السنة الميلادية 2015 توافق السنة الأمازيغية 2965، والسنة الأمازيغية تعود مرجعية المواضعة على بدايتها إلى ما قبل الميلاد، أي إلى 950 سنة قبل بداية التقويم الميلادي.
للحديث عن هذا التقويم وعن هذه المناسبة احتفالا؛ هذه المناسبة التي بدأت تحظى باهتمام كبير في المغرب، وفي دول أخرى في شمال إفريقيا وفي بعض الدول الغربية، وتنظم خلالها حفلات كبيرة ومهرجانات دورية وجهوية؛ نستضيف الحسين آيت باحسين، أستاذ الفلسفة والباحث في الثقافة الأمازيغية، للحديث في هذا الحوار، عن أصل الاحتفال ودلالاته التاريخية والثقافية والاجتماعية والبيئية والرمزية؛ وكذا عن الطقوس التي ترافقه هذا الاحتفال السنة الأمازيغية الجديدة.
وفيه يشير أيضا إلى اليوم الذي يصادف فاتح يناير في التقويم الأمازيغي والتقويم الميلادي وهو يوم الرابع عشر من يناير الميلادي؛ كما يتحدث، ذات الباحث في الأنثروبولوجيا، عن الدلالات الرمزية للاحتفال بهذه المناسبة، وعن أهميتها خصوصا بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011 والاعتراف بالبعد الأمازيغي كبعد هام في الثقافة المغربية، وكذا في سياق المطالبة بإقرار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وعيدا وطنيا.
1 – هل لك أن تقدم لنا شرحا حول التقويم الأمازيغي وما علاقته بالتقويمات المعروفة في المغرب؟
في المغرب كما نعرف، هناك تعامل مع خمسة تقويمات: التقويم الهجري والتقويم العبري والتقويم الميلادي والتقويم الفلاحي والتقويم الأمازيغي؛ هذا الأخير يرتبط بالتقويم الفلاحي ارتباطا وطيدا. يعني أن الحديث عن التقويم الأمازيغي يستحضر بالضرورة التقويم الفلاحي. إذن هذه هي التقويمات الخمس التي يتعامل بها المغاربة. وكانت بعض اليوميات تتضمن هذه التقويمات تحت التسميات التالية: هجري، إداري، فلاحي وعبري. بعد ذلك تم الاقتصار على ثلاث تقويمات وهي: هجري، إداري وفلاحي، ليحل محل التقويم العبري، الذي كان يتم عليه التنصيص في بعض اليوميات، جدول لأوقات الصلاة. وبالنسبة للتقويم الأمازيغي هناك من يسميه بالتقويم الفلاحي، والواقع أنه غير ذلك، لأن رأس السنة الفلاحية هو يوم فاتح أكتوبر من السنة الميلادية؛ وبما أن رأس السنة الأمازيغية يصادف يوم 14 يناير الميلادي الكريكوري وبما أنه يحسب وفق شهور السنة الفلاحية من قبل المسنين والمسنات والفلاحين والفقهاء المهتمين بالعادات والتقاليد الشعبية فقد اختلطت الأمور على من لا يعرف بدقة فوارق هذه التقويمات المختلفة.
2 – هل هو تقويم شمسي أم هو تقويم قمري؟
لا بأس أن نربط الجواب بباقي التقويمات: فالتقويم الهجري، كما هو معلوم هو تقويم قمري، ونلاحظ أن التواريخ المرتبطة به تدور مع السنة ولا تبقى مستقرة نظرا لكون التقويم الميلادي هو المعتمد في تدبير الحياة الإدارية بالمغرب؛ والتقويم العبري يمزج بين التقويم الشمسي والتقويم القمري وتجري عليه نفس الملاحظة السابقة، خاصة وأنه يتكون من ثلاثة عشر شهرا؛ أما التقويم الميلادي فهو تقويم شمسي، وضمنه نميز بين التقويم الذي يسمى “التقويم الكريكوري” (calendrier grégorien) وهو ما يسميه المغاربة بالتقويم الإداري، أي الذي يتم العمل به في الإدارات و”التقويم اليولياني” (Calendrier Julien) الذي يبدأ في اليوم الرابع عشر من “التقويم الكريكوري”؛ وهذا التقويم اليولياني، كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا يتداخل مع كل من “التقويم الفلاحي” و”التقويم الأمازيغي” في تمثلات من لا يعرف الفوارق التقويمية الموجودة بينها، ولكن هذه التقويمات اليولياني والفلاحي والأمازيغي كلها تقويمات شمسية.
