جمعة جغلال ، عام بعد رحيلها
15 نوفمبر 2016، كان اليوم الذي تلقينا فيه نبأ وفاة المناضلة الشاوية “جمعة جغلال”، أحد أكبر الوجوه المعروفة في ساحة النضال الجمعوي والثقافي في الجزائر. نشأت جمعة في عائلة ثورية وأمضت حياتها دفاعاً عن تاريخ النساء والرجال الذين بذلوا النفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر، خصوصا في الولاية التاريخية الأولى “أوراس – نمامشا”. كما أمضت حياتها دفاعا عن حقوق المرأة الجزائرية خاصة في المهجر. جمعة كانت أيضا ناشطة بارزة في الثقافة الأمازيغية.
كرّست السيدة جمعة السنوات الأخيرة من حياتها تحقيقا لحلم كانت تتقاسمه مع الراحل عمار نقادي والمتمثل في إيصال آلاف الكتب التي كانت تحتفظ بها إلى جامعتي باتنة وخنشلة.
اليوم، بعد مرور عام كامل من رحيلها، ورغبة في إعطاء دفعة أخرى من أجل تحقيق حُلمها، أجرت إينوميدن.كوم لقاءً خاصا مع الموكلين القانونيين اللذان عينتهما جمعة قبل وفاتها لإكمال مسار مشروعها.
السيد صالح لغرور والسيد صادق كبايري، أهلا بكما. هل بإمكانكما أن تشرحا لنا الظروف التي سمحت لكما بالتعرف على السيدة جمعة ؟
صالح : جمعة كانت قريبة جدا من عائلتي، لقد كانت من نفسالقرية التي كنت أعيش فيها، قرية “انسيغة” ومن عرش “آيث بواسكا” كما كانت تُحب أن تنسب نفسها. التقيت بها أول مرة سنة 2002 في العاصمة باريس حيث اجتمعنا عند السيدة جرمان تيون مع مجموعة من الأصدقاء من الأوراس. في ذلك اليوم حضرتُ برفقتها،ولأول مرة، محاضرةً ألقاها الرّاحل بوحرة عبد الرزاق بالمركز الثقافي الجزائري، حينها اكتشفتُ فعلا هذه المرأة المثقفة والشجاعة في آن واحد، امرأة ذات مبدأ ولا تعرف الازدواجية في المعايير. مناضلة بكل ما تحملهُ الكلمة من معنى في مُختلف الميادين: الحركة النسوية، الميدان الثقافي والسياسي. لقد كانت جمعة من أشد المدافعين عن ثقافتنا الشاوية، كما كانت عاشقة للجزائر. فمنذ ذلك الحين، لم تتوقف علاقتي بها.
كان لجمعة شغفٌ كبير بجمع كل الكتابات التي تعني بالتاريخ الجزائري وتاريخ الأوراس خصوصا. أما عن بيتها في باريس، فقد كان بمثابة مكتبة غنية ومفتوحة للباحثين والطلبة من كل الجنسيات وكذا لكل من له فضول فيما يخُص التاريخ عموماً.كانت السيدة جمعة لا تتوانى في توجيه ونصح كل من يحتاج إلى مساعدتها، فضلا على إيواءها للطلاب والباحثين في منزلها. كانت جمعة تضع كل فلس توفره من أجل إثراء مشروعها الذي يحوي كل ما له صِلة بتاريخنا سواء كان وثيقةً أو كتاباً.
صادق : لقد كان ذلك من خلال صديق شاوي (ت.أ)، عاد من كندا ليستقر في مدينة مونبولي الفرنسية، والذي حدثني مِرارا ًعن سيدة شاوية تقطنُ في باريس، تهتم بكل ما هو موروث ثقافي شاوي. أتذكرُ الوهلة الأولى التي تحدثتُ معها على الهاتف، تملّكني إحساسٌ بأنني أعرف هذه السيدة منذزمن بعيد. كُنا نتحدث في الكثير من الأحيان عن واقع الأوراس، عن الثورة في الأوراس، عن الشخصيات التي كان لها وقع كبير في تاريخ الجزائر.
أتذكر ذات يوم أنها حدثتني عن الباحثة جرمان تيون، فأخبرتُها أنها كانت تعيش معنا في قرية كباش وأنها أخذتْ صورةً لبيت جدي بجانب مسجد سيذي علي أو موسى. فأجابتني حينها أنها هي التي ساعدت الباحثة تيون في اختيار مُختلف الصور التي وضعتها في كتابها، كما أن العنوان الذي اختارته السيدة تيون لكتابها”الجزائر الأوراسية” كان من اقتراحها.
تعرّفتْ السيدة جمعة بعائلتي فصارت علاقتنا بها وطيدةً جداً. كنتُ أعتبرها أماًّ ثانيةً لي كما كان يعتبرُها أبنائي جدةً لهم. أتذكر أن علاقتنا بها ازدادت قوة خصوصاً بعد وفاة ابنها رشيد (رحمه الله)، فطالما كانت تقول أنها تعتبرنا كعائلتها الثانية.
السيدة جمعة جغلال عينتكما مُوكلين قانونيين لها في هذا المشروع، ماذا يعني لكما هذا الأمر ؟
صادق : يُعَد هذا الأمر بالنسبة إلي بمثابة دليل على الثقة الكبيرة التي كانت توليها لي. فلدى عودتها من الجزائر سنة 2011، بعد أن التقت برئيس جامعة باتنة من أجل إنجاز عقد منح مخزونها المكتبي وكذا المخزون المكتبي لعمار نقادي، طلبت مني السيدة جمعة المساعدة فوافقتُ مباشرةً دون أن أدرك حينها ثقل تلك المسؤولية التي أسندتها إلَي، فكانت هي التي عرّفتني بالراحل عمار نقادي عندما نشرَت مقالاته على موقعه في الانترنت.
رغم حالتها الصحية المتدهورة في تلك الفترة، إلا أنها كانت تبذلُ جهداً يومياً متواصلاً من أجل تحقيق حُلمها المتمثل في نقل رصيدها المكتبي إلى موطنه. لكن وللأسف، حالت الإجراأت البيروقراطية بينها وبين هذا الحُلم في تلك الفترة.
في كل مرّة أتحدث معها، كنتُ أحس بألمها العميق، جُرحِها الغائر وخيبة أملها في كل الجزائريين، بمسؤوليها ومواطنيها، خصوصاً الأوراسيين الذين كانت تعتبرهم غير مهتمين تماماً بالحفاظ على ذاكرتهم وتاريخهم. يجدُر بي الإشارة أيضا أنه رغم حصولها على الموافقة من رئيس جامعة باتنة آنذاك، إلا أنها ولمدّة أربع سنوات لم تر أي خُطوة جدّية من طرف السلطات المعنية بالأمر.
أذكّركم مرة أخرى أن هذا المخزون المكتبي يحوي الآلاف من الكتب، الوثائق، بطاقات بريدية وخرائط تعود إلى الحقبة الاستعمارية.. مخزون عظيم لا يُقدّر بثمن.
صالح : لقد تلقينا نداء السيدة جمعة مباشرةً عندما أدركَتْ خطورة مرضها، فكان التوكيل عن طريق وثيقة قانونية بإمضاء المعنيين الثلاث، أنا والصادق وجمعة. أما عن جامعتي باتنة وخنشلة، فلم تتلق منهما أي رد على مراسلاتها في الفترة التي كانت صحتها متدهورة. لكن كون السيدة جمعة كانت على اتصال سهل و مباشر بالمركز الوطني للأرشيف، اتفقنا حينها أن يكون العمل مع هذا المركز. لكن لم نر بعد ذلك أي تَقدّم ملحوظ من السيد شيخي رئيس مركز الأرشيف الذي يبدو أنه كان عرضةً للضغوطات.
بعد أن صارت كل الأبواب موصدة أمامنا، لم يتبقّ لنا سوى التفكير في إمكانياتنا الخاصة من أجل نقل هذا الرصيد الضخم إلى الجزائر. لكن سرعان ما أدركنا أن الأمر أكبر مما كنا نتصور، فالمشروع يحتاج إلى إمكانيات مادية وبشرية تتجاوز كثيراً توقعاتنا. إذ أنَّ بيت السيدة جمعة جغلال كان مملوأً عن آخره بالكتب والوثائق التي كدستْ جزأً منها داخل صناديق كرتونية.
عملاً بنصائحها وهي في العيادة، قُمنا بترتيب الكتب إلى مجموعات ليسهل علينا إرسالها إلى باتنة وخنشلة، لكن الإشكالية التي لاقيناها آنذاك كانت تتمثل في عدم إيجادنا المكان الذي سننقل إليه مؤقتا كل ذلك المخزون من أجل إفراغ بيتها، علماً أني أنا وصادق كنّا نبعد عن بيتها بـ 300 كم و 800 كم على الترتيب. كانت مهمة نقل الكتب مستحيلة تماماً.
اتصلنا حينها بالقنصلية الجزائرية، فكان من حُسن حظنا أنها قد وافقت على تخزين الكتب عندها لأجل مفتوح. أما الجزء الصغير الذي تبقى فقد قُمنا بنقله إلى المركز الوطني للأرشيف.
بالضبط، أرجو منك أن تروي لنا كيف جرت الأمور بعد ذلك، يبدو أن الأمر كان معقداً ؟
صادق : فعلاً، لقد كانت المُهمة شبه مستحيلة. خاصةً في الفترة التي كانت فيها السيدة جمعة في العيادة، لكننا عندما أدركنا خطورة مرضها تحول الأمر بالنسبة لنا وللسيدة جمعة إلى سباقٍ ضد الزمن. لقد كانت تلك معركتها الأخيرة التي استمرت إلى آخر نفس من حياتها.
ماذا أيضا ؟
صادق : كان محور انطلاق هذا العمل اعتماداً على شخصيتين طلبت مني السيدة جمعة الاتصال بهما : رئيس جامعة باتنة ومسؤول مصلحة النشاطات الثقافية بالقنصلية الجزائرية في باريس.
بُعدنا عن باريس كان عَقبةً كبيرةً أمامنا، فقد كُنا مُجبرين على التنقل و استغلال نهاية كل أسبوع للعمل لمدة 48 ساعة بالتنسيق هاتفيا مع السيدة جمعة التي كانت في العيادة. وهذا من أجل ترتيب و تجميع كل الكثب والوثائق ضمن مجموعات، ثم تغليف كل مجموعة داخل صندوقكرتوني. بيت السيدة جمعة كان في الطابق الخامس كما أن المصعد كان مُعطلاً في تلك الفترة، الأمر الذي زاد الطين بلةً.
لقد كان العمل مُضنياً للغاية. أتذكر أن قاعة الضيوف وغرفتها كانتا ممتلئتين عن آخرهما لدرجة أننا لم نجد مكانا نضع عليه أقدامنا.
للإشارة، فإن السيدة جمعة قد قامت بعمل مدقق مع باسم عابدي، حيث قاما بفهرسة، تنظيم وتعبئة قائمة أولية من الكتب مُخزنة في 29 صندوق كرتوني.
بعد ذلك ؟
صادق : اتفقتُ بعدها مع صالح على تقاسم المهام، إذ يتكفل صالح بجامعة خنشلة وأنا بجامعة باتنة، مُستغلين كل ما لدينا من علاقات من أجل إحراز تقدم في هذا المشروع.
من جهتي، فقد كان رئيس جامعة باتنة مُستعداً لدفع مُستحقات نقل قائمة الكتب التي كان مُتفقا عليها مبدئيا مع السيدة جمعة، أتذكر حينها عندما قال لي بالحرف الواحد: “أنا في خدمتكم”. أما عن جامعة خنشلة، فقد اتصل صالح برئيس الجامعة الذي أعطاه موافقة مبدئية من أجل الحصول على حصّته من الكتب والوثائق. أتذكر أيضا عندما تحدثتُ مع رئيس جامعة خنشلة قال لي بأن “الجامعة لا تملك السيولة من أجل دفع مُستحقات كل هذه الكتب”. فكان ردي “نحن لا نطلب منكم تسديد أموال، نحن نريد منكم ببساطة أن تضعوا هذه الكتب والوثائق في متناول الباحثين والطلبة في جامعتكم”.
بدأت الأمور تتضح أمامنا عندما اتصلنا بمدير المركز الوطني للأرشيف، السيد شيخي، والذي تعهد لنا بأنهسيتكفل بنقل الرصيد الوثائقي كاملاً إلى أرض الوطن، كما سيتكفل بعملية توزيعه إلى الوجهات الثلاث (جامعة باتنة، جامعة خنشلة، المركز الوطني للأرشيف). لقد كانت اللحظة التي تنفسنا فيها الصعداء.
