في مقال سابق عنوانه “لا للقانون التنظيمي! الأمازيغية تحتاج العدل الدستوري والحرف اللاتيني” كنت قد بينت للقراء أن الفصل رقم 5 من الدستور المغربي يكرس ويشرعن “التمييز اللغوي” Language discrimination (بالأمازيغية: Tannarfa en tutlayt) لأنه يظلم اللغة الأمازيغية ويعاملها كلغة رسمية من درجة ثانية أقل مرتبة من العربية، ويجعل الأمازيغية لغة مؤجلة الترسيم ومحدودة الترسيم. كما أن هذا الفصل الدستوري الكارثي يرهن ترسيم الأمازيغية بشيء كارثي آخر اسمه “القانون التنظيمي” حيث يُفَوِّض كتابة محتواه إلى السياسيين ليحددوا مصير الأمازيغية حسب أيديولوجياتهم الحزبية. وهذا “القانون التنظيمي” سيكرس دونية الأمازيغية وسيكرس تأجيل وتقزيم ترسيمها وتسويف ترسيمها على مراحل طويلة الأمد. و يقزّم الفصل 5 من الدستور ترسيم الأمازيغية في ما يسميه “المجالات ذات الأولوية” بدل “كل المجالات”، وهذا شكل آخر من أشكال التمييز ضد الأمازيغية.
الفصل الدستوري رقم 5 كارثي لأنه يظلم اللغة الأمازيغية ظلما مركبا بمستويات متعددة:
– يعتبر الأمازيغية لغة رسمية ثانوية تحت العربية. وهذا تمييز فادح وكارثي.
– يفرض على الأمازيغية “قانونا تنظيميا” سيكتبه السياسيون وفق أجنداتهم الحزبية بينما لا يفرض أي “قانون تنظيمي” على العربية (ولا على الفرنسية). وهذا تمييز كارثي آخر.
– يقسّم ترسيم الأمازيغية على “مراحل” متعددة مستقبلية غامضة ومطاطة.
– يقزّم ترسيم الأمازيغية في “المجالات ذات الأولوية” بدل “كل المجالات”.
– يجعل ترسيم الأمازيغية مؤجلا إلى المستقبل (يستخدم عبارة “مستقبَلا”). وهذا التأجيل يفرغ الترسيم من محتواه تماما ويجعله ديكورا فارغا.
الفصل الدستوري رقم 5 كارثة فادحة على المغرب وعلى الأمازيغية وهو سبب تضييع وقت الأمازيغية وضياع حقوقها وتحولها إلى ألعوبة في يد الأحزاب. أما “القانون التنظيمي” فهو كارثة أخرى متفرعة من الفصل رقم 5 ستكون له عواقب وخيمة على الأمازيغية لأنه سيكرس المضامين الكارثية للفصل 5.
الأجدر بالدستور هو أن يعترف باللغتين الأمازيغية والعربية كلغتين رسميتين متساويتين بشكل قاطع وفوري بدون تأجيل ولا تقزيم ولا تمييز ولا “قانون تنظيمي” بيروقراطي تسويفي يضيع وقت الأمازيغية ويضعُها تحت رحمة السياسيين وأجنداتهم الحزبية.
إذن يجب علينا تعديل الفصل 5 من الدستور وتعويضه بصيغة عادلة تساوي بين الأمازيغية والعربية مساواة تامة ولا تقيّد الأمازيغية بأية قيود. ولكن كيف يمكن أن ننجز ذلك؟
الدستور المغربي الحالي يسمح لأربعة أطراف بالمبادرة باقتراح تعديل الدستور:
– المَلِك Agellid
– رئيس الحكومة Aselway Onabaḍ
– عضو واحد أو أكثر في مجلس النواب ijen wegmam niɣ ugar deg useqqim imarayen
– عضو واحد أو أكثر في مجلس المستشارين ijen wegmam niɣ ugar deg useqqim imessemtiren
ويقول الفصل رقم 172 من الدستور المغربي ما يلي:
“للمَلِك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور.”
وترجمته باللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني هي:
Yella ɣer Ugellid ed Uselway Onabaḍ ed Useqqim imarayen ed Useqqim imessemtiren yinezgi en tigawt en tsentayt afad ad tettwales Tmenḍawt
ويقول الفصل رقم 173 من الدستور المغربي ما يلي:
“لا تصح الموافقة على مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان، إلا بتصويت أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.”
