يأسرك ببساطته، يتأنق بزيه التقليدي المغربي المتميز. جلباب أبيض يلفه برنوس أسود وبَلْغَةٍ بيضاء أو صفراء، ويعتمر عمامة بيضاء على رأسه الحليق. في حركاته المتناسقة يستمتع وهو يقود فرقته التي تؤدي رقصة أحيدوس. موحا والحسين أشيبان، فرغم جسده النحيل وعمره الطويل لكنهما لم يرغمانه على التنحي والجلوس في مقعد المتفرجين.
استطاع أشيبان، بعفويته وأصالته وقدرته على تحمل كل المصاعب، أن ينقش اسمه في عالم فن أحيدوس، وينقله من المحلية إلى العالمية. وبكده واجتهاد عمل على أن يحافظ على أصالة هذا الفن، ويعرّف به وينشره ويورّثه لأبنائه وأحفاده.
حراث خنيفرة
من مواليد 1916 بإقليم خنيفرة بالأطلس المتوسط، مثّل عن جدارة صورة المغرب في الجزء التراثي التاريخي. يقول إنه ورث عن أبيه فن الغناء والشهامة والجدية والصدق، وكان راعيا للأغنام وعمل في حرث الأرض. ورث عشقه لأحيدوس وبصمه بشخصيته وها هو ينقل الصنعة وكل أسلوبه لأبنائه وأحفاده.
التحق بكتيبة الجنود المغاربة في عهد الحماية الفرنسية وشارك في الحرب العالمية الثانية. اشتهر أنه رفض أمر أحد الضباط الفرنسيين إطلاق النار على أحد مساجد الدار البيضاء، فتمّ فصله من سلك الجندية. وانخرط بعدها بالمقاومة الوطنية ضد الاحتلال ولم يرضخ لإغراءات المنصب عندما عرض عليه منصب قائد منطقة بالأطلس المتوسط.
تزوج ثلاث مرات وعلى ذمته اثنتان بعدما توفيت الأولى، أما أصغرهن فتساعده عن كثب في شؤون الحياة. وله منهن ستة أبناء وأحفاد. لا يفرق بين زوجتيه ويقول بأنه يساوي بينهما ويبتغي رضاهما ولا يبخل عليهما. يرحب بالضيف ويكرمه فهو لم يتخلى عن منزله بقريته وطوع أرضه بفأسه، وهو إلى حد الآن يطعم بهائمه بيديه.
كان دوما مرتبطا بالطبيعة، يستلهم منها حركاته التي يعرف بها وهو يقود فرقته يستمدها من تأملاته لتفاعله مع بيئته. كل حركة يقوم بها ترتبط بالطبيعة التي عشقها، وعندما يستعمل يديه فهو يرمز للفرس.
النّسر
فرقته الحالية بدأ معها المشوار الفني منذ 1975 بعدما افترقت السبل بفرقته الأولى. اعترف أحد الأعضاء بأن موحى والحسن أشيبان بمثابة الأب والعم والأخ تربوا معه على الصبر والمثابرة والجدية في العمل. ويضيف أن المايسترو لم يبخل عليهم ماديا ومعنويا. وقال آخر إنه لولا “النسر” كما يلقّبونه لما خرجوا عن نطاق إقليمهم. أعضاء فرقته كانوا يلقبونه بالنسر نظرا للحركات الرشيقة التي يؤدّيها وهو يقودهم.
يقول اكبر أبنائه الذي انخرط في الفرقة التي يقودها المايسترو مدة 36 عاما إن هذه المسؤولية ليست بالهينة و”أنا دائم التفكير في تدبير شؤون الفرقة التي خدمها الوالد طيلة ما يقرب من 60 عاما وأرجو العون من الله”. ويضيف قائلا “لقد رافقت أبي منذ أن كان سنّي 12 سنة وكان يوصيني باليقظة وسرعة البديهة لحمل المشعل من بعده”.
يصف العارفون بفن أحيدوس، موحا والحسين أشيبان، بأنه «قمة قمم الفن الأمازيغي المغربي»، ويعتبره آخرون أسطورة أحيدوس. وقال أحد المهتمين بفن أحيدوس إنه رغم إعجاب بعض الممارسين لفن أحيدوس إلا أنهم فشلوا في تقليده. فهو وحده يملك سر رقصته وقيادته لفرقته.