في تلك الفترة، كانت السيدة جمعة في العيادة حيث كانت حالتها الصحية تتدهور بسرعة. كنتُ أكلمها ثلاث مرات في اليوم، كنا نتحدث لساعات خاصة عندما تتحسن حالتها الصحية نوعيا. المشروع كان هو الموضوع الذي يشغل بالها دائماً.
رغبةً مني لرفع معنوياتها، قُمتُ بدعوة مسؤول مصلحة النشاطات الثقافية للقنصلية الجزائرية من أجل أن يرى بأم عينيه الكتب والوثائق الموجودة في بيت السيدة جمعة و في نفس الوقت ليزورها في العيادة، أبدى السيد محمد خالد إعجابا كبيراً بالكم الهائل لذلك المخزون الضخم وكذا نوعيته. أعتقد أنها كانت اللحظة الفارقة التي أدركَ فيها السيد محمد قيمةَ ذلك المخزون الفريد من نوعه.
حقيقةً، لقد كان هذا أروع يوم في حياة جمعة. فلدى وصولنا إلى عيادة نانتار، وجدنا جمعة ذات الوجه البشوش والهيئة الصامدة. قام السيد محمد خالد بطمأنتها بأن الدولة الجزائرية ستتكفل بالأمر وأن القنصلية ستقوم باستقبال وإيداع كل الكتب والوثائق لديها. أحسستُ بعد ذلك اللقاء أن السيدة جمعة صارت مستعدةً للموت وهي مطمئنة، فبالنسبة إليها، المُهمة قد تحققت، وهي على ثقة تامة بأن كتبها وكتب عمار نقادي ستصل إلى وجهتها المنشودة. أتذكر حينها أنها قالت لي بالشاوية وبالحرف الواحد بعد ذهاب السيد محمد خالد: “آ صادق، آ ممي، هكسذاي أحذير سو قعديس”، أي : صادق يا بني، لقد أزلتَ همّا كبيراً عن كاهلي.
بعد ذلك، عملنا بالتشاور مع القنصلية الجزائرية من أجل وضع خُطة لاستلام كتب جمعة وكذا كتب عمار نقادي التي كانت في بيت ابنه دارّيس في باريس. فبعدما قُمنا بمراجعة الكتب والوثائق، ثم جمعها وترتيبها في صناديق كرتونية وتقسيمها حسب الهيئات الثلاثة التي اخترناها آنفا. قُمنا بوضعها في خدمة مصلحة النشاطات الثقافية بالقنصلية والتي قامت بدورها بعملية الاستلام.
خلاصة القول، قبل وفاة السيدة جمعة، استطاعت القنصلية استلام حوالي 100 صندوق بما فيها صناديق عمار نقادي.
صالح : فيما يخص المخزون المكتبي، أعتقد أن صادق قد لخص كل الخطوات والعوائق المختلفة التي صادفناها. للأسف مشروع نقل هذه الكتب لا يتقدم بالوتيرة التي نريدها. ماينقص حاليا هو إرادة الجهات المعنية.
شخصيا لدي إحساس أن هذا المشروع لايهم أحدا، خصوصا الجامعتين المستفيدتين، جامعة باتنة وجامعة خنشلة.
و بَعد وفاتها ؟
صادق : للتوضيح فقط، طلبت مني السيدة جمعة قبل وفاتها الاتصال بالسيد شيخي لأطلب منه أن يتكفل باستلام كل الصناديق التي كانت في بيتها. وافق السيد شيخي وتعهد بأنه سيتخذ الإجراأت اللازمة حتى لو استدعى الأمر إلى إرسال مبعوث لتقييم المخزون الذي استلمته القنصلية الجزائرية.
بعد أن وافتها المنية، صارت مفاتيح منزلها بحوزة الموثق الذي كلّفته السلطة لذلك، فصرنا غير قادرين على الوصول إلى ما تبقى من كتب ووثائق كانت في منزلها. قُمنا بعد ذلك بالاتصال ببنات السيدة جمعة اللائي وجدناهن على علم و وعي بالموضوع، فكان انضمامهن معنا في هذا المشروع بمثابة دفعة قوية كنا بحاجة إليها.
