ليس من الغريب ولا الشّاذ، أن تطرأ صدامات فكرية تتطوّر إلى اشتباكات جسدية عنيفة، بين فصائل طلّابية في جامعة من جامعات العالم الثالث، وخاصة في منطقة الشمال الإفريقي، وبين فصائل طلابية أحدها آمازيغي تستعمل الأنظمة ووسائل الإعلام العامّة والخاصة المؤدلجة، وتستثمَرُ الأموال القادمة من الشرق الأوسط، في عملية شيطنته. هذا الفصيل الآمازيغي الذي يشكل في آمورنواكوش (المغرب) مركز قوّة للحراك المطلبي والسيّاسي والثقافي والاجتماعي الآمازيغي، ويعبّر بوضوح عن تزايد الوعي وتهيكل النشاط الآمازيغي في هذا البلد عكس بقية بلدان الشمال الإفريقي كــ”دزاير” مثلا؛ التي لا يزال النشاط فيها حكرا على أحزاب سياسية أو جمعيات “فولكلورية”.
في مقابل هذا الفصيل الطلّابي الذي هو الجناح الجامعي الشبابي لحراك ثقافي، تتميّز مطالبه في غالبها بكونها ثقافية بالدرجة الأولى، متعلّقة باللغة والثقافة والتّاريخ الآمازيغي، ذات انعكاسات اجتماعية بالضرورة، تنادي بحقوق مناطق وفئات بعينها في الشّعب المغربي، وذات تجلّيات سياسية علمانية في كثير من الأحيان. تجلّياتٌ سياسية وضعت الحراك الثقافي الآمازيغي في موقع المواجهة مع كثير من التيّارات الظلامية والانفصالية على رأسها الإسلاميّون والبعثيّون العلمانيّون الذين يتّفقون بغرابة، رغم اختلافهم المفصلي والأصولي، على عداوة الآمازيغية والآمازيغيين Les amazighistes ويمارسون عداوتهم تلك بكراهية لا مثيل لها، نفس الكراهية التي تميّزت بها خطابات أنوية الكولون (المستوطنين) الفرنسيين ضدّ أنوية المقاومة السياسية والعسكرية من أجل الاستقلال إبّان حقبة الاحتلال الفرنسي، بل ونفس الموقع تتخّذه تلك التيّارات، من الآمازيغ أصحاب الأرض.
فصيلٌ طلّابي، تعرّض أفرادٌ منه بجامعة مرّاكش هذا الأسبوع إلى اعتداءات بالاسلحة البيضاء، داخل الحرم الجامعيّ من طرف أفراد محسوبين على منظّمة انفصاليّة مسلَّحة (البوليزاريو)، مشهورين برفع خطاباتها والنشاط تحت لوائها، أمام مرأى ومسمع من السلطات المغربية، التي لا أدري ما موقفها أصلا من الأمر، وأيُّ التيّارين يستدعي الحزم والشدّة في التّعامل، التيّار الآمازيغي “الثقافي” ذي المطالب “الثقافية أو المنظمّة الانفصالية المسلّحة؟
نتيجة الاعتداء كانت جرحى وقتيلا، هو الشّهيد : إيزّم، الذي يبدو أنّه نجح أخيرا في توحيد صفوف نشطاء الحراك الثقافي الآمازيغي في آمورنواكوش. مكسبُ يبدو أنّ على شباب ثيموزغا أن يضحّوا بأرواحهم من أجله، بينما تعيث الحركات السرطانية المدعومة لصالح أجندات وحسابات سياسية دخيلة على الشّمال الإفريقي فسادا في أرض الآمازيغ، وتتقاتل أنظمتهم العروبية فيما بينها، أيّها أوفى لمبادئ عفلق وأيّهما أكثر طاعة للقوى الكبرى. مواجهةٌ دامية لم يكن لها من داعٍ تلك التي حدثت بين طرفين مختلفين جذريّا ومنهجيّا، غير متكافئين هيكليّا ولا إيديولوجيّا؛ بين الجناح الجامعي حراك ثقافي، والذراع الشبابية لمنظّمة انفصالية مسلّحة، لا يجبُ أن يتاح لها المجال أصلا لدخول المعترك الجامعي، ولكن …
للسلطة في المغرب حسابات أخرى أظنّ! فالسكوت الإعلامي والسيّاسي الرّسمي والغياب التّام لأيّ نوع من المتابعة والعقاب، يبدو أنه الموقف الرّسمي. كما يبدوا أنّ حياة الشّاب “عمر خالق” لا تهمّ كثيرا، أولئك الذّين يقدّمون لأفراد الحركات الانفصالية المسلّحة امتيازات وتسهيلات في الأوساط الجامعية، وبعد الحياة الجامعية، بينما يعاني شباب الحراك الآمازيغي من كلّ أنواع المضايقات من الفصائل الظلامية والرجعية، ومن السلطة نفسها. هذا وإلى أن تتكافأ الكفّتان بين الثقافة المقموعة والعمل المسلّح المتغاضى عنه، سيدفع شباب الحراك الآمازيغي في آمور نواكوش أثمانا باهضة لقاء التزامهم بسلمية القضية، التي يجب أن تبقى وحدها المعيار الضّابط لنضالاتهم المثمرة عاجلا أم آجلا.
فلترقد روح “إيزّم” بسلام، والمجد والخلود لهذه الأرض الطاهرة وأبنائها.
دمتم أحرارا.
ڨاسمي فؤاد