« Vorwärts, nicht vergessen
Die Solidarität ! » , (Solidaritätslied), 1947. Text : Bertolt Brecht/Ernst Busch.
“إلى الأمام، ولا تنس
التضامن!” « Solidaritätslied » (أنشودة التضامن)، 1947. كلمات: برتولت برشت وارنست بوش.
“لقد سهرت البورجوازية الرجعية في كل مكان على إثارة الصراعات الدينية من أجل أن تحرّف انتباه الجماهير عن المشاكل السياسية والاقتصادية الجوهرية، وهو ما تفعله الآن البورجوازية الرجعية في روسيا…” لينين، في 9 ديسمبر 1905.
1 . :- نَشَرَ فتنة بَيْنَ النَّاسِ :- : مَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِن اخْتِلاَفٍ فِي الرَّأْيِ يَجْعَلُهُمْ يَتَطَاحَنُونَ وَيَتَقَاتَلُونَ .
2 . :- عَرَفَتْ خِلاَفَةُ عُثْمَانَ فتنة كُبْرَى :- : اِنْشِقَاقاً فِي صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ أَدَّى بِهِمْ إِلَى الْقِتَالِ فِيمَا بَيْنَهُمْ .
3 . :- هُمْ فِي فتنة مِنْ أَمْرِهِمْ :- : فِي اضْطِرَابٍ وَتَهَوُّرٍ معجم: المغني
في محطة القطار بباتنة.
كنت جالسا في مقعدي بالقطار، مستغرقا في مطالعة رواية “الحياة جميلة يا صاحبي”، لناظم حكمت، الكاتب التركي الشيوعي، الانساني والملتزم الذي كتب في سنة 1952 رسالة تضامن رائعة إلى السجناء السياسيين الوطنيين المحبوسين آنذاك في زنزانات الاستعمار الفرنسي الهمجي.
ورائي كان رجلان يتحدثان بالشاوية. للأسف لا أتقن هذه اللغة ولو كنت أفهم منها القليل.
كان الشخصان يتحدّثان بحيوية وحماس.
بينما كنت مستغرقا في المطالعة، سمعت أحد الرجلين يقول جملة بالشاوية التقطت منها كلمتا “آيتماثنّغّ” و”تغردايث”:
أعرف أن كلمة “آيتماثنغ” تعني “اخوتنا” و”تغردايث” هو الاسم الأمازيغي لغرداية. فحزرت من هاتين الكلمتين أن الرجلان كانا يتحدثان عن اخوتنا في غرداية.
استدرت نحو الرجلين وقلت لهما:
– هيه، عندك الحق! لازم نتضامنو مع خاوتنا في غرداية! على خاطر راني نشوف بلي ما كانش تضامن وطني معها! والله غير كارثة! تغيضك كي تشوف الناس متضامنين غير مع فلسطين وغرداية نساوها!
خرجت هذه الجملة من فمي بعفوية، مع أنها ليست من عادتي أن أتدخّل في حديث الغير. لكن السياق هنا مختلف. يتعلق الأمر بمعاناة اخواننا في غرداية ومن المفروض أن معاناة اخواننا المزابيين تعنينا جميعا كجزائريين.
توقف الرجلان عن الحديث. نظرا إلى بأعين حائرة ، كما لو أنهما يتساءلان كيف فهمتهما. ثم بعد ثوان المفاجأة، سألني لي أحد الرجلين (كان يبدو في عقده الرابع) مبتسما:
– كيفاه عرفت بلي رانا نحكيو على غرداية؟
– نفهم شوي شاويّة. عندي صاحبي من مروانة. هو اللي علّمني شي كلمات بالشاوية. نعرف بلي غرداية يقولوا لها بالشاوية “تغردايث” و”أيتماثنّغ” معناتها “خاوتنا”.
– هاه، صحّة! قال لي الرجل الثاني مبتسما، وكان يبدو أصغر من صديقه بقليل. ومنينك انت؟
– من بسكرة.
