدماغ المؤدلجة التي تعرضت لها “جماهير عريضة” عبر مختلف الوسائل.
الحقيقة أنّ الأمر، يتجاوز السخريّة، ويطرح للنقاش نقطة غاية في الأهمّية، حول مفهوم هذه “الأمة” “العربيّة” التي تصرّ على تكريسها أبواق السلطة في أكثر من 20 دولة، وتواصل تراكمات أدبياتها عمليّة دغمجة واسعة، جعلت من مواطني هذه الدول عبارة عن نسخ متطابقة تكرّر خلف “القائد” الميتافيزيقي الوهمي، شعارا واحدا: “العروبة”.
وإذا كانت محاولات تبرئة الأمازيغ والسريان والأقباط والأكراد من العروبة، تقابَل كالمعتاد، بخطاب تخويني لقّنته أدوات منظومة التعريب الدوليّة للجموع، في إطار حماية إيديولوجيّتها، فإنّ تبرئة “سيرجيو توما” المولدوفي هذه المرّة، آليّة لا يمكن لأحد أن يتهم خلالها الانفصاليين المولدوفيين الخونة الذين تدعمهم “إسرائيل” بإثارة الفتنة.
بعيدا عن التهكم، فإنّ السؤال الذي سيطرحه أيّ “عاقل” على نفسه طبعا هو : هل سيرجيو لاعب عربي؟ طبعا لا أصوله أوروبيّة. لكنّ جنسيّته إماراتيّة، يعني أنّه ينتمي إلى الأمة العربية. أي أنّه عربيّ بالضرورة. وهنا أسأل: هل “عربيّ” تعني عرقا أو قوميّة أو ثقافة أو دولة ؟ وهنا الأزمة.
إنّ عروبة “العرب” -العاربة والمستعربة- اليوم تطرح كأزمة مفاهيمية حادّة، اختلط فيها العرقي بالثقافي بالوطني بالأممي، عبر “خالوطة” نظريّات مفكّكة ضعيفة، ضحك بها أنصاف المنظّرين على عقول الملايين من الشعوب المغلوبة على أمرها عبر أنظمة عروبية شمولية دكتاتوريّة مارست القمع بأبشع أشكاله لفرض مفهوم “العروبة” على غيره من المفاهيم البديلة المطروحة كالأممية والوطنيّة.
ويبقى السؤال العالق الذي أدعوا منظّري العروبة، ومثقّفي النظام العروبيين المحافظين في دزاير وغيرها إلى الإجابة عنه مطروحا، للخروج من أزمة العروبة هذه التي يطرحها “سيرجيو” :
هل العروبة، مفهوم هيمنة عرقيّة أم ديمقراطيّة عرقيّة؟ وهل حان الآوان لاستبدال القوميّة العربيّة بأفكار أخرى أكثر أصوليّة وواقعية ومصلحيّة؟ أم أن الكذبة الكبرى أصبحت وأكبر من أن يقاربها أفراد “بحجمكم” بعد أن استعملتكم منظومة العروبة؟ أم أنّ مسائل الحرمة ولباس الفتيات في الشوارع أكثر أهميّة من إعادة ترتيب أفكار شعب بأكمله؟
مثقّفينا الأعزاء، كما عرّبتم الأمازيغ غصبا، وخوّنتم وكفّرتم كلّ من يشكّك في ذلك، أسألكم نيابة عن سيرجيو : هل شعب مولدوفيا مسلم وإلى العروبة ينتسب؟