هل يكون “إيغزر ن ثاقا” شرارة ثورة قادمة في آوراس؟
الجمعة 15 أفريل 2016 | “إيغزر ن ثاقا” (بوحمار) – باتنة
ستلاحظ دون شكّ عند دخولك “إيغزر ن ثاقا” قادما إليها من “ثاموقادي” العتيقة، مجسّما أبيض ضخما لحرف “آزا” الآمازيغي، يرحّب بالقادمين، ويعطيهم لمحة عامّة عن “هوية” المدينة الّتي لا تبديل لها. تقع مدينة “إيغزر نثاقا” أو “بوحمار”، واد الطاقة كما تحرّفها الطوبينيميا الرّسمية على بعد 30 كم من عاصمة الولاية “هباثنت” (باتنة)، بطبيعتها الجبلية تعتبر المدينة واحدة من أقطاب إنتاج الفواكه خاصّة “التفّاح” في بلاد إيشاويّن ودزاير عامة. وتتربع على مساحة شاسعة من المناظر الطبيعية الخلابة، والموارد المائية الطبيعية، تتمتّع إيغزر نثاقا بثروة إيكولوجيّة هائلة، خصوصا أشجار “إيذڨل” أو الأرز البربري و”آيوال” أو العرعار البخاري المهدد بالانقراض، إضافة إلى أشجار “ثاقّا” التي تميّز المدينة.
ليست الثروة الإيكولوجية فقط ما يميزُ إيغزر ن ثاقا، فالحراك الشبابي الذي تعرفه منذ مدّة خاصّة في المجال البيئي، يشكّل، في رأيي، أثمن ثروة يمكن أن تحصّلها المنطقة برمّتها. حراكٌ جادّ خطط ودعى إلى الحدث الذي جعلني أهرول إلى المدينة، للحضور والمشاركة، قبل أي شيء آخر.
الحدثُ اليوم، والّذي كان مقرّرا نهاية الأسبوع الماضيّة لكن سوء الأحوال الجوية حال دون تجسيده، كان حملة تشجير ضخمة، تحت شعار «Let’s make Aures Green again!» (فلنجعل آوراس أخضر من جديد) دعى إليه عدد من النشطاء عبر شبكة التواصل الاجتماعية فايسبوك، وجسّدوه بكثير من الاحترافية والإتقان، وكثير كثير من التطوّع والعطاء.
صباحا، اجتمع أكثر من 20 شابّا من نشطاء المدينة، في المكان المسمّى “ثافرنت” على الطريق المؤدّي إلى عاصمة الولاية، للتحضير للحدث؛ في انتظار الساعة الثانية مساءً لبدء الحملة، 450 شجرة، ومسافة تفوق 2 كم كانت تحدّيا لقدرة هؤلاء النشطاء على نشر الوعي بالثروة الإيكولوجيّة والقضايا البيئية للمدينة، والمنطقة بأسرها.
قبل الموعد المحدد بساعات كان كلّ شيء جاهزا؛ طاولة الاستقبال تعلوها لافتة كتبت بالإنجليزية والآمازيغية، تحمل شعار التظاهرة، يزيّنها العلم الشّاوي “آوراغ ذوبركان” (الأصفر والأسود)، وطاولة “السّجلّ الذهبي” الّذي ملأه المشاركون توقيعات وتعليقات مشجّعة عن آخره.
قبل موعد الانطلاق المخطط له رسميا، بدأت التظاهرة، حوالي الواحدة مساء بمرور قافلة رالي الدّراجات النارية الذي نظمته جمعية الرياضات الميكانيكية بباتنة. الرّالي توقّف وأصرّ المتسابقون على إطلاق الحملة باكرا، ليمضوا بعدها في طريقهم نحو شرفات غوفي، وينطلق الحدث رسميّا.
دقّت الساعة الثانية، وبدأ الحدث رسميّا، حشودٌ ضخمة من سكان المدينة، أطفالا وشيوخا ونساءً ورجال، ورياضيين وفنانين ورجال أعمال ووو… الجميع كان حاضرا. والكلّ زرع شجرة. من خارج المدينة، أيضا وفد العديد من المتابعين، والنشطاء والمهتمين، للمشاركة في حملة التشجير. الحشد كان غفريرا، أكثر من ألف (1000) شخص وفد على المكان، وشارك الجميع في عملية الغرس، وفي النقاشات الدائرة هنا وهناك، وكثيرون جدا وقّعوا السجل الذهبي الذي امتلأ عن آخره. حملة التشجير هذه، كانت مناسبة للقاء، ومناقشة مختلف القضايا التي تهم المنطقة، والتي كانت على رأسها قضيّة مصنع الإسمنت، الذي يرفضه الكثير من سكّان المدينة، وينشط العديد من الشّباب من أجل إيقافه، لما سيكون له من تأثير على الطبيعة في المدينة والمنطقة بأسرها. كان للأطفال نصيب الأسد، حضورا ومشاركة، أصرّوا كثيرا على آبائهم وأمهاتهم للحضور، ورفقة المهرّج الشّاب الذي تطوّع وحضر خصيصا لأجلهم من “ثازّولث” زرعوا عددا كبيرا من الأشجار، وأمضوا يوما أكثر رائع بين التسليّة والتعلّم وزرع الوعي بالذّات والبيئة.
