نعم يا سادة! في “دزاير” تكره شريحة واسعة جدّا “معطوب لونّاس”، والكثير من هؤلاء، لا يجدون حرجا في التصريح بأن سبب كرههم الحقيقي له هو “التديّن”. فتراهم يرددون بصوت واحد : معطوب “كافر!!!” .. لماذا؟ .. لأنّه أعلن جهارا نهارا في أكثر من مناسبة أنّه يريد “دزاير” علمانية “والعياذ بالله”.
صحيح، قد يكون هذا واحدا من أسباب كره كثيرين لـ”معطوب”. خاصّة أولئك الذين يريدون دزاير ولاية إسلاميّة تقام فيها “الحدود” وتدين بالولاء للدولة الإسلامية في العراق أو في سوريا أو في أفغانستان، حبّذا لو كانت في السّعودية. يريدونها كذلك، ليعيش فيها، فقط المسلمون، ويهجّر منها من يرفضُها، ويقتل من يعارضها، ولو كان من أبناء هذا الوطن.
هذا ما يطفوا على السطح، لكن عاملا آخر، أساسيا، ليس بالخفيّ، لكنّه كامن؛ يجعل هؤلاء أنفسهم، يكرهون معطوب، هو “بومدين”.
الشعب يا سادة! يقولُ فقط بما قالت “الدولة”؛ إنّها المنظومة، الفكرة التي من أجلها وقف الهواري بومدين على منبر حكومي، أيام “حكمه” ونطقها:
“إنّ عمالة القبايل هي عمالة -على كل حال- تختلف عن عمالة الجزاير، وأنّ -على كل حال- الناس أو المواطنين في هذه الجهة هوما -على كلّ حال- ناس عنصريين وهوما ناس -على كل حال- انفصاليين”
هواري بومدين – رئيس سابق للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
هذا ما قالت الدولة، وهذا ما تقرّر.
إنّ جموع “الغاشي” منقادة اليوم لأطروحات “مثقّفين” لم ينفصلوا يوما عن دواليب السلطة، وكانوا دائما لسان حالها، أولئك الذين ينتهزون كلّ فرصة لسبّ معطوب مكرّسين الصورة الراسخة في أذهان الشعب، ومعززين توارثها، لا لشيء إلّا لأنّه كان يوما ما في صفوف الواقفين في وجه السلطة التي يسبّحون بحمدها. قد أفهم كرهَ الإسلاميين لمعطوب، وكذا حقد القوميين العروبيين عليه، لكنّي لا يمكن أن أتخيّل كيف يمكن لمعارض حداثي علماني (مثلا) أن يكرهه، أو يحاول “تجاهله”، إلّا أن كان منقادا لعملية التكييف الجماعي، التي تعرّض لها الشعب على يد “المنظومة”، واقعا تحت تأثيرها، رغم ادّعائه خلاف ذلك.
ليستمرّ حتى اليوم، انقياد الرأي العام لأمثال هؤلاء، تائها بين خيال قومجي بائد، لم تكسب منه دزاير إلّا وفشلا واحتقارا للذات، وخيال إسلامي فاسد، طالنا منه لعشريّة كاملة الموت والويل والدمار.
شخصيّا لا أستمع لأغاني معطوب، ولا أهواها، وأخالفه في بعض من آرائه، إن لم أقل الكثير .. لكنّي لا يمكن إلّا أن أحترمه، مدركا أنّه قد استطاع أن يكسر النمط، ويشذّ عن القطيع. لقد كان واحدًا ممن أشاركهم أمنية أن تعيش “دزاير” متصالحة مع ذاتها. في ذكرى رحيله، أتمنّى السلام لروحه. أمّا من “يكره” معطوب لوناس، أسأله: فمن تحبّ: هواري بومدين العلماني القومجي، أم أبا بكر البغدادي الإسلامي؟ لك الاختيار.