تجد في أحيان كثيرا نفسك مجبرا على الخوض فيما تعزف عنه، ولكنّ الواقع يفرض، على ضوء متغيّرات بعينها، علينا أن نتحرّك رغم انعدام الرّغبة في أنفسنا أحيانا، والكسل أحيانا كثيرة. لكنّ الأمر وصل الحدّ الّذي يجب معه وضع النّقاط على الحروف، حتّى وإنْ كان ذلك يعني أن يغضب أو يمتعض البعض، لكنّ ذلك ضروريّ حتمًا فالدواء غالبا .. مرّ!
منذ أكثر من أربع سنوات، بعودته مجدّدا إلى النّشاط، جعل الحراك الآمازيغي في بلاد إيشاويّن بمختلف مكوّناته، من جمعيّات وتنسيقيّات وشبكات ونشطاء، من قضيّة تعليم اللغة الآمازيغية نقطة مطلبيّة أساسية في أجنداته وأرضيّاته المختلفة، وركّز كثيرا عليها في جميع تفاعلاته التوافقية والصدامية مع “النظام”. وبدأ حراكا جديدا، بعد سنوات من الرّكود، لأسباب كثيرة أهمّها، غياب ميكانيزمات تمرير القضيّة إلى الأجيال الجديدة، من أرضيّة هذا الحراك.
بالنظام؛ أقصد: المؤسسة الموكلة إليها مهام الوصاية والتسيير والإشراف على المسألة الآمازيغية في شطريها اللغوي والثقافي في دزاير؛ وهي المؤسسة الملحقة مباشرة برئاسة الجمهوية : المحافظة السامية للآمازيغية Haut-commissariat de l’Amazighité. والوزارات المعنية بالشأن الآمازيغي مباشرة، وفق ما حدّدته مراسيم إنشاء وتسيير المحافظة السامية للآمازيغية وهي : وزارة التربية الوطنية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة الإعلام والاتّصال، وزارة الثّقافة، ووزارة الداخلية والجماعات المحليّة.
تعليم اللغة الآمازيغية المقياس الوحيد…
تتشعّب مواضيع ومتغيّرات الشأن الآمازيغي في بلاد إيشاويّن كبقيّة بؤر المطالبة في الشمال الإفريقي، وتتفرّع بين الثقافة واللغة والتاريخ والآثار والبيئة والشباب… وليس موضوعنا التّفصيل في ذلك، وفي قلب هذا “الحراك” تتموقع مسألة تعليم اللغة الآمازيغية والّتي تعتبر عمود القضيّة الفقري. تدريسها بمتغيّرة ثاشاويث، في بلاد إيشاويّن، وفقا لما حددته سياسة الدولة في المرحلة الحالية، والتي تعود بدايتها إلى أكثر من خمسة عشر سنة، كان هو الحال، في انتظار الرسكلة والتوحيد والدسترة. ثم التعميم على كامل أرجاء البلاد، كما هو مقرّر من قبل الدولة.
ولأهميّتها، شغلت المسألة بال الكثير من النشطاء والمؤسسات المدنية المطالِبة، ولا تزال، محورا أساسيا في كلّ “عمليات” التفاوض بين الحراك والنظام. ولأنّ المحافظة السامية للآمازيغية، هي (بفعل النمط الّذي فرضته مراسيم الجمهورية ورضخ له “المجتمع المدني” المهتمّ بالشأن الآمازيغي في بلاد إيشاويّن) “الوسيط” بين المجتمع المدني ومختلف مؤسسات الدّولة، في الشأن الآمازيغي، و“الوصيّ” على مختلف جوانب المسألة.
ولأنّ تعليم اللغة الآمازيغية هو العمود الفقري للقضيّة وأهمّ محاورها، فإنّه بالتأكيد، المقياس الأساسي، وربّما الوحيد، الّذي يمكننا من خلاله تقييم مردودية نشاط الحراك الآمازيغي في بلاد إيشاويّن، وصدق وعود المحافظة السامية للآمازيغية في آن معا.
وعلى ما سبق، تحرّك منذ مدّة عدد من النّشطاء والهيئات المدنية، في مبادرة لفتح قنوات الحوار التي كانت مسدودة مع المحافظة السامية للآمازيغية، لتحصيل مطالب المنطقة، والحراك. وكان ذلك، فتحت جميع القنوات ورفعت رايات الصداقة وقيّدت المواثيق والعهود وأطلقت الوعود .. وعود كنت حاضرا في أوّلها، ولا أزال حيّا اليوم، بعد أكثر من سنتين من عودة المحافظة السامية للآمازيغية بقيادة أمينها العام : الهاشمي عصّاد إلى النشاط بقوة في بلاد إيشاويّن، لكن .. أين هذه الوعود؟!
