موّلت وزارة الثقافة الجزائرية العام الماضي فيلما سينمائيا بميزانية ضخمة حول حياة “أحمد باي” آخر بايات قسنطينة .
و يأتي هذا الفيلم في إطار التوجه التقليدي للتاريخ الرسمي الجزائري الذي يتجاهل فظائع الإستعمار العثماني و يعتبره مجرد “تواجد”.
و يحاول أصحاب هذه النزعة تبييض تاريخ الدايات من خلال الترويج لما يسمى ” مقاومة أحمد باي” و جعل الثورات الشعبية الجزائرية امتداد لها.
و يستعمل المروجون لهذه الأسطورة الحجج التالية :
-أن أحمد باي كان جزائريا و أنه لم تكن له أي علاقة مع السلطان العثماني .
-أن أحمد باي ,على خلاف البايات الآخرين , دافع عن قسنطينة ضد الإستعمار الفرنسي.
– أنه في تنقلاته بين مختلف القبائل الشاوية قاد مقاومة الأوراس ضد الفرنسيين .
– أن استسلامه كان رغبة منه في حقن دماء جيشه بعد أن تيقن أن لا جدوى من مواصلة الحرب.
سوف نقوم في هذا المقال بدحض جميع هذه الحجج و تبيان أن أحمد باي نفسه لم يدعِّ أبدا أنه كان يقود مقاومة شعبية وطنية ضد الاحتلال الفرنسي . إذ كتب في مذكراته أنه كان سوف يسلّم قسنطينة للجيش الفرنسي لو عرضوا عليه أن يبقوه في منصبه . كما شرح بخط يده كيف أنه لم يتوقف عن التفاوض مع الفرنسيين بعد سقوط قسنطينة حول الإستسلام بشرط أن يحافظ على أملاكه , و هو ما فعله في الأخير .
و في مذكراته كذلك لم يخفِ أحمد باي ازدراءه للجزائريين بصفة عامة , و بالخصوص لأعراش الشاوية الذين احتمى بهم بعد سقوط قسنطينة و يعترف بأنه كان يتآمر ضدهم .
أحمد باي ليس جزائريا
ولد أحمد باي حوالي سنة 1786 والده محمد الشريف و جده الباي أحمد القلي . أما والدته فهي من عائلة بن ڨانا المعروفة في الصحراء وكان يُعرف بإسم أمه فيقال له “أحمد بن الحاجة شريفة ” . وقد نشأ أحمد باي في عائلة أخواله المعروفة بنفوذها الكبير في الصحراء , فقد إحتكرت هذه العائلة في عصر البايات منصب “شيخ العرب” , و “الباشاغا” و غيرها من المناصب بالصحراء و الزاب و جنوب الأوراس . و حافظت على هذه الإمتيازات في عهد الفرنسيين بفضل تحالفها معهم و أصبحت يد الجيش الفرنسي في الصحراء التي قمعت جميع الثورات الجزائرية ضد المستعمرين و إرتكبت جرائم شنعاء .
فأحمد باي كان كرغليا من جهة أبيه و من عائلة عميلة للاستعمار العثماني و الفرنسي من جهة أمه .
و في مذكراته يعرض أحمد باي سياسته في تسيير شؤون بايلك قسنطينة فيقول :
“إن الحرب هي عادة العرب و أن الذي يريد حكمهم يتحتم عليه إبقائها بينهم ,و التحريض على المنافسات بين القبائل المختلفة الأصول و الاجناس . أما أوضاع السلم , فإنها تقارب بين العرب و توحدهم حول غرض واحد . و هذه حالة لا ينبغي أن يطمئن إليها من كان يريد السيطرة عليهم , إذ قد تأتي ظروف يتحد فيها هؤلاء الرجال كالإخوة و يجدون أنفسهم منظمين للقيام بالثورة . و على العكس فإذا وجدت الحرب أو العداوات بينهم فإن من يريد حكمهم يكون دائما متأكدا من إيجاد أنصار” .
و يعكس هذا المقطع النظرة العثمانية للحكم و التي تعتمد على التفريق بين القبائل و الدفع بها للاقتتال قصد إضعافها لكي يتمكن البايلك من تحصيل الضرائب بسهولة . و هو منطق مُحتل و ليس منطق “مُقاوِم جزائري” .
