من بين الاكاذيب التي يروج لها العروبيون هذه الأيام هي كون لفظ ” أمازيغ ” (و متغيّراته : تامازيغت , إيمازيغن ) مجرد اختراع من الاكاديمية البربرية و أن لا اصل تاريخي لهذا اللفظ .
سنقوم في هذا المقال بالرد على هذا الادعاء الباطل و نعرض مصادر تاريخية متنوعة تُثبت بأن لفظ “أمازيغ” هو الإسم الإثني (ethnonyme) لسكان شمال افريقيا منذ العصور الغابرة.
يقول غابريال كامبس ” هناك اسم اثني واسع الانتشار نجده في كل جهات البلاد البربرية يتجاوز اسم الاشخاص الى اسم المكان مما يسمح باعتباره الاسم الحقيقي للشعب البربري . وجذر الاسم المقصود هنا هو (م ز غ MZG)أو (م ز ك MZK) الموجود ايضا في اسماء مازيس مازاس (Mazaces) مازازس (Mazazeces) خلال الفترة الرومانية و كذا في اسم الماكسي (Maxyes) في هيرودوت و مازيس (Mazyes) في هيكاتوس و المشّوش في النصوص الفرعونية. و تحتفظ تسميات إموشاغ (Imusagh) غربي الفزان و إماجيغن (Imagighen) في الأيير (النيجر) و إمازيغن في الأوراس و الريف و الأطلس الأعلى بهذا الإسم و تماسغت (Tamaseght) هي لغة التوارق الذين يتسمون بدورهم بإسم إيموشاغ (Imouchar= Imusagh) ” .
فلفظ أمازيغ بصيغه المختلفة ثبت انه اسم اثني ورد في نصوص تاريخية مختلفة لوصف سكان مناطق متفرقة من شمال افريقيا . بالاضافة الى النصوص التاريخية و الأثرية, فإن اللفظ لا تزال تحتفظ به مختلف المتغيرات الأمازيغية من ليبيا , تونس , الجزائر , المغرب الى غاية النيجر و مالي . سوف نورد ذلك بالتفصيل في الجزء الثاني من المقال .
-Iالعصور القديمة antiquité
قام غابريال كامبس بجمع المصادر التاريخية التي ذكرت لفظ “مازيغ” أو متغيراته و قام بتنظيمها في جدول وضع فيه : الإسم , المصدر التاريخي , المنطقة التي اطلق على سكانها ذلك اللفظ .
نقوم بنسخ هذه القوائم التي أنشأها كامبس
I – السكان “المازيس” الذين ينتجعون المناطق الجافة :
-مازيس Mazyes: هيكاتوس (Hecatus)و إتيان البيزنطي (Etienne de Byzance), و أطلق الكاتبان اللفظ على سكان ليبيا الرُحّل.
-مازيس Mazices:فيلوستروق (Philostrogue) , و يقصد به سكان منطقة طرابلس .
– مازيس Mazices: سينسيون , أُطلق على سكان منطقة قورين .
-مازيس Mazices : وصف العالم ل”إيتيكوس” Cosmographie d’Ethicus , و أُطبق اللفظ على سكان منطقة الصحراء .
-مازيس Mazices : عرض كل العالم (Exposito totius mundi) , أُطبق اللفظ على سكان الصحراء.
– مازيس Mazices : فيجيس (Végèce) , أُطبق اللفظ على سكان الصحراء.
II– توزيع المازيس في المناطق الجبلية (من الشرق الى الغرب)
أ-نصوص :
-ماكسي ( Maxyes) : هيرودوت (Hérodote) , أُطلق اللفظ على سكان تونس الجنوبية .
-مازيسي (Mazicei) : كتاب الأجيال (Liber generationis) ,و أُطلق على سكان تونس الجنوبية .
–ماكسيتاني (Maxitani) : يوستينوس ((Justin , يقصد به سكان نواحي قرطاج .
-مازاسنس (Mazacenses) : مجمع 411 و هي أبرشية مسيحية (Conférance 411) , أطلق على سكان نوميديا .
-تامازوسنس (Tamazucenses) : مجمع 484 (Conférence de 484) , لوصف سكان موريتانيا القيصرية .
-مازازس (Mazazeces) : قائمة فيرون (Liste de Vérone) , و التي أطلقت اللفظ على سكان موريتانيا القيصرية .
-مازيس (Mazices) : أميانوس مارسيلينوس (Ammien Marcellin) , الذي أطلق اللفظ على سكان جنوبي شرشال .
