لست هنا أروج لحزب الأحرار ولا لعزيز أخنوش. ولا علاقة لي بهما. ومن أراد أن يوهم نفسه بالعكس من أجل راحته النفسانية فهو حر. أنا هنا أناقش الأفكار.
منذ أيام صرح عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار حول موضوع الأمازيغية قائلا ما يلي:
“… من الأحسن إيلا كنا لداخل Le centre de décision في وسط المجالس. نعطيكوم مثال: دابا هاديك الحرب اللي كانت ديال تسمية الأزقة. بالله عليكم لو كانو الأمازيغ الحقيقيين موجودين مناضلين داخل الجماعات وحاضرين، واش ما غادينش يبدلو الأمور؟! لأنه بكل صراحة، إيلا خليتو لبلاصا موجودة لكل واحد، راكوم شفتو التسمية ديال الأزقة فين مشات. وغدّا في 2021 راه إيلا ما خديتوش الأمور بين يدّيكوم راه حتى هاد القاعة هادي ديال اسم واحد الفنّان راه يمكن تتبدل وتولّي شي حاجا اخرى!”
هذا تصريح في محله بطبيعة الحال. لا تهمنا المطامح السياسية والسلطوية للسياسيين، فكلهم سواسية في ذلك. وإنما المضمون والمحتوى هو المهم.
باختصار: عزيز أخنوش يحث الأمازيغ الحقيقيين (يعني المغاربة الواعين بهوية المغرب الأمازيغية) على المشاركة في السياسة وتدبير المؤسسات والمجالس البلدية لحماية الهوية الأمازيغية المغربية وللتصدي لسياسة التعريب التي تنهجها أحزاب التعريبيين والإسلاميين مثل حزب العدالة والتنمية الإسلامي التعريبي والتي من بين آخر تمظهراتها تسمية أزيد من 40 شارعا دفعة واحدة (بالجملة) في مدينة أكادير بأسماء فلسطينية ضدا على هوية المغرب الأمازيغية.
وقد أثار هذا التصريح الخطابي الذي أدلى به عزيز أخنوش أمام جمهوره موجة من الرعب والفزع في صفوف التعريبيين والإسلاميين المغاربة لأن هذه التصريحات تصيب التعريبيين والإسلاميين في مقتل ولا يعرفون كيف يردون عليها بشكل مقنع لأن تهمة التعريب ثابتة عليهم بالممارسة الفعلية، فهرب التعريبيون والإسلاميون إلى تقنية التمويه بترديد كاسيطة “الفتنة العرقية وتوظيف الأمازيغية في السياسة” وحاولوا أن يمرروا أكاذيبهم القديمة حول كيف أن “المغرب متعدد الهويات أو خليط من الهويات أو هجين الهويات”.
(إذا سألت التعريبيين والإسلاميين المغاربة عن هوية السعودية فسيقولون لك: هوية السعودية هوية عربية طبعا. ولكن إذا سألت التعريبيين والإسلاميين المغاربة عن هوية المغرب فسيقولون لك: هوية المغرب خليط من القبائل والأجناس واللاجئين والمهاجرين الأجانب! إذن فالخطاب التعريبي الإسلامي هو خطاب تقسيمي تجزيئي لأن التعربييين والإسلاميين يروجون للتقسيم والتجزيء الهوياتي من أجل التحايل على الهوية الأمازيغية للمغرب، ويريدون جعل هوية المغرب حصصا وأسهما موزعة على كل من هب ودب من الأجانب حتى يفلتوا من الاعتراف بالهوية الأمازيغية للمغرب.)
ولسان حال التعريبيين والإسلاميين يقول: “اسكت يا عزيز أخنوش! ما تفضحناش! نحن نريد تعريب المغرب وتسمية أكبر عدد ممكن من شوارعه بأسماء فلسطينية وعربية لأن الهوية الأمازيغية خطر على المشروع الإسلامي التعريبي! ولا نريد نحن الإسلاميون والتعريبيون أن يتعود السياسيون على إدخال موضوع الأمازيغية في الحوار السياسي والإعلامي لأننا نريد للأمازيغية أن تبقى موضوعا منسيا لا يتحدث عنه أحد لكي يكتمل تعريب المغرب في أقرب الآجال.”
هل السياسيون المغاربة يركبون على القضية الأمازيغية ويستغلونها سياسيا وانتخابيا؟ طبعا. فالسياسي يركب على كل القضايا الوطنية والمحلية ليصل إلى السلطة والمنصب. هذا شيء مفروغ منه.
