حينما نتحدث عن ضرورة تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني في المغرب نلاحظ عددا من الآراء والردود المعارضة لهذه الفكرة والتي تبني معارضتها على أسس متنوعة من بينها:
– بعض المعارضين لتدريس وترسيم الأمازيغية بالحرف اللاتيني اكتشفوا مسألة اللغة الأمازيغية في عصر الإنترنيت فقط (حوالي عام 2000) وتعرفوا عليها فقط من منظار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام) والتلفزة المغربية الرسمية، ولم يلمسوا في حياتهم قاموسا ولا كتابا أمازيغيا بالحرف اللاتيني ولا بثيفيناغ ولا بالحرف العربي. وربما يتوهم بعضهم أن الإيركام هو الذي اخترع اللغة الأمازيغية وقواعدها! أو أن الأمازيغية لم تكن مكتوبة قبل تأسيس الإيركام عام 2001! لهذا يرفضون فكرة الحرف اللاتيني من باب الاستغراب والتعجب فيقولون كلاما من قبيل “كل لغة لها حرفها الخاص بها” وهذا طبعا كلام خاطئ. فما هو حرف اللغة البولونية والتركية والماليزية والهنغارية والإندونيسية والسواحيلية Swahili والهولندية والفنلندية والإنجليزية والكردية؟!
– بعض المعارضين للحرف اللاتيني لا يهتمون باللغة الأمازيغية نفسها ولا بالكتابة والقراءة بها وإنما يهتمون فقط بالمفهوم الثقافي الفولكلوري “أمازيغ” وبالمظهر البصري والهوية الرمزية والثرثرة حول الفولكلور والأمجاد والاضطهاد. لا يزعجون أنفسهم بكتابة كلمة ولا جملة واحدة باللغة الأمازيغية اليومية التي يتحدثونها، ولا يبذلون أي مجهود لتحسين مهاراتهم في كتابة الأمازيغية. فالذي يهمهم هو الكلام عن الأمازيغية وأمجاد الأمازيغ وبطولاتهم التاريخية وليس اللغة الأمازيغية نفسها في عالم اليوم. لهذا يهتم هذا النوع بالمظاهر مثل ثيفيناغ والراية ويعطونها الأولوية المطلقة، أما اللغة الأمازيغية نفسها فهي ترف بالنسبة لهم. وهذا هو سر عدم كتابتهم باللغة الأمازيغية اليومية التي يتحدثونها في بيتهم ومجتمعهم وتفضيلهم الكتابة بالعربية الفصحى والفرنسية وكل لغات الدنيا الأخرى إلا الأمازيغية.
– بعض المعارضين للحرف اللاتيني مطلعون جيدا على الإنتاجات الأمازيغية بالحرف اللاتيني من قواميس وإبداعات ودراسات ولكنهم يختارون إعطاء الأولوية للهوية البصرية لثيفيناغ لسبب بسيط هو رغبتهم في أن تتميز الأمازيغية بصريا وشكليا عن اللغات الأخرى وذلك لترسيخ الهوية الأمازيغية، ولإخبار الأجانب والزوار والسياح بأن هذه لغة مختلفة عن كل شيء آخر. وهذا موقف هوياتي مفهوم ولكنه غير عملي لأن نشر ثيفيناغ بالمغرب سيتطلب عشرات السنين أو نصف قرن، وهذا في ظل طاحونة التعريب والاستعراب الطوعي والفرنسة والتفرنس الطوعي التي تقضم مساحات الأمازيغية قضما جغرافيا وديموغرافيا على مدار الساعة والسنة. وقد رأينا نتائج تطبيق ثيفيناغ على أرض الواقع بالمغرب بين 2003 و2018: فشل ذريع. الحرف اللاتيني يسهل على السياح والمهاجرين إلى المغرب وعلى المغاربة غير الناطقين بالأمازيغية أن يقرأوا الأمازيغية فورا. كما أن معارضي كتابة الأمازيغية باللاتيني لا ينتبهون إلى أن تقييد الأمازيغية بحرف ثيفيناغ يمكّن الفرنسية من احتكار الحرف اللاتيني بالمغرب وترسيخ وتأبيد نفوذ الفرنسية بالمغرب. بينما إذا تم تدريس وترسيم الأمازيغية بالحرف اللاتيني فإن الأمازيغية ستتمكن من مزاحمة الفرنسية في المقروئية تمهيدا لطردها نهائيا من المغرب.