3 – وما هو الحدث الذي تم من خلاله التأريخ للتقويم الأمازيغي؟
في أواخر الستينيات، بدأت مجموعة من المناضلين الأمازيغ بالبحث عن حدث تاريخي يمكن اعتباره بداية للتقويم الأمازيغي، حدث تاريخي معروف ومؤرخ ومنصوص عليه كتابة؛ فاستعرضوا مجموعة من الأحداث تدعمها مجموعة من الدلائل الملموسة والمكتوبة وغيرها من الأدلة التي يمكن اعتبارها بداية للتقويم الأمازيغي، فاستقر رأيهم على حدث تاريخي للأمازيغ، ألا وهو وصول الأمازيغ إلى أعلى سلطة في العصر الفرعوني، إذ خلال حكم الأسرة الحادية والعشرين تمكن الليبيون (الأمازيغ) من بسط نفوذهم علي الوجه البحري بالهجرة السلمية وبزيادة الجنود الليبين في الجيش المصري؛ إضافة إلى زيادة ضعف الدولة وضعف ملوك الأسرة 21 المصريين؛ فزاد، نتيجة كل ذلك نفوذ الليبيين حتي تمكن أحدهم من الاستيلاء علي السلطة لنفسه وهو شيشونق الأول الذي أسس حكم الأسرة الثانية والعشرين التي ساد أثناءها أحد عشر ملكا فرعونيا أمازيغيا (من سنة 950 ق.م. إلى سنة 720 ق.م.). واستمر حكم الأمازيغية خلال الأسر الثالثة والعشرين (من سنة 837 ق.م. إلى سنة 762 ق.م. بثمانية ملوك فراعنة أمازيغينن)؛ لتليها الأسرة الأربع والعشرين (من سنة 732 ق.م. إلى سنة 720 ق.م. بملكين فرعونيين أمازيغيين). ثم الأسرة الخامسة والعشرين (من سنة 721 إلى سنة 653 ق.م. بخمسة فراعنة نوبيين)؛ وبعدها سيتمكن المصريون من طرد ملوك النوبة ويقبضون على زمام الأمور بمعونة الإغريق فيؤسسوا الأسرة السادسة والعشرين (من سنة 663 ق.م. إلى سنة 525 ق.م. بسبعة فراعنة مصريين)؛ وبعد حكم هذه الأسرة سقطت مصر في يد الفرس ليحكموها ما يقرب من 124 سنة. (ولمزيد من التفاصيل بصدد أسر فراعنة مصر يمكن العودة؛ على سبيل المثال؛ إلى هذا الرابط : أنقر هنا
وإلى الكتب الثلاث التالية :
“تاريخ إفريقيا الشمالية” للمؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان، (تونس، الجزائر، المغرب الأقصى، من البدء إلى إلى الفتح الإسلامي 647 م)، تعريب محمد المزالي والبشير بن سلامة، 1968، (انظر الفصل الخاص ب “دخول الليبيين لمصر، ص. 59 و60)، وصدرت الطبعة الثالثة منه سنة 1978.
أما الكتاب بالفرنسية فقد صدرت طبعته الأولى سنة 1931 تحت عنوان:
JULIEN, Charles-André (1931, 1966) Histoire de l’Afrique du Nord : Tunisie, Algérie, Maroc ; Bibliothèque historique, Payot, Paris (866 pages).
WILKINSON, Toby ( 2011) The Rise and Fall of Ancient Egypt (The History of a Civilisation from 3000BC to Cleopatra), Bloom Sbury, London, Berlin, New Yorh, Sydney, (646 page; voir surtout les pages 405 à 444).
ALLIOUI, Youcef (2013) Histoire d’Amour de Sheshonq 1er, Roi berbère et pharaon d’Egypte, contes et comptines kabyles, bilingue berbère – français, L’Harmattan, Paris (198 pages ; voir surtout les pages : 6 à 52).
وعودة إلى وصول الأسرة الثانية والعشرين؛ تجدر الإشارة إلى أن الأمازيغ استطاعوا أن يجمعوا بين السلطة السياسية والسلطة الدينية في مصر الفرعونية؛ هذه السلطة التي دشنها الأمازيغي “شيشونق” (أو”شيشانق” / “شيشناق” / “شيشونغ” / “شيشونگ”) الأول، باعتباره حاكما وفرعونا مجسدا ل”سلطة الفرعون”؛ حيث تم تبوؤ هذه السلطة باعتماد كل الطقوس التي تقام للفرعون إبان تسلمه السلطة. وبذلك أصبح شيشونق الأول، أول فرعون أمازيغي (أو الفرعون الفضي، نظرا لحجم الفضة التي عثر عليها بمقبرته، والتي وجدت بكامل كنوزها ولم تتعرض للنهب).
لقد ورث أبوه عن أجداده رئاسة الكهنة في طيبة وحمل لقب الكاهن الأعظم، وقام هو، أي شيشونق الأول، بتعيين ابنه كبير الكهنة (ٍ كاهن الكهنة) في معبد أمون وقائدا للجيش، الشيء الذي مكنه من الاطمئنان على امتلاك السلطتين السياسية والدينية؛ وبذلك يكون الأمازيغ قد استولوا على السلطتين الرئيسيتين في صعيد مصر في تلك الفترة. وأسس بذلك لحكم أسرته “الأسرة الثانية والعشرين” في عام 950 قبل الميلاد، الأسرة التي حكمت قرابة قرنين من الزمان. وقد عرفه الإغريق فسموه “سوساكوس”.
وتجدر الإشارة إلى أن قبل شيشونق الأول، كانت السيطرة، في أهم الميادين العسكرية والفلاحية، لسبعة أسر من أسلاف شيشونق الأول، وهؤلاء كانوا قادة كبارا في الجيش ومنهم كهنة كبار، ولكن الذي تسلم السلطة مراعاة للطقوس الفرعونية ومستوفيا لها هو شيشونق الأول، وذلك نتيجة لضعف الفرعون الذي عاصره شيشونق الأول. وقد كان شيشونق الأول ذكيا بحيث لم يقم بانقلاب ضد الفرعون في مرحلة ضعفه وأثناء حياته، بل هيأ كل أموره لتملك السلطة باعتراف الجميع عام 950 قبل الميلاد. إذ خلال حكم الأسرة الحادية والعشرون الذي دام مائة وثلاثين عاما تقريبا، عصفت الأحداث بمصر من الداخل والخارج وعم الفساد بالدولة، كما أنهكت الضرائب كاهل الشعب، مما أدى إلى تفكك البلاد ولم يجد الفرعون بُدّاً من محاولة حل المشاكل سلميا، واضطر من خلالها إلى مهادنة مع إسرائيل التي كانت قوتها تتعاظم في فلسطين تحت حكم داود، وفي هذه الفترة ظهر شيشونق واستلم مقاليد السلطة وتزوج ابنه من ابنة الفرعون بسوسنس الثاني آخر ملوك هذه الأسرة، وأعلن قيام الأسرة الثانية والعشرين. وبدأ بإنجاز برامج عمرانية مهمة لا زالت موجودة إلى اليوم؛ كما سجل على جدار معبد الكرنك انتصاراته الساحقة على إسرائيل، وقد حفرت هذه الرسوم على الحائط الجنوبي من الخارج. وبهذه الفتوحات والغزوات يكون شيشونق الأول قد وحد منطقة مصر والسودان وليبيا والشام في مملكة واحدة لأول مرة، ونقوشه تصور ما قدمته هذه الممالك من جزية بالتفصيل وبتحديد حسابي دقيق، مما يؤكد أنها لم تكن مجرد دعايات سياسية طارئة كما يتضح أن شيشونق الأول لم يضم الشام كلها فحسب بل ضم أيضا السودان.
