خلّاتو مندود وراحت تعزّي في محمود!…
فجأة! في كامل الشّمال الإفريقي، وفي دزاير على وجه الخصوص اختفت كلّ المشاكل وذابت كأنّها حُلَّتْ أو لمْ تكنْ، واستبدل الجميع قضاياهم الإنسانية والعلمانية والدينية والثقافية واللغوية والعرقية ونضالاتهم الخيرية والسياسية بموضوع واحد : فرنسا.
بين المحلّلين الذين اشتغلو بالمئات، إمّا على ربط الهجومات بمؤامرة من روسيا ردّا على إسقاط طائرتها في مصر، من أجل إجبار فرنسا وأصدقائها على محاربة الإرهاب بدل استغلاله في الشّرق الأوسط. أو على الترويج لمخابراتية العملية في فرنسا كبداية لاستنساخ قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي وممارسة بوليسية أكبر على الشعب الفرنسي، وإمّا … وبين المتعاطفين إنسانيا، والمتحيّزين إيديولوجيا، والمتشفّين، والداعشيين، والتّابعين للغرب بإحسان، و”اللافاهمين” والآمازيغيين والشاويستيين ووو…
وفي الوقت الذي تسود الساحة الدزيرية ظروف مشابهة تماما، حدّ التطابق أحيانا، بتلك الظروف التي مرّت بها قبل أزمة 1988، من تقشّف وانهيار للاقتصاد ونشأة أحزاب وبداية جديدة إسلاموية وضغط مسيّس على المواطن واحتجاجات وبوليسية، وفراغ في أعلى هرم السلطة وحيرة كبرى بين أطراف النزاع من أجل السلطة وأتباعهم والشّعب المسكين في دزاير…
ووسط المجازر الكبرى التي تقوم بها قوى الظلامية والتنوّر في الشرق الأوسط، والمجازر المتواصلة التي يقوم بها الفقر في شمال إفريقيا، والجوع في عمق إفريقيا، والاضطرابات واللااستقرار والتجاذبات الحاصلة بين أولئك والآخرين…
فجأة! تحوّلت كلّ الأنظار والقلوب والأسماع والعقول نحو “فرنسا”.
صحيح تماما، أن الضحايا الأبرياء الذين قتلو ويقتلون في جميع أنحاء العالم، على يد الظلامية والتنوّر على حدّ سواء، ليسو إلّا ضحايا، وواجبنا تجاههم أن نتعاطف معهم بكلّ شفافية. والقائل بغير هذا يخلو من الإنسانية، وإن ادّعاها.
وصحيح أيضا أنّ “فرنسا” كانت دولة كولونيالية احتلّت بلادنا لأكثر من قرن ولا تزالْ، بطرق أخرى .. وصحيح .. وصحيح…
هزريظ! (أرأيت)
…كدت أستسلم لتأثير الموضوع الحالي l’actualité وأنخرطُ في التحليل والتأويل والتقوّل في الموضوع، الذي أكتب أصلا لأنبّه فيه إلى أمرين:
أن الإنسان أينما كان إنسان، وأنَّ الحرب كارثة إنسانية بكلّ المقاييس، لكنَّ الحرب والعنف ليست فقط في فرنسا اليوم بل في آزواد وليبيا وكوردستان واليمن وسوريا ووو… فيقو شويّا ! وأنّ مسببات الحرب، ليست ببعيدة عنْ أنوفنا في دزاير، والويل كلّ الويل لنا من حرب “أهلية” نعود إليها بسكوتنا وتجاهلنا واستحمارنا لأنفسنا .. بالاك تفيقو ماشي خير؟!
وأنّ انخراط الجميع، وأقصد بالجميع حتّى نفسي في الكتابة والتدوين والتفكير حتّى في فرنسا، وما حصل في فرنسا، هو أكبر دليل على أننا “شعب” و”أمّة” خالية عقول مثقّفيها من النّقد، تنساق بمجرّد تسليط ماكينة غسل الأدمغة “الإعلامية” عليها، وراء ما يراد لها.
هذا هو يا سادة! أثر الإعلام، أضف إليه عاطفيّتنا وسذاجتنا وقلّة اطّلاعنا بحكم الظروف التاريخية واللّغة والدين والنظام المجتمعي الذي نعيشه، وستجدُ نتيجة واحدة لا شريك لها: “الغاشي”.
نعم! قُتلَ من قتلَ في فرنسا .. لكنّهم يجدون من يبكي عليهم ومن يتشفّى بهم ومن يحمل همّهم ومن يتمنّى فناءهم. هذا صحيح، لكلّ موقف فيما حدثَ في فرنسا.
فما موقفكم من وطنكم؟ وما موقفكم من آوراسنا؟
تفيقو ولا مازال؟…
أين التنمية؟ أين الاقتصاد؟ أين الأمن؟ أين العدالة؟ أين الحقوق؟ أين الرئيس؟…
ألا ترونَ أن ما يثارُ من زوابع إعلامية حول موضوع هنا وآخر هناك يجعلكم في لحظة تفعلون كما يقول المثل : “خلّاتو مندود ورحت تعزّي في محمود”؟
ياو فيقو!.