– الله يبارك!
– يبارك فيك! قلت.
استأنف الرجل الأربعيني حديثه وقال لي:
– راك تشوف أ خويا! احنا ما راناش ضد التضامن مع فلسطين، بالصح الواحد ما يقدرش ينسى خاوتو، ولازم يسبق بهم!
ثم نطق صديقه فقال:
– رانا نشوفوا هاذو اليامات في الناس يخرجوا ينظموا مسيرات ووقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، بالصح مع غرداية، والو! اكّل راهم يقولوا ويعاودوا: “لازم نحرّروا فلسطين!”. هذه ما فيهاش شكّ، بالصح لازم نحرروا رواحنا السّع من الجهل والانحطاط والتخلف والتبعية للخارج! النّار هاي شاعلة في غرداية، في بلادنا، يا سبحان الله! هاي ناس ماتت، تحرقوا ديور وطوموبيلات. الوضع خطير! خاوتنا اللي ماتوا في غرداية كلاب والا كيفاه؟!! هاذوا اللي يتضامنوا مع فلسطين برك نساو بلي المزابية جزايريين؟! ناسو بلي المزابية خاوتهم؟! واش من جهل هذا؟!!!
– معلوم! قلت. انا في رأيي جزء من المصائب اللي رانا نعانيو منهم اليوم جايين من اعلان الجزائر دولة عربية في وقت بن بلّة وترسيخ الخطاب الرسمي آنذاك بأن أغلب الجزائريين “عرب”، في حين أنّ هذا نكران للحقيقة التاريخية! الأغلبية تاع الجزايريين اصلهم أمازيغي على خاطر الأمازيغ هم السكان الأصليين تاع الجزاير، والتاريخ شاهد! وأسماء الأماكن دليل على جذور بلدنا الأمازيغية: عين تيموشنت، تلمسان، تيسمسيلت، بسكرة، سوق أهراس، آفلو، تبسّة، إلخ… القومية العربية البعثية هذه ما كانش منها وموش تاعنا! كان لازم من الاول الحكومة تقول للشعب: “الجزائر جزائرية ودولة كل الجزائريين”، بالشاوي، بالقبايلي، بالمزابي، بالشنوي، بالترقي، بناس العاصمة، ناس الشرق، ناس الغرب، ناس الجنوب، ناس الوسط، بالمسلم وباللي موش مسلم. ظُرْكْ هذه الفتنة اللي راهي شاعلة بين الشعانبة والمزابيين كارثة! فرنسا الامبريالية فرقتنا في وقت الاستعمار وظرك احنا رانا نفرقوا في بعضانا بيدّينا؟!
– بارك الله فيك، خويا! قال لي الرجل الثاني.
– وفيك بارك الله! لو كان المدرسة الجزايرية ترسخ في عقول الجزايريين من اللي يكونوا صغار بلي الجزايريين اكّل خاوة والجزائر لكل الجزائريين، لو كان ما قدرتش تصرى هذه الفتنة بين الشعانبة وبني مزاب، والا بكري بين القبايل واللي يحكيوا عربية. يا سبحان الله، ما نسعاو غير هذه البلاد! والقومية عمرها ما كانت مليحة وجابت الخير. القومية تفرّق بين الناس. مانيش نحكي على الوطنية. الوطنية حاجة اخرى، هي حب الوطن وهذا شي مليح. بالصح القومية المستوردة من المشرق ما عندنا ما نديروا بها!
فأجابني الرجل الثاني وقال:
– هيه! هاذو اللي راهم متضامنين مع فلسطين برك وينساو غرداية وقفوا مع فلسطين على خاطر “عرب”، وهم يحسبوا روحهم عرب. هذه هي الحكاية! معناتها الفايدة هم انتقائيين في التضامن تاعهم. في رايهم اللي عربي يوقفوا معه، واللي موش عربي موش سامعين به خلاص! يا درى لو كان جاو مثلا اللي ماتوا في غرداية “عرب” بين قوسين، وقتلوهم مزابية، كيفاه كان راح يكون ردّ فعل الجزايريين اللي ما يحكيوش لغة من اللغات الامازيغية.