أحيدوس الأسرار
أحيدوس انطلق من الجنوب الشرقي للمغرب وصولا إلى مدينة الخميسات. وبفضل المايسترو جابت فرقة أحيدوس التي يقودها جل الدول الأوروبية واليابان والصين والولايات المتحدة الأميركية في جولات فنية لإبراز هذا الفن المغربي الأصيل. ونزلوا بالمملكة السعودية والكوت ديفوار بأفريقيا ناهيك عن كل شبر بالمغرب. ونال عدة جوائز تكريمية على مجهوداته في إبراز فن أحيدوس كونه وجها من وجوه الثقافة المغربية الأصيلة. في بيئته تشبعت بكل ما يرمز للأصالة.
أحيدوس فن غنائي أمازيغي قديم يميز منطقة الأطلس المتوسط، فن يستمد من الطبيعة والواقع المعيش كلماته ورقصات تؤديها الفرقة المكونة من نساء ورجال. يرقصون عبر دوائر وأنصاف دوائر أو على شكل صفين متقابلين في تناسق وانسجام تام وتلاحم، فالرجل والمرأة بملابسها التقليدية وحليّها، اللذين يميزان المنطقة، يجمعهما صف واحد. يرقصون متلاحمي الأكتاف في اهتزاز خفيف ومتلامسي المرافق، بمرافقة إيقاع الدف أو ما يسمى بالمغرب “بالبَنْدِيرْ”وهو الآلة التي ينقر عليها الرجل.
المتميز في فن أحيدوس هو أن للمتفرج الحق في استحسان أو استهجان الرقصة والذين يؤدونها، رقصة أحيدوس تختصر نمط حياة مجتمع بتقاليده وأعرافه وسكناته وحركاته. رقصة تتخلل كل المراسيم والمناسبات لأن المتفرجين في أحيدوس لهم الحق في تشجيع الراقصين إذا أحسنوا أو تهجينهم إذا خالفوا أعرافها وتقاليدها في حفلات الأعراس وختان الأطفال ومواسم الحصاد، رقصة أحيدوس تكون حاضرة أيضا في مراسيم تأبين شاب أو شابة وافته المنية قبيل الزواج، لكن دون إنشاد وبلا آلة البندير.
المايسترو ورونالد ريغان
قصة لقب “المايسترو” بدأت عندما كان موحى والحسين، يقوم بمعية فرقته بجولة فنية إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في المجمع الترفيهي «والت ديزني» في العام 1984. أعجب الرئيس رونالد ريغان بأداء الفرقة ورئيسها السبعيني الذي أبهر رئيس أميركا برقصاته المتماشية مع إيقاع مضبوط وحركات مدروسة رائعة. فاقترح ريغان على المايسترو الإقامة في أميركا، غير أن كريم العمراني، الوزير الأول المغربي آنذاك، قال للرئيس الأميركي إن المغرب محتاج إلى فنانه الشعبي أكثر، خاصة في مجال التنشيط الثقافي والترويج لصورة المغرب، الفنية والحضارية.
وأكد “المايسترو” موحى والحسن أشيبان أنه قد تم إغراؤه بأوراق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأميركية لمدة خمس سنوات، مقابل العودة إلى المغرب لمدة شهر واحد في السنة، إلا أنه رفض المقترح، وفضّل العودة إلى المغرب.
المايسترو هو الموجه والراعي وضابط الإيقاع تكتنف تركيبة مقاماتها الصبا والبياتي في قالب موسيقي أمازيغي. المايسترو ممثل سلطة القبيلة والأمين على أصولها ومقوماتها الراقصة عبر خضوع جميع أعضاء الفرقة لتوجيهات رئيسها المايسترو ضابط إيقاعها. أحيدوس يمكنه التعبير عن قيم التسامح والتضامن والوحدة، لن تلمس الفوارق في الرقصة بين الغني والفقير والعالم والأميّ.
ببرنوسه الأسود يقفز برشاقة وخفة أمام فرقته كأنه نسر، يحمل بنديره بكلتا يديه وبابتسامته المعبرة يمتع جمهوره برقصاته، وفي لحظة مُتَفَق عليها يصدر إشارة التوقف لأعضاء فرقته بحركة هز أكتافه.