استغرقتْ الاجراأت الإدارية حوالي ستة أشهر من أجل الحصول على ترخيص بفتح المنزل. فكان من بينالحاضرين يوم الدخول إلى منزل جمعة حينها : آسيا ابنة جمعة، ابنة عم آسيا، باسم عابدي الذي تنقل خصيصا إلى باريس، سليم قطوشي، حفيدي عثمان، هشام. أما صالح فقد كان حينها في الجزائر.
خلال نهاية الأسبوع، وفي ظرف 72 ساعة أفرغنا كل الشقة من كتبها واستطعنا تحضير 40 صندوقا كرتونيا ووضعها في شاحنات خاصة لنقلها إلى المستودع التابع للقنصلية. كنا متخوفين قبل ذلك من أن يكون المصعد مُعطلاً، لكن ما جعلنا نتفاجأ هو بقاء المصعد يعمل طيلة الوقت وإلى آخر صندوق، ثم تعطل. أحسسنا حينها وكأن السيدة جمعة كانت معنا لتبارك ذلك الجهد المضني.
والآن، إلى أي مستوى وصلت إجراأت إرسال مخزون جمعة جغلال وعمار نقادي ؟
صادق : حوالي 150 صندوق قد تم إيداعها منذ شهر أفريل المنصرم لدى القنصلية الجزائرية بباريس. أكثر من 10 صناديق تم إرسالها إلى حد الآن من طرف السيد محمد خالد إلى السيد شيخي بالجزائر، أي بمعدل 3 إلي 4 صناديق يتم إرسالها كل أسبوع حسب السيد محمد خالد.
هل تعرّضتم لصعوبات وعقبات أثناء أدائكم لهذا المشروع ؟
صادق : من جهة القنصلية، كان عملاً جبارا قد تم إنجازهُ، إذ تكفّلت هي بجمع كل الصناديق بما في ذلك صناديق عمار نقادي التي كانت عند ابنه داريس. مصالح القنصلية أيضا أدّت عملا ضخما فيما يخص العملية الإحصائية لجميع الكتب والصناديق، هذه العملية في حد ذاتها استغرقت حوالي الشهرين وذلك بتسخير إمكانيات وموارد خاصة.
من جهة جامعة باتنة، كان لقائي مع رئيس الجامعة السيد ضيف عبد السلام مثمراً للغاية، وذلك في شهر مارس 2017 مع اثنين نوابه، إذ تعهد بتخصيص جناح كامل لهذا المخزون الوثائقي في المكتبة المركزية للجامعة أو في المكتبة الجديدة المسمّاة بمكتبة الذاّكرة، والتي لا زالت في طور الإنجاز. في هذا اللقاء أيضا، تحدثنا أيضا عن إمكانية تنظيم يوم دراسي حول ما حققته السيدة جمعة. أذكركم مرّة أخرى أن جامعة باتنة كانت على استعداد لتسديد تكلفة شحن القائمة الأولى للكتب التي حدّدتها السيدة جمعة آنفاً.
أما من جهة المركز الوطني للأرشيف، فإن المدير السيد شيخي كان بمثابة المحرك الأساسي للعملية، خاصة وأن له علاقات جيدة مع الخطوط الجوية الجزائرية. سأظل مُمتنا لهذا السيد الذي بقيّ وفياًّ لوعده الذي قطعهُ لنا، والمتمثل في توصيل كل المخزون الذي تبقى. أنا على يقين وثقة تامة أنه سينهي مُهمتهُ على أكمل وَجه. والدليل أنه استطاع في فترة وجيزة استلام أكثر من عشرة صناديق وحوالي خمسة عشر خريطة. هذا وقد كان التنسيق معه فقط عن طريق الهاتف والرسائل النصية.
من خلال كل هذا، نُدرك أن جميع الأطراف على وعي تام بضرورة زيادة وتيرة العملية، ففي الوقت الراهن لازالت الأمور تسير ببطء شديد. لهذا نتمنى أن يكون هناك المزيد من التسهيلات، فنحن بحاجة لنظرة أكثر وضوحاً، وتنسيقا أكثر فعالية وانسجاما بين المؤسسات الثلاث (القنصلية، الجامعتين، مركز الأرشيف).
