في مقال سابق عنوانه “هل تعلم أنه توجد 15 دولة علمانية دستوريا أغلبية سكانها مسلمون؟” رأينا أن المسلمين في 15 دولة كلها ذات أغلبية مسلمة قد نجحوا فعلا في أن يؤسسوا دولا علمانية ذات دساتير علمانية ديمقراطية تفصل بين الأديان والدولة، وتجعل الدولة محايدة دينيا لا تميز بين المواطنين على أساس أديانهم وعقائدهم وأيديولوجياتهم، وتضمن الحريات الدينية والعقائدية للجميع. وهذه الدول الـ15 هي: تركيا، السنغال، ألبانيا، بوركينا فاسو، كوسوفو، مالي، أوزبكستان، تشاد، غينيا – كوناكري، قرغيزستان، كازاخستان، أزربيجان، بنغلاديش، طاجيكستان، تركمانستان. ورأينا نصوصا من دساتير هذه الدول الخمس عشرة بلغاتها الوطنية والرسمية المختلفة (التركية، الأزربيجانية، الأوزبكية، الألبانية، الكازاخية، الطاجيكية، التركمانية… إلخ.) تؤكد على مبدأ علمانية الدولة وفصل الأديان عن الدولة وتضمن الحرية الدينية والعقائدية للشعب.
كما أن هناك دولة سادسة عشرة هي إندونيسيا التي تملك دستور علمانيا أو شبه علماني لا يعترف بأي دين رسمي للدولة ولا يذكر أي دين محدد بالاسم ويسمح لأي مواطن إندونيسي بالترشح لمنصب الرئاسة دون اشتراط أن يكون من دين معين. كما أن الدستور الإندونيسي ذهب أبعد من ذلك فقام بتحديد كيفية أداء الرئيس المنتخب للقَسَم الجمهوري خلال التنصيب، فوضع الدستور عبارة خاصة للرئيس المنتخب إذا كان يريد أن يقسم بالله، ووضع عبارة أخرى للرئيس المنتخب إذا كان لا يريد أن يقسم بالله ويريد فقط أن يتعهد على نفسه أمام البرلمان الإندونيسي. فالذين وضعوا دستور إندونيسيا وضعوه بعقلية علمانية ديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يترشح مواطن إندونيسي غير مسلم أو غير مسيحي أو غير هندوسي أو ملحد أو لاديني لمنصب رئاسة الجمهورية الإندونيسية.
وفي هذا المقال سنتعرف على النصوص الدستورية المتعلقة بالعلمانية والحرية الدينية في مجموعة أخرى من الدول العلمانية في العالم وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، روسيا، ألمانيا والهند.
وسنرى أن كل هذه الدول العلمانية تضمن في دساتيرها شيئين أساسيين:
– الفصل بين الأديان والدولة، وجعل الدولة محايدة دينيا تقف على مسافة واحدة من كل الأديان والعقائد ولا تميز بين المواطنين والمواطنات على أساس أديانهم أو عقائدهم أو تدينهم أو عدم تدينهم.
– ضمان الحريات الدينية والعقائدية لجميع المواطنين والمواطنات، حيث أن من حق كل مواطن أن يمارس أي دين وأن يعتنق أية عقيدة وأن يتخلى ويرتد عنها علنيا، وأن ينشر ويروج أي دين أو عقيدة في المجتمع بمحض إرادته، وأن يعبر عن آرائه حول ذلك كله، ويدخل في ذلك طبعا انتقاد الأديان والسخرية منها بكل حرية.
1) العلمانية والحرية الدينية في دستور الولايات المتحدة الأمريكية:
الولايات المتحدة الأمريكية هي أول دولة علمانية ديمقراطية في التاريخ، بالمعنى المتعارف عليه حاليا لـ”الدولة العلمانية الديمقراطية”.
اسم “الولايات المتحدة الأمريكية” بالإنجليزية: The United States of America واختصارها: USA أو .U.S، وبالأمازيغية: Iwanaken Imunen en Amirika واختصارها الأمازيغي: WMA أو WaMA.
يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 324 مليون نسمة في عام 2016. وحسب مؤسسة Pew Research Center فإن حوالي 78% من الأمريكيين يتبعون الدين المسيحي، وحوالي 16% من الأمريكيين لادينيون أو ملحدون.
