دور الخيّالة النوميد في انتصارات الجيش القرطاجي
في الواقع وحسب التاريخ فإن قرطاج كانت أمة بحرية تجارية لا دولة عسكرية حربية، وهذا واضح من بداية حروبها البونيقية ضد الإمبراطورية الرومانية حيث في الحرب البونيقية الأولى إستأجرت الليبيين وتحالفت مع الماسيل بقيادة ماتوس mathos وماسينيسا Massinissa على التوالي مع أقلية إيبيرية وغالية. [1]
فلما إنقضت الحرب البونيقية الأولى التي خسرتها قرطاج وطلب الليبيون مستحقاتهم مقابل مساعدتهم لقرطاج في الحرب تماطل مجلس الشيوخ عن تسديد مستحقاتهم مما أدى لاحقا إلى ما يُسمى بثورة الجند المأجور. فكادت أن تسقط قرطاج على يد الليبو لولا إستنجادهم بالقائد الماسيلي نارافاس naravas فأخمدت تلك الثورة أي أن كلاهما أمازيغ. [2]
وقال مونتسكيو في شأن المقارنة بين خيالة قرطاج وروما قائلا :
” تفوقت قرطاج على روما تفوقاً واضحاً في مجال الخيالة، وذلك لسببين : أولاً جودة خيول نوميديا وإسبانيا مقارنة بخيول إيطاليا. ثانياً رداءة سلاح فرسان الرومان “. [3]
أما فرونسوا دوكريه فقال عن فرسان نوميديا في جيش قرطاج :
” ويجب أن نشير أيضًا إلى الأهمية التي كان يحتلها الفرسان النوميديون في جيوش قرطاجة وبخاصة بدءً من القرن الثالث قبل الميلاد. كانوا كما كتب تيف ليڤ (tite-live) أفضل فرسان افريقيا وهم يمتطون خيولهم الصغيرة العصبية. وفي المعارك كانت تدخلاتهم حاسمة في بعض الأحيان، وكان معظم الآلاف الستة من النوميديين على وجه التحديد. وليس من العبث تشبيه دورهم ببون القوزاق في الجيوش الروسية في العصور الأخيرة ” [4]
وهذا كله لما عظمة والدور المحوري التي لعبه النوميد في الجانب القرطاجي في الحروب البونيقية، حتى أن المؤرخ tite-live وصف جيش حنبعل Hannibal بالنوميد لأنهم كانوا لُبَ جيشه في معركة تريبيا trebbia التي كانت محسومة للطرف القرطاجي في الحروب البونيقية الثانية :
” Du reste, les Romains étaient sans cesse inquiétés dans leurs quartiers d’hiver par les cavaliers numides qui erraient de tous côtés, ou par les Celtibériens et les Lusitaniens, aux lieux où la cavalerie trouvait trop d’obstacles. Tous les approvisionnements leur étaient interceptés, à l’exception de ceux qui arrivaient par le Pô, sur des barques ” [5]
بالنسبة للباقي، انزعج الرومان باستمرار في أحيائهم الشتوية من قبل سلاح الفرسان النوميديين الذين جابوا جميع الجهات، أو من قبل السلتيبيريين واللوسيتانيون، إلى الأماكن التي وجد فيها الفرسان العديد من العقبات. تم اعتراض جميع الإمدادات، باستثناء القادمين من pô (نهر يقع في شماليِّ إيطاليا) على متن القوارب.
كما يجدر أن أضيف ما قاله مونتسكيو عن سبب انتصار حنبعل :
” حقق هنبيعل أكبر انتصاراته بواسطة حلفائه فرسان نوميديا ” [6]
كما كانت كتائب الفرسان النوميدية أقوى ورقة عسكرية تنازعت روما وقرطاج عليها في الحروب البونيقية إبتغاء كسبها حليفةً، حيث استعملها حنبعل في زحفه إلى روما وقطع جبال الألب وخسر أول حرب له في زاما لما تغير ولاء النوميد (بقيادة ماسينيسا) لروما بعد خيانة قرطاج لماسينيسا وتحريض صدربعل برقة Hasdrubal Barca لسيفاكس syphax على ماسينيسا Massinissa لما رأى قوته تتعاظم لاسيما أنه رآها في إسبانيا لما كان ولاؤه لصالح قرطاج. [7]
وأختمها بما قال المؤرخ الروماني tite-live عن خيالة النوميد :
” Sans dédaigner ceux des autres nations, il enrôla surtout des Numides : ce sont de loin les meilleurs cavaliers de l’Afrique ” [8]
دون ازدراءٍ للأمم الأخرى، جُند النوميديين خاصة: هم أفضل خيالة (فرسان) في إفريقيا.
أسامة حجاز
المراجع :
[1] محمد الميلي , تاريخ الجزائر في القديم والحديث , ج 1 , ص 172-173
[2] ستيفان غزال , تاريخ شمال إفريقيا القديم , ج 3 , ص 103-110 &
محمد الميلي , تاريخ الجزائر في القديم والحديث , ج 1 , ص 173 &
محمد علي دبوز , تاريخ المغرب الكبير , ج 1 , ص 143-146
[3] مونتسكيو , تأملات في تاريخ الرومان أسباب النهوض والإنحطاط , ص 47
[4] فرونسوا دوكريه , قرطاجة الحضارة والتاريخ , ص 73
[5] Tite-live, XXI, 57, 5
[6] مونتسكيو , تأملات في تاريخ الرومان أسباب النهوض والإنحطاط , ص 47
[7] Tite-live, XXIX, 31, 1-12
[8] Tite-live, XXIX, 34, 5