نُشِرَ لِي، في جويلية، على موقع اليومية الإخبارية الوطنية “الرّائد” في ركن (قضايا وآراء)؛ مقال تحت عنوان: “نحن وفرنسا؛ استعمار ثم استحمار“. أقتبسُ منه:
” … من العجيب أن تتزامن أولى إرهاصات التقومج العروبي في الجزائر مع الحربين (العالميتين)، والأغرب أن تدعمها فرنسا، بينما يخوض ابن باديس أبرز مريدي القومية العربية حربه المزعومة مع فرنسا، أقول مزعومة لأنّ الأعجب أن تحارَبَ فرنسا على يده بما صنّعت، ودعّمت لعقود… “
في مقالي الذي ذكرتُ؛ كتبت بكلِ بساطة رأيي في أنّ التغييب العمدي لتاريخ الشّمال الإفريقي الحقيقي، ليس إلّا محاولة أخرى من الأنظمة العروبية (القومية العربية) لصناعة الوهم الذي حاولت قبلها فرنسا الاستعمارية صنعه في “دزاير”؛ عن لاأصالة الشعب الدزيري، شرعنةً لتواجدها على أرضه. وأنّ التدليس على الشّعب، ليس إلّا شرعنة لعربزة (تعريب) الشّعب الدزيري، والأمة الشمال إفريقية، وسحب مركزها من صحراء ءيموهاق (الطوارق)، إلى صحراء نجد .. أدرجتُ معلومةً، معلومَهْ، عن فرنسية الرّعاية السامية للقومية العربية، ومنشئها .. وفرضت، بكلّ براءة، كون الأخيرة، التي جاءتنا بها أنظمة ما بعد فرنسا؛ محاوَلَةً لاختراق الجزائر المستقلّة، واستلابها وإلحاقها بما صنعت، أي بها؛ ثقافيا، وحضاريا وبالتالي سياسيا .. وتساءلتُ بكل فضول: كيف لابن باديسَ أن يعادي فرنسا، معتنقا الفكر الذي صنعت؟.
على الموقع، مرّ المقال كأن لم يكن، خلافا لصفحتي على الفايسبوك، أين تلقّيت كالعادة كمّا معتبرا من الرسائل، أغلبها أدعية، وكلمات، لنقُل جميلة وكفى؛ لتشكيكي في وطنيّة عبد الحميد ابن باديس، وجمعية العلماء المسلمين. وطعني في ثوابت الأمة، وتهديدي لاستقرار الجزائر، وحنيني إلى ديانة أجدادي، البرابرة الكفرة، الوثنية! …
وغيرها، كثيره هي التهم! على كلّ حال، لا يهمُّ لأنّي أكتبُ الآن لأروي حكاية…
كأيّ “دزيري” لُقنتُ خلال نشأتي، مجموعة من الثوابت التي لا تقبل التساؤل، ولا التفكير ولا النّقاش، منها، على وزن المقولة الرياضية الشهيرة: “نقبلُ بدون برهان”؛ أنّ عبد الحميد ابن باديس، وجمعيتَه: العلماءَ المسلمين الجزائريين؛ مصنَعُ الوطنيّة، وقلعة الإسلام، وترس العداء لفرنسا المستعمرة الغاشمة. ككلّ أبناء جيلي صدّقتُ، وصدّقتُ كغيري، مقولته الأشهر؛ لو طلبت مني فرنسا أن أشهد أن لا إله إلّا الله، لما قلتها.
ابن باديس، وجمعيته “العلماء المسلمون الجزائريون”، ونشيدُهما المخلّدُ، الذي تكرَّرَ حتّى تقرّرَ، في نفوسنا الشّرهة الّتي لم تعرف يوما غير اللغة العربية في المدرسة، والدارجة الدزيرية، بحكم نشأتنا في محيط معرَّبِ، بآوراس؛ أين تقعُ “سيرتا” (قسنطينة) حصن جمعية العلماء المنيع، مصداقا للمقولة الشّهيرة: “تباريك الله في الشاوي إذا تعرَّى” .. “بوه !!” عفوًا! أقصد “إذا تعرَّبْ”؛ التي طبّقتها المدرسة والإدارة والنظام، وحتّى الأسرة والمحيط، من معين الوطنية “الرائجة، والسائدة”.
