كان مقال الصديق مجيد صراح الذي رصد تطور الرواية الأمازيغية من أجمل ما قرأته منذ بداية السنة الجديدة بعنوان “الأدب الأمازيغي من الربيع البربري إلى جوائز الدولة” المنشور على توالى.أنفو، و بقيت كلمته تجول في خاطري، فتسارعت هذه الأفكار إلى مخيلتي.
في الماضي كان همنا كأمازيغ أن يكون لدينا رواية أمازيغية. المهم أن تكون رواية أمازيغية (قبائلية)، فالمضمون، الشكل، طبيعة الورق، الإصدار، و الثمن لم يكن ذو أهمية فورية. في الماضي كنا نريد رواية بلغتنا الأم و كفا. أردنا أدبا بلغتنا فأنجزناه. كان الأمر و مازال نضالا من أجل الهوية، فهي قضية وجود. اليوم نريد رواية عالمية بلغتنا الأمازيغية و لا يتأثر شكلها و مضمونها عند ترجمتها إلى لغات العالم. الرواية العالمية هي تلك التي يقرأها قاريء من أي لغة و أي ثقافة دون أن تفقد أهميتها الثقافية، الفنية، و الأدبية. طبيعة الورق يمكن تغيرها بسهولة، الشكل يمكن تهذيبه، و لكن المضمون هو الأساس. حين يتحسن المضمون قيمة علمية، ثقافية، و فنية نكون قد حققنا الهدف. و إن بقي مضمون الروايات المؤلفة بالأمازيغية في نفس المستوى نقول أنه قد أصبح لدينا أدب محلي فقط و هذا غير كافي، نثر إقليمي، رواية جهوية أن لم تتعدى حدود المنطقة و هذا ينطبق على الشعر أيضا.
عندما ندرس رواية نلمس أبوابا، نقاطا، و مواضيع كثيرة أهمها الجمال، التأليف، و أصل الكتاب، الشكل و جسد النص. العادة و قانون و أثار المؤلف، خصال الدفاع و النقد، اللغة و الجديد، السرد، البلاغة و الفصاحة، الشخصية و الهوية الأدبية.
ما يهم في الرواية الأمازيغية اليوم هو أن تحمل قيمة فكرية و ثقافية عالمية، و إمكانية تطبيق نتائج دراسات و نظريات المدارس، الحركات، و النزعات الأدبية الحديثة و المعاصرة عليها. لنستفيد منها نحن و نفيد العالم بإنتاجنا الفكري. و بعبارة أخرى هو إمكانية تطبيق نظريات و النقد الأدبي العالمي عليها. الرواية الأمازيغية المعاصرة و الحديثة ليست فارغة المضمون و ليست رديئة، و لكن تنقصها الإحترافية. يمكن تطبيق النظريات الأدبية عليها و لكن تنقصها القيمة الفكرية، العلمية، الأيديولوجية، و النظرية. فلو حاولنا تطبيق أي نظرية أدبية عليها، نجد أن محتواها محدود و لا يمكن التوسع في نقده و تحليله. و ما نرجوه من الروايات المستقبلية هو أن تكون ثرية بالقيمة الثقافية و الفكرية لنتمكّن من تطبيق الدراسات الثقافية (Cultural studies) عليها.
الرواية العالمية تتحمل تطبيق النظريات الأدبية عليها
دراسة أنطونيو غرامشي (Antonio Gramsci) المرتكزة أساسا على “تكوين المثقف” أو أعمال رولند بارت (Roland Barthes) المنصبة حول “وفاة الكاتب” و “من العمل إلى النص” كما أنه كان لكتابه “دماغ أينشتاين” و “صابون المسحوق و مواد التنظيف” طريقة فريدة في تحليل النص الأدبي و فهمه، إمكانية توظيفها في الرواية الأمازيغية يجعل منها حقل لزراعة الفكر المتحضر. ماذا لو حاولنا إيجاد ما يقابل تحليل جورغن هابرماس (Jürgen Habermas) أين يناقش ” التحول البنيوي على الصعيد الإجتماعي : تحقيق داخل طبقة من مجتمع بورجوازي” أو نظرته إلى الحداثة على أن ” العصرية مشروع غير كامل”. هي مواضيع الساعة التي نريد أن نجد انعكاساتها في الرواية الأمازيغية. كل ما نبحث عنه في الرواية الأمازيغية المعاصرة هو أن تحتوي على القليل من ما طوره ستيوارت هال (Stuart Hall) في ” الدراسات الثقافية و إرثها النظري”. فليس صعبا على المثقف و الفنان الأمازيغي أن يقدم نظرة في عمله الفني يتطرق إلى ما يرسلنا إلى إعادة التفكير في “جدلية التنوير” التي أطلقها ماكس هوركايمر (Max Horkheimer) الذي بحث مع ثيودور أدورنو في الثقافة الصناعية و ما تبعها أو كنتيجة لتضليلات و مخادعات التنوير. ما يتمناه القاريء المتمعن في الرواية الأمازيغية هو إمكانية تطبيق نظريات التفكيكية (Deconstruction) و المابعد بنيوية(Poststructuralism) من جاك دريدا إلى جون بودريار (Jean Baudrillard) في السبق و التصويرات الزائفة. و جيل دولوز(Gilles Deleuze) تحليل الأدب بأسلوب كافكا من أدب ثانوي أو قاصر باللغة الراشدة و البليغة، إلى الرأسمالية و شيزوفرينيا إنفصام في الشخصية، كلها مواضيع يتناولها الأدب المعاصر و الأدب الأمازيغي بحاجة إلى التطرق إليها.
