العبادة الجنائزية عند الأمازيغ : النوم بجوار الميت (L’incubation)
عادة قديمة إشترك في ممارستها شعوب حوض البحر المتوسط إذ أشار هيرودوت إلى إستعمالها عند شعب “النسامون” في القرن الخامس قبل الميلاد , كما ذكر “بومبنيوس ميلا” أن سكان واحة أوجيلا (ليبيا) كانوا يستشيرون أمواتهم مثل وسيط الوحي عند الإغريق .
تقضي هذه العادة أن ينام الأحياء بجوار قبور أمواتهم قصد إستشارتهم في أمور غيبية متفرقة تتعلق بحياتهم و مستقبلهم , و بالمقابل يتلقى هؤلاء الوحي أو الإجابة عن طريق الأحلام . ذكر مستكشفون غربيون مثل “دوفيريه” و “دو فوكو ” أن هذه الشعيرة كانت تمارس عند نساء الطوارق حيث تنمن بجوار أضرحة الصالحين لإستقصاء الأخبار عند أزواجهن الغائبين .
ظلت هذه العادة تمارس طوال الفترة القديمة و هناك من الباحثين من يرى أنها بقت تُستعمل في بلاد الأمازيغ في الفترة الوسيطة و إلى غاية النصف الأول من القرن الحالي في القباب المدفون فيها الأولياء الصالحون , في بعض المغارات في المغرب (مغارة مولاي يعقوب , إيمي نتاقندوت ..إلخ ) ومنطقة المتيجة في الجزائر .
يقول رابح لحسن أن هذه الشعيرة كانت تُقام في ضريح “تينهنان” و بعض المدافن القديمة , لا سيما في الجثوات الجنائزية ذات المصليات أو المحاريب المنتشرة بكثرة في تافيلالت جنوب المغرب الأقصى , في موريطانيا , فزّان بصحراء ليبيا , بمنطقة ” نڨرين” ببلاد إيشاوين .
من الواضح أيضا انها كانت تمارس في أضرحة “مدغوسا” (أو ما يسمى بلجدار) خاصة بالضريح A و C , ويدل على ذلك مخططها الداخلي الذي يشبه كثيرا المعالم المذكورة أعلاه . إن مثل هذه البناءات تتناسب كثيرا مع عادة النوم فوق القبور , حيث نجد في نص هيرودوت التالي ما يشير إلى ذلك : ” النساميون كانوا يستشيرون أجدادهم حول المستقبل بالنوم فوق مقابرهم , وعندما يريدون القسم على شيء كانوا يضعون يدا على قبر أحد المشهود لهم بالعدل و الخير ” .
مما لا شك فيه أن عادة النوم بجوار الميت جاءت لتعزّز الروابط و تقوي الإتصال بين الاموات و الاحياء , فالاوائل مطالبون بالإستجابة لدعوات مناصريهم في عالم الأحلام , بينما يلتزم الاحياء بالإهتمام أكثر بالعبادة الجنائزية بإقامة الإحتفالات الدينية و تقديم القرابين .
يوغرطا حنّاشي
مراجع :
Rabah Lahcen ,Les mausolées des rois numides et maures
– G. Camps, « Inhumation », in Encyclopédie berbère, 24 | Ida – Issamadanen