يقول الدستور الأمريكي في التعديل الأول First Amendment الذي يندرج ضمن “وثيقة الحقوق” Bill of Rights الدستورية الأمريكية ما يلي:
Congress shall make no law respecting an establishment of religion, or prohibiting the free exercise thereof; or abridging the freedom of speech, or of the press; or the right of the people peaceably to assemble, and to petition the Government for a redress of grievances
وترجمته إلى العربية:
“الكونجرس [البرلمان الأمريكي] لن يخلق أي قانون متعلق بتأسيس [مأسسة] الديانة، أو بمنع حرية ممارستها؛ أو الحد من حرية التعبير، أو من حرية الصحافة؛ أو حق الشعب في التجمع سلميا، وتوجيه عرائض [مطالب] إلى الحكومة من أجل معالجة تظلماته [شكاياته].”
وترجمة النص الإنجليزي الأمريكي إلى اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني:
Agraw [Abeṛlaman Amirikan] urad yeɣnu kra en osaḍof yeqqnen ɣer wesmersel en wajjed, niɣ agdal en tililt tilellit nnes; niɣ azegzel en tlelli en wawal, niɣ en tɣamsa; niɣ inezgi en midden ad mmegrawen es tifrat, aha ad ttaren zeg Onabaḍ ad asen yessugdu tinurza nsen
2) العلمانية والحرية الدينية في دستور اليابان:
اليابان دولة علمانية ديمقراطية ذات نظام إمبراطوري (ملكي) دستوري برلماني يلعب فيه الإمبراطور (ملك اليابان) دور القائد الرمزي للأمة والدولة اليابانية، بينما توجد السلطة الحقيقية لدى الوزير الأول المنتخب والبرلمان المنتخب والسلطة القضائية، والسيادة توجد لدى الشعب الياباني.
اسم “اليابان” باللغة اليابانية: 日本, Nihon أو: Nippon وبالإنجليزية: Japan وبالأمازيغية: Yaban أو Yapan.
يبلغ عدد سكان اليابان حوالي 127 مليون نسمة في عام 2016. وحسب مؤسسة Pew Research Center فإن حوالي 57% من اليابانيين لادينيون أو ملحدون، وحوالي 36% من اليابانيين يتبعون الدين البوذي.
يقول دستور اليابان في الفصل رقم 20 باللغة اليابانية:
信教の自由 – 第20条信教の自由は、何人に対してもこれを保障する。いかなる宗教団体も、国から特権を受け、又は政治上の権力を行使してはならない。 2 何人も、宗教上の行為、祝典、儀式又は行事に参加することを強制されない。 3 国及びその機関は、宗教教育その他いかなる宗教的活動もしてはならない
Shinkyōnojiyū – Dai 20-jō shinkyōnojiyū wa, nanijin ni taishite mo kore o hoshō suru. Ikanaru shūkyō dantai mo,-koku kara tokken o uke, matawa seiji-jō no kenryoku o kōshi shite wa naranai. 2. Nan-ri mo, shūkyō-jō no kōi, shukuten, gishiki matawa gyōji ni sanka suru koto o kyōsei sa renai. 3. Kuni oyobi sono kikan wa, shūkyō kyōiku sonohoka ikanaru shūkyō-teki katsudō mo shite wa naranai
وترجمته إلى الإنجليزية (من الموقع الإلكتروني للحكومة اليابانية):
1 – Freedom of religion is guaranteed to all. No religious organization shall receive any privileges from the State, nor exercise any political authority
2 – No person shall be compelled to take part in any religious act, celebration, rite or practice
3 – The State and its organs shall refrain from religious education or any other religious activity
وترجمته إلى العربية:
“1 – حرية الدين مضمونة للجميع. لن تتلقى أية منظمة دينية أي امتيازات من طرف الدولة، ولن تمارس أية سلطة سياسية.
2 – لن يتم إجبار أي شخص على المشاركة في أي فعل ديني، أو احتفال، أو شعيرة أو ممارسة.
3 – الدولة وأجهزتها ستمتنع عن التعليم الديني أو أي نشاط ديني آخر.”