ولقد ورد ذكره في التوراة (ملوك أول 14/25ـ 28)، واصفا ما قام به من انتصارات في فلسطين وما استولى عليه من كنوز هيكل سليمان. ويتبين من ذلك ومما سجله على معبد الكرنك، أنه كان حاكماً قوياً رفع من شأن مصر، وكان يريد بسط نفوذ مصر على غرب آسيا، فسيطر على لبنان وفلسطين. وقد كان إلى جانب يربعام من قبيلة إفرايم، الذي يرى أنه أحق بالمملكة من النبي سليمان، فثار على سليمان بعد أن منحه شيشونق الأول الحماية، وذلك على الرغم من العلاقة الطيبة التي كانت تربط شيشونق الأول بسليمان (وكانت تربطه به أيضا علاقة المصاهرة بحيث تزوج سليمان بابنة شيشونق الأول)، وبعد موت سليمان استطاع يربعام أن يتولى قيادة عشرة قبائل عبرانية ويستقل بها وسماها المملكة الشمالية. وفي عام 926 قبل الميلاد ،وبعد موت سليمان بخمسة سنوات، قام شيشونق الأول، ملك المملكة الجنوبية، بمهاجمة رحبعام بن سليمان ونهب كنوز الهيكل، وقد دمر القدس وسبا أهلها وأخذ كنوز بيت الرب يهوذا وبيت الملك، وآلاف الأتراس الذهبية المصنوعة في عهد الملك سليمان، كما قام بحملات خاطفة دمر فيها عشرات المدن اليهودية والمستعمرات التي في سهل يزرل وشرقى وادي الأردن، كما يبدو أنه هاجم المملكة الشمالية أيضاً، وتدل النقوش التي على معبد الكرنك أن شيشونق الأول هاجم كل فلسطين فأخضع فيها مائة وستة وخمسين مدينة، وقد دونت أخبار هذه الحملة على جدران معبد الكرنك في مصر.
وقد اعتبرت المجموعة، المشار إليها أعلاه، هذا الحدث التاريخي بداية التقويم الأمازيغي واعتبرت سنة 950 بداية التقويم الأمازيغي.
4 – ما هي السنة الأمازيغية الموافقة للسنة الميلادية 2015؟
السنة الأمازيغية الموافقة لسنة 2015 الميلادية هي سنة 2965 ، بمعنى أننا نظيف للسنة الميلادية الجارية 950 سنة، لأن الحدث الذي اتخذ مرجعا وقع 950 سنة قبل الميلاد.
5 – ما هي التسمية التي تطلقونها على التقويم الأمازيغي؟
في هذا الصدد ينبغي التمييز بين “التقويم الأمازيغي”؛ الذي تم تحديده وتحديد مرجعيته أعلاه، مثل ما فعلت كل الشعوب التي تتوفر على تقويمات خاصة بها، انطلاقا من حدث ثم اعتباره مرجعية له بشكل اعتباطي؛ وبين الاحتفال ب “ئناير” الذي يوافق السنة الأمازيغية من حيث هي “بداية السنة الأمازيغية”. فإذا كانت مرجعة “التقويم الأمازيغي” معروفة، فإن الاحتفال ب “ئناير” (أو ئخف ن ؤسكّاس) أو ما يصطلح عليه ب “رأس السنة الفلاحية” أو “بداية السنة الفلاحية” معروفة أيضا في مختلف مناطق بلدان شمال إفريقيا (أو ما يسمى ب “تامازغا”) ويوافق “بداية التقويم اليولياني”. ئخف ن ؤسكّاس” (رأس السنة الأمازيغية أي بداية السنة الأمازيغية؛ ويطلق عليه أيضا “أسكّاس أمازيغ أماينو” (أي السنة الأمازيغية الجديدة). ويقابل هذه التسمية عند الإيرانيين “النيروز” (الذي يعني بالفارسية اليوم الجديد وهو عيد وطني لديهم).
كما نلاحظ ترادفا بين مصطلحي “السنة الأمازيغية” و”السنة الفلاحية”، ذلك لأن “السنة الأمازيغية” مرتبطة بالدورة الفلاحية وبما ما يقام من طقوس خلال دورة السنة الفلاحية، في كل من فصل الشتاء وفصل الربيع وفصل الصيف وفصل الخريف. وذلك لأننا نجد أن هناك طقوسا مرتبطة بكل فصل من هذه الفصول. ففي فصل الربيع، وبالضبط في شهر مارس مثلا، نجد مجموعة من الطقوس الاحتفالية الخاصة بالشباب، سواء أكانوا فتيات شابات أو فتيانا شبانا، وهي طقوس احتفالية مرتبطة بالخصوبة. وفي فصل الصيف تقام طقوس ما يسمى ب “تاعنصرت” أو “لعنصرت”. ولفصلي الخريف والشتاء أيضا طقوسهما، حيث نجد مجموعة من الطقوس المرتبطة بالدورة الفلاحية والتي تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الفصول. وبهذا المعنى إذن ترتبط “السنة الأمازيغية” ب “السنة الفلاحية”.