كلمة أخيرة ؟
صالح : كل ما قلتُه كان رغبةً مني للإشادة بهذه المرأة العملاقة ذات القلب الكريم والروح الشاوية المقاومة. لقد تناولت بكتاباتها الغزيرة مواضيع اجتماعية عديدة عبر سائل الإعلام المُختلفة. حضورها في المواقع الاجتماعية أيضاساهم في توضيح الكثير من النقاط الغامضة من تاريخنا وذلك عن طريق إثارتها لنقاشات كانت شائكة أحيانا، لكنهاضرورية في نفس الوقت من أجل فهم الكثير من الوقائع والأحداث التاريخية.
وفاة جمعة كانت خسارة ًكبيرة لنا جميعاً، خاصة للأوراس الذي طالما حملت في قلبها همومه وآلامه. جمعة امرأة عظيمة ليس لها مثيل.
صادق : أود في نهاية هذا الحوار أن أؤكد على بعض النقاط الهامة :
أشهد أنا وصالح أن السيدة جمعة لم تطلُب مِنّا ولو لمرة في حياتها الترويج لشخصيتها، فقد رفضت أي محاولة لتسجيل حوار معها. كانت لديها أمنيتين وحيدتين فقط : رغبتها في أن تَهَب كل ما لديها من رصيد مكتبي ووثائقي لكل الجزائر حتى وإن اتّفقت كتابيا مع جامعتي باتنةوخنشلة. وأن يكون مخزونها مفيداً خاصة للطلاب والباحثين الجزائريين.
قبل وفاتها، كانت السيدة جمعة تؤكد على ضرورة ألاّ يقع إنجازها في خدمة تنظيمات أو أشخاص ذي مصالح جهوية أو حزبية.
كوني أعرفها جيداً، أعترف أن الفضل الكامل يعود لها وحدها. لقد ضحّت هذه السيدة بعشرين سنة من عُمرها وقد حرَمت نفسها الكثير من أجل الحصول على أي وثيقة، كتاب، بطاقة بريدية، طابع بريدي له علاقة بالجزائر. لقد كانت جد بسيطة ومتواضعة، إذ كانت تُردّد دائما: “إن هذا الإنجاز لن يقوم بِي وحدي، إنه إنجاز جماعي، أنا أدّيت واجبي وما تبقى هو واجبُكم أنتُم”.
أتقدم بجزيل الشكر لكل الأشخاص الذين ساهموا، ولا زالوا يساهمون في حماية هذا المخزون. أخُص بالذكر: كل من تجاوب معنا من جهة القنصلية، المركز الوطني للأرشيف وكذا جامعتي باتنة وخنشلة.
كذلك، بنات السيدة جمعة، خاصة آسيا وعقيلة، اللواتي أبدين إصراراً وجهدا كبيرين دون تواني من أجل أن يرى حلم أمِّهن النور والذي صار حُلماً لهن أيضاً. أشكر أيضا دارّيس ابن الراحل عمار نقادي. لكل هؤلاء أقول شكراًجزيلاً لكم على ثقتكم.
الشكر أيضا موصُول لكل وقف معنا وقفة رجل واحد في هذا المشروع :
- عثمان كبايري، الذي بدونه لم أكن لأستطيع إكمال تلك الـ48 ساعة من العمل المُضني في كل مرة. فقد كنت أتنقل إلى باريس ثم أعود بعدها لأجد أعباء وظيفتي قد تراكمت من جهة أخرى.
- كلثوم، على مساعدتها وحضورها معنا في بداية المشروع.
- باسم عابدي، على جولته الأخيرة وحضوره أيضا معنا في بداية المشروع. أؤكد لكم أنه لو سمحَتْ له ظروف الحياة لكان معنا طيلة المشوار. رغم ذلك لا تزال أمامه مُهمة ترقيم جزء من كتب السيدة جمعة… فكما يُقال: “الثوار الحقيقيون لا يَعرفون التقاعد”.
- سليم قطوشي، الذي شاءت الأقدار أن يُشاركنا الجولة الأخيرة من هذا العمل أثناء مروره بباريس.
- رشيد الموَدّع، محامي في منطقة بيزيي، الذي رفض أن يتلقى مِنّا الرسوم المهنية مقابل إعداده لشهادة المصادقة على التكليف الذي أعطته لنا السيدة جمعة.
- هشام سجلماسي على حضوره في الجولة الأخيرة.
- شكرا لكل من ساهم من قريب أو بعيد من أجل إنجاح هذا المشروع.
المقال الأصلي نشر بالفرنسية هنا
ترجم هذا المقال للعربية، الأخ حمزة عمّاري
فريق التحرير