في خضم النقاشات والتعليقات حول كأس العالم 2018 في روسيا حاليا نقرأ ونسمع في الإعلام المغربي الناطق بالعربية والفرنسية وفي الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية مقولات متكررة تزعم بأن “المنتخب المغربي منتخب عربي” وأنه “منتخب يمثل العرب في كأس العالم وكأس أفريقيا”. ويتم تسويق هذا الكلام المغلوط وكأنه حقيقة راسخة من حقائق الكون مثل 1+1=2 أو مثل وجود الشمس والقمر وكروية الأرض. ويزعم الصحفيون والمعلقون الرياضيون الناطقون بالعربية أيضا أن “المنتخب التونسي عربي” وأن “المنتخب المصري عربي”. أما الحقيقة فهي أن المنتخبين المغربي والتونسي منتخبان أمازيغيان يمثلان بلدين أمازيغيين وشعبين أمازيغيين. والمنتخب المصري ليس عربيا بل هو منتخب قبطي يمثل الشعب المصري/القبطي. ومن يعرّب منتخب مصر فلن يتورع عن تعريب أهرام مصر والقول بأن العرب هم من بنوا أهرام مصر وليسوا الأقباط!
كل هذه المقولات التعريبية المغلوطة تتأسس على كذبة كبرى تم ترويجها في النصف الثاني من القرن العشرين ومفادها هو أن “العالم العربي هو كل البلدان والشعوب التي توجد بين المحيط الأطلسي والخليج الفارسي (الذي يسميه العرب بالخليج العربي)”. وقد تم ترويج هذه الكذبة من طرف الأنظمة الاستبدادية التعريبية في هذه البلدان بشكل منهجي وعلى نفقة تلك الشعوب غير العربية. فالنظام المغربي مثلا كان وما زال يأخذ أموال الشعب الأمازيغي المغربي كضرائب لينفق جزءا كبيرا منها على تعريب نفس ذلك الشعب الأمازيغي المغربي عبر المدرسة والتلفزة والراديو والإدارة والمسجد.
والدافع الأهم لهذه الأنظمة الاستبدادية في ترويج هذه الكذبة التعريبية هو محاولتها البرهنة لشعوبها على “حسن عروبتها وإسلامها” للمزايدة على الحركات القومية العربية والإسلامية التي كانت تتربص بتلك الأنظمة وتحاول إسقاطها للاستيلاء على السلطة.
فحين كانت الحركات القومية العربية والإسلامية (وما زالت) تحاول إسقاط نظام تعريبي معين فهذا النظام التعريبي كان يزيد من شدة سياسة التعريب ويضاعف جرعات الأسلمة ليظهر بمظهر العربي المسلم القح الذي “حَسُنَتْ عروبتُه” و”حَسُنَ إسلامُه” وذلك لكي يتفوق في ميدان العروبة والإسلام على هؤلاء التعريبيين والإسلاميين الذين ينازعونه الحكم والغنائم.
وحدث ترويج كذبة “العالم العربي من المحيط إلى الخليج” مقرونا بحملة تعريبية مدمرة للغة والوعي الوطني كانت تهدف إلى إبادة اللغات الأمازيغية والكردية والآرامية والنوبية والقبطية إبادة تامة وتدجين عقول ملايين الأمازيغ والقبط والنوبيين والكرد والآراميين عبر جعلهم يتوهمون بأنهم عرب وما هم بعرب. وحدث ذلك في وقت كانت فيه الحركات القومية الأمازيغية والكردية والنوبية والآرامية والقبطية ضعيفة خرجت شعوبها لتوها من حروب تحريرية ضروسة ضد الاستعمارات الفرنسية والبريطانية والإسبانية والإيطالية والتركية/العثمانية وسط بيئة تخلف حضاري وفقر مدقع، وكانت لا تملك وسائل الطباعة والراديو والتلفزة التي تحتكرها الدول التعريبية الاستبدادية. هذا فضلا عن أن المسجد يقف بشكل أتوماتيكي دائما مع التعريب.