و يقول مارسيل إيمريت[1] الذي درس مذكرات أحمد باي حول هذا المقطع ” فن الحكم عند أحمد باي يقتصر على تحصيل الضرائب ,و في سياسة فرق تسد . الإعتماد على قبائل و إعطائها امتيازات لكي تقوم بدور “المخزن” و تُغِير على القبائل المعاندة أي التي ترفض دفع الضرائب …..و عندما يتحدث -في مذكراته – عن القبائل الجزائرية فإن احمد باي لا يفرق بين القبائل الجبلية و قبائل السهول , و إنه يزدريهم و يحتقرهم و لا يُخفي ذلك ” .
أحمد باي كان في إتصال دائم مع ” الباب العالي ”
و عكس ما يروج له المدافعون عن أحمد باي حين يقولون أن مرجعيته جزائرية خالصة و لم تكن له علاقة مع الباب العالي , فقد كتب الأخير في مذكراته أنه بادر إلى مراسلة السلطان العثماني في الأشهر الأولى للغزو الفرنسي للجزائر و أخبره أنه سوف يفعل ما يؤمره به سواء بالقتال او بالاستسلام :
“أنظروا أيها السلطان كيف أصبحت اليوم ملاصقا للفرنسيين … ومن الممكن أن أهاجم في لحظة لأخرى و أنا مستعد لأضحي في سبيل ديننا الحنيف و لأهلك دون أن أستسلم إذا كانت تلك هي إرادتكم . و لكنه إذا رأيتم أن نقاوم فابعثوا لنا النجدات و عززونا بنصائحكم و جيوشكم . و إذا رأيتم من المستحسن أن نستسلم الى الفرنسيين فأمروا بذلك و إننا سنفعل في الحين “.
و عندما عرض عليه الجنرال الفرنسي كلوزال الاستسلام إستشار ديوانه في الأمر . و كتب : ” و في الحين جمعت الديوان و قرأت عليه رسالة الجنرال . فكان رد الاعضاء ان قسنطينة كانت في الحقيقة تابعة لباشا الجزائر و تمتثل لأوامره و لكن الجزائر بدورها كانت تابعة لسلطان اسطمبول : و لقبول الصلح المقترح علي يجب , أولا أن أحصل على موافقته و الإجابة الوحيدة هي ان نخبر الفرنسسن بأننا نستشير السلطان ثم نرفع الإرادة بكل سرعة للجنرال ” . (مذكرات أحمد باي الصفحة 20 ).
سبب دفاع أحمد باي على قسنطينة
و يذكر أحمد باي في مذكراته أن قادة الجيش الفرنسي المتوجه نحو قسنطينة اصطحبوا معهم كرغليا من تونس يدعى يوسف لكي ينصّبوه بايا على قسنطينة مما دفعه إلى محاربتهم , و إنه لو علم أنه توجد إمكانية احتفاظه بمنصبه ما كان حاربهم . فيقول في الصفحة 54 و 55 من مذكراته :
“لست أدري إذا كان من الضروري أن أذكر بأن وجود يوسف في صفوف الفرنسيين هو الذي كان يشكل بلا شك السبب الرئيسي في مقاومة سكان قسنطينة و المقاطعة و في مقاومتي أنا بصفة خاصة .
لو كنت أعلم أنني أستطيع التفاوض مع الجيش و الإحتفاظ بمرتبتي كباي لحاولت أن أفعل ذلك . و لكنني عندما رأيت أنهم جاؤوا بباي ليستبدلونني و أكثر ليهينوني لم أعد أرى شيئا أمامي سوى المقاومة النشيطة “.
إستئناف المفاوضات بعد سقوط قسنطينة
لم يتوقف أحمد باي عن مفاوضة الفرنسيين من أجل الإستسلام بعد سقوط قسنطينة , فيكتب في مذكراته الصفحة 79 :
” جاءني شخصان هما ابن العطار من قسنطينة و الحاج الباي من عنابة . فرددا علي نفس العبارات مضيفين بأن أيدي فرنسا ممتدة الى جميع الأنحاء وان لا مفر من الاستسلام بدون شرط. و في هذه المرة اضافا بأن الفرنسيين سيعاملونني بالاكرام الذي تتسم به هذه الامة العظيمة فأجبت بأنني “أريد أن أستسلم و لكن لا أحب أن يفرض علي الذهاب الى فرنسا يجب أن يترك لي الأمر في أن أتوجه الى بلد إسلامي أو الى بيت الله”
و عندما أبديت هذه الرغبة قال لي بوعزيز : “ماذا تفعل أتريد ان تنكث عهدا ضربته على نفسك ؟ ألم تقل انك ستصطحبنا الى الصحراء ؟ فلا تقبل هذا الإقتراح إذن . و ضرب الله مرة أخرى على بصري غشاوة فأجبت المرسلين بالرفض المطلق ” .