-مازيس (Mazices) : بطليموس (Ptolémée) , و الذي وصف به سكان جنوبي شرشال كذلك .
-مازيس (Mazices) : يوليوس هونوريوس (Julius Honorius) , الذي أطلق اللفظ على سكان موريتانيا القيصرية .
-مازيس (Mazices) : بطليموس (Ptolémée) , الذي إستعمل اللفظ لوصف سكان المغرب الشمالي .
ب-نصوص أثرية :
-مازيس (Mazices) : المصدر CIL ; VIII , 2786 , و هي نقيشة جنائزية وُجدت في لامبيس (تازولت , ولاية باتنة ) مهداة لذكرى قائد مائة من الجيش الأوغسطي الثالث و نصّها : المنتصر على مازيس المنطقة الجبلية Mazices reg(ione) Montens(e).
– مازيس Mazices : CIL , VIII , 9613 , نقيشة وُجدت بمنطقة مليانة .
III-مصطلح مازاكس /مازيس المستعمل عموما (أي الذي يُقصد به سكان شمال افريقيا بشكل عام )
-مازاكس (Mazax) : لوكان (Lucain) .
-مازاكس (Mazax) : كوريبوس (Corippus) .
كما اضاف كامبس أسماء أماكن منها : مازوك Mazuc (هنشير بشرة) , مازوك Mazuc (هنشير كاشون) , ميزيغي Mizigi (عين بابوش) . و أسماء أعلام وجدت في نصوص جنائزية منها : مازيك , مازيكة …الخ .
يقول غابريال كامبس “إن إطلاق اسم مازيس من قبل المؤلفين القدامى على عدد من المجموعات السكانية بعضها من الرحّل و البعض الأخر من المستقرّين الجبليين و في فترات مختلفة و في مناطق متباعدة يبيّن بوضوح أن الاسم اهلي و هو الوحيد الذي يجعلنا واثقين بأنه يحظى بقبول الجميع ” [1].
و يردف ” بمقابلة نص هيرودوت بنص سالوست و على ضوء اتساع نطاق استعمال الاسم الإثني يمكن التوصّل الى استنتاجات الآتية : تنقسم شعوب افريقيا الشمالية البيضاء منذ القرن الخامس ق.م و دون ريب قبل ذلك على صعيد نمط المعيشة الى قسمين مختلفين : المزارعون المستقرّون سكّان البيوت , و مربّو الحيوانات الرحّل الذين يسكنون الخيام . و الحال أن هذا الاختلاف في نمط لا يتعارض مع كون السكّان ينتمون الى عائلة لغوية واحدة : هؤلاء البربر المستقرّون و الرّحل –منذ فترة موغلة في القِدم و سابقة لكلّ احتلال اجنبي- اسمهم المازيس (إمازيغن) ” .
II-العصور الوسطى
ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ينسب جزءا من البربر الى جدّ اسمه “مازيغ” . أما ليون الافريقي (حسن الوزاني 1433-1554) فقال ان جميع البربر يتكلمون لغة واحدة يسمونها “اقل امازيغ ” التي تعني في رأيه “اللغة النبيلة ” .
و يرى ستيفان قزال (Gsell) اعتمادا على نص ليون الافريقي أن اسم “أمازيغ” يعني “النبيل” أو ” الحر” مثل اسم “أريا”(Arya) أو “الفرانك” [2] (Franc).
يقول سالم شاكر ” على حسب المؤرخين الذي كتبوا بالعربية في العصور الوسطى (كان اغلب علماء الانساب هؤلاء امازيغ) فإن قبائل بربرية كثيرة كانت تنسب نفسها الى جدّ اسطوري اسمه مازيغ . اذا ترجمنا ذلك بتعبير عصري , تكون هذه القبائل البربرية تعرف نفسها على انها أمازيغية “[3] .
III-العصر الحديث
لا تزال فئات واسعة من سكان شمال افريقيا تستعمل لحد اليوم لفظ “أمازيغ” و “تامازيغت” و “إيمازيغن” بشكل يومي .
في المغرب يطلق سكان الريف على لغتهم لفظ “تامازيغت” أما الشلوح فيسمونها ” آوال آمازيغ ” (و هي تقريبا العبارة التي أوردها ليون الأفريقي ). كما يسمي سكان الجنوب “أمازيغ” الشخص ذو البشرة الفاتحة .
أما توارق الأهڨار و “الآجر” فيستعملون الألفاظ أماهيغ , إيموهاغ , تاماهاق , و كما هو معروف فأن حرف “الزاي” في لهجات الشمال تقابلها في منطقة الأهڨار حرف “الهاء” .
نجد نفس اللفظ عند توارق الجنوب (المالي , النيجر , آيير ) : أماجيغ/ إيماجيغن/تاماجاق و حرف “الزاي” للهجات الشمال قُلبت “جيما” . في لغة توارق جبل إيفوغاس بمالي نجد ” أماساغ/ إيموساغ /تاماساق أين أستبدل “الزاي” بحرف “السين” .
يقول سالم شاكر ” عند توارق الآجر و الأهڨار كلمة أماهيغ تطلق على جميع أفراد المجتمع مهما اختلفت الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها الشخص . أما عند توارق الجنوب بالمالي و النيجر فلفظ أماجيغ يُطلق على أفراد الطبقة الأرستقراطية في المجتمع فقط . عموم التراوق يسمون لغتهم : كال تاماجاق (=شعب لغة تاماجاق) “[4] .
لفظ أمازيغ تم تأكيد إستعمالها في مناطق أخرى من شمال إفريقيا من طرف متخصصين :
– تونس : في منطقة السند سنة 1911 من طرف الدكتور Dr. Provotelle (أنظر PROVOTELLE Dr., Étude sur la tamazir’t ou zenatia de Qalaat Es-Sened, Paris, 1911.)
– ليبيا : في جبل نفوسة (أنظر BEGUINOT F., Il Berbero Nefûsi di Fassato, Roma, 1931)
و غدامس (LANFRY J., Ghadames II (glossaire), Alger, FDB, 1970)
– بوسمغون بالغرب الجزائري (بين بشار و عين الصفرا) و واحة فڨيڨ بالمغرب
– توات , تيديكلت , ڨورارة بالجنوب الجزائري
– جانت في الجنوب الجزائري : و تعني “السيد” , ” النبيل” (FOUCAULD Ch. de, Dictionnaire touareg-français, Paris, 1950-51) .
-الأوراس : توجد عدة مناطق تحمل اسماء مشتقة من لفظ أمازيغ مثل “ثيزي نومازيغ” بمنطقة آث فراح (عين زعطوط ولاية بسكرة) , و “مزغنّان” بغوفي (ولاية باتنة).
اذن فلفظ “أمازيغ” تم تأكيد استعماله بمتغيرات مختلفة على رقعة جغرافية كبيرة تمتد من ليبيا شرقا الى المغرب غربا و من تونس شمالا الى مالي و النيجر جنوبا .
قبل أن نختم هذا المقال سوف نورد مصدرين تاريخيين حديثين ذُكر فيهما لفظ ” أمازيغ” بقلم كتّاب لا يمكن اتهامهم بالانتماء لل”الأكاديمية البربرية” .
الأول هو عبد الحميد بن باديس الذي استعمل عبارة ” ابناء مازيغ” في مقال[5] على جريدة الشهاب و “اللغة المازيغية” في مقال[6] آخر في نفس الجريدة في سنوات 1930 . و الثاني هو علال الفاسي مؤسس حزب “الاستقلال” المغربي الذي كتب سنة 1947: ” عُرف المغرب من قبل ان يُعرف الافرنج ببلاد إمازيغ أي الوطن الحر و عُرف سكانه أسلاف البربر بالإيمازيغن و معناها الرجال الأحرار . و هذه التسمية و حدها دليل على الروح التي كانت تملأ أسلافنا الأولين من حب للحياة الحرة في وطن حر”[7] .
بن باديس و علال الفاسي هما من المنظّرين الأوائل للنزعة التعريبية في شمال افريقيا لكنهما يستعملان لفظ “امازيغ” بدون أي مشكل لعلمهم انه لفظ اصيل و ثابت تاريخيا . كما ان استعمالهما للفظ سنوات 1930 و 1947 (قبل انشاء الأكاديمية البربرية بعقود ) دليل أن هذا اللفظ كان متداولا عند المثقفين المعرّبين في شمال افريقيا على عكس ما يدّعيه العروبيون القومجيون اليوم .
يوغرطا حنّاشي
[1] ماسينيسا أو بدايات التاريخ
[2] S. Gsell .Histoire de l’Afrique du nord , tome V .
[3] S. Chaker, « Amaziɣ (le/un Berbère) », in Gabriel Camps (dir.), 4 | Alger – Amzwar, Aix-en-Provence,
Edisud (« Volumes », no 4)
[4] نفس المرجع السابق
[5] عنوانه “ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان”
[6] عنوانه “كيف أصبحت الجزائر عربية”
[7] علال الفاسي .” الحركات الإستقلالية في المغرب العربي”