3) العلمانية والحرية الدينية في دستور روسيا:
روسيا دولة علمانية ديمقراطية. اسم “روسيا” باللغة الروسية: Росси́я, Rossiya وقد ينطق: Rassiya، وبالإنجليزية: Russia وبالأمازيغية: Rusya أو Arrusya.
يبلغ عدد سكان روسيا حوالي 146 مليون نسمة في عام 2016. وحسب مؤسسة Pew Research Center فإن حوالي 73% من الروس يتبعون الدين المسيحي، وحوالي 16% من الروس لادينيون أو ملحدون، وحوالي 10% من الروس يتبعون الدين الإسلامي.
يقول دستور روسيا في الفصل رقم 14 باللغة الروسية:
1 – Российская Федерация — светское государство. Никакая религия не может устанавливаться в качестве государственной или обязательной
2 – Религиозные объединения отделены от государства и равны перед законом
1 – Rossiyskaya Federatsiya — svetskoye gosudarstvo. Nikakaya religiya ne mozhet ustanavlivat’sya v kachestve gosudarstvennoy ili obyazatel’noy
2 – Religioznyye obyedineniya otdeleny ot gosudarstva i ravny pered zakonom
وترجمته إلى الإنجليزية (من الموقع الإلكتروني للمحكمة العليا الروسية):
1 – The Russian Federation shall be a secular state. No religion may be instituted as state-sponsored or mandatory religion
2 – Religious associations shall be separated from the state, and shall be equal before the law
وترجمته إلى العربية:
“1 – روسيا الاتحادية دولة علمانية. لا يمكن أن تتم مأسسة أي دين عبر رعايته من طرف الدولة أو عبر جعله دينا إلزاميا.
2 – المنظمات الدينية مفصولة عن الدولة، ومتساوية أمام القانون.”
ويقول دستور روسيا في الفصل رقم 28 باللغة الروسية:
Каждому гарантируется свобода совести, свобода вероисповедания, включая право исповедовать индивидуально или совместно с другими любую религию или не исповедовать никакой, свободно выбирать, иметь и распространять религиозные и иные убеждения и действовать в соответствии с ними
Kazhdomu garantiruyetsya svoboda sovesti, svoboda veroispovedaniya, vklyuchaya pravo ispovedovat’ individual’no ili sovmestno s drugimi lyubuyu religiyu ili ne ispovedovat’ nikakoy, svobodno vybirat’, imet’ i rasprostranyat’ religioznyye i inyye ubezhdeniya i deystvovat’ v sootvetstvii s nimi
وترجمته إلى الإنجليزية (من الموقع الإلكتروني للمحكمة العليا الروسية):
Everyone shall be guaranteed the right to freedom of conscience, to freedom of religious worship, including the right to profess, individually or jointly with others, any religion, or to profess no religion, to freely choose, possess and disseminate religious or other beliefs, and to act in conformity with them
وترجمته إلى العربية:
“كل شخص يملك الحق المضمون في حرية الضمير، وحرية العبادة الدينية، بما في ذلك الحق في اعتناق الدين، فرديا أو مع جماعة من الآخرين، أو عدم اعتناق أي دين، وحرية اختيار وامتلاك وترويج معتقدات دينية أو معتقدات أخرى، وحرية التصرف وفقا لها.”
4) العلمانية والحرية الدينية في دستور ألمانيا:
ألمانيا دولة علمانية ديمقراطية. اسم “ألمانيا” باللغة الألمانية: Deutschland وبالإنجليزية: Germany وبالأمازيغية: Aliman.
يبلغ عدد سكان ألمانيا حوالي 82 مليون نسمة في عام 2016. وحسب مؤسسة Pew Research Center فإن حوالي 69% من الألمان يتبعون الدين المسيحي، وحوالي 25% من الألمان لادينيون أو ملحدون.
يقول دستور ألمانيا في الفصل رقم 4 باللغة الألمانية:
1 – Die Freiheit des Glaubens, des Gewissens und die Freiheit des religiösen und weltanschaulichen Bekenntnisses sind unverletzlich
2 – Die ungestörte Religionsausübung wird gewährleistet
وترجمته إلى الإنجليزية (من الموقع الإلكتروني للبرلمان الألماني):
1 – Freedom of faith and of conscience, and freedom to profess a religious or philosophical creed, shall be inviolable
2 – The undisturbed practice of religion shall be guaranteed
وترجمته إلى العربية:
“1 – حرية الإيمان والضمير، وحرية اعتناق معتقد ديني أو فلسفي ستكون غير قابلة للانتهاك.