قريبه بوعزيز بن قانة إنتهى به الأمر إلى الإستسلام إلى الفرنسيين الذين جعلوه “شيخا للعرب” في منطقة الصحراء و دعموه بالسلاح لكي يحارب حسان بن عزوز خليفة الأمير عبد القادر . عائلة بن قانة حافظت على إمتيازاتها و تحالفها مع الإستعمار إلى غاية إستقلال الجزائر .
و يقول أحمد باي أنه “لم يستنكر” قرار بوعزيز بن قانة في الإستسلام (صفحة 86 من مذكراته).
أحمد باي يحارب خليفة الأمير عبد القادر و يلحق به خسائر جسيمة
بعد سقوط قسنطينة لجأ أحمد باي إلى قبائل آيث حركاث (الحراكتة , نواحي عين البيضاء) ثم الى الحنانشة , ثم إلى واد ريغ قبل أن يلتجأ إلى جبال الأوراس ليحتمي باعراشه .
و يذكر احمد باي ذلك في مذكراته قائلا ” بقيت عاما في هذا الجبل و ذات يوم جاءني أولاد دراج يطلبون مني مصاحبتهم الى الحضنة . فقلت لهم ” انني موافق و لكن ينبغي أن يتبعني جميع القوم “. و هكذا انضموا إلي و استطعت أن أرغمهم على السير ضد أحمد بن الحاج خليفة الأمير عبد القادر الذي كان في بسكرة فهاجمناه “.
ثم يستطرد في لغة لا تخلو من الإفتخار ” و أخذت له في أثناء المعركة التي دارت بيننا 30 بندقية و قتلت له 40 من جنوده . و التجأ الباقون الى داخل المدينة و أحكموا غلقها بحيث انني لم أتمكن من الدخول اليها” (الصفحة 91).
إستعمال لفظ “أجبرتهم” من طرف أحمد باي يدل على أن أولاد دراج كانوا كارهين للسير نحو بسكرة لمحاربة جزائري مثلهم تمرد على الفرنسيين . فأحمد باي خدع أفراد هذه القبيلة الذين جاؤوا يعرضون عليه حمايتهم و استعملهم لكي يحارب مقاوِم جزائري و يلحق بجيشه خسائر جسيمة في المتاع و في الأرواح و يفتخر بذلك .
كيف يمكن للمدافعين عن أسطورة ” مقاومة احمد باي ” أن يبرروا هذا الحادثة ؟ و هل سوف يتناولها الفيلم الذي سوف يمجّد هذه “المقاومة” ؟
أحمد باي يحتمي بآيث سلطان و يتهرب من القتال معهم ضد الجيش الفرنسي
بعد معركة بسكرة ضد خليفة الامير عبد القادر توجه أحمد باي الى الحضنة و بعدها إلى آيث سلطان و إستقر عندهم عاما ونصف . و خلالها نظم الجيش الفرنسي عدة حملات ضده.
فخرج طابور للجيش الفرنسي من سطيف متوجها نحو مكان تواجد أحمد باي . لكن الأخير لم يرى ضرورة في حضور معركة كان المتسبب فيها و إكتفى بإرسال فرسان آيث سلطان فيقول ” خرج من سطيف طابور و تمركز عند أولاد علي فجمعت أولاد سلطان و سيرتهم اليه و قد دام القتال يومين ثم رجع الطابور الى سطيف و لم أحضر المعركة ” .( الصفحة 92).
و بعدها بأيام سار الدوق دومال (Duc D’Aumale) من قسنطينة نحو أحمد باي بجيش كبير و كان ذلك شهر أفريل سنة 1844 . و يروي أحمد باي تلك الواقعة قائلا ” و كانت قواتي تتكون من 700 فارس وجندي من أولاد سلطان و بعد حين طوقتنا الجيوش الفرنسية و الأعراب الذين كانوا معها فتقابلنا مدة يومين بكل شدة و ضراوة حتى أنني أستطيع القول بأنها أدمى معركة حضرتها في حياتي و يعلم الله كم معركة شاهدتها منذ طفولتي “.(الصفحة 92 و93) .
و بعد كر و فر لمدة أيام إنتصر الجيش الفرنسي الذي كانت تأتيه الإمدادات بدون تقطع .