– بعض المعارضين للحرف اللاتيني يعارضونه من باب كراهيتهم لكل ما هو أوروبي أو أمريكي أو غربي أو مسيحي أو لاعربي أو لاإسلامي. وهم يريدون كتابة الأمازيغية بالحرف العربي أو ثيفيناغ ومنع كتابة الأمازيغية باللاتيني من منطلق حربهم على النصرانية أو العلمانية أو أوروبا ورغبتهم في مقاطعة كل ما ارتبط بأوروبا أو جاء منها ولو كان شيئا بسيطا مثل الحرف اللاتيني.
– بعض المعارضين للحرف اللاتيني يختبئون وراء حجة سلطوية وهي أن الإيركام قد قرر استعمال ثيفيناغ وأنه لا رادّ لقضائه وقراره، أو أن الدولة قد قررت استعمال ثيفيناغ وأنه لا رادّ لقضائها وقرارها. وهذه الحجة فاسدة في حد ذاتها لأن التحجج بالسلطة authority مبني على منطق القوة وليس على منطق الحق والحقيقة. وثانيا هي حجة باطلة لأن التصويت الإيركامي على الحرف فاسد لأنه كان سياسيا ولم يكن علميا أكاديميا. فقد قام المصوتون الإيركاميون بتغيير أصواتهم بشكل فجائي بين الجولتين لأسباب سياسية صرفة، وأهمها الخوف من الإسلاميين واليساريين التعريبيين الذين كانوا يهددون بالنزول إلى الشارع ضد كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني العالمي الذي يعرفون أنه سيقوي الأمازيغية (أما الفرنسية بالحرف اللاتيني في المغرب فلا تزعجهم!). ففي الجولة الأولى من التصويت الإيركامي في يناير 2003 صوت 14 لصالح ثيفيناغ وصوت 13 لصالح الحرف اللاتيني وصوت 5 لصالح الحرف العربي. أما في الجولة الثانية فقد تغيرت “آراؤهم الأكاديمية” بشكل فجائي عجيب فصوت 24 منهم لصالح ثيفيناغ وصوت 8 لصالح الحرف اللاتيني وصوت 0 لصالح الحرف العربي! ولم نسمع لحد الآن من الإيركام شرحا للأسباب التي تفسر هذا التناقض والتلون والانقلاب في القناعات الأكاديمية لعدد من أعضائه (حول الحرف) بين الجولتين اللتين تفصل بينهما بضع دقائق.
– يزعم بعضهم أن الحرف اللاتيني “حرف فرنسي” وهذا طبعا غلط لا يقع فيه إلا المبتدئون أو ضعيفو الاطلاع. فالفرنسيون أنفسهم استوردوا الحرف اللاتيني من إيطاليا في العصر الروماني. الحرف اللاتيني تم اختراعه في إيطاليا القديمة وأخذ اسمه من منطقة لاتيوم LATIVM الإيطالية القديمة التي توجد فيها روما وسكنتها قبائل لاتينية LATINI تمارس الفلاحة. اللغات التركية والكردية والفرنسية والنرويجية والإنجليزية والأمازيغية كلها لغات استوردت هذا الحرف اللاتيني للانتفاع به. في تركيا أو فنلندا لا يوجد عاقل ينعت الحرف اللاتيني التي تكتب به اللغة التركية أو الفنلندية بـ”الحرف الفرنسي”.
فلنتعرف على بعض اللغات التي تستعمل الحرف اللاتيني.
1) الحرف اللاتيني في اللغة التركية في تركيا:
يبلغ عدد سكان تركيا حوالي 81 مليون نسمة يتكلم حوالي 80% منهم التركية وحوالي 15% منهم اللغة الكردية. ويتكلم 5% منهم لغات محلية أخرى مثل لغة Zazaki والعربية والأرمينية والشركسية.
اللغة التركية في تركيا تستخدم منذ عام 1928 ألفبائية لاتينية مصممة على مقاسها تتكون من 29 حرفا وهي كالتالي:
ABCÇDEFGĞHIİJKL
MNOÖPRSŞTUÜVYZ
ونجد في الألفبائية التركية 7 حروف لاتينية معدلة هي: ÇŞĞIİÖÜ
وتدرس هذه الألفبائية التركية بحروفها الـ 29 لكل التلاميذ وتستعمل في كل مرافق الدولة وفي الإعلام.
وكل أسماء المدن في تركيا مكتوبة بالطريقة اللاتينية التركية وفق النطق التركي المحلي ووفق قواعد اللغة التركية وهذه أمثلة منها: İstanbul و İzmir و Eskişehir و Kahramanmaraş و Elazığ و Kütahya و Çorum و İnegöl و Niğde و Şarkikaraağaç و Köşk و Iğdır و Çeşme.
وهذا عكس ما نجده في المغرب حيث تتم كتابة المدن بالطريقة الفرنسية المشوهة البشعة مثل Rabat و Casablanca و Tanger و Safi و Fès و Nador و Taounate و Témara و Meknès و Ouarzazate. والطريقة الصحيحة هي: Eṛṛbaṭ و Anfa أو Eddar Elbiḍa و Ṭanja و Asfi و Fas و Ennaḍor و Tawnat و Tmara و Meknas و Warzazat.
والحروف QWX غائبة وغير معترف بها في الألفبائية التركية الرسمية، وقامت السلطات التركية بحظرها بالقانون طيلة 85 عاما. واللغة الكردية (في كردستان تركيا) مكتوبة هي أيضا بالحرف اللاتيني وتستعمل الحروف الثلاثة QWX كحروف أساسية لكتابة الكلمات الكردية وأسماء الكرد، وقد أثار هذا غيظ السلطات التركية لأن استعمال الحروف QWX شعبيا في تركيا يرمز أساسا إلى وجود الكرد واللغة الكردية والهوية الكردية. لهذا قامت السلطات التركية بمنع الحروف QWX وملاحقة مستعمليها في إطار حملتها ضد اللغة والهوية الكرديتين. وفي عام 2005 حكمت محكمة تركية بالغرامة على 20 كرديا كانوا يحتفلون برأس السنة ويرفعون لافتات كردية تحتوي على الحرفين Q و W. وهناك حالات على مدى 85 عاما تم فيها الحكم بالسجن على مستعملي الحروف QWX في تركيا حسب صحيفة Hürriyet Daily News التركية.
وتخلت الدولة التركية عام 2013 عن حظر الحروف QWX. وتم إطلاق قناة تلفزية كردية رسمية اسمها TRT Kurdî (تمكن مشاهدتها على الإنترنيت بالمجان) ممولة من طرف الدولة التركية وتقدم الأخبار والترفيه باللغة الكردية مكتوبة بالحرف اللاتيني بما فيه الحروف الكردية QWX. وبعد هذا الانفراج بدأ الكرديون في تركيا بتقديم طلبات لتغيير طريقة كتابة أسمائهم الكردية من الطريقة التركية إلى الطريقة الكردية التي تشمل الحروف الكردية QWX.
2) الحرف اللاتيني في اللغة الكردية:
كتبت اللغة الكردية (Kurdî) بعدة حروف. وحتى باستعمال الحرف اللاتيني تمت كتابة الكردية بعدة أساليب. ولكن يوجد حاليا أسلوب موحد اتفقت حوله أكاديمية اللغة الكردية لكتابتها بالحرف اللاتيني مع بعض الحروف الإضافية. وتتكون الألفبائية الكردية اللاتينية من 34 حرفا لاتينيا وهي:
A B C D E É F G H I Í J Jh K L ll M
N O P Q R rr S Sh T U Ú Ù V W X Y Z
وتوجد في هذه الألفبائية الكردية 4 حروف لاتينية معدلة: É Í Ú Ù
وتوجد فيها 4 حروف مزدوجة: jh ll rr sh
3) الحرف اللاتيني في اللغة الفيتنامية:
يبلغ عدد سكان فيتنام حوالي 95 مليون نسمة يتكلم أغلبهم اللغة الفيتنامية ويسمّونها: Tiếng Việt.