أما مصطلحات “ئنّاير” و”ئض ن ئنّاير” و”ئخف ن ئنّاير” و”ئض ن ؤسكّاس” و”ئخف ن ؤسكّاس” و”حكوزة” وغيرها من المصطلحات التي تختلف باختلاف المناطق التي يتم الاحتفال بها، فهي مرتبطة بالاحتفال، أكثر منها بمصطلحي “السنة الأمازيغية” أو “السنة الفلاحية”. وأما في ما يتعلق ببداية ظهور واستعمال مصطلحي “التقويم الأمازيغي” و”السنة الأمازيغية”، فيعود الأمر إلى أواخر الستينيات حين قررت الحركة الثقافية الأمازيغية أن تجعل بدايته في ارتباط بالحدث التاريخي الذي تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه.
6 – هل هناك اتفاق على رأس السنة الأمازيغية أي بدايتها، يعني هل هي يوم 11 أو 12 أو 13 أو 14 يناير من التقويم الكريكوري (أي يناير الميلادي)؟
سؤال جدير بالطرح، لأننا فعلا نلاحظ، في بلدان شمال إفريقيا، أن هناك اختلافا، حتى لا أقول اختلاطا، حول اليوم الذي ينبغي اعتباره بمثابة “رأس السنة الأمازيغية”؛ خاصة وأن “التقويم الأمازيغي” هو تقويم شمسي، حيث دورته مستقرة؛ وذلك أننا نجد هناك مثلا من يقول أن يوم 11 يناير الكريكوري هو يوم الاحتفال، وبذلك تكون بداية السنة الأمازيغية هي يوم 12 يناير الكريكوري. ونجد من يقول أنها تبدأ يوم 13 يناير الكريكوري، وهناك من يقول بأنها تبدأ يوم 14 يناير الكريكوري…
ولكن انطلاقا من البحث الميداني وخصوصا في المغرب، سواء عند الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، وانطلاقا من معرفة النساء المسنات المحافظات على التقاليد والعادات، ومن معرفة كبار السن المشتغلين في المجال الفلاحي، ومن تصريحات “الفقهاء” والمدررين في الكتاتيب القرآنية؛ من كل هؤلاء حاولت أن أستقي معلومات مفيدة في الموضوع، فوجدت أن لديهم معرفة دقيقة بحسابات شهور “السنة الفلاحية” و”السنة الأمازيغية” التي نتحدث عنها، ويعرفون بالضبط حساب تقويم الدورة السنوية بكل الطقوس التي يسمونها “المنازل”؛ كما أنهم يتوفرون على أسماء خاصة بشهور هذه السنة وبتقسيمات أزمنتها كما هو الشأن بما يسمونه “الليالي الكبيرة” و”الليالي الصغيرة”. وبالتالي فإن لديهم حسابا تقويميا ل”السنة الفلاحية” و”السنة الأمازيغية” بدورتها الكاملة، وكلهم يتفقون على أن 14 يناير الكريكوري أو الإداري هو “بداية السنة الأمازيغية”.
7 – ما هو تاريخ الاحتفال بالمناسبة، هل هو يوم 11 أم 12 أم 13 يناير الكريكوري أو الإداري؟
في هذا المستوى أيضا ينبغي التمييز بين ” ئخف ن ؤسكّاس” (أي رأس السنة الأمازيغية أو “بداية السنة الأمازيغية)، وبين “ئض ى ؤسكّاس” (أي ليلة الاحتفال بالسنة الأمازيغية). وتبعا لما سبق أن أشرت إليه فيما يتعلق بالنساء المسنات أو الرجال المسنين أو الفقهاء والمدررين والذين يتفقون على أن 14 يناير الكريكوري أو الإداري هو “بداية السنة الأمازيغية”؛ فإنهم كذلك يتفقون على أن “ليلة الاحتفال بالسنة الأمازيغية” أو “ئض ن ؤسكّاس” هي ليلة يوم 13 يناير الكريكوري أو الإداري ويطلقون عليها أيضا “ئض ن ئنّاير”؛ أي كأننا نقول “ليلة الاحتفال بعيد الميلاد” (Révéillon) بالنسبة للسنة الميلادية. وبالتالي فالاختلاف الشائع لا نجده إلا على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي أوعلى مستوى تنظيم هذا الاحتفال من قبل جمعيات ثقافية تتحكم فيه إكراهات التنظيم أو التأثر بما ينشر في المواقع الاجتماعية.
8 – ولكن الآن كأننا نقول بأن يوم 13 هو 1 يناير بالنسبة للتقويم الميلادي، هل هذا هو المقصود؟
لا، يوم 14 هو يوم 1 يناير بالنسبة للتقويم الأمازيغي، ويوم 13 هي الليلة التي ستصبح بعدها بداية السنة الأمازيغية، وهو يوم الاحتفال.