Wer yettɣurud wassis en usumer en wallas en Tmenḍawt ay dd-yettawey yan wegmam niɣ ujar zi yigmamen en yun zi sin iseqqimen en Obeṛlaman, aysiladd es westay en tugut en sin wiss-kṛaḍ-twal en yigmamen ay zeg yettmun useqqim
“يحال المقترح إلى المجلس الآخر، الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم.”
Ad yettwasekk usumer ɣer useqqim yaḍen, ay et rad yessisen es tugut simantennes en sin wiss-kṛaḍ-twal en yigmamen ay zeg yettmun
أما إذا أراد رئيس الحكومة أن يقترح تعديلا للدستور فالفصل 173 من الدستور يقول ما يلي:
“يُعرَض المقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على المجلس الوزاري، بعد التداول بشأنه في مجلس الحكومة.”
Ad yettwasken usumer ay dd-yettawey Uselway Onabaḍ ɣer Useqqim Aɣelfan, tigira en ummeslay ɣef tɣawsa nnes deg Useqqim Onabaḍ
ويقول الفصل رقم 174 من الدستور المغربي ما يلي:
“تُعرَض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور، بمقتضى ظهير، على الشعب قصد الاستفتاء. تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء.”
Ad ttwamlen yisenfaren ed yisumuren en wallas en Tmenḍawt, es weswar en yijen umettwasuman, i Weɣref es usaɣʷed en tutra-usefru. Allas ad yili d-aggaran zdeffer en usikez nnes es tutra-usefru
إذن كما رأينا فإنه يمكن أيضا لعضو برلماني واحد أن يتقدم بمشروع لتعديل الدستور ويطرحه للتصويت على المجلس الذي ينتمي إليه (مجلس النواب أو مجلس المستشارين). فإذا حظي ذلك المقترح بأغلبية الثلثين يتم إرساله إلى المجلس البرلماني الآخر للتصويت عليه، فإذا حظي هناك أيضا بأغلبية الثلثين يتم طرحه على استفتاء وطني شعبي عبر ظهير.
إذن فحق اقتراح تعديل الفصل 5 من الدستور المغربي لإنصاف الأمازيغية ورفع الظلم والتمييز عنها من أجل مساواتها بالعربية مساواة تامة وجعل ترسيمها فوريا ونزع وضعية التأجيل والتقزيم عن ترسيمها وإزالة حاجز “القانون التنظيمي” عنها هو حق من حقوق البرلمانيين يعترف به الدستور. وهكذا يستطيع أي برلماني أن يقدم بمفرده اقتراحا لتعديل الفصل الخامس، وحينئذ سيرى الشعب المغربي من سيساند إنصاف الأمازيغية ومساواتها بالعربية ومن سيعارض ذلك، وسيرى المغاربة ما إذا كان البرلمانيون يؤمنون حقا بحكاية “الأمازيغية مِلك لكل المغاربة” أم أن ذلك مجرد شعار كاذب وفارغ لا يؤمنون به وإنما يتظاهرون بالإيمان به نفاقا ورياءا. فمن يؤمن حقا بأن “الأمازيغية مِلك لكل المغاربة” لن يقبل أبدا بأن تكون الأمازيغية لغة ثانوية تحتانية ومؤجلة الترسيم، بل سيناضل لكي تكون الأمازيغية في المقعد الأول متساوية بشكل كامل مع العربية وأن لا تقل مكانة الأمازيغية عن العربية (وعن أية لغة أخرى) بميليمتر واحد.
يجب على أي برلماني مغربي يدعي ويزعم أنه يساند إنصاف اللغة الأمازيغية وترسيمها ومساواتها بالعربية أن يبادر باقتراح تعديل الفصل 5 الظالم لتعويضه بصيغة دستورية عادلة واضحة من قبيل:
“الأمازيغية والعربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية ويجب على الدولة استعمالهما بالتساوي في كل المؤسسات والإدارات والمحاكم ويجب تدريسهما بالتساوي في كل المدارس لجميع المغاربة”.
مبارك بلقاسم – المغرب
tussna@gmail.com