بثروة تقارب 150 ألف شجرة مثمرة، تعتبر إيغزر ن ثاقا، واحدة من رواد إنتاج الفواكه وخاصّة “التفاح” في دزاير بأكملها ليس في بلاد إيشاويّن فقط، والمصنع الذي يحاول بعض المستثمرين إقامته في نفس المنطقة التي تمت بها حملة التشجير “سيدمّر كلّ شيء” يقول هؤلاء النشطاء. كثير من الحاضرين كانوا ساخطين على مشروع المصنع، واغتنموا الفرصة للتعبير عن سخطهم هذا، حلقات من الناس كانت تتكوّن عفويّا هنا وهناك تناقض الموضوع، الكلّ استغرب “كيف لأبناء المنطقة أن يحاولوا تخريبها هكذا من أجل الربح؟”
على بعد مئات الأمتار من محمية “آيوال” وعلى بعد عشرات الأمتار من بساتين الأشجار المثمرة، وينابيع المياه الطبيعية وجمال المواقع الساحرة، يحاول بعض المستثمرين إقامة مصنع للإسمنت .. ليس الأمر غريبا فقط، بل مثيرا للسخرية، فمجالات الاستثمار هنا مفتوحة على مصراعيها في جميع المجالات: السياحة والفلاحة والصناعات الغذائية والحليّ .. لماذا إذن يتخطّى هؤلاء كلّ هذا ليفكّروا في مصنع إسمنت، على الرّغم من معرفة الجميع بالكوارث الصحية والبيئية التي سببها ويسببها إلى اليوم مصنع “عين التوتة” الذي، يرجّح أنّه، واحد من أسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان في المنطقة، لما يخلّفه من أغبرة ملوِّثة واضحة للعيان، فماذا يريد هؤلاء؟
النشطاء الرافضون لإقامة مصنع الإسمنت في المدينة، والمشاركون بقوة في التحضير وتنشيط حملة التشجير، التي أرادوا لها أن تكون آوراسيّة تنتشر عبر جميع ربوع بلاد إيشاويّن، لإثارة مختلف القضايا البيئية والصحية العالقة في المنطقة، دعوا المشاركين إلى ارتداء كمامات كناية عن رفضهم للمصنع ودعمهم للقضيّة، وكانت الاستجابة واسعة جدّا
لثلاث ساعات متواصلة، لم تتوقّف سيّارات الوافدين على “ثافرنت” (مكان حملة التشجير) للمشاركة، كان الحدث جاذبا أيضا لانتباه كثير من المارة الّذين شاركوا بكلّ عفويّة وتضامنوا مع الحملة، واستحسنوها. آخر الوافدين، كانت حافلة مليئة بالطلبة الجامعيين من الطّارف، شاركوا في زرع آخر شجيرات الأمل في إيغزر نثاقا، وقّعوا السجل الذهبي، أخذوا صورا تذكاريّة مع العلم الشّاوي، وانطلقوا معلنين اختتام التظاهرة.
أثبت الشباب الناشط في بوحمار، فعاليّة مسلّحة بالمعرفة الضرورية والإطار الجمعوي والمدني اللازم للنشاط، وقدرة منقطعة النظير على التعبئة والتحسيس بقضايا “البيئة” في إيغزر ن ثاقا خاصّة وبلاد إيشاويّن بأكملها، والّتي تشكّل حقّا عامل خطر على الصحة والبيئة والاقتصاد في المنطقة، وتدمّر كثير من المسكوت عنها منها الأخضر واليابس، لكنْ يبدوا أنّها، ومن وراءها، هذه المرّة ستلاقي مقاومة غير معهودة على يد هؤلاء الشباب، بطرق جدّ حضرية، سلميّة، مدنيّة راقية. إصرار هؤلاء الشّباب، قد يكون، وهذا أملي شخصيّا، شرارة انطلاق ثورة قادمة تنتقل عدواها إلى بقية أصقاع بلاد إيشاويّن. ثورة ثقافة ووعيٍ إيكولوجيّ وهويّاتي وسياسيّ قد تغيّر وجه التّاريخ والمنطقة إلى الأبد.