يحاول البعض جعل وجود كتاب من الجانب النسوي للرواية الأمازيغية إنجازا عظيما! و لكن الأهم هو هل يمكن تطبيق نظرية المساواة بين الجنسين على الرواية الأمازيغية ؟ و هل تستوفي شروط النظرية؟ و هل يمكن مثلا إيجاد فيها ما يقابل عمل سيمون دو بوفوار أو سوزان بوردو أو باولا غان ألان؟ إمكانية إيجاد ما تهتم به مدرسة التمسك بالشكل في الرواية الأمازيغية و العثور في جوانبها نقد و دراسة العرق و السلالة، تحملها لنقد مدرسة التحليل النفسي، الماركسية و التأريخية الجديدة، و مدى إستطاعتها تحمل نقد مدرسة التفسير و تحليل الظواهر. قابلية الرواية الأمازيغية على كشف الفكر الاستعماري و خضوعها أو استقلاليتها من النظرية المابعد إستعمارية (Postcolonialism). إضافة إلى نظريات أدبية كثيرة كالنظرية رد فعل القاريء، النقد الموجه للجنس، النوع و الجنسانية، تأثير الأيديولوجية و السيطرة و ما ينجم عن تأثيراتها. إضافة إلى كل هذا نتسائل هل تتأثر الرواية الأمازيغية بالطابع المؤسساتي للأدب المعاصر؟ النظريات و النقد الأدبي العالمي لديه أشكال و فروع، و توجهات لا تعد و لا تحصى، و لكنها هي أحسن لجنة تحكيم بين الرواية الجيدة من الرواية العادية.
سيقول البعض أنك تخلط المفاهيم و أن الرواية وحدها لا تجيب على كل هذه التساؤلات و أنها نوع من أنواع الأدب فقط. فنأكد أنه لتقييم عمل أدبي سواء كان ملحمة أو قصة نعود إلى فكر و نقد أرسطو، ميخائيل باختين، أو جيمباتيستا جيرالدي. و إن كان العمل الفني دراما فالأصل أن نرجع إلى ارسطو، افلاطون، بيير كورناي ، أو سامويل جونسون. أما دراسة الرواية تستدعي نظرة باختين و هنري جايمس على الأقل. أما نقد الشعر نربط دراسته و تحليله إلى أمثال هارولد بلوم و ت. س. إليوت.
كوننا متأخرين في كتابة أدبنا الأمازيغي بحيث كان أدبا شفويا لعصور، يجب أن نستمر في محاولة جمع أهم ما في أدبنا ما هو جميل و مفيد حسب الفترات التاريخية للنقد الأدبي و نظرياته من الكلاسيكية من عهد أفلاطون و هوراس إلى نظريات القرون الوسطى عند دانتي أليغري و جيوفاني بوكاشيو. جمع كل ما له علاقة بثقافتنا و لغتنا في عصر الصحوة و البعث. في حركة التنوير الفلسفية و الإستفادة من دراسات إيمانويل كانط، ديفيد هيوم، و ألكسندر بوب، و تطبيق نتائجها على الرواية الأمازيغية، فالرواية لم تظهر في يوم واحد بل مرت عبر حقب تاريخية و أدبية كثيرة و شربت من كل الأزمنة، الحركات، و النظريات. فالفترة الرومانتيكية عرفت أعمال فريدريك هيجل و فريدريك فون شيلر و غيرهم. و الفترة الواقعية تميزت بنقد كارل ماركس و إنجلز. بجمع ثمار الموروث العالمي من نقد أدبي و تطبيقه على الإنتاج الأدبي في ثقافتنا الأمازيغية نكون قد لحقنا بمن تقدم علينا في الحضارات الأخرى خاصة في فن كتابة الرواية و نقدها معا.
إلى هنا النقد الأدبي نقد بناء، و ليس رمي للزهور. حتى النقد الأدبي الموجه إلى الرواية الأمازيغية يبقى متعاطف مع الرواية الحالية بسبب النقص من حيث عدد المؤلفين، الأعمال الأدبية و طبيعتها النضالية. فمن جهة نحن مولعون بنضال فناني و نقاد الأدب الأمازيغي و من جهة أخرى نود توجيه نقد لهم لإيصال رواياتنا و أعمالنا الشعرية إلى العالمية. نختمها بإبتسامة بحث نريد من هذا النص أن يكون كما وصفت زوجة كارل ماركس نقد زوجها لنقد جوزيف برودن الذي رأه متساهل مع البرجوازية الأوربية، و وصفته بعبارة “نقد النقد!”.
ردوان كريم