2 – الممارسة غير المقيدة للدين مضمونة.”
ويشتمل دستور ألمانيا الحالي أيضا على فصول إضافية موروثة عن دستور Weimar الألماني لعام 1919 متعلقة بالحريات الدينية والعلمانية ومنها الفصل رقم 136 (المندرج تحت الفصل 140 من الدستور الألماني الحالي) الذي يقول بالألمانية:
Der Genuß bürgerlicher und staatsbürgerlicher Rechte sowie die Zulassung zu öffentlichen Ämtern sind unabhängig von dem religiösen Bekenntnis
وبالترجمة الإنجليزية (من الموقع الإلكتروني للبرلمان الألماني):
Enjoyment of civil and political rights and eligibility for public office shall be independent of religious affiliation
وبالترجمة العربية:
“التمتع بالحقوق المدنية والسياسيةِ والأهليةُ لتقلد المناصب العمومية سيكونان مستقلين عن الانتماء الديني.”
وكذلك يقول الفصل 137 من دستور Weimar الألماني لعام 1919 (المندرج تحت الفصل 140 من الدستور الألماني الحالي) بالألمانية:
Es besteht keine Staatskirche
وترجمته بالإنجليزية (من الموقع الإلكتروني للبرلمان الألماني):
There shall be no state church
وترجمته بالعربية:
“لن تكون هناك كنيسة للدولة.” [لا توجد كنيسة للدولة، أي: الدولة لا تتبنى كنيسة رسمية، أي: الدولة لا تتبنى دينا رسميا.]
5) العلمانية والحرية الدينية في دستور الهند:
اسم “الهند” باللغة الهندية: भारत, Bhārat وبالإنجليزية: India وبالأمازيغية: Hindya أو Elhend أو Eřhend.
يبلغ عدد سكان الهند حوالي 1.29 مليار نسمة في عام 2016. وحسب مؤسسة Pew Research Center فإن حوالي 79% من الهنود يتبعون الدين الهندوسي، وحوالي 14% من الهنود يتبعون الدين الإسلامي.
يقول دستور الهند في الديباجة باللغة الإنجليزية (الرسمية في الهند):
We, the people of India, having solemnly resolved to constitute India into a sovereign socialist secular democratic republic …
وترجمته إلى العربية:
“نحن، شعب الهند، عازمون بصدق على تأسيس الهند كجمهورية ذات سيادة واشتراكية وعلمانية وديمقراطية …”
ويقول دستور الهند في الفصل 15 بالإنجليزية:
The State shall not discriminate against any citizen on grounds only of religion, race, caste, sex, place of birth or any of them
وترجمته:
“الدولة لن تميز ضد أي مواطن فقط على أساس الدين، العرق، الطبقة، الجنس، مكان الميلاد، أو أي واحد منها.”
ويقول دستور الهند في الفصل 16 (الفقرة 2) بالإنجليزية:
No citizen shall, on grounds only of religion, race, caste, sex, descent, place of birth, residence or any of them, be ineligible for, or discriminated against in respect of, any employment or office under the State
وترجمته:
“لن يتم استبعاد مواطن أو التمييز ضده فقط على أساس الدين، العرق، الطبقة، الجنس، الأصل، مكان الميلاد، الإقامة، أو أي واحد منها، فيما يخص الحصول على وظيفة أو منصب لدى الدولة.”
ويقول دستور الهند في الفصل 25 بالإنجليزية:
Subject to public order, morality and health and to the other provisions of the part, all persons are equally entitled to freedom of conscience and the right freely to profess, practise and propagate religion
وترجمته:
“مع مراعاة النظام العام والأخلاق والصحة والبنود الأخرى في هذا الجزء [من الدستور]، كل الأشخاص متساوون في استحقاق حرية الضمير والحق في اعتناق وممارسة وترويج الدين بحرية.”
مبارك بلقاسم
tussna@gmail.com