سليمان بخليلي منشّط “مشهور” للحصص التيليفيزيونية ومنتج ذو نفوذ في مجال السّمعي البصري “العمومي” في دزاير العاصمة، المنشّط المفتتن باللغة العربية، وهذا ليس عيبا البتة، والمتمكّن منها (حسب تصريحاته المتكرّرة) يجعل منها ومن “حفظه للقرآن” في كلّ مقام شعارا إشهاريا Slogan لشخصه وعمله وإنتاجه، ويبني على ذلك بيتا من قشّ قوامه “العوامل الأساسية للخطّ التحريري” في خطاب “النّظام” الدزيري فلا يخالفُ أبدا رئاسة الجمهوية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، فإذا كانت عروبية كان عروبيا متشدّدّا ، وإذا مالت لآمازيغيةٍ صار آمازيغيّا معتدلا، وإذا اعتنقتها صار آمازيغيا متشدّدا.
سليمان، ليس بالشّاذ ولا الفرد، فهو على نمط الكثيرين من “رموز” المجتمع الدزيري، الذين جُعِل منهم، بقدرة الـ”قادر” (المالي وصديقه)، قوّادا للرأي العام وأيقونات توجّه أنظار الجموع. وليس ذلك اعتباطا، بل إنّه وغيره خُلقو لغاية بعينها، يؤدّونها بكلّ نجاح. فهؤلاء (وهم كثر) هم أصحاب كلّ خرجات “الإلهاء” العامّ التي تمارسها وسائل توجيه الرأي العام (الإعلام) في الفضاء العمومي والخاصّ، على الأثير وشبكات التواصل الاجتماعي في كلّ مرّة، فكما يثير حمداش (قائد الحراك السلفي) لغطا بإثارة قضايا، تلاقي تفاعلا كبير، على وزن أقفال العشّاق والاحتفال برأس السنة الميلادية. وتنشر على نطاق وطنيّ قنوات كـ”الشروق” و”النهار” مقاطع بهدف الترويج من نوع “تاكلي الجاج” و”الجن يطرد عائلة من بيت”، تستعمل “المنظومة” هؤلاء الرّموز في تشكيل الفضاء العام الدزيري وتوجيه الرأي العام وصناعة الرموز المستقبلية بنظام التزكية.
الرّجل المحسوب على إيشاويّن وصاحب المقولة الشّهيرة التي أظنّها ستأخذ مكانا إلى جانب “اللغة العربية” “والقرآن”في شعاره الإشهاري، والتي حيّرت كثيرا من الفلاسفة: “أنا شاوي ولكنّي عربي”. وصاحب الآراء العروبية في الآمازيغية، ليس إلّا واحدا من إنتاجات “المنظومة”. بـ”المنظومة” أقصد مجموع الأفكار والآراء والنظريات المتداولة في المجال “الثقافي” “السياسي” “الإعلامي” الدزيري، الموجَّهة في سياق “غسيل المخ” والتي تداول على تشكيلها أقطاب الحكم في دزاير منذ الاستقلال، فأنتجت الوعي الجماعي الدزيري، وطبعت اللاوعي الجمعي الشّعبي، وكوّنت قناعات العامّة وكتبت توجّهاتهم الوطنية والسياسية والفكرية وجعلتهم ينصّبون إنتاجاتٍ كـ: سليمان بخليلي الأنموذج، وغيره من “المثقّفين الرموز” كبن بيتور، وحجّار، وسعدي، و بن نعمان، وحمداش ووو…
الكُسَعِي أهمّ من دولة نوميديا بالنسبة لهؤلاء؛
هذه الإنتاجات تتميّز في الغالب بـ”ثقافة” مشرقيّة “استيلابية”، ونظرة هويّاتية متمشرقة (ومتمغربة في بعض الحالات) تتصنّف أفكارها في خانات بعينها، ولها آراءٌ مستنسخة من لبّ أفكار مولود قاسم نايت بلقاسم فيما تعلّق بالتّاريخ والآمازيغية أحيانا، وأحيانا أخرى آراؤهم أسوء. طريقة تفكير هؤلاء لا يمكن لعقلٍ أن يستوعبها، لكنّ الواضح فيها أنّ حرب البسوس وعربدة شعراء شبه الجزيرة أهمّ وأجدر بالمعرفة، بكلّ تفاصيلها، من مملكة نوميديا، وحروب يوغرطا.
ليس منشور سليمان بخليلي الذي أثار كثيرا من النّكات على فايسبوك حول “ندامة الكُسَعِي” إلّا دليل على اطّلاعه كبقية الإنتاجات من صنفه، وكعموم الشّعب الدزيري بفعل المنظومة في شقّها التعليمي، على تفاصيل تفاصيل حوادث تافهة جرت قبل “الإسلام” حتّى، واشتغالهم على بثّها والترويج لها. فقصّة “الكسعي” التي لا يمكن بصراحة أن تقاس بمقياس، ولا يمكن بحال أن تدرج في قاموس الحضارة، شأنها شأن مئات الكائنات المجهرية التي أحيلت إلى رموز للثقافة في دزاير والشّمال الإفريقي؛ الكسعي والطّائي وجرير والفرزدق وغيرهم من المجاهيل التي أحالتها المنظومة بفضل إنتاجات كسليمان بخليلي ونوعه، رموزا للثقافة الدزيرية وتمّ عبرها، باستعمال أفراد من فصيلة سليمان بخليلي سحب مركز الشمال إفريقيين إلى صحراء نجد، بدل صحراء إيموهاغ؛ واستبدلت الممالك والدول التي قامت في الشمال الإفريقي وملاحم الحروب من أجل الحرية التي خاضها “الملوك” والقادة هاهنا، بخيام وخلاء في المشرق، وحروب من أجل نيق وقصص قطّاع طرق ولصوص. لا داعي للحديث عن الإسلام .. أعلم أنه أصبح صخرة يتمترس خلفها كلّ المعادين للآمازيغية، أنا هنا أتحدّث عن “تاريخ” (إن شئتم تسميته تاريخا) في بقعة تبعد جغرافيا عن أوطان تلك الإنتاجات بآلاف الكيلوميترات لا وزن لها تاريخيا ولا أهميّة لها أدبيا ولا وجود لها أصلا في قواميس الأمم.
إنّ هذه الإنتاجات (على شاكلة بخليلي) ليست فقط أدوات لمعادات الآمازيغية، بل هي جزء أيضا مما يصفه “نعوم تشومسكي” باستراتيجيّات إلهاء الشّعوب. فهم يمارسون، عن وعي أو جهل، مهمّة تسفيه العامة، وإلهائهم وتكوين رأي عامِّ مرتبط بمستوى “منحطّ” لا يرقى إلى “العقلانية” ولا يقاطع غاية تأمليّة ولا فكرا حقيقيّا، هم يداعبون العواطف والمشارع ويثيرون الشّعب ويستفزّون مشاعره لخدمة مشاريع الـ”المنظومة” هولاء يمارسون إحدى أحطّ وأخطر المهام في الحرب للسيّطرة على الشّعوب:
“حافظو على تشتيت انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واشغلو اهتمامه بمسائل تافهة غير ذات أهمّية. أبقُو العامة مشغولين .. مشغولين .. مشغولين؛ دون أن يكون لديهم وقت للتفكير، عليهم فقط العودة إلى المزرعة مع غيرهم من الحيوانات الأخرى”*