9 – ما هي التسمية التي تطلق على الاحتفال برأس السنة الأمازيغية؟
نلاحظ بأن التسمية تتعدد بتعدد المناطق التي يقام فيها الاحتفال، إذ يشمل الاحتفال عدة مناطق في المغرب كما يشمل عدة بلدان شمال إفريقيا، بل الآن بدأ يتم الاحتفال به في الدياسبورا حيث توجد جاليات مغربية أو مغاربية عامة أو جاليات أمازيغية على الخصوص، سواء في بعض البلدان الأوربية، مثل إسبانيا وهولاندا وفرنسا على الخصوص، أو في القارة الأمركية مثل كندا والولايات المتحدة الأميركية. والتسمية إذن تتعدد بتعدد هذه المناطق في المغرب أو في شمال إفريقيا أو بتعدد أصول التسمية لدى الجاليات المشار إليها. ونذكر من بين هذه التسميات ما يلي: إضافة إلى هذه التسميات، نجد تسميات أخرى كثيرة تتنوع بتنوع المناطق والعادات والتقاليد والتمثلات، من بينها: “لحوادس” (الشاوية، دكالة بالمغرب)؛ نّاير (شرق المغرب وبعض مناطق الجزائر حيث نجد أيضا تسمية “نّار”)؛ ئنّاير (مجموعة من مناطق المغرب)؛ “ئض ن ؤسكّاس” أو “ئض سكّاس” أو “ئض ن ؤسكّاس أماينو” (مجموعة من مناطق المغرب وتعني الليلة التي تسبق فاتح السنة الأمازيغية الجديدة والتي يتم الاحتفال فيها بالسنة الأمازيغية الجديدة)؛ حاكّوزا أو حايكوزا أو حيكوزا (في بعض مناطق المغرب)؛ بيانّو (في بعض مناطق المغرب والجزائر)؛ “تاكّورت ن ؤسكّاس” أو “تابّورت ن ؤسكّاس” (خاصة في القبايل بالجزائر)؛ “ليلة رّفّيسا” أو “تّريد”(حيث لا زالت بعض المناطق تحتفل طيلة ثلاثة ليال برأس السنة الجديدة: “ليلة لمرقا”، “ليلة لكسكسو” و”ليلة رّفيسا”، خاصة في المناطق الناطقة بالعربية)؛ “ئض ن تكلاّ” أو “تاكَلاّ ن ئنّاير” أو”تاكلاّ ن ئض ن ئنّاير” أو “تاروايت ن ئنّاير” (ليلة العصيدة)؛ “تاروايت” (الكسكس المليء بالقمح الذي يطهى في قدر مع مجموعة من حبوب القطاني الأخرى المتواجدة بالمنطقة، كما هو الشأن في مناطق وارزازات)؛ “ؤركيمن” (الأطلس الصغير وتازناخت)؛ “سّكسو د زّكَزيو” (الكسكس ب 7 خضر)؛ “ئدرنان” (الرغائف)؛ “شّفنج” (في بعض مناطق المغرب ومنها تطوان)؛ “ئفولّوسن” (أي طابق الدجاج البلدي أو الديك الحبشي أو “بيبي”)؛ ولكن، تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت المسميات متسمة بالتعدد حسب المناطق فإن طقوس الاحتفال لا تتسم إلا بالتنوع في الاحتفال، إذ ما يجمع طقوس الاحتفال أكثر مما يفرق بينها. نلاحظ بأن هذه التسميات مختلفة من حيث المعنى ومن حيث ما تشير إليه من أيام التقويم وما تحيل عليه من عادات وتقاليد ودلالات رمزية.
10 – إلى أي حقبة يعود طقس الاحتفال بهذه المناسبة وما هي مدتها؟
يبدو أن الاحتفال عريق في التاريخ ما دام يشمل كل مناطق شمال إفريقيا، وما دام ما يجمع طقوسه أكثر مما يفرق بينها في هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة، أي من سيوا بمصر إلى جزر الكناري ومن البحر الأبيض المتوسط إلى ثخو الصحراء. ولكن اعتمادا على الكتابات وحسب الدراسات الإثنوغرافية نجد وصفا وإشارات إلى هذه الاحتفالات منذ العصر الوسيط؛ كما نجد توصيفات دقيقة انطلاقا من أواخر القرن التاسع عشر وخلال النصف الأول من القرن العشرين.
وبالنسبة للمدة الزمنية التي تدوم فيها الاحتفالات بالمناسبة، نجد مثلا “دوتي” (Edmond DOUTTE)، يبين بأن الاحتفال يدوم إما ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام؛ وأشار كذلك إلى أنها قد تصل إلى أحد عشر يوما. لكن خلال النصف الأول من القرن العشرين، أغلبية الباحثين يتحدثون عن ثلاثة أيام فقط، وهذه الأيام الثلاث لها ما يناسبها من حيث المعتقدات والطقوس التي تقام أثناءها. ففي يوم 11 يقوم المحتفلون بمجموعة من الطقوس التي تسمى بالطقوس التطهيرية، وفي يوم 12 تقوم النساء بالاستعداد لـ “ئض ن ئنّاير” وفي يوم 13 يقمن ب”طقوس تغذوية”، يعني الاحتفال بليلة ما قبل بداية السنة الأمازيغية، أما في يوم 14 أي اليوم الأول من السنة الأمازيغية فتقام مجموعة أخرى من الطقوس منها طقوس صيدلية وأخرى بيئية. وبذلك نلاحظ أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة تصاحبها مجموعة من الطقوس من بينها: الطقوس التحضيرية والطقوس التطهيرية والطقوس التغذوية والطقوس التجميلية والطقوس الصيدلية والطقوس الرمزية، تواكب وتعضد طقوس عيد الحب بإملشيل وتستحضر قيم عيد الحب عند المصريين القدامى في شتنبر وتبشر المحضوض الذي يكتشف “أغرمي” (نواة زيتون أو نواة ثمرة أو غيرها ما يخبأ في طابق العصيدة أو طابق الكسكس الذي يقدم في الاحتفال بليلة رأس السنة الأمازيغية) بمستقبل سعيد بهذه المناسبة.
11 – ما هي المناطق التي يتم فيها الاحتفال بهذه المناسبة؟
في المغرب يتم الاحتفال بالمناسبة تقريبا في مختلف مناطق البلاد، سواء من طرف الناطقين بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، وخاصة في دكالة والشاوية وسوس، وفي نواحي مراكش ونواحي الجنوب الشرقي، وفي وسط المغرب، وفي نواحي الشمال الشرقي وفي الريف؛ ولكن عادات وتقاليد وطقوس الاحتفال تتنوع باختلاف المناطق. وخارج المغرب يتم الاحتفال بالمناسبة في كل من الجزائر وتونس وليبيا، كما يتم الاحتفال بها في الدياسبورا، أي البلدان الأوربية التي تتواجد فيها الجاليات المغربية عموما والجاليات الأمازيغية خصوصا، وحيث توجد امتدادات للحركة الأمازيغية عموما والحركة الثقافية الأمازيغية خصوصا، كما يتم الاحتفال بها في كل من كندا والولايات المتحدة الأميركية.
12 – ما هي الطقوس التي ترافق الاحتفال بهذه المناسبة ؟
هناك “طقوس اعتقادية” و”طقوس تطهيرية” و”طقوس تغذوية” و”طقوس تجميلية” و”طقوس صيدلية” و”طقوس بيئية” و”طقوس رمزية”. بالنسبة لما يسمى ب”الطقوس التطهيرية”، فكل ما هو قديم من الأدوات التي تستعمل في المنزل يتم التخلص منها وتبديلها بأدوات جديدة، كما هو الشأن بالنسبة للكانون (الأثافي)، حيث يتم استبدال الكانون بآخر جديد، بمعنى أن مجموعة من الأدوات المستعملة خلال السنة، كيفما كان نوع استعمالها، يتم التخلص منها؛ وكأننا نتخلص من السنة الجارية بكل ما لها وما عليها. وتجدر الإشارة إلى أن الطقوس الاعتقادية تلازم كل أيام الاحتفالات بالمناسبة. وبينما تتم “الطقوس التطهيرية” يوم 11 يناير الكريكوري، وتقام الطقوس الاستعداد ل “ئض ن ئنّاير” يوم 13 يناير الكريكوري، فإن يوم 14 ئنّاير الكريكوري أي يوم فاتح السنة الأمازيغية يخصص للطقوس الصيدلية والطقوس البيئية.
وتتجلى أيضا الطقوس الاعتقادية في الاعتقاد بأننا سننتقل من سنة إلى سنة جديدة، وفي الاعتقاد بأن الليلة الفاصلة بين السنتين تعتبر أطول ليلة؛ حيث يتم الاعتقاد أيضا بأن الكرة الأرضية يحملها ثور فوق أحد قرنيه، وبنهاية السنة القديمة وحلول السنة الجديدة يمررها الثور إلى القرن الآخر، وبذلك تصبح تلك الليلة ذات أهمية قصوى في مرافقة الأرض والطبيعة في ما يطرأ عليها من تغيرات (هنا نستحضر مصطلح “أمنا الأرض” التي نجده موضوع اهتمام كثير من الثقافات التي تقدر أيما تقيدير البيئة؛ ففي ألمانيا التي تهتم كثيرا بقضايا البيئة في حياتها بمختلف أوجهها، نجد اهماما بهذ المفهوم وإن لم تخنّي الذاكرة فهو موضوع أحد أعيادا الشعبية)، يتم اعتبارها بمثابة آلام وأوجاع ولادة جديدة. وبما أن تلك الليلة هي أطول ليلة، فهم كذلك يرافقون الطبيعة في ألمها الذي يدل على أنها ستودع سنة قديمة وستستقبل سنة جديدة. إذن فكل تلك الطقوس الاعتقادية المتنوعة والمختلفة التي تقام في تلك الليلة، دلالاتها تتمحور حول مرافقة الطبيعة في ألمها الذي يتجلى في كونها ستتجدد في صورة سنة أخرى، سنة جديدة.
ومن بين الطقوس التغذوية ما يقام في ليلة “ئض ن ئنّاير”، حيث يتم الامتناع عن تناول المأكولات التي يكون فيها الذبح، إذ ينبغي مواساة الطبيعة في ألمها؛ وبالتالي فلا ينبغي الاحتفال بالمأكولات المتكونة مما يتم ذبحه أي كل ما هو قائم على إسالة الدم أو أكل اللحم. ولذلك يتم تحضير مثلا ما يسمى بـ “تكلا” (العصيدة) أو الاكتفاء ب”تيغواوين”. وفي بداية السنة، أي في اليوم الأول من السنة الجديدة، يتم تحضير مأكولات أخرى تختلف باختلاف المناطق ولكنها تتشابه في دلالاتها المتمثلة في تحضير ما من شأنه التعبير عن الابتهاج بالسنة الجديدة ومشاركة الطبيعة في ولادتها الجديدة؛ فنجد مثلا تحضير الكسكس بالخضر السبعة، أو تحضير أطباق من لحم الدجاج والبيض وغيرهما مما لذ من دبيحة وخضر.
أما خلال اليوم الأول من السنة الجديدة فيتم الاحتفال بطقوس جديدة أخرى، وهي البحث، في الطبيعة، عن أعشاب يمكنها أن تضمن لنا إعادة التوازن لما يمكن أن نفقده من الناحية الصحية، وتعتبر بمثابة طقوس صيدلية وطبية. وسيتم، بواسطة تلك الأعشاب، تحضير وصفات صيدلية يحتفظ بها خلال السنة ويتم اللجوء إليها في بعض الحالات المرضية من أجل إعادة التوازن الذي يمكن أن يفقده الجسم.
13 – ما هي الدلالات الرمزية للاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة ؟
أول دلالة يمكن أن نستنتجها من الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة هو هذا الارتباط والاهتمام بالبيئة، لأن الطقوس كلها موجهة نحو الطبيعة ونحو البيئة، وما يرتبط بها من تحولات وتغيرات ومن أشغال فلاحية، ومن علاقة بما نعيش في وسطه، سواء أكانت حيوانات أو غيرها، كالاعتقاد في كائنات غير مرئية نشاركها فضاءات الحياة، وكذا الطبيعة التي ينبغي على الإنسان أن يعيش معها في انسجام مع ظواهرها، وهذا الاحتفال يبين لنا أهمية علاقة الإنسان بالطبيعة وبالبيئة.