ويستعمل الفيتناميون ألفبائية لاتينية مصممة على مقاس لغتهم وتتكون من 37 حرفا لاتينيا بعضها مزدوج وهي كالتالي:
A Ă Â B C Ch D Đ E Ê G Gi H I K Kh L M N
Ng Nh O Ô Ơ P Ph Q R S T Th Tr U Ư V X Y
ونجد في الألفبائية الفيتنامية 7 حروف لاتينية معدلة: ĂÂĐÊÔƠƯ
وبجانب ذلك يستعمل الفيتناميون 8 حروف مزدوجة وهي:
Ch Gi Kh Ng Nh Ph Th Tr
ويستعمل الفيتناميون أيضا عددا من علامات accent أخرى مع الحروف للتعبير عن تفاصيل النطق.
4) الحرف اللاتيني في اللغة البولونية:
يبلغ عدد سكان بولونيا حوالي 39 مليونا. وحوالي 97% منهم يتكلمون اللغة البولونية. واللغة البولونية (Polski) تستعمل ألفبائية لاتينية مصممة على مقاسها تتكون من 32 حرفا لاتينيا وهي كالتالي:
AĄBCĆDEĘFGHIJKLŁM
NŃOÓPRSŚTUWYZŹŻ
وتوجد في الألفبائية البولونية 9 حروف لاتينية معدلة: ĄĆĘŁŃÓŚŹŻ
وهذه بعض أسماء المدن البولونية: Kraków و Łódź و Żory و Zamość و Łomża و Ostrołęka و Ruda Śląska و Świętochłowice.
5) الحرف اللاتيني في اللغة الأمازيغية:
الدولة المغربية لا تعترف بكتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني ولكنها تروج الفرنسية كلغة رسمية للمغرب بالحرف اللاتيني في كل الإدارات بلا استثناء، وبذلك فالدولة المغربية تطبق فعليا وعمليا مبدأ “الحرف اللاتيني حلال على الفرنسية حرام على الأمازيغية”.
أما في الجزائر فقد بدأ تدريس اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني منذ 1995. وتدريس الأمازيغية يتم غالبا بالحرف اللاتيني وفي جزء صغير من المدارس بحرف ثيفيناغ أو بالحرف العربي.
وامتحان الباكالوريا الوطني الرسمي الموحد في الجزائر في مادة اللغة الأمازيغية ينظم سنويا منذ 2009 ويقدم للطالب بالحرف اللاتيني وحرف ثيفيناغ والحرف العربي فيختار الإجابة بأي حرف يريد.
الألفبائية الأمازيغية اللاتينية تتكون من 35 حرفا لاتينيا وهي:
ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKL
MNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ
ونجد في هذه الألفبائية الأمازيغية اللاتينية 11 حرفا لاتينيا معدلا وهي:
ČḌƐǦƔḤŘṚṢṬẒ
وهناك علامة التشفيه ʷ التي نجدها مع الحروف: gʷ, bʷ, ɣʷ, kʷ, mʷ, nʷ, xʷ في كلمات مثل: aseggʷas (السنة، العام)، yekkʷer (شَتَمَ)، yenʷa (انطبخ، استوى الطعام، نضجت الثمرة)، axʷes (السن من أسنان الفم)، yeddakkʷař (يرجع، يعود)، aɣʷẓan (الصدق، قول الحق).
والمعلوم أن كل أجهزة التليفون الذكي (smartphone) المشتغلة بنظام Android تحتوي على لوحة مفاتيح أمازيغية لاتينية تسمى Tamaziɣt مثلها مثل بقية اللغات الأخرى، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يكتب الحروف الأمازيغية اللاتينية ČḌƐǦƔḤŘṚṢṬẒ بسهولة على هاتفه الشخصي.
مبارك بلقاسم-المغرب
tussna@gmail.com