كآوراسيّ، وطني، فخور بثورة خاله “ؤومهيدي” وعمّه “ؤوبلعيذ”، اعتنقتُ النشيدَ الباديسيَّ المحفوظ، المنزَّه، وردّدته عن إيمان:” …شعبُ الجزائرِ مسلمٌ، وإلى العروبة ينتَسِب… “. كيف لا أفعل، وقد (قالوا) لي، لنا، هُمُ، أنَّ المدرسة الباديسيّة؛ هي من ربَّتْ “لغرور” وجعلت منه وطنيا وثائرا، وأنّ ثاڤراولا (الثورة) الّتي أثارها “شيهاني” لم تكن إلّا تجسيدا لفكر جمعية “العلماء المسلمين الجزائريين”.
نَهِمًا للقراءة مُذْ كنتُ طفلًا، قرأتُ ككلّ “جزائري” عربيّ أصيل، فقط باللّغة العربية، كتبتُ بها الشّعرَ .. سببتُ الـ”بربر” الذين (قرأتُ) أنّهم كفرة، ولعنتُ “ذَايَا” (كَهِينا) ملِكَتَهم الّتي قرأت أنّها كافرة حاربت الفاتحين العرب! .. أو المسلمين!، لا فرق. سببْتُ آكْسْلْ (كسيلا) المارق، قاتل “سِيدْنَا” عقبة ابن النافع، العربيّ الشّهم الّذي جاء لينقذنا، من ظلمة كفرنا، عنوة بحدّ السّيف. مصداقًا لقولِ (الرّسول) العربيّ ابن العرب عليهم السلام: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله] (1).
مدحتُ العرب والعروبة والعروبية والقومية العربية، واللغة العربية، وهجوتُ فرنسا، وما صنعَت من بربرَ كفرة، يريدون إحياء لهجتهم البربرية، وإعادة المستعمِرةَ فرنسا، وعلمَها الأصفر الأسود، الذي صنعت لهم، يحملُ فرشيطة (شوكة) إبليس.
قرأتُ ككلّ عربيّ أصيل، فقط باللغة العربية لغةِ القرآن، الذي جاء به العرب، الأشراف، أفضل الأجناس لأنفسهم، لا لكون الرسول منهم، لقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وآمنتُ بأنّ البربرية لغة عربية قديمة، وبأن هؤلاء البربر عربٌ أصلا تنكّروا لأصولهم العربية الشريفة، واستبدلوا ما هو أدنى بما هو خير، لقول الـ(ـدكتور) الشّاوي العربي الأصيل: عثمان سعدي، وصدّقتُ بأنّ البربريست ملاعين خونة كفّار عملاء لفرنسا، وأنّهم يطعنون في رسولنا العربي الأصيل – محمّدٌ رجلُ القومية العربية الأول كما قال الشيخ ابن باديس- وأنّ أكبرهم طعنا في النبيّ، كاتبٌ (كافر عميل) دلّني عليه – وعلى مسرحيّته:” Mohammed prends ta valise” التي يقول فيها للإسلام أن يرحل – الـ”ـدكتور” القبائلي العربي الأصيل: أحمد بن نعمان، ألا وهو (الزنديق) “كاتب ياسين”.
تساءلتُ: كيف لهذا الكاتب ياسين، الشّاوي العربي الأصيل، أن ينكر عروبته، ويريد العودة إلى البربرية، والكفر، ويطعنَ في رسولنا العربي الأصيل؟! .. وتوقّفتُ عند هذا التساؤلِ. لم أجرؤ على قراءة ما كتبَ هذا المخالف المبتدعُ، عملا بما قرأت؛ صحيحةً لزرارة عن أبي جعفر العربي ابن العربي أبناء العرب “عليهم السلام” عن تحريمه للاقتداء بالمخالف في الصلاة، ولو صُلِّيَ من خلفهِ، ومصداقا لقول شيخنا: ابن عثيمين، بأن لا يجوز القراءة للمبتدع.
عشتُ أحضّر نفسي لأن أكون مواطنا عربيا، قوميا عربيا، صالحا، مقتديا بكلّ ما قرأتُ بلغتي العربية الجميلة لـ”رموز”، قالوا جميعا بأنهم أبناء باديس، وأنا معهم رفضتُ أن أكون ابن باريس. قرأت، وجعلتُ أقرأ، وأقرأ، وأقرأ عملا بقوله تعالى: “إقرأ”. إلى أن قرأت ما كتبَ “كاتب ياسين”:
«si nous sommes arabes pourquoi nous arabiser et si nous ne sommes pas arabes, pourquoi nous arabiser »
صحيح! إذا كنّا عربا فلماذا تعرّبوننا، وإذا لم نكن عربا فلماذا تعرّبوننا؟!
…
(يُتبَع)
ڨاسمي فؤاد