الخطاب المتجاوز الذي يكرس العداء للأمازيغية في حيز النخب المتسلطة استدعى في لحظة الاعتراف الرسمي تواكلا مفرطا على نفس السلط للأخذ بالأمازيغية الى مصاف الرسمنة الفعلية و التعميم العضوي و فك كل المشاكل الموروثة عبر حقب متتالية .
و دائما و كالعادة الحديث في الإطار الشاوي هو الغالب على الطرح مع تعميمات استثنائية ,فعملية التواكل جعلت الأمازيغية في بلاد ايشاوين تراوح مكانها في الربيع عاجزة و مقيدة عن بلوغ مواسم الحصاد ,فالجدل الدائر و المثير غالبا للعداوات البينية في خيار ابجدية التدوين لا يخرج من اطار الاستجداء العمودي مثله مثل الحيز الواجب احترامه لثشاويت كلغة او كمتغير حسب المصطلحات المؤدلجة غالبا ,و دون سخرية ,نفس الشيء مرصود مع الحضور الاعلامي و الثقافي ,فلغة غير منتجة تقصيرا من نخبها ينتظر لها الحضور و البروز كباقي اللغات و هذا كله بقرار سياسي يوفر الكوادر تقنيا و اقتصاديا و كأن خلق المبدع الشاوي أدبيا اعلاميا و أكاديميا يندرج في صلاحيات المؤسسات السياسية و قدراتها فقط .
الجذور المؤسسة للتواكلية
ومتناسين دورنا كحق و رغبة ذاتية للتمكين الابداعي للغتنا لننتظر عصى السلطة من أجل فلق البحر بعد ان كانت تستهدف العجلة و هذا الأمر ناتج كما بدأنا بتحميل السلطة المسؤولية الأخلاقية تجاه الأمازيغية بسبب ماضيها المعادي و هذا عند المتواكلين الرومانسيين و هم قلة نادرة أما السبب الثاني و الأكثر شيوعا هو ثقافة التواكل العامة التي يعيشها الشاوي و التي استمر تأثيرها في عقول الناشطين و الراجعة لأسباب و ظروف تاريخية تواصلت مع القضاء على كل أشكال النخب المنتجة للقيم و المردودات الاجتماعية و الاقتصادية و تفكيك البنية السوسيو سياسية لبلاد ايشاوين لإذابة ايشاوين كأفراد لا ككتل ديموغرافية بكل توابعها و محمولاتها في الدولة الوطنية الوارثة الشرعية و الوفية لليعقوبية الفرنسية المدعمة بتوجه سياسي أبوسي متسلطة بتبريرات ثورية على شاكلة نظم الكتلة الشرقية .
أي التدمير الممنهج لكيانات ايشاوين الجماعية و الزج بهم في قطعانية شعارتية بأسلوبين متزاوجين من أعتى النظم المتوافرة للاستقطاب المركزي الثقافي و السياسي و كسر الخصوصيات و خلق تبعية الرعايا و الجموع بدل خلق خيار المواطنين و الشعوب مما جعل الشاوي كفرخ العصفور فاتحا فمه خارج العش بانتظار العناية الفوقية دائما غير مؤمن بقدرته التي لم يجد يوما مجالا ليرى فاعليتها بل كل منفذ يتاح عرضيا يغلق مباشرة باليد العليا للنخب المتسلطة .
قد يعذر جموع ايشاوين لظروف تاريخية لكن ان تنسحب نفس الذهنية على الفاعلين الثقافيين تكون المأساة ,فعندما يستقيل الشعب يصير قطيعا أما حين يستقيل المثقف يصير كلب حراسة مأجور أو متطوع عند الذئاب الراعية للقطيع .
صناعة نخب أو الانتحار التