الفينيقيون لم يعلّموا الأمازيغ زراعة شجرة التين
يقول عثمان سعدي أن الفينيقيين أخرجوا الأمازيغ من العصور الحجرية و علّموهم تقنيات صناعية و زراعية كانت سائدة في المشرق مثل ” غرس شجرة التين” . و كأن الأمازيغ يعانون من قصور فكري يمنعهم من اكتشاف حتى أبسط التقنيات الفلاحية .
و ربما يقصد هنا تقنية “التأبير” (caprification) و التي نسبها ستيفان قزال (Stéphane Gsell) الى الفينيقيين , فعثمان سعدي يغرف من بحر الانثروبولوجيا الكولونيالية كلّما أراد تحقير التاريخ الأمازيغي .
فكرة أن الفينيقيين ادخلوا زراعة الأشجار المثمرة الى شمال افريقيا و أن السيطرة الرومانية في ما بعد ادخلت تقنيات متطورة حوّلت شمال افريقيا الى “بستان كبير” لم تعد تلقى الاجماع في أوساط المؤرخين الغربيين منذ نصف القرن على الأقل .
فهذا غابريال كامبس في كتابه “في اصول بلاد البربر , ماسينيسا أو بدايات التاريخ” الصادر سنة 1960 يبيّن سخافة ادّعاء أن الفينيقيين قد علّموا الأمازيغ “غرس شجرة التين” كما يزعم عثمان سعدي , و يكتب :
” اعترف بأنني لا أفهم لماذا التمسّك بالقول في موضوع شجر التين “… أن البونيين يكونون هم من علّم البربر زراعة هذه الشجرة الأهلية في وضعها البرّي , و أنهم علموهم على الخصوص تأبير التين الذي لا يزال في بلاد البربر الى الآن” .و كأن الإخصاب لا يمكن أن يتم طبيعيا و كأن البربر كانوا في حاجة له , منتظرين التعليم البوني راضين بصحة ممارسة التأبير ليعلموا به. و بالتالي التفكير في أن كل التقنيات الفلاحية حتى البسيطة منها كلّها أجنبية عن بلاد البربر و أن هذا الشعب مجرد تماما من أي مبادرة ؟” .
فكما هو واضح , لم يستطع غابريال كامبس اخفاء سخطه على بعض زملائه الذين لا يزالون يتمسكون بهذه الكليشيهات الكولونيالية البالية . تخيلوا لو علم أن بعض الجزائريين لا يزالون يروجون لها بعد مرور ستين سنة ؟ .
يشير غابريال كامبس بعد ذلك الى ان المعطيات اللغوية تدحض بدورها هذا الادعاء , فيكتب :
“يمكن القبول عند اللزوم –رغم أنه شيء مستبعد- بالإستنتاج المذكور إذا وجد في الألسُنية ما يدعمه و لكن لا شيء من ذلك , مع أن القبائل و الشلوح هم الأكثر استهلاكا للتين و لديهم مفردات غنية متعلقة بالشجرة و ثمارها في جميع أطوار النضج أو التجفيف “.
و هو نفس ما ذهب اليه إميل دوتيه , الذي كتب بدوره ” كلمة آزار أو تازارت شائعة في مختلف اللهجات البربرية تدعم فكرة قدم زراعة التين في بلاد البربر . حتى التوارق يعرفون الصيغة أهار أو تاهارت (الزاي تقلب “هاء” غالبا ) التي توجد كذلك عند الغوانش ساكني جزر الكاناري بصيغة تاهار إنيمان “[1] .
و تذكر المصادر التاريخية ان “كاتون الكبير” الروماني استعمل التين الافريقي في مرافعته الشهيرة أمام مجلس الشيوخ من اجل تدمير المدينة البونيقية . عرض عليهم سلة فيها حبات من التين قائلا أنه قطفها في مدينة قرطاج التي لا تبعد عن روما سوى يومين ثم ختم مرافعته قائلا ” فلتدمّر قرطاج”(Delenda Carthago est) .و في مؤلّفه الفلاحي يذكر كاتون التين الإفريقي (Ficus africanus) الذي تم ادخاله الى إيطاليا و يُعطي نصائح حول زراعته .
فشجرة التين اذن , هي شجرة أهلية في شمال افريقيا كان الأمازيغ يغرسونها منذ قرون و لا فضل للفينيقيين في ذلك .
يوغرطا حنّاشي
[1] Mots et choses berbères , Emile Laoust p.421