كالعادة، قضيت يومي في سوق السلع الرديئة أمارس مهامي المكسية، بنشاط معتاد، في مطاردة المتهربين من دفع حقوق السوق. بعد انقضاء عملي اليومي المضني عدت أجرجر نفسي على دراجتي النارية الڨالمية إلى البيت لأحظى ببعض الطعام مكافأة لجسدي المتهالك تعبا.
وصلت، فتحت باب البيت، فوجدته كما تركته على غير العادة، فزوجتي البشوش “شْناڨا وُلت الرّبْعي بوهشّين” ربة بيت نشيطة لا تترك غبارا فيه إلّا ونظّفته، ولا كركبة إلّا وسوّتها. ولم يحدُث أن عدت إلى البيت يوما، منذ تزوّجتها، ولم أجد طاوله العشاء مزينة بأشهى المأكولات… غرابة على غرابة! قلت في نفسي، ورحت أتبع صوت التلفاز الصاخب إلى غرفة المعيشة، أتساءل ما الّذي يحدث في بيتي؟ لأجد الغرفة قد تحوّلت إلى ما يشبه خلية لحزب “العدالة والتنمية التركي”. تتوسّطها “شْناڨا” وقد استبدلت “محّرمَتها*” الصفراء الفاقعة، بمنديل أحمر أبيض بألوان العلم التركي الذي افترشت، وملأت الجدران والوسائد بصور “الخليفة أردوغان” وقد جحظت عيناها “البقريّتان” من رأسها وهي منهمكة في سماع الأخبار الواردة من تركيا.
لم أفهم شيئا، ولم أع إلّا وقد أطلقتُ صيحةً مدويّة، على وزن وموجة وتوتّر صوت الشيخ المجاهد من فيلم “دورية نحو الشّرق” : “آآآو عليكم من ڨالما!!!”، صرخت بأعلى صوتي بعبارة أتحفّظ عن ذكرها لدواع ترجع إلى وضعي الأرستقراطي المتكلّف…
مذعورة، التفتت شْناڨا صوبي، تستعدّ للهجوم وقد أمسكت بعصى العلم التركي الذي كانت تلوّح به وسط غرفة المعيشة، ثم تراجعت، وعادت إلى مشاهدة الأخبار، وقد غمزتني في برود : “آه! واي ذشكّ” .. فرددت: “لا، أنا آردوغان متنكّر في “سوليتفوح”. لكنّها لم تلق إليّ بالا وواصلت بتركيز كبير مشاهدة أخبار تركيا.
“لقد انقلبت الفاشيّة والديكتاتورية العسكرية على آردوغان، وأظن أنه استعاد الشرعية” قالت وقد هممت بالجلوس. “ومبعد؟ .. أنا أريد أن أتعشى .. وديج ديجا**، هذا التركي يريد أن يحيي الإمبراطورية العثمانية، أتدرين مافعلت تلك الإمبراطوريّة بأجدادك إيشاويّن، وباقي الدزيريين؟ إنه يشبه إلى حد ما، ما فعله آردوغانك هذا باللاجئين السوريين عندما تركهم يغرقون في البحر الأبيض المتوسط واستعملهم كورقة تفاوض مع الاتحاد الأوروبي للحصول على حرية تنقل الأتراك على أراضيه بدون تأشيره ومن أجل بعض الدنانير يحصّلها من العورة الألمانية ميركل، عدا عن السجل التجاري الذي فتحه باسم القضية الفلسطينية ووو…”
أدركت “شْناڨا” أنّ خطابي سيطول، واستقيظت بخبث الـ”فيمينست” المتعصّبة الكامنة في مخّها، فهمت أنني جائع و سأطالبها في الأخير أن تحضّر لي العشاء. “بما أنّك من المدافعين عن حقوق المراة، والمساوات بين الزوجين، أنا تعبة اليوم، عشاؤك جاهز في الثلاجة، فقط قم بتسخينه في الميكرو أوند”.
حملت نفسي منهكا إلى المطبخ، متحسّرا على نفسي وعلى زوجتي الحنون، التي تحوّلت إلى خليّة آردوغانيّة نائمة في بيتي، وقد جنح خيالي متسائلا عن اليوم الذي سيستغلّ فيه آردوغان أو غيره، هذه الخلايا النائمة في آوراس أو عموم دزاير، للحصول على مصالح لمواطنيه، على حساب مستلَبي الهوية والشخصية هؤلاء الذين لا يبدون أدنى اهتمام لأحوالهم التي يرثى لها، ويصرّون على أن يتضامنوا مع الجميع إلّا أنفسهم.
بسرعة، التهمت عشائي ونمت هروبا من هواجسي وواقع بلادي المر.
الي اللقاء في يوم مكسي آخر.
هذا الركن ساخر، وغير موضوعي، ولكنّه يتناول مواضيع حقيقيّة وواقعية في بلاد إيشاويّن، يكتبه لكم كل أسبوع حصريّا على موقع إينوميدن.كوم صديق الأطفال والمسؤولين : الأستاذ الدكتور: “م. بغبوصي” كاتب ناقد ومفكّر أرستقراطي وطني مجاهد ومهاجر مستقر في الأوراس الأشم.
سوليتفوحي: ماركة أرستقراطية للأحذية المفضّلة لبوحا ومكّاس (طالع المقال السابق لمعرفة المعنى البليغ لهذا المصطلح)
*تيمحرمث: منديل تقليدي تضعه النسوة الشّاويات على رؤوسهنّ، تفاديًا لوقوع الشعر في الـ”آغروم” ويستعملُ أيضا كمسكّن للألم
**دِيجْ دِيجا: تعريب مبرح للكلمة الإفرنجيّة Déjà وتعني في هذا السياق الإعراب عن حقيقة ثابتة الوجود لدى بوحا ومكّاس.