والدلالة الثانية تتمثل في كون الطقوس التغذوية تأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية من السنة الفلاحية وما يوجد في هذه الفترة من السنة الفلاحية أي ما يتبقى من مواد تغذوية في عز فصل الشتاء، والتي تشكل قلة قليلة، وكذا ما يوجد في كل منطقة من مناطق الاحتفال بالمناسبة. فمثلا فبالنسبة لأكلة “أوركيم” يستلزمها ما يتبقى، في تلك المناطق التي تحضر فيها من قليل من العدس وقليل من الحمص وقليل من الحبوب (الزرع) وقليل من “الكرعين” فيتم طبخها كأكلة ليلة الاحتفال بإنّاير. كما يتم الاكتفاء في مناطق أخرى بتحضير الذرة(الكلية) أو تقديم الفواكه الجافة. أي ما هو متوفر في تلك الفترة من السنة وغالبا ما يكون نادرا، وبالتالي فالدلالة الأساسية في هذه المرحلة تعبر عن ضرورة تدبير القلة؛ وهو السلوك الاقتصادي الذي يلجأ إليه كل من يجد نفسه أمام نذرة الموارد. ونستحضر هنا اليابان كقوة اقتصادية عالمية كبيرة، ورغم ذلك فإننا نلمس عندهم عددا من السلوكات التي تبين مدى اعتمادهم على تدبير القلة. كما تجد مدير شركة كبيرة في اليابان، ولكنه مثله مثل عامة الناس يستقل الحافلة و يستهلك أقل ما يمكن في الماء في استعمال الحمام المنزلي على سبيل المثال. واليابان من المجتمعات التي لديها ثقافة جد مرتبطة بالبيئة، بحيث تأخذ بعين الاعتبار مستلزمات البيئة وما تتوفر عليها، ونحن نعلم طبيعة وبيئة اليابان كيف هو حالها. بالإضافة إلى ما تمليه الطبيعة والبيئة فهناك معتقدات دينية تدعو إلى عدم الإسراف، إذن فهذا الاحتفال لا يعلمنا فقط كيف ينبغي أن تكون علاقتنا مع البيئة وإنما يعلمنا أيضا ثقافة تدبير القلة، إلى غير ذلك من المسائل الرمزية التي يمكن أن نستنبطها من كل تلك الطقوس التي تقام احتفاء بهذه المناسبة.
14 – هل هناك يوميات أو مفكرات تثبت هذا التقويم الأمازيغي ؟
إلى حدود سنوات الستينات كنا نجد يوميات في المغرب تكون فيها أربعة تقويمات: التقويم الهجري والتقويم الميلادي والتقويم الفلاحي الذي هو نفسه الآن التقويم الأمازيغي، والتقويم العبري. ثم بعد ذلك بقيت فقط ثلاثة تقويمات: وهي التقويم الميلادي والتقويم الهجري والتقويم الفلاحي أو التقويم الأمازيغي.
ولكن بعد ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية والتوافق على هذا التاريخ الذي بدأ التأريخ به في التقويم الأمازيغي، بدأنا نجد لدى جمعيات وهيئات الحركة الثقافية الأمازيغية الكثير من أنواع اليوميات والكثير من المفكرات وكذا الكثير من المنابر الصحفية ومواقع الأنترنيت التي يتم فيها، إلى جانب وضع التقويمين الميلادي والهجري، إدراج التقويم الأمازيغي.
15 – وما الغاية من المطالبة باعتبار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وعيدا وطنيا ؟
تجدر الإشارة إلى أن كل الشعوب المتقدمة والمتحضرة لديها ثلاثة أصناف من الأعياد، أعياد دينية مرتبطة بديانات تلك الشعوب؛ وأعياد وطنية مرتبطة بأهم الأحداث الوطنية لتلك الشعوب؛ وأعياد بيئية، ويمكن أن أشير هنا إلى أن اليابان والصين لديهما أعياد دينية وأعياد وطنية وأعياد بيئية. وإيران؛ التي هي دولة مسلمة لديها أعياد ومناسبات دينية، وعندها مناسبات وطنية، ولكن إلى جانب تلك الأعياد الدينية والوطنية، فلديها عيد بيئي يحتفل به في فصل الربيع وهو عيد “النيروز”، الذي يعتبر بيئيا أكثر منه أي شيء آخر. وكذا الشأن بالنسبة لدول وشعوب أميركا اللاتينية ودول وشعوب إفريقيا لديها أعياد دينية ووطنية وأخرى بيئية.
فلماذا أصبحت لتلك الأعياد البيئية قيمة مضافة في عصرنا هذا ودور كبير في حياة تلك المجتمعات؟
لأن البيئة أصبحت اليوم، وأكثر من ذي قبل، تشكل موضوعا يؤرق واقع البشرية كلها، وبالتالي فالمطالبة بالاعتراف بهذه السنة الأمازيغية، التي هي احتفال بيئي بامتياز، سيجعلنا نلتحق بنادي هذه الدول المتقدمة والمتحضرة، والتي تبرمج في حياة شعوبها أعيادا بيئية تعلم النشأ المقبل والأجيال القادمة احترام البيئة والتفكير والانشغال بها وبأهميتها، وبالتالي فسيكون هذا أيضا إضافة للمغرب، وسيكون أيضا مرجعية بالنسبة لدول شمال إفريقيا التي تتواجد فيها الثقافة الأمازيغية وتتواجد فيها هذه الظاهرة الاجتماعية والثقافية وذات أبعاد اقتصادية وبيئية. كما سيكون المغرب، باعتباره رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وعيدا وطنيا، أيضا مرجعية في هذا الشأن باعتباره يلتحق بنادي الشعوب والثقافات والحضارات التي تعترف إلى جانب الاحتفالات الدينية والاحتفالات الوطنية بالاحتفالات البيئية.