تعالوا معي لأخبركم عن القضايا الأخرى التي يركبها السياسيون ويستغلونها كأوراق انتخابية للوصول إلى السلطة: البطالة، التعليم، الأمن، الصحة، الأديان، الوحدة الترابية، مشاكل المعاقين والفقراء،…إلخ.
باختصار: الركوب على القضايا الوطنية واستغلالها سياسيا وانتخابيا هو جوهر السياسة وهو شيء جار به العمل في كل مكان وهو ليس عيبا في حد ذاته. فالسياسي إذا لم يتحدث عن القضايا الوطنية كالأمازيغية والبطالة والتنمية فعن ماذا سيتحدث؟! عن الطرب الأندلسي؟! عن الدوري الإثيوبي لكرة القدم؟!
السياسي يريد الوصول إلى الكرسي. هذا مفروغ منه. السياسي حين يقول شيئا فأنت عليك أن تحكم على مضمون ما قاله وأن تحلله وتبحث عن ما إذا كانت مزاعمه حقيقية ومنطقه الحجاجي سليما.
أما الإسلاميون والتعريبيون المغاربة الذين أصابهم عزيز أخنوش بالرعب فإنهم لم يجرؤوا على الرد على محتوى ومضمون كلام عزيز أخنوش (لأنهم عارفون بأنه محق) وإنما لجأوا إلى البكائيات ودموع التماسيح وترديد الكاسيطة المعروفة حول “توظيف الأمازيغية في السياسة” محاولين إيهام الشعب بأنهم حريصون على طهارة الأمازيغية من الاستغلال السياسي والانتخابي.
حين يذرف التعريبيون والإسلاميون دموع التماسيح وهم يدعون الحرص على الأمازيغية والخوف عليها من الاستغلال السياسي فهم في الحقيقة ليسوا خائفين على الأمازيغية بل هم خائفون من الأمازيغية.
التعريبيون والإسلاميون يشعرون بالرعب من دخول الأمازيغية إلى ميدان الحوار السياسي والتنافس الانتخابي لأنهم يعرفون أن الأمازيغية هي نقطة ضعفهم العظمى، ولأنهم بطبيعتهم عاجزون عن إقناع أحد بأنهم يريدون الخير للأمازيغية. فمن يكره الأمازيغية ويحاربها ليل نهار لن يكون قادرا على إقناع أحد بأنه يدافع عنها.
ها هو السجل الأسود لحزب العدالة والتنمية مع الأمازيغية:
– حزب العدالة التنمية (مع بقية التعريبيين) هو الذي تسبب في حرمان اللغة الأمازيغية من الحرف اللاتيني في يناير 2003 وتسبب في هروب الإيركام إلى تبني حرف تيفيناغ كـ”حل وسط اضطراري” بديل عن الحرف العربي.
– حزب العدالة التنمية هو الذي تدخل في آخر لحظة في لجنة كتابة الدستور في 2011 وتسبب في تشويه طريقة ترسيم اللغة الأمازيغية في الفصل 5 من الدستور المغربي وجعلها لغة رسمية ثانوية أقل شأنا من العربية، فخرج لنا هذا الترسيم الدستوري الناقص المشوه الكارثي المقيد بـ”القانون التنظيمي” الذي وُضِع خصيصا لتقزيم وتأجيل الأمازيغية.
– حزب العدالة والتنمية هو الذي صرح زعيمه بنكيران الحاقد على الأمازيغية في 2011 بأن استقرار المغرب مرهون بـ 3 أشياء: “الملكية، الإسلام، العربية”، وهو قصد بذلك أن الأمازيغية تهدد استقرار المغرب.
وعزيز أخنوش عندما ذكّر جمهوره اليوم بفضيحة حزب العدالة والتنمية في تسمية 40 شارعا بأسماء قرى وأحياء فلسطينية فهو يذكّر جمهوره بأن حزب العدالة والتنمية يحمل أجندة تعريبية مضادة للمغرب ذي الهوية الأمازيغية. وهذا الموضوع التعريبي يوجع الإسلاميين والتعريبيين ويحرجهم لأنهم لا يعرفون كيف يدافعون عن سياسة التعريب أمام الشعب الأمازيغي المغربي. لهذا يلجأ الإسلاميون والتعريبيون إلى التمويه والتغليط بعبارات “الفتنة العرقية والتوظيف السياسي للأمازيغية”، وذلك كله ذر للرماد في العيون.
فالتعريب يشبه التهريب. يمارسه فاعله باستمرار ولكنه يعجز عن الدفاع عنه ويستشيط غضبا ضد كل من يفضحه أو يذكره أمام الناس.