و لم يحضر أحمد باي المعركة الفاصلة مرة أخرى لأنه كان مريضاً كما رواه في مذكراته ” كنت في مرض شديد قريبا من الموت و لم ينقذني إلا إخلاص رجالي الذين حملوني على نعش كما يُفعل بالجثة .و عندما إشتد القتال وُضعت في غابة كنت أسمع منها جميع الطلقات النارية . و لكم آلمني أنني لم أكن قادرا على المساهمة في معركة سببها مصالحي ” .
و هرب أحمد باي بعد ذلك إلى الأوراس و إستقر عند آيث فرح أياما ثم إنتقل الى وادي آيث عبذي و إلى مدينة منعة . و تحسر أحمد باي في مذكراته على أغراضه التي فقدها أثناء هروبه قائلا ” لا أظنني في حاجة الى القول بأنني فقدت كل ما أملك أثناء هذا الفرار : امتعتي , أوراقي , خيامي …. و كان المصاب عظيما” ( صفحة 95 ).
و لم يشر أحمد باي بأي كلمة إلى شجاعة آيث سلطان الذين دافعوا عنه في معارك ضارية لم يحضر أيّاً منها .
و من المفارقة ان عرش آيث سلطان الذي استبسل في الدفاع عن الباي السابق لقسنطينة , كان قد ثار عدة مرات ضد هذا الباي و سابقيه الذين كانوا يرهقون كاهلهم بالضرائب. و كان بايات قسنطينة يعاقبون هذه القبائل المتعنتة و ينتقمون منها شر إنتقام .
أحمد باي يحاول أن يثبّط آيث عبذي عن قتال الفرنسيين
و أقام أحمد باي مدة عام في منعة و في تلك الأثناء نظم الجنرال بودو (Budeau) حملة ضد سكان وادي آيث عبذي و كان ذلك سنة 1845.
و يقول أحمد باي في مذكراته أن الجنرال الفرنسي دعى سكان وادي آيث عبذي للإستسلام لكنهم رفضوا الدعوة بشدة و أوفدوا يطلبون مساعدة أحمد باي لصد الحملة العسكرية الفرنسية . لكنه حاول أن يقنعهم بقبول إقتراح الجنرال الفرنسي و الاستسلام لأنهم لم يستعدوا للمعركة جيدا على حد زعمه. فيقول ” فقلت لهم : انني لا استطيع أن أحارب معكم و لا أريد أن أعرض نفسي إلى هزيمة و أن نصيحتي اليكم هي ان تستسلموا و تقولوا للجنرال انكم تقبلون عروضه . و انها نصيحة أملتها عليّ مصالحكم . أما أنا فأترككم . لكنهم أجابوني قائلين : هذا مستحيل اننا لن نستسلم لأحد بل سنحارب و لن نترككم تنصرفون . و أحسست في داخل نفسي أن من الخزي و العار أن أتركهم فبقيت الى اليوم الذي وقعت فيه المعركة و لكنهم عند إحتدام القتال تخاذلوا و فروا الى جهات مختلفة و رجعتُ الى منعة ” .
و في هذا المقطع إعتراف صريح من أحمد باي بأنه كان لا يريد أن يشارك في المعركة و أنه كان يحاول أن يدفع سكان منعة و نواحيها إلى صد الهجوم الفرنسي وحدهم كما فعل مع آيث سلطان . فلما ألّحوا عليه حاول إضعاف عزيمتهم و دفعهم إلى الإستسلام . ثم خجل من ذلك كما ذكره في مذكراته. و الأرجح أنه لم يشارك في المعركة و بقي يراقب المعركة عن كثب و لما تيقن من تفوق الفرنسيين قفل عائدا إلى منعة .
أحمد باي يستقر في جبل سامَّر (حمر خدو) و يتفاوض مع الفرنسيين
بعد ذلك , غادر أحمد باي وادي عبدي و انتقل إلى جبل سامّر (أحمر خدو ) كما أورده في مذكراته “… أما أنا فقد استقريت في جبل أحمر خدو و قضيت فيه حوالي عامين . و ذات يوم كتب لي القائد الفرنسي في بسكرة يقول بأن من المستحسن أن نضع حدا للعداوة القائمة بيننا . و تبادلنا عدة رسائل أدركت على اثرها أن السلم محبب عند الله و ارتحت الى الاقتراح . ثم كتب لي قائد باتنة في نفس الاتجاه و وعدني باستقبال صادق و بالأمان كما ذكر أنه سيحبب لي سلطان فرنسا التي تعيد الي أملاكي و مكتسباتي . و إمتلأت نفسي حبورا لهذا الوضع الجديد كما انني كتبت عددا من المراسلات في هذا الصدد ” (صفحة 97 و 98 ).