حصيلة سنتين من نشاط المحافظة السامية للآمازيغية في بلاد إيشاوين
دون الخوض في التّفاصيل، يمكننا تلخيصُ وعود المحافظة السّامية للآمازيغية في : فتح مناصب مالية لتعليم اللغة الآمازيغية في جميع ولايات بلاد إيشاويّن وتسوية وضعيّة جميع الأساتذة الّذي يعانون من مضايقات إدارية محليّة وولائية. وكذا دعم النّشاط الجمعوي، الآمازيغي، في بلاد إيشاويّن ماليّا ولوجيستيكيّا وإداريا. والاشتغال على إصدار أكبر عدد من الكتب بمتغيّرة ثاشاويث، وفق المعايير العلمية، ودون قيد أو شرط. والعمل على دعم مختلف المشاريع الثقافية والفنيّة الناطقة بالآمازيغية في بلاد إيشاويّن.
مؤخّرا، أعلنت وزارة التربية الوطنية عن فتح مسابقة التوظيف بسلك التعليم الابتدائي، والمتوسط، والثانوي. ونشرت على موقعها، وعلى صفحتها الرسمية على فايسبوك، ملحقات بتعداد المناصب المخصصة لكلّ ولاية، في جميع المواد.
حساب بسيط سيمكننا من استنتاج حصيلة بلاد إيشاويّن المتكوّنة من 7 ولايات، والّتي كانت في مجملها : 11 منصبا في التعليم الابتدائي، و03 مناصب في التعليم المتوسط، و02 منصب في التعليم الثانوي؛ أي بمجموع 16 منصب لـ 07 ولايات هي : تبسة، خنشلة، أم البواقي، باتنة، بسكرة، سوق أهراس، وقالمة. في مقابل 310 منصبا لـ”بڨايث” (ولاية بجاية) وحدها! 16 منصبا لسبع ولايات في مقابل 310 منصبا لولاية واحدة! نعم هذه هي حصيلة وعود المحافظة السامية للآمازغية في بلاد إيشاويّن، وصولاتها وجولاتها الدعائية في بلاد إيشاويّن، لأكثر من سنتين…
لا يمكننا أن نعفي الحراك الآمازيغي في بلاد إيشاويّن من المسؤوليّة هنا، ولكنّي لمعرفتي به، أضعه، الأحرى أضع أطرافا فيه، موضع الوسيلة التي استعملتها المحافظة السامية للآمازيغية للترويج لسياستها الجديدة التي أثبتت حصيلتنا هذه أنّها محظ دعاية، وكمامة على أفواه المعارضين الّذين إذا تكلّموا شقَّ الصف، وإذا صمتوا تمادت هذه المؤسسة الحكومية في سياسة إقصاء جهويّ ممنهج مستعملة المال العام، في مصاريف، لنا عنها حديث آخر في المقال القادم.
من الموضوعيّ أيضا أن نضع في الحسبان معطياتٍ كثيرة، لتقييم خطة توزيع المناصب هذه، ولإطلاق الأحكام بحقّ الأطراف الثلاثة: وزارة التربية الوطنية، والمحافظة السامية للآمازيغية والحراك الآمازيغي الشّاوي. ولكنَّ وعود الهاشمي عصّاد التي تلقيّتها شخصيّا في أكثر من مناسبة، على انفرادِ وعلى الملأ في أكثر من محفل، ولأجل أكثر من قضيّة، تضعني موضع المتسائل، وذلك ما يجب أن يكون؛ ماذا قدّمت المحافظة الآمازيغية لبلاد إيشاويّن؟ أو الأحرى: هل كانت الـ HCA وسيطا بين الحراك الآمازيغي في بلاد إيشاويّن ومختلف مؤسسات الدولة من أجل ترقية اللغة والثقافة الآمازيغية أو سمسارا تاجر بأحلام النشطاء، الّذين كان الكثير منهم على قدر من السّذاجة، ورّطهم في “حبّها” على العمى، وجعلهم يشطرون السّاحة الآمازيغية في بلاد إيشاويّن إلى شطرين : شطر الموالات وشطر المعارضة؟
(يتبع…)