ماذا لو تعرض تمثال الإرهابي “عقبة بن نافع” للتخريب؟
تحت مرأى ومسمع السلطات المحليّة في مدينة باغاي، وتحت أعين الأجهزة الأمنيّة النشيطة جدّا إذا تعلّق الأمر باحتفالية ثقافية أو نشاط متعلّق بالهويّة الأمازيغية، أقدمت مجموعة من المنحرفين على محاولة تخريب تمثال جلالة الملكة ذايا المنتصب وسط مدينة بغاي، بإشعال النّار في قاعدته.
التمثال الرّمز الّذي يقف شاهدا على إحدى أبرز عصور تاريخ بلاد إيشاويّن والشّمال الإفريقي قاطبة، للملكة الجليلة “ذايا” في معقلها “باغاي”، وبين أبنائها، في منطقة لا تزال محافظة على لغة عاشت لآلاف السنوات، وتواصل، رغم الدّاء والأعداء. هو تمثال نصّب بقوّة الوعي، رغما عن أنف الظلاميين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما قرّر نشطاء الحراك الأمازيغي سنوات التسعينات تنصيبه وسط باغاي، أولئك الذين يستمدون أفكارهم من عصور الظلمة وأربابها رفضوا “ذايا”، تماما كما رفضها أرباب الظلمة الذين هالهم قبل اثني عشر قرنا، أن تقود جيوشا من الخيالة النوميديين “امرأة” ولم يكتفوا بقتلها، بل واستعرضوا رأسها المفصول عن جسدها على رأس رمح من آوراس إلى دمشق، متفاخرين بهمجيّتهم، وتخلّفهم
لتعود هذا الأسبوع الظّلاميّة، أو على الأقل تأثيراتها في لاوعي مجموعة من المخرّبين، لم يجدوا أوضح من تمثال جلالة الملكة، لتفريغ مكنونات العنف والكبت التي تملأ صدورهم. المخربون، الذين نرجّح مصادر موثوقة؛ أنهم مجموعة من المراهقين افتعلوا حرائق في عدة أماكن في مدينة “باغاي” في نفس الليلة، وهذا ما لا يزال محلّ شكّ عندي شخصيّا، لم يكونوا يعلمون أنّ حرق تمثال جلالة الملكة، سيعود عليهم بكلّ هذا الوبال، بعد أن عمّ السخط والغضب مختلف أصقاع بلاد إيشاويّن ودزاير، وأصبحوا محلّ بحث جدّي من قبل أجهزة الأمن التي استفاقت متأخرة بعد أن وجدت نفسها مجبرة بأوامر سياسية على متابعة القضيّة.
وأيّا كانت دوافع المخرّبين، فإنّ ردود الأفعال، لم تكن متوقعة بالمرّة، من قبل أرباب الظلام الذين ظنّوا أن المنطقة بين أيديهم، فالوقفات التضامنية التي ينظمها أبناء “ذايا” في مختلف بقاع بلاد إيشاويّن، والشباب الذين تطوّعوا وتنقلوا مساء اليوم من ماقوميذاس (أم البواقي) إلى “باغاي” لتنظيف التمثال، وردود الأفعال على مختلف مواقع التواصل الاجتماعية، أثبتت أنّ الشّاوي شرع في التخلّص من الظلامية التي حاولوا فرضها عليه، وحكموه بها لعقود. قد يخالفني البعض الرأي، لكنّي أدعوكم إلى العودة سنوات قليلة والتمعن في حال بلاد إيشاوّين، والمقارنة بين ما كان وما هو كائن.
طبعا ولأنّ “ذايا” لا تزال، رغم التوجه السلطويّ نحو “التصالح مع الذات” فرارا من الخطر القادم من الشّرق، محور شيطنة، فإنّ الكثير من “الظلاميين” في دزاير، يرفضون حتّى أن يقام لها تمثال، ويهلّلون هنا وهناك للعملية التخريبية التي يسمونها بـ”كسر الصنم”.
كأنّهم لا يزالون وسط ساحة مكة المليئة بالأصنام قبل البعثة المحمّدية، أو أنّهم، وهو الحال، يرجون العودة إلى زمن عبادة الأصنام وما بعده بقليل.
الظلامية اليوم يا سادة، برعاية ودعم وعناية خارجيّة، وداخلية، من أولئك الذّين قتّلوا الشعب باسم الدّين، ونصّبوا أنفسهم لأكثر من عشر سنوات حكّاما وجلّادين، يقتلون الأطفال ويروّعون الآمنين، فقط لأنّهم أرادوا جعل “دزاير” إمارة تابعة للقاعدة، لكن الجزائريين رفضوا.
نعم “المنظومة” تكرّس الظلام، ولكم أن تقوموا بجولة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشاهدوا كمّ الحقد المبثوث من منابر معروفة، محسوبة على جماعات كـ: الجبهة الشعبية لإنهاء الوصاية الفرنسية” التي يقودها النقيب الفار من الجيش “شوشان” وكلكم يلاحظ طبعا ألّا وجود لتغطيّة إعلامية للحدث، الذي يعد مساسا برمز من رموز الدولة، التي يتشدق الإعلام المأجور بحمايتها صباح مساء.
لكم كذلك أن تتساءلوا معي : لماذا انفردت وسائل الإعلام البديل، وبعض الصحافيين المفرنَسين بتغطيّة الحدث؟
أليست “ذايا” رمزا وطنيّا، نصّب له تمثال وسط مدينة خاضعة لحكم “الدولة الجزائرية” داخل ترابها الوطني؟
لماذا مارست وسائل الإعلام الثقيلة المرئية المسموعة والمكتوبة، الرسمية منها و”الخاصّة” سياسة التعتيم الإعلامي على القضيّة؟
والسؤال الجوهري الذي أطرحه عليكم : هل كان الأمر سيكون كذلك، لو أحرق تمثال رمز الظلاميّة والإرهاب الذي تفرّ منه “الدولة الجزائريّة” إلى نفسها؟
أقصد الغازي المجرم “عقبة ابن نافع” المنتصب وسط مدينة بسكرة، غير بعيد عن مكان قتل الشهيد آكسل له، لطغيانه وجبروته وساديته. بالتأكيد لا، فللظلّام أسنان قذرة، سيبرزها ويغرزها فينا قريبا إلّا أن نستفيق.