أحمد باي يخون الأوراسيين
و بعد ذلك بأيام خرج طابور فرنسي من باتنة متجها نحو آيث أوجانا (أولاد أوجانة) فراسل أحمد باي قائد هذه الحملة و تفاوض معه حول تفاصيل إستسلامه . لكن الرجل الذي أرسله أصيب بمرض خطير و يروي ذلك أحمد باي قائلا ” و لكي لا أطلع شخصا آخر على سر استسلامي الى الفرنسيين انتظرت شفاءه لمواصلة المساعي التي كنت بدأتها . و لقد كان من اللازم أن أكتم السر لأن العرب ما كانوا يتركونني أنفذ مشروعي و لربما اغتنموا هذه الفرصة للإجهاز علي ” .
بعد ذلك نفّذ أحمد باي إرادته و خان هؤلاء الأوراسيين الذين كان يحتمي بهم لسنوات بطريقة دنيئة جدا . فيكتب ” جاءني الرسول الفرنسي و سرني كلامه . ثم أفهمته بأنه ينبغي المحافظة على السرية الكاملة و أن ترسل جيوش تحاصرني من كل جهة حتى لا تبقي فكرة المقاومة عند العرب ….. و فد ارتحت كل الإرتياح عندما عرفت أن اقتراحاتي قبلت ” .
إستسلام أحمد باي
قام أحمد باي بالاستسلام كما تفاوض مع الجيش الفرنسي والتقى الجنرال دو سان جرمان De Saint-Germain [2] يوم 5 جوان 1848.
و يصف أحمد باي هذا اللقاء قائلا ” و بالفعل وجدته و بمجرد ما وصلت أسرع إلي و استقبلني بحفاوة . ثم كرر الوعود التي كانت قد اعطيت لي و التي دفعتني الى الاستسلام و هي استرجاع أملاكي و مكتسباتي الخاصة و السماح لي بالذهاب تحت رعاية فرنسا الى أرض إسلامية ” (صفحة 99).
و يختم أحمد باي مذكراته بهذه الجملة “أحمد الله على أنه سلّط علي عدوا في مثل هذه القوة و هذا الكرم ” [3].
الخاتمة
يعتبر أحمد باي مثالا عن الحاكم العثماني الذي يحصر اهتمامه و يوجه طاقته الى هدف واحد يتمثل في تحصيل الضرائب و ارسالها إلى الداي . و يستعمل في سبيل ذلك جميع الطرق لقمع القبائل الجزائرية و دفعها للتقاتل فيما بينها لتسهيل مهمته في تحصيل تلك الضرائب .
و لم يخف أحمد باي إزدرائه للجزائريين و وفائه للسلطان العثماني . كما أن فكرة ” مقاومة ” الإستعمار الفرنسي التي تٌنسب إليه اليوم , لم تكن يوما من مخططاته و أحسن مثال على ذلك هو قتاله لخليفة الأمير عبد القادر و إفتخاره بذلك .
كما أن تفاوض أحمد باي مع الفرنسيين بدأ بعد معركة سطاوالي ولم يتوقف أبدا . فقد كان كل مرة يحاول تحسين ظروف إستسلامه و يذكر أن شرطه الأول هو إسترجاع ” ممتلكاته و مكتسباته الخاصة” و هي جملة تكررت مرات عديدة في مذكراته .
أما ما حصل مع الأعراش الشاوية الذين حموه و قاتلوا من أجله فيما كان يتهرب (كما حدث عند آيث سلطان ) أو يثبّط عزائمهم و يدفعهم للإستسلام (كما حدث مع آيث عبذي) أو يتآمر عليهم (كما فعل مع أعراش أحمر خدّو) , فيدل على أن أحمد باي كان مجرد إنتهازي و جبان أبعد ما يكون عن شخصية المقاوِم التي يريد البعض اليوم أن يصوره بها .
يوغرطا حنّاشي
[1] Marcel Emerit: «Les Mémoires d’Ahmed Bey». Revue Africaine,
- XCVI1I, 1949, p. 65-125.
[2] وهو القائد الذي سوف يقتله ثوار الزعاطشة سنة 1849
[3] المحفوظات الفرنسية بباريس , ف 80 , 1673 النسخة الثانية