التعريبيون والإسلاميون يريدون الاستمرار بهدوء (حسّي مسّي) في تعريب مدن وشوارع المغرب بأسماء من قارة آسيا وفي تعريب المغرب عموما، ولكنهم يستشيطون غضبا ضد كل من يفضحهم في المعترك السياسي والإعلامي.
السياسي، كما قلنا، يستغل كل القضايا الوطنية (الأمازيغية، البطالة، التنمية…) لمخاطبة الناخبين وإقناعهم بالتصويت له وبعدم التصويت للأحزاب المنافسة. وخطاب ذلك السياسي يكون أكثر مصداقية إذا كان مبنيا على حقائق وعلى منطق سليم وعلى مبدإ متوافق عليه.
فالسيد عزيز أخنوش في خطابه المذكور:
– فَضَحَ ضمنيا السياسة التعريبية لحزب العدالة والتنمية في ما يخص تعريب شوارع المغرب بالجملة (40 شارعا في أكادير دفعة واحدة، أي: سياسة التعريب بالجملة). وهذه حقيقة.
– حذر ضمنيا من أن سياسة التعريب لحزب العدالة والتنمية ستستمر وستتسع كالسرطان وتمتد إلى كل شيء بما فيه اسم القاعة التي تحدث فيها عزيز أخنوش، وأنه من الضروري التصدي لسياسة التعريب عبر انتخاب أمازيغ حقيقيين في مراكز القرار ليدافعوا عن هوية المغرب الأمازيغية الحقيقية وليس عن هوية فلسطين أو السعودية العربية الأجنبية. وهذا منطق سليم.
– بنى ضمنيا خطابه على مبدإ متوافق عليه وهو أن الأمازيغي الحقيقي هو الذي يدافع عن الهوية الأمازيغية واللغة الأمازيغية، أما الأمازيغي المزيف فهو الذي يدافع عن فلسطين والعرب على حساب المغرب وهويته الأمازيغية. وهذا يعني أن الشيء الطبيعي الذي يجب أن يفعله أي مغربي هو الدفاع عن الأمازيغية وليس عن العروبة، فالتعريب مرفوض. وهذا مبدأ سليم.
إذن، هذا ما أصاب التعريبيين والإسلاميين بالرعب والفزع من تصريح عزيز أخنوش. لقد أحسوا بأن الأمازيغية أصبحت تتغلغل في السياسة وأصبحت تشكل “منطقا سياسيا” ينطق به الساسة كأساس لبرنامجهم السياسي. وهذا تطور جيد في صالح الأمازيغية ونذير شؤم على أيديولوجية التعريب والإسلام السياسي.
التعريبيون والإسلاميون يريدون من الأمازيغية أن تبقى معزولة عن السياسة ومحنطة في زاوية من زوايا الأولياء الصالحين وبعيدة عن معترك السياسة والإعلام وزاهدة في عالم العصر الحديث.
وبالنسبة للتعريبيين والإسلاميين فالأمازيغي الجيد هو الأمازيغي المنبطح المستسلم للعروبة والإسلام السياسي.
والشيء الجيد في تصريح عزيز أخنوش هو أنه وسع النقاش في موضوع الأمازيغية وموضوع سياسة التعريب التي يتبعها حزب العدالة والتنمية وغيره. وهذا يعني أن سياسة التعريب في المغرب قد انتقلت من “المفخرة” إلى “الفضيحة”، أي أنها انتقلت من شيء يفتخر به فاعله إلى شيء ينفضح به فاعله ويجلب عليه العار وسخط الشعب.
وهذا تطور جيد في الوعي السياسي المغربي.
لهذا يجب على السياسيين أن يقتدوا بعزيز أخنوش وأن يناقشوا آفة التعريب وأن يتنافسوا أمام الشعب المغربي في محاربة التعريب وفي حماية الهوية الأمازيغية للمغرب ونشر اللغة الأمازيغية.
والأمازيغية قضية سياسية بامتياز، خصوصا حين يتعلق الأمر بأشياء مثل أسماء الشوارع والفصل 5 من الدستور (الذي يظلم الأمازيغية ويجب تعديله) والتدريس والإعلام وكل ما له علاقة بالشؤون العمومية.
لهذا فتسييس الأمازيغية وإقحامها في السياسة هو في النهاية شيء جيد لأنه ينقل الحوار حول الأمازيغية إلى أوسع الآفاق ويؤدي في النهاية إلى استرجاع المغرب هويته الأمازيغية وضبط سياسته الداخلية والخارجية على أساس الهوية الأمازيغية وليس على أساس هويات الأجانب في آسيا وأوروبا.
مبارك بلقاسم -المغرب
tussna@gmail.com