وفي حالة البلدان الأمازيغية الأربعة بالذات، المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، كانت سياسة التعريب مقرونة بسياسة الفرنسة. فهذه الأنظمة الأربعة بالذات كانت تنشر اللغة العربية وهوية العروبة الإسلامية الهجينة استرضاءً لرجال الدين الإسلامي والقوميين العروبيين وللمزايدة عليهم، وكانت تنشر الفرنسية كلغة للحضارة والحداثة والاقتصاد موروثة عن الاستعمار بشكل اضطراري أو لاستيراد بعض مظاهر الحداثة الغربية الاستهلاكية. إذن فهذه الأنظمة الأربعة كانت تطبق “سياسة التعريب والفرنسة” بشكل ممنهج عبر المدارس الحكومية والإعلام. وتمت إشاعة فكرة زائفة كاذبة مفادها أنها بلدان عربية وأن كل ما يوجد فيها من حضارة وفرق كرة قدم وكرة سلة وفنون ومآثر هي أشياء عربية. وانطلت هذه الكذبة حتى على الأوروبيين والأمريكيين (عن طريق الإعلام والتكرار مع غياب الصوت الأمازيغي) فأصبح الأوروبيون والأمريكيون لحد الآن يظنون ويتوهمون أن المغاربة عرب وأن الجزائريين عرب وأن التونسيين
عرب وأن أراضيهم عربية!
ومن الطريف حقا أن نزعة التعريب وحركة القومية العربية التعريبية لم يؤسسها العرب الحقيقيون في شبه الجزيرة العربية، وإنما أسسها الآراميون/السريان والأقباط المستعربون في الشام والعراق ومصر. فالعرب الحقيقيون في السعودية وقطر لا يشعرون بالحاجة إلى البرهنة على عروبتهم، وإنما المستعربون المشكوك بعروبتهم في سوريا ومصر ولبنان هم الذين يتشاتمون ليل نهار في الإعلام حول العروبة ومن خان العروبة ولماذا انهزمت العروبة.
وها نحن اليوم نستمع إلى مخلفات هذه الأكاذيب والبروباغاندات التعريبية في مناسبات مثل كأس العالم لكرة القدم.
وقد أضاف عاملُ توفر بلدان شبه الجزيرة العربية على النفط الغزير والمال الوفير إلى شيوع هذه الكذبة التعريبية بسبب تمويل الإعلام العربي اللغة من طرف السعودية وغيرها (لمصالح معينة) مما يزيد من تقوية الرسالة التعريبية من حيث الكمية وترسيخها في عقول الناس عبر الجرائد والبرامج الدينية والإخبارية والترفيهية.
ولكن جاءت تقنية الإنترنيت القوية الشعبية الرخيصة لتقلب الأمور رأسا على عقب وتعطي للشعوب الأمازيغية والكردية وغيرها صوتا قويا نافذا مؤثرا أصبح يقلب الطاولة شيئا فشيئا على أكاذيب التعريب وعلى استبداد الأنظمة بشكل عام.
ورياضة كرة القدم منتوج اقتصادي وترفيهي ذو شعبية كاسحة تتفوق أضعافا مضاعفة على المسجد والإسلام والأديان الأخرى. وهذه الرياضة (كمنتوج إعلامي يُسوَّق بلغات من بينها العربية عبر قنوات تلفزية تمولها الدول أو مملوكة للشركات) تصبح ميدانا لتمرير الأفكار والمصطلحات السياسية والهوياتية وغرسها في عقول الناس أطفالا وشبابا.
ونجد الصحفيين والمعلقين الناطقين بالعربية أو بالعاميات العربية إما يهللون “للمنتخبات العربية التي تمثل العرب وتشرّف العرب” أو يشتكون من رداءة مستوى “المنتخبات العربية الأربعة المشاركة في روسيا 2018”. أما الحقيقة فهي أنه كان هناك منتخب عربي وحيد شارك في روسيا 2018 وهو المنتخب السعودي.
يشتكي الصحفيون والمعلقون العرب والمستعربون في آسيا من “تدهور مستوى الكرة العربية في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر”، بينما هذه ليست بمنتخبات عربية ولا بشعوب عربية. وهذا يشبه شخصا ينوح ويتباكى في جنازة شخص آخر لا قرابة له به ويظن خطأ بأنه من أسرته أو أقربائه وأنه سيرث حصة من مال وأملاك المرحوم مع بقية أسرته وأقربائه!