فأجابه صديقه:
– ممكن يخرجوا يديروا مسيرات تضامنية مع اللي ماتوا ووقفات احتجاجية ضد المزابية. والا يخربوا حوانت وديور المزابية في العاصمة مثلا.
– هيه، ممكن! قلت. بالصح الواحد ما لازمش يجهل. التضامن مع فلسطين واجب! والتضامن مع كل شعب محقور واجب! التضامن ما عندوش حدود، ما عندوش جنسية والا دين! ما لازمش نكونوا أنانيين! التضامن واجب إنساني!
واصل مخاطبي فكرته فقال:
– راني معك! أنا الحاجة اللي توجع لي قلبي هي اللامبالاة! نحس كِالّلي جزء كبير من الجزايريين ما راهمش حاسين طول بلي المزابية خاوتهم! كاين غير اللي اللي يحكيو أمازيغية وقليل من الناس اللي يحكيو عربية كما انت اللي راهم متضامنين مع محنة بني مزاب، أمّا الباقي….
لم يكمل الرجل جملته الأخيرة. حرك رأسه يمينا وشمالا، معبّرا عن حسرته وعن عدم تصديقه للمصيبة التي حلّت بين الاخوة في غرداية.
قلت:
– هاذوك القنوات الفضائية الدينية المتطرفة، اللي تمولّهم السعودية وقطر، هم اللي يزيدوا يشعلوا النار ويكفروا في الاباضيين، وكاين هنا جايحين وناس موش واعيين يتبعوا في كلام دعاة الشر والظلاميين اولاد الحرام! وزيد كاين أئمة الجهل والضلال صحاب الفكر التكفيري ومعهم قوى رجعية متواطئة معهم هوما اللي راهم ينشطوا في الجوامع في ولاية غرداية ويحرضوا الشباب تاع الشعانبة باه يقتلوا مزابية ويتهموا بني مزاب بلي هوما المسؤولين على الفقر والميزيرية والبطالة اللي راهم يعانوا منها الشعانبة! وحاجة باينة بلي هاذو أئمة الجهل والضلال صحاب الفكر التكفيري ومعهم القوى الرجعية خونة ما يحبّوش الخير للبلاد على خاطر راهم يحرضوا على التخريب والقتل ومن المحتمل جدّا أنّه راهم يطبقوا في مخططات تاع أطراف امبريالية خارجية ناوية تقسّم بلادنا ودير الفتنة بيناتنا.
– لعنة الله عليهم! قال الرجل الأول غاضبا.
– خسارة ما زال كاين جهوية كبيرة في بلادنا! قُلت. الناس يتفكروا بلي هم اكّل خاوة وجزايريين غير كي تلعب “ليكيپ ناصيونال“[1]. ثمة وين تبان الوحدة تع هذا الشعب! رجعنا شعب واحد غير في البالون والا كيفاه؟!!!! والله غير مصيبة! الهجوم على ممتلكات المزابية وتخريب ديارهم هو هجوم واضح على الاختلاف، هو هجوم عنصري، على خاطر المزابية يحكيو أمازيغية، على خاطر عندهم الثقافة الخاصة بهم، وزيد هو هجوم على التنوع الثقافي في بلادنا.
– بكري كانوا المزابية والشعانبة عايشين مليح مع بعضهم. ما كان كاين حتّى مشكل، وظُرْكَ، بين ليلة وضحاها جماعة من الشعانبة جاتهم على المزابية خاوتهم، كاللي ضربهم جن! هاك تشوف ظركا حوانت بني مزاب راهي تتحرق، تتسرق، تتخرب. وين رانا رايحين هكذا؟ لازم هاذو اللي حرقوا وقتلوا في غرداية يعاقبهم القانون! ما كانش السماح مع المجرمين! الحالة هذه موش نورمال آ خاوتي!