16 – سؤال أخير، الملاحظ أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية هو الحاضر بقوة وبكثرة، بينما الاحتفالات التي ترافق الأعياد الدينية أو الأعياد الوطنية عادية، خصوصا في السنوات الأخيرة، لماذا ؟
بداية تجدر الإشارة إلى أنه توجد، إلى جانب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، احتفالات شعبية أخرى من بينها مثلا “مهرجانات إمعشار” بكل من الجنوب الغربي والجنوب الشرقي وكذا في بعض مدن وسط المغرب، كما نجد أيضا الاحتفال ب”هرما” أو “بوجلود” في كثير من مناطق المغرب، كما لا زالت تمارس طقوس “تاعنصرت” أو “لعنصرت” وكذا احتفالات الربيع في بعض المناطق. وإذا كانت بعض هذه الاحتفالات قد ثم التراجع بالاحتفال بمناسبة بعضها لسنوات أو عقود، فإن بعضها قد عرف اهتماما كبيرا وبعضا الآخر بدأ ينتعش شيئا فشيئا.
إن الاحتفالات التي كان المغاربة عموما والأمازيغ خصوصا يقيمونها، وما كان يصاحبها من عادات وتقاليد وطقوس، كانت كلها مرتبطة بالبيئة وبالمجتمع ومرتبطة بطبيعة المجتمع نفسه. فالاحتفال بإمعشار يعد مناسبة للتنفيس والترويح عن النفس ومناسبة للاحتفالية، كما يعد مناسبة لتقديم نقد لما هو سلبي في سلوكات المجتمع عامة وفي أدوار شخوص المجتمع خاصة، وذلك عبر طريقة نقدية وفرجوية، وإن كان ذلك يتم من وراء أقنعة شخوص إمعشار، وبواسطة ما هو رمزي لفظا وما هو احتفالي ممارسة. لقد التحقت هذه الاحتفالات ببعض الأعياد الدينية وبأزمنة هذه الأعياد الدينية. فمثلا يتم الاحتفال بعاشوراء مباشرة بعد الاحتفال بعيد المولد النبوي (العاشر من شهر محرم)؛ ويتم الاحتفال ببوجلود في يوم عيد الأضحى نفسه أو في اليوم الثاني بعده. كما أن هناك أعياد دينية التحقت بها بعض العادات والطقوس التي لا سند لها في النصوص الدينية.
أما بالنسبة للاحتفال بالسنة الأمازيغية، التي تعد احتفالا بالسنة الفلاحية الجديدة، فقد كانت ولا زالت مرتبطة بالواقع الفلاحي وبالدورة الفلاحية. وبالتالي فحينما طالبت الحركة الأمازيغية باعتبارها يوم عطلة وعيدا وطنيا، فذلك لأن الاحتفال بها ينطبق على أهم مشكلة ثقافية، ليس فقط من حيث الاهتمام بالبعد البيئي، وإنما باعتبارها ستكون بمثابة تفعيل فعلي لمطالب الثقافية الحركة الأمازيغية اللغوية الثقافية والحضارية الأمازيغية التي نص عليها الدستور، ولكنها لم تجد بعد طريقها للتفعيل كاستجابة لمختلف المطالب المتعلقة بالأمازيغية.
وبالتالي فهذا الاحتفال سيضيف، أولا، قيمة إيجابية للمغرب باعتباره سيلتحق بنادي كل الشعوب والثقافات التي تضع إلى جانب أعيادها الدينية والوطنية عيدا آخر بيئيا؛ وثانيا، بما أنه لا يتطلب لا قانونا تنظيميا ولا غير ذلك، فإنه سيكون بمثابة تفعيل جزئي لا يتطلب تلك الإجراءات الدستورية وغيرها لكي يتم تفعيله، وهذا سيكون من المسائل الإيجابية جدا في هذا الحوار وفي هذا الورش المتعلق بالأمازيغية.
وفي الأخير، أتمنى لكل المغاربة سنة أمازيغية جديدة، ومزيدا من تحقيق المطالب اللغوية والثقافية والسياسية، ومزيدا من تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في كل مناحي الحياة، من إعلام وثقافة وتعليم وقضاء وحياة عامة؛ تلك الاستجابة التي ستكرس رسالة “عيد الحب بإملشيل” في مواجهة “ثقافة الموت” التي أصبحت تهيمن في بداية هذه الألفية الثالثة في مختلف بقاع العالم والتي لا تخلو ثقافة من المساهمة فيها.
ملحوظة: حوار مع الأستاذ الحسين آيت باحسين الباحث في الثقافة الأمازيغية من إنجاز الإعلامي يوسف لخضر؛ نشر في صحيفة “العاصمة بوست”، التي تصدر في الرباط، على جزئين:
- “رأس السنة الأمازيغية يؤرخ لأهم حدث عاشه الأمازيغ” (1/2)، بتاريخ: الثلاثاء 14 يناير 2014 ، عدد 87، ص.7
- “حلول السنة الأمازيغية الجديدة يجدد الارتباط والاهتمام بالبيئة” (2/2)، بتاريخ: الخميس 16 يناير 2014، عدد 88، ص.7
وقد تمت تدقيق ومراجعة بعض جوانبه المشورة في المنبر المشار إليه؛ وذلك بمناسبة حلول السنة الجديدة 2965 – 2015، واستجابة لمختلف التساؤلات التي أصبحت تطرح بصدد السنة الأمازيغية، بعد تزايد الاهتمام بالمناسبة وبالموضوع، ليس فقط من قبل الفئات الشعبية ولكن أيضا من طرف الفئات الممدرسة.
الباحث في الثقافة الأمازيغية. الحسين أيت باحسين. ثامزغا