ينعقد هذه الأيام ببلدية بوحمامة، بقلب آوراس، الملتقى الأول للفكر الاجتماعي، الذي تنظّمه جمعية “وطنية” تسمّى : أشراف الجزائر. أشراف الجزائر، ليست على نسق الأشراف الأحرار الذين اتخذو الشرف ميثاقا، لا يرضون بغيره، بل على وزن “نسب شريف” و”أهل البيت” أي أن غير المنظمين إليها وغير المنتسبين نسب أربابها “عامّة” بالمفهوم الفقهي. مساء اليوم، اتصل بي صديق يتساءل إن كان لي علاقة بجمعية تسمّى “جمعية أشراف الجزائر”، ظننت للوهلة الأولى أنها جمعية جديدة، تعمل في مجال ثقافي أو اجتماعي بعينه، لكن مفاجأتي كانت كبيرة عندما علمت معنى التسمية، وتوجه الجمعية وغطاءها، ونشاطها الأول في آوراس الذي استهدف القلب: بوحماما.
دون سابق إنذار حلّت قافلة من “الشرفة” كما يسميهم إيشاويّن أو “السادة الأشراف” كما يسمون أنفسهم من كلّ ولايات الجمهورية، على مدينة بوحماما، لتنظّم ملتقى لم يتم الإعلان عنه، ولا دعوة الساكنة إليه. قافلة توحي بفخامة رجال المال والمناصب النافذة المنتمين إلى الجمعية والوافدين إلى الملتقى، وكلّهم “أشراف سادة” طبعا، جاؤوا لينصّبوا مكتبا بلديا بالمدينة، يتشكّل أعضاؤه، شأنهم شأن بقية أعضاء الجمعية، من المنتسبين إلى النسل “الشريف” (إلى نسل آل بيت الرسول). حلّت القافلة بفندق شليا وشرع شباب “عرش” يدعي النسب النبوي في الدق على الأبواب “الشريفة” فقط لدعوة أبناء قبيلتهم “العربية” إلى الملتقى الحصري، بينما اهتم آخرون بتوزيع مجلّات “ثقافية” تحمل عنوان “أشراف” على المارة في أماكن بعينها. عمل أقل ما يمكن أن يوصف به : الفتنة، ففي منطقة تسودها أغلبية شاويّة عانت الأمرّين من كيد الزوايا المخزنية لقرون، وتكوين بشري ذو حساسيات قبلية كالتي تعاني منها المدينة، لا يمكن أن يكون هذا العمل إلّا استفزازا.
أدبيات الجمعية المنشورة في مجلتها الثقافية وصفحتها على الفايسبوك، لا تخرج عن سياق “النسب النبوي الشريف” وأشجار النسب، وفضل وامتيازات الأشراف على بقية العوام، وتأصيل مكانة الأشراف العليا في المجتمع، منها على سبيل المثال لا الحصر، النص الآتي:
في رأسي أسئلة كثيرة، لكن أهمّها؛ هل أضحت الساحة الثقافية في آوراس آمقران بهذه الضحالة؟ حتى تخترقها مثل هذه الأفكار الكولونيالية القديمة التي جعلت من الناس “سادة أشرافا” و”عواما عبيدا” يسبطر السادة على الأراضي بوضع اليد ويستحمرون الخلق بالطلاسم والتعاويذ والشيوخ، ويبايعون الأقوى، مذ وجدو؟
ولا أظن تاريخ الزوايا المخزنية التي انتشرت إبان العهد العثماني في دزاير، والتي كانت عونا للمخزن على سلب أموال إيشاويّن، وحربهم إذا تمنّعو، وهاهم اليوم يعودون. لا أستبعد أن تكون للجمعية علاقات وثيقة بمنظومة الخلايا الشيعية التي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم، ببلاد إيشاويّن، مهيكلة ذات تراتبية، وهته المرة ذات صفة قانونية رسمية، إن صدق ظنّي، تمارس هذه الجمعية وظيفة بعينها، وحده الزمن كفيل بالكشف عنها كليّا.
بينما أكتب هذه السطور تعيش مدينة بوحماما، حالة توتّر منقطع النظير، جراء النشاط المشبوه الذي عقدته الجمعية، أقول “مشبوه” لأن الملتقى لم يتم الإعلان عنه في بلدية بوحمامة، ولا دعوة الساكنة إليه، لأن “الأشراف” وحدهم لهم الحق في حضور هذا المحفل. خلايا الاستعلامات في الشرطة والمسؤولون المحليون والولائيون، يعانون حالة رعب مما قد يحصل، ونشطاء المنطقة ساخطون، على ما اعتبره عدد منهم، تسللا، واختراقا للمجتمع المحلّي الذي يحاولون كلّ جهدهم تخليصه من الفقر والجهل المكرّس من قبل دواليب الحكم في الأنظمة المتعاقبة، كولونيالية وجزائرية.
الجمعية التي تنطوي تحت لواء المجتمع المدني البوتفليقي الذي ساهم في نشر الجهل والخزعبلات واستحمار الناس، ليست اليوم إلّا مكيالا في مقياس توازنات بلاد إيشاويّن خاصة، فتأسيسها، وجعل مقرّها في مدينة قايس إحدى أهم الحواضر في آوراس آمقران، لم يكن صدفة ولا عبثا، عاجلا أم آجلا ستؤدّي هذه الخلية الدور المنوط بها، حين وجوبه، على أكمل وجه ولا أتمنّى بصراحة أن تجبرنا الظروف على حضور تلك اللحظة. في انتظار ذلك، تمارس مهيكلة ذات صفة قانونية، رغم أنها تحمل فكرا ووصفا عرقيا دينيا عنصريا، عملية انتشار ممنهجة للتمكن من حصّتها من المناصب المفصلية، بدءا بعمادة جامعة عباس لغرور بخنشلة، وهو هدف أكثر من حساس، أظنّ هذا الفكر، سيسيطر عليه عاجلا أم آجلا.
حين كتبت عن الاختراقات الدينية والفكرية للمجتمع الشاوي، لم يخطر ببالي أبدا أن الأمر سيصل إلى هذه الدرجة من الوضوح؛ أشراف وFIS! .. ظننت أنه سيحتاج إلى بعض الاطّلاع والتحليل ليكشف، لكنني أخطأت .. فاللعب اليوم على المكشوف. لتبقى بلاد إيشاويّن والمجتمع الشاوي، عرضة لعمليات تجاذب واختراق حثيثة، وما الاجتماع السرّي الذي عقده حزب الفيس في نسخته الثانية بقيادة مدني مزراق إلّا مظهرا من مظاهر الاختراق السلفي، وما هذا الملتقى وهذه الكيانات ونشاطاتها إلّا مظهرا من مظاهر الاختراق الشيعي.