– معلوم موش نورمال! قلت. حرام جزايريين يقتلوا جزايريين بعد اكثر من 50 سنة استقلال! هذه هي الجزاير اللي ماتوا عليها الشهداء في حرب التحرير؟! جزاير التفرقة؟! جزاير الكراهية وجزاير العنف بين اولاد البلاد والخاوة؟! والله غير مصيبة!
أثناء ذلك، مرّ القابض علينا لمراقبة التذاكر. سكتنا لحظة. أشهر كل واحد منا تذكرته للقابض، وبعد رحيل هذا الأخير، واصلنا حديثنا فقال الرجل الثاني:
– ما راناش مخصوصين عنف. فوّتنا عشر سنين ارهاب الله لا يردهم. بركات ظُركَ! لازم الدولة والسلطات المحلية يتدخّلوا باه يفكوا ويحلّوا هذه الفتنة في غرداية! الأمر خطير!
فقلت:
– كما كنت نقول من قبيل، نهار المدرسة الجزايرية والوالدين يعلموا اولادنا من صغرهم بلي الجزايريين اكّل خاوة، مهما يكون دينهم ومهما تكون الولاية اللي يسكنوا فيها، ومهما تكون اللغة تاعهم، ثمة يروحوا المشاكل تع الجهوية والعقلية الشعوبية هذه اللي راهي مفسدة البلاد. هذا هو دور المدرسة ودور الاولياء.
صمتّ ثانية أو ثانيتين. أومأ الرجلان رأسهما بالايجاب. ثم واصلت فكرتي فقلت:
– تعرفوا واشي هو شعار ألبانيا؟ يخّي تسمعوا بألبانيا؟
– هيه، جاوبني الرجل الثاني. يخي هي دولة جاية في جنوب شرق أوروبا، في شبه جزيرة البلقان.
– هي بعد! قلت. مالة كنت نقول بلي شعار الألبانيين هو “دين الألبانيين هو ألبانيتهم”، معناتها الألبانيين اكّل خاوة، بالمسلم والملحد والنصراني، الكاثوليكي والارثوذكسي.
– ما ازين الشعار هذا! قال لي الرجل الأول بإعجاب. وزعمة ما هيش دولة متقدمة. شفت أ مسعود الناس اللي فهمت؟ قال ملتفتا إلى صديقه.
حرّك هذا الأخير رأسه بالإيماء ايجابا، ثم قال:
– الله يخرّج بلادنا من محنة غرداية هذه!
– اللهم آمين! قلنا بصوت واحد أنا وصديق مسعود.
ثم سألني الرجل الأول وقال:
– شا اسمَك خويا؟
– سليم. على بالي بلي صاحبك اسمه مسعود (ضاحكا) . بالصح انت ما زال ما عرفت اسمك!
ضحك الصديقان. ثم أجابني الرجل:
– اسمي نذير.
– متشرفين خاوتي!
– متشرفين! قال مسعود ونذير.
ثم تحدثنا قليلا عن عمل كل واحد منا وعن ظروف الشغل الصعبة في أرض الوطن. نذير أستاذ في التاريخ بجامعة خنشلة. مسعود طالب في مركز للتكوين المهني بباتنة اختصاص نجارة. أما أنا فأعمل أستاذا في الأدب المقارن بجامعة بسكرة.
انطلق القطار المتّجه إلى بسكرة وكل واحد عاد إلى ما كان منشغلا به قبل هذا الحديث. عاد مسعود ونذير إلى حديثهما بالشاوية وعدت أنا إلى كتاب ناظم حكمت لكي أواصل مطالعتي لـ”الحياة جميلة يا صاحبي”.
إلى اللقاء نذير ومسعود. إلى اللقاء، خاوتي، أيتما، والله يكثّر من أمثالكم في بلادنا!
_______
الفريق الوطني الجزائري.[1]
27/08/2014- 18/01/2015
محمّد وليد قرين | كاتب، قاص ومترجم – دزاير