إن الإنسان الجزائري خاصة والمغاربي عامة هو أمازيغي الجذور، وقد كانت هويته الثقافية قبل الإسلام هي هوية أمازيغية، لكنه كان متفتحا على العالم ويتأثر ويؤثر، فمثلا تأثر بالتجار الفينيقيين الذين كانوا يجوبون البحر المتوسط لتسويق سلعهم، ومنها سواحل البلاد المغاربية، ونتيجة لتفاعله مع هؤلاء التجار أصبح الإنسان المغاربي يتحدث لغة ثانية إلى جانب الأمازيغية، وهي اللغة البونيقية، وكانت هذه الأخيرة مزيجا بين الآمازيغية والفينيقية، وكانت تنتشر خاصة في السواحل على عكس الجبال والبوادي، وقد نشأت البونيقية في البلاد المغاربية بسبب التبادل التجاري على السواحل بين هؤلاء التجار الفينيقيين والأمازيغ، فاخترعوا لغة مزيجة من لغتيهما لتسهيل التعاملات بينهما، خاصة وأن التعامل كان يتم بالمقايضة بين سلع التجار الفنقيين ومنتوجات الأمازيغ، ورأى بعض الباحثين بأن نفس المناطق التي تأثرت بالفنيقية، وتتحدث بالبونيقية هي التي تعربت بسهولة بعد اعتناق الأمازيغ الإسلام .
كما تأثر الأمازيغ بالرومان لكن بشكل ضئيل، ويعود ذلك إلى محاولات الرومان رومنة الأمازيغ بكل الوسائل، وهو ما يتناقض مع نفسيتهم الرافضة لكل ما يأتيهم بالقوة، ولهذا نجدهم يحتفظون باللغتين الأمازيغية والبونيقية لمدة طويلة رغم كل محاولات الرومنة، لكن هذا ليس معناه عدم وجود البعض منهم ترومنو خاصة في المدن والسواحل، بل برز الكثير من المثقفين والأدباء والفلاسفة كتبوا باللغة اللاتينية مثل سانت أوغستين وأبوليوس وفرنتون وغيرهم، لكن إحتمال كبير أن يكون المعبرون بالأمازيغية والبونيقية قد تم طمس تاريخهم وأحرقت كتبهم ومخطوطاتهم خاصة من الإستعمار الروماني.
كما اعتنق البعض من الأمازيغ الديانة المسيحية قبل أن يعتنقها الرومان، ولعل يعود ذلك إلى إحتكاك البعض من الجنود الموجودين في الجيش الروماني بالمسيحيين الأوائل في فلسطين، لكن عندما تبنى الرومان المسيحية على يد قسطنطين سارع الأمازيغ إلى إبداع المذهب المسيحي الدوناتي كتعبير منهم على رفض كل ما يأتي من الإستعمار الروماني، وهو مايعبر عن وجود فعلا أمة بمقومات خاصة بها، والدليل القاطع هي المقاومات المتواصلة طيلة وجود دخيل على هذه الأرض.
وقد عبر الأمازيغ عن هويتهم الثقافية بالدفاع عن وطنهم ضد الدخيل الأجنبي، كما عبروا عنها بالفنون والآداب، وقد كان الرسم أحد الفنون التي مهر فيها الأمازيغ، وقد كانت حضارة الطاسيلي أحسن من عبر عن ذلك منذ 6آلاف سنة قبل الميلاد، وقد كانت الحضارة الأمازيغية هي التي أثرت في الحضارة الفرعونية المصرية، وقد كتب عن ذلك أكبر مؤرخي القرن العشرين وهو البريطاني آرنولد توينبي عند دراسته الحضارات كي يتوصل إلى نظريته التحدي والاستجابة، ولازالت شواهد هذه الحضارة مستمرة إلى اليوم، ومنها حضارة “طاسيلي” دون الحديث عن العمارة مثل القصور في جنوبنا الكبير ومختلف الجداريات المكتوبة بالأمازيغية في الوديان والجبال، ومنها جدارية “هيطّ آوراغث” (عين الصفراء)، والتي تتعرض للطمس والتشويه في السنوات الأخيرة بفعل فاعل وغيرها من المناطق. رغم الطمس الذي لقيته الحضارة الأمازيغية على يد الإستعمار الروماني، وقد بدأت تبرز اليوم بعض الحفريات العميقة رغم قلتها عن مدى قيمة هذه الحضارة الأمازيغية المغاربية، ولانعلم لما يفتخر البعض بأهرامات مصر، ولا نولي أي أهمية لـ”إيمدغاسن” والقيام بدراسات حوله في الجزائر مثلا وغيرها من الآثار العديدة، ومنها هذه المدن الأمازيغية التي بنى الرومان عليها بهدف طمس حضارتنا الآمازيغية في إطار سياسة الرَوْمَنة التي انتهجوها.
كما يعبر الآمازيغ عن هويتهم بمختلف العادات والتقاليد والأكلات الخاصة بالجزائريين خاصة والمغاربيين عامة، مثل “آبربوش” (الكسكس) الخاص بهم فقط، ويعتبر “آبربوش” خاصية أمازيغية بحتة، ومن الطرائف المعروفة في التاريخ هو عندما كان الرئيس التونسي المؤمن بالوحدة المغاربية والرافض لفكرة القومية العربية التي يدعوا لها عبد الناصر، ووقع صداما بينهما، فلام عبد الناصر الرئيس بورقيبة ودعوته، فطلب منه أن يحدد له أين تقف هذه الحدود المغاربية، فرد عليه بورقيبة أنها تبدأ أين يبدأ أكلة الكسكس وتقف أين تنتهي أكلها، فغضب عبد الناصر بعد ما نبهه أحد مستشاريه بأن بورقيبة بدعوته المغاربية يريد أن يسلخ جزء من مصر، وهي حدودها الغربية المتمثلة في نواحي سيوة التي لا زالت محافظة على تقاليدها ولغتها الآمازيغية واحتفالاتها بـ”ينّار” (يناير) إلى حد اليوم.
ولازالت نفس هذه العادات والتقاليد والذهنية سائدة لدى الإنسان المغاربي إلى حد اليوم رغم كل السنين التي مرت ودرجات التثاقف والتأثر بالآخر مثل كل أمم وشعوب الأرض، وقد تأثر الآمازيغ عامة والجزائريين منهم خاصة أيضا بالعرب بعد اعتناقهم الإسلام الذي هو دين من الله سبحانه وتعالى إلى الإنسانية جمعاء وليس دينا مشرقيا عربيا كما يريد أن يوهمنا، اليومَ، بعض القوميين العرب والمتشرقنين عندنا الذين يسعون لنشر هذه الفكرة لأهداف سلطوية لا علاقة لها بالإسلام، أصلا، الذي يرفض طمس هويات الشعوب، ويعترف بتعدد الألسن والألوان ويعتبرها آية من آيات الله، ولو قلنا أن الإسلام آت من المشرق كما يفعل هؤلاء، فمعناه نعتبره منتوجا مشرقيا، وبالتالي هو تصريح ضمني انه منتوج بشري، وهو الكفر البواح بذاته، فيجب أن نؤكد أن الإسلام جاء من رب السماوات والأرض أي من الله سبحانه وتعالى للبشر كافة، وأعتنقه الأمازيغ كلهم ليس لأنه دين عربي كما يعتقد هؤلاء القوميين العروبيين والمتشرقنين بل لأنه جاء من الله سبحانه وتعالى إلى البشرية جمعاء، ويعد اعتناق الآمازيغ الإسلامَ نقطة تحول هامة في تطور الهوية الثقافية الجزائرية خاصة والمغاربية عامة.
اعتنق الأمازيغ الإسلام منذ ظهوره في سنواته الأولى، وقد ذهب وفد منهم إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليتعرفوا على هذا الدين الجديد أكثر، وقد سألهم من أنتم، فقالوا له أنهم “من مازيغ بن كنعان بن سام بن نوح”، وبدأ انتشار الإسلام شيئا فشيئا، فانقسم الآمازيغ إلى فريقين المسلمين وغير المسلمين، وقد دعم العرب الطرف الإسلامي في الصراع بينهما، كما استعان القليل منهم بالبيزنطيين لمواجهة المسلمين، فهو صراع بين أمازيغ بسبب الإسلام مدعوم بقوى دولية خارجية، لكن دخل الآمازيغ في الإسلام تقريبا مئة بالمائة، وهي ظاهرة لم يعرفها إلا هذا الشعب مما يتطلب البحث في الإجابة عنها ولماذا ؟
اختلف الباحثون في تفسير هذه الظاهرة، فنجد عدة أطروحات ومنها:
-أنهم على الفطرة
-وجودهم على الوثنية وعدم تجذر أديان سماوية فيهم
-اكتشافهم عدالة الإسلام وعدم مساسه بثقافتهم وهويتهم وأعرافهم
-وجود المسيحية الدوناتية عندهم وهي القريبة من مسيحية سيدنا عيسى جعلتهم ينتقلون بسرعة إلى الإسلام
-اعتناقهم الإسلام نكاية في الروم وكل الغزاة الذين كانوا يأتونهم من شمال المتوسط.
فبشأن هذا الطرح الأخير نشير إلى أن الآمازيغي من طبيعته رفض كل من يحاول فرض المعتقدات عليه بالقوة، وهو ما يكذب الذين أرادوا أن يجعلوا من فكرة أن الإسلام انتشر بالقوة لدى الآمازيغ، لأن طبيعة الآمازيغ ترفض اعتناق دين أو قيم بالقوة، ولهذا من المفروض رفض استخدام عبارة “الفتح الإسلامي لبلاد المغرب”، لأنه ليس صحيحا، ومن المستحسن استخدام عبارة “اعتناق الآمازيغ للإسلام” لأنهم فعلا دخل أغلبيتهم في الإسلام قبل مجيء الأمويين، وهذا هو ما أخفاه المؤرخون الأمويون عمدا كي يعطوا تبريرا لغزوهم للبلاد المغاربية، فقد سعى الأمويون للسيطرة على هذه البلاد المغاربية لأهداف توسعية أمبرطورية بإستغلال الدين الإسلامي البريء من هذا العدوان الأموي الذي وُوجه بمقاومات كبيرة، والذي يعد دفاعا عن الأرض والوطن ضد عدوان أجنبي، وهي من طبيعة شعبنا الذي يرفض السيطرة عبر التاريخ سواء جاء باسم الدين أو التمدين أو غيرها من الغطاءات والشعارات التي عادة ما يحملها الغازي لإعطاء مبررات شرعية لتوسعاته.
ولهذا يجب على شعبنا أن يفتخر بكل المقاومات التي رفضت السيطرة الأجنبية تحت أي غطاء كان، ومنها مقاوماته ضد التوسع الأموي الذي لم يكن إلا توسعا إمبراطوريا لا علاقة له بالإسلام، ويجب أن نعلم أبناءنا ذلك في المدارس كي لا يأتي أي كان غدا ويغزو أرضنا باسم الدين كما تفعل “داعش” اليوم، وإن لم نعلمه هذا التاريخ فإنه سيأتي يوما من سيقبل بأي غزو أجنبي لبلادنا إذا رفع شعارا إسلاميا، أفلم يستخدم نابليون الإسلام لغزو مصر في 1798، فما يمنعنا عدم تكرار أعداءنا اليوم أو مستقبلا نفس الأساليب، لكن بشكل أكثر تطورا، فما أدرانا اليوم إن لم يكن داعش اليوم هو غزو لبلادنا تحت شعار “إنشاء خلافة إسلامية”، كما فعل الأمويون في وقت من الأوقات، فلم يكن “آكسل” إلا مقاوما تعرض للتشويه، فالحقيقة انه أستشهد مسلما على المذهب الصفري القريب من المذهب الإباضي، واستشهد مدافعا عن الأرض والوطن والإسلام الصحيح العادل الذي أخذه أجداده على يد سيدنا عمر بن الخطاب بروحه الجمهوري والديمقراطي، وكان “آكسل” رافضا لإسلام الأمويين المتسم بالعنصرية والتعالي والتمييز بين العرب المسلمين والمسلمين غير العرب الذي مارسه الخلفاء الأمويون طيلة عقود باستثناء الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي لم يستمر حكمه أكثر من سنتين، وتمت تصفيته من هؤلاء الأمويين، فهل يعقل أن يأتينا الأمويون بالإسلام الصحيح، وهم الذين قتلوا سيدنا الحسين حفيد سيدنا محمد صلى الله عليه ومثلوا بجثته؟، فهل سيأتي هؤلاء الأمويين بالعدل لأجدادنا وهم لم يمارسوه حتى فيما بينهم، وما ينطبق على الشهيد “آكسل” ينطبق على “ديهيا” التي دافعت عن الأرض، وقد أدرك البعض من نخبنا بطولة ديهيا ووطنيتها، واعتبروها مفخرة جزائرية بامتياز، فلم يتوان مثلا الرئيس هواري بومدين إلا أن يطلق اسمها على أكبر ساحة في وهران، فقد كانت هذه الساحة تسمى في العهد الاستعماري بـ” ساحة جان دارك”، لكنه استبدلت بـ” ساحة الكاهنة”، ولو أنه يفضل إطلاق اسمها الحقيقي “ديهيا”، لكن للأسف شعبنا لم يتعود على الأسماء الجديدة للساحات والشوارع وأبقى يتداول تسمية “الكاتيدرائية”، ويلاحظ نفس الأمر على شوارع وساحات أخرى أين أبقى الكثير منا على استخدام التسميات التي أطلقها الاستعمار الفرنسي، والتي خلد بها مجرميه بدل استخدام التسميات الجديدة التي تخلد شهدائنا وأبطالنا.
وقد نتج عن اعتناق الآمازيغ الإسلام وحبهم له سعيهم لنشره في بقاع الأرض ففتحوا الأندلس على يد طارق بن زياد الذي قاد جيشا آمازيغيا إلى هناك، وكما كانوا وراء نشره في أفريقيا جنوب الصحراء، لكن رافق اعتناقهم الإسلام عملية تعريب جزئية، وقد عرفتها المناطق الساحلية والمراكز الحضرية خاصة على عكس الجبال والبوادي التي لا زالت إلى اليوم محافظة على الآمازيغية بمختلف لهجاتها، فما هو تفسير عملية تعريب الآمازيغ عامة والجزائريين منهم خاصة ؟
تختلف الطروحات المفسرة لهذه الظاهرة ومنها:
-حب الإسلام لدرجة التخلي عن اللغة الأصلية الآمازيغية وتبني لغة القرآن الكريم
– تعريب المناطق التي كانت تتحدث البونيقية من قبل.
-العامل الجغرافي ومدى القرب من مراكز السلطة والدولة، ولهذا تعربت المراكز الحضرية والمدن على عكس الصحراء والجبال البعيدة عن هذه المراكز .
لكن هناك تفسير آخر أهمله البعض ويحتاج إلى دراسة أعمق، ويتمثل في انبهار وإعجاب بعض الآمازيغ بالعرب لأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منهم، واعتقدوا أنهم الأوائل الذين حملوا رسالة الإسلام التي جاءت من الله سبحانه وتعالى، فتبنوا اللغة العربية بصفتها لغة الإسلام ولغة الحضارة آنذاك، ووصل أمر هذا الإعجاب إلى درجة إنكار الكثير من الآمازيغ لأصولهم وتبني أصلا عربيا ولو باختلاق أوهام، ولعل ذلك يعود إلى عقدة نقص لديهم آنذاك، ولتوضيح ذلك جيدا نستند على “فرانز فانون” الذي وضع مفتاحا يفسر لنا ظاهرة التحولات الثقافية والاضطهادات العنصرية عبر التاريخ في كتابه “بشرة سوداء، قناع أبيض”.
و نعتقد أن هذا الكتاب هو أهم كتاب لفانون على الإطلاق في نظري، والذي لم يلق اهتماما كبيرا، ففي هذا الكتاب قام بتحليل نفسية الإنسان الزنجي بسبب الاضطهاد العنصري والثقافي والاستعماري الذي مارسه ضده الإنسان الأبيض، وما يثير الانتباه في تحليل فانون لظاهرة الزنوجة وعلاقة الزنجي بالأبيض هي عقدة النقص القاتلة التي خلقت لدى الزنجي رغبة ملحة في التخلص من زنوجته والتشبه بالإنسان الأبيض، وهو نفس ما يسميها ابن خلدون “المغلوب مولع بالغالب”، لكن لاحظ فانون وهو الطبيب النفساني، بأن رغبة الزنجي في التخلص من زنوجته هي مستحيلة بسب استحالة تغيير جلده، ولهذا فهو يرغب لو تمكن من استبدال ذلك بقناع أبيض، وهو ما قام به الفنان مايكل جاكسون منذ سنوات أدت إلى وفاته، فهو ما يعني عند “فانون” أن عقدة الإنسان الزنجي مركبة، ومن الصعب جدا حلها.
لكن لم يذهب فانون في كتابه “بشرة سوداء، قناع أبيض” أبعد من مسألة الزنجي، ولم يطرح مسألة كل الشعوب المغلوبة، والتي تعرضت للاضطهاد العنصري والثقافي عبر التاريخ، والتي تتشابه نسبيا في السحنة واللون مع المضطهد، مما يعني تشبهه بالمضطهد والتخلص من ذاته ليس أمرا صعبا ومعقدا كما هو الحال في علاقة الزنجي بالإنسان البيض، ففي حالة التشابه النسبي في السحنة واللون، فمن السهل على المضطهد سياسيا وثقافيا وتمييزيا التشبه بمضطهده، لأن ما عليه إلا التخلص من هويته وثقافته ولغته، ويتبنى أصل وهوية المضطهد له، فيصبح مثله شريطة تغيير المكان الذي يعرفه فيه الناس، وهنا نطرح أسئلة أليس هذا هو ما حدث في العديد من البلدان عبر التاريخ أين اصطدم جنسين متشابهين نسبيا في السحنة واللون؟ أليس ما طرحه فانون يعد مفتاحا هاما في يد المؤرخين وعلماء الاجتماع لفهم العديد من المظاهر والتحولات الثقافية والاقتصادية والسياسية عبر التاريخ، ومنها بلادنا المغاربية بعد خاصة بعد اصطدامهم بالأمويين وجرائمهم ضد شعبنا؟.
يمكن نقل تفسير “فانون” لعلاقة الزنجي بالأبيض إلى علاقة الأمازيغي بالعربي بعد اصطدامه بجرائم الأمويين وعنصريتهم التي تشبه عنصرية الأبيض ضد الزنجي وممارساتهم الاضطهادية التي مارسوها ضد شعبنا قبل أن يطردوهم شر طردة بعد ثورتين آمازيغيتين، فكما قال فانون عن الزنجي الذي كان يتمنى لو يحول لون بشرته إلى اللون الأبيض، لكنه لا يستطيع، ويعبر عنها فانون بعبارة “بشرة سوداء، قناع أبيض”، لكن سهل ذلك الأمر على الآمازيغي لأن بشرته وسماته وسحنته القريبة من بشرة العربي أي لا تعرقله في تغيير هويته على عكس الزنجي تجاه الأبيض الذي يشترط عليه تغيير لون بشرته كاملا، وهو ما يفسر لنا اعتقاد الكثير من الآمازيغ بأنهم عرب، وهو ليس صحيح لأن دخول الآمازيغ في الإسلام لم يحدث تغييرا كبيرا في البنية السكانية، بل أحدثها في البنية الثقافية بتبني الآمازيغ عن حب وطواعية للدين الإسلامي واللغة العربية، بل تبنى البعض منهم الجنسية العربية كما وضحنا ذلك من قبل .
ونضيف أن اعتقاد البعض بأن جدهم فلان أو علان من العرب وبأنها قبائل عربية هو بهتان آخر، لأننا يجب أن نفهم عملية هامة في هذا التاريخ الاستعماري الأموي، حيث كان بإمكان أي قائد عسكري أموي أن يضمن ويحمي قبيلة أو مجموعة من السكان من الاضطهاد، أي كان حاميا لهم، فأعتقد هؤلاء فيما بعد أنهم ينحدرون من هذا القائد العسكري الأموي، وهي ظاهرة تحتاج إلى بحث أعمق من المؤرخين
وباعتناق الآمازيغ الإسلام تشكلت هوية ثقافية جديدة، وذلك بإضافة العقيدة الإسلامية الذي تعد العامل الرئيس المؤثر في المجال الثقافي والحضاري، بالإضافة إلى تبني اللغة العربية كلغة رسمية لدى مختلف الدول الإسلامية في بلاد المغرب التي كانت أمازيغية في التكوين والسلطة بعد طرد الغزاة الأمويين ، لكن دون إهمال العمق الآمازيغي للإنسان الجزائري خاصة والمغاربي عامة، ولهذا يتكلم الباحثون عن إسلام مغاربي خاص لأنه أعطي له الصبغة الآمازيغية، بل بقيت في الممارسات الدينية الإسلامية البعض من التقاليد الآمازيغية التي كانت موجودة من قبل إلى حد اليوم .
أما في مجال اللغة العربية فأول ما يلاحظه الإنسان والباحث هو أن العربية الجزائرية قبل أن تختلط بالفرنسية فيما بعد هي نوع من خليط بين العربية والأمازيغية أي مثل البونيقية، لكنها عربية قريبة في كلماتها العربية من القرآن الكريم لأن الإنسان الآمازيغي أخذ العربية مباشرة من أصلها وهو القرآن الكريم، ولم يأخذها من مختلف الدارجات العربية التي كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية قبل نزول القرآن الكريم، ويعترف علماء اجتماع اللغة بأن الإنسان الأجنبي عن أي لغة هو الذي بإمكانه أن يتقن تلك اللغة الأجنبية عنه لأنه يتعلمها في المدرسة، وليس من الشارع أي يأخذها بأصلها، لأنه لا يعرف دارجتها، وهذا هو ما يفسر القرب الكبير للعربية الجزائرية بالعربية الأصيلة، لأن المغاربي بعد ما اعتنق الإسلام تعلم العربية بالقرآن الكريم وليس بالاحتكاك بعرب يتحدثون عاميّاتهم العربية، فلو أخذنا مثلا أي طفل من جبال آوراس أو القبائل أو الشنوة او الجنوب الغربي الجزائري لا يتحدث إلا بالأمازيغية في البيت والشارع ، فإنه بعد ما يدخل إلى المدرسة، فإنه سيتحدث بعربية فصيحة جدا، لأنه تعلمها من أصلها -أي لم يحتك بدارجتها وعاميات العربية-، وهو ما يفسر ظاهرة قرب عربية الجزائريين والمغاربيين من العربية الفصحى قبل أن تختلط باللغات الفرنسية والإسبانية والتركية وغيرها، وهو ما يدل على الجذور الأمازيغية الواحدة لشعبنا الجزائري خاصة والمغاربي عامة، فالإسلام أحدث تغييرا ثقافيا وليس في التركيبة البشرية على العموم، هذا دون أن ننفي وجود أقليات جدا جاءت إلى بلادنا من فنقيين ورومان ووندال وعرب وأتراك وغيرهم مثل كل أمم الأرض، لكنها اختلطت وامتزجت بالسكان الأصليين .
ولهذا تشكلت الهوية الثقافية الجزائرية والمغاربية بسماتها الآمازيغية التي تبرز بشكل كبير في الذهنيات والسلوكات والعادات والتقاليد وغيرها، وكأنها روح الأمة وموغلة في عمقها، لكن هذبت هذه الذهنية بالتأثير الإسلامي الذي يعد أسمنت هذه الهوية، وما انبثق عنها من لغة عربية فصحى، يعبر بها الجزائري عن ثقافته المكتوبة والرسمية إلى جانب عربية عامية جزائرية ولغة أمازيغية بلهجات مختلفة يعبر بها عن ثقافته الشعبية والشفوية، ولا توجد اختلافات كبيرة بين مختلف هذه اللهجات الآمازيغية كما يعتقد البعض، فالاختلاف بينها مثل الاختلاف بين العربية الكويتية أو السعودية والعراقية مثلا، وهي لهجات آمازيغة نشأت بفعل عوامل تاريخية وجغرافية وتنبثق من لغة أمازيغية فصحى، وهي الآمازيغية الأم التي يمكن إعادتها إلى الساحة ، ويبدو أنها موجودة بقوة في المناطق البعيدة في الصحراء لأنها لم تحتك باللغات العربية والفرنسية وغيرها، لكن هذا لم يمنع تأثر الجزائري والمغاربي نتيجة تثاقف بالثقافات التركية والإسبانية والفرنسية والعالمية اليوم، لكن دائما يبقى آمازيغي الجذور والذهنية والروح وإسلامي المعتقد وثقافة أمازيغية عربية إسلامية هي الغالبة على الإنسان الجزائري والمغاربي وثقافته وهويته .