تصوروا معي لو أن المعلقين الرياضيين والصحفيين الفرنسيين يزعمون بأن “المنتخب السنغالي فرنسي يمثل فرنسا والكرة الفرنسية”. هذا هراء طبعا. وسنقول جميعا بأن هؤلاء الصحفيين والمعلقين الرياضيين الفرنسيين لديهم عقلية استعمارية فرنسية لأنهم يزعمون بأن السنغال تابعة لفرنسا وأن الكرة السنغالية تنتمي إلى “الكرة الفرنسية” بذريعة أن اللغة الفرنسية منتشرة بالسنغال!
سوف يستنكر الجميع عن حق هذه النزعة الاستعمارية الفرنسية وهذا الحنين الفرنسي إلى مستعمراتها في السنغال وهذه الغطرسة الإمبريالية الفرنسية. وسوف ننبه هؤلاء الصحفيين والمعلقين الفرنسيين إلى أخطائهم وسنشرح لهم أن السنغال ليست “بلدا فرنسيا” وأن الكرة السنغالية ليست فرنسية وإنما هي كرة سنغالية. وسننبههم إلى أن إنجازات الكرة السنغالية لا تسجل في رصيد فرنسا ولا في رصيد “العالم الفرنسي” ولا في رصيد “العالم الفرنكوفوني”، وإنما إنجازات السنغال في الرياضة وغيرها تسجل في رصيد السنغال كبلد وفي رصيد إثنيات السنغال المحلية الأصلية مثل قومية Wolof أو في سجل أفريقيا عموما على أساس كون السنغال بلدا أفريقيا وليس أوروبيا. إذن، لا يحق للفرنسيين ولا للبلجيكيين الفرنكوفونيين ولا للسويسريين الفرنكوفونيين السطو على إنجازات السنغال بذريعة وجود اللغة الفرنسية في السنغال.
إذن فنفس الشيء بالضبط يجب أن نطبقه مع الصحفيين والمعلقين العرب والمستعربين الأمازيغ والقبط الذين يزعمون أن “المنتخب المغربي عربي يمثل العرب”. لا حق للعرب في السطو على المنتخب المغربي الأمازيغي ونجوم المغرب الأمازيغ والزعم بأنهم عرب. فهذا جهل شنيع إذا كان غير مقصود وهو تدليس وتزوير وسرقة إذا كان متعمدا.
مشاكل أو إنجازات كرة القدم المغربية وكرة القدم التونسية هي مشاكل وإنجازات أمازيغية لا دخل للعرب فيها لأن المغرب وتونس جزءان من العالم الأمازيغي. أما العرب فلديهم مشاكلهم وإنجازاتهم في البلدان العربية الحقيقية مثل السعودية والإمارات وقطر.
الحقيقة هي أنه كان للعرب في كأس العالم 2018 ممثل وحيد هو المنتخب السعودي. فالسعودية بلد عربي حقا. ومن حق العرب أن يفتخروا بالمنتخب السعودي الذي تأهل إلى كأس العالم ليمثلهم.
وجود اللغة العربية شفويا أو كتابيا في بلدان وشعوب غير عربية مثل مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب لا يعني أبدا أن تلك الشعوب والبلدان قد أصبحت عربية. فاللغة الفرنسية منتشرة في المغرب كالطاعون بصفة لغة رسمية ومدرسية وتجارية وإعلامية وإدارية وعسكرية وأدبية وحتى على أبواب الحوانيت والصيدليات والمراحيض، ولكن هذا لا يعني أبدا أن المغرب قد أصبح بلدا فرنسيا أو شعبا فرنسيا أو أن هويته قد أصبحت فرنسية.
المغرب ما زال بلدا أمازيغي الهوية وأمازيغي القومية رغم وجود اللغات العبرية والفرنسية والعربية فيه بجانب اللغة الأمازيغية الأصلية.
هل يعقل أن نقول أن المنتخب النيجيري يمثل الكرة الإنجليزية والشعب الإنجليزي والقومية الإنجليزية بذريعة أن نيجيريا ناطقة بالإنجليزية؟!
لا. هذا جنون.
وماذا عن منتخبات كولومبيا والمكسيك والأوروغواي والأرجنتين؟ هل هي منتخبات تمثل إسبانيا والشعب الإسباني والقومية الإسبانية؟!
وماذا عن منتخب البرازيل؟ هل هو ممثل للشعب البرتغالي والكرة البرتغالية والقومية البرتغالية؟!
لا طبعا.
فالشعب المكسيكي ليسا شعبا إسبانيا ولا أوروبيا وقوميته ليست إسبانية.
والشعب البرازيلي ليس شعبا برتغاليا ولا أوروبيا.
أنا هنا لا أحاول إدانة الصحفيين والإعلاميين المغاربة والأجانب الذين يستعملون عبارات مثل “المغرب ممثل العرب في المونديال” و”تونس منتخب عربي”… إلخ، فنحن نعلم أن هؤلاء الصحفيين المغاربة والجزائريين والتوانسة والمصريين قد تعودوا على تلك المصطلحات منذ صغرهم وشبابهم وأنهم قد استنشقوها في الإعلام لسنوات وتم تلقينها لهم في المدارس كأنها حقائق راسخة في ظل مناخ إعلامي تعريبي ترعاه الدول التعريبية المتحكمة بالإعلام والرافضة للاعتراف بالهويات الحقيقية للمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر. ولذلك أصبح هؤلاء الصحفيون والإعلاميون والمعلقون الرياضيون يستعملون تلك المصطلحات الهوياتية التعريبية اليوم بشكل روتيني إما غافلين عن معانيها الخاطئة أو لأنهم لا يعرفون مصطلحات غيرها.
هذا المقال ليس للإدانة والتقريع والتوبيخ والاستنكار والشجب وإنما هو للتنبيه والتصحيح ولتشجيع الصحفيين والكتاب والإعلاميين على تصحيح مصطلحاتهم وأقوالهم وكتاباتهم ولتشجيع المهتمين بالأمازيغية وبشؤون المغرب على إثارة هذه المواضيع ومناقشتها.
يجب على الصحفيين والإعلاميين أن يصححوا مصطلحاتهم وأن يجتنبوا إقحام الكرة المغربية والجزائرية والتونسية والليبية في خانة الكرة العربية، وإنما تصنيفها القومي هو “الكرة الأمازيغية” وتصنيفها القاري: “الكرة الأفريقية”.
أما كرة القدم السعودية والقطرية والإماراتية فتصنيفها القومي هو “الكرة العربية” وتصنيفها القاري: “الكرة الآسيوية”.
نور الدين أمرابط مثلا ليس لاعبا عربيا بل هو لاعب أمازيغي. من يقول بأنه لاعب عربي فهو كاذب أو جاهل.
مع توفر الإنترنيت للجميع، يجب على مستعملي مواقع التواصل أن ينبهوا صحفييهم وإعلامييهم المشتغلين في مواقعهم المفضلة وفي قنواتهم التلفزية المفضلة إلى ضرورة تصحيح وتقويم هذه المصطلحات وإلى ضرورة احترام هوية الشعوب الأمازيغية وتجنب تعريب الشعوب الأمازيغية عن طريق الرياضة وكرة القدم خصوصا.
منتخب المغرب يحمل راية بلد المغرب الذي هو بلد أمازيغي شقيق للبلدان الأمازيغية الأخرى كالجزائر وتونس. هذه حقيقة يجب الاعتراف بها وتطبيقها في الأقوال والأفعال حتى لا تتحول كرة القدم إلى مطية أخرى لتعريب المغرب ومحو هويته الأمازيغية القومية.
كما أنه من الجيد والواجب أن تقوم الدول الأمازيغية كالمغرب والجزائر بالسعي إلى تنظيم ألعاب أولمبية أمازيغية وبطولات كروية أمازيغية للأندية والمنتخبات تشارك فيها الفرق والمنتخبات من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وجزر الكناري المحتلة (جزر الكناري Taknara تملك منتخبا محليا واتحادا محليا للكرة) وذلك لتطوير الرياضة وتنمية الاقتصاد وتقوية الأخوة الأمازيغية وترسيخ سيادة واستقلالية الشعوب الأمازيغية.
مبارك بلقاسم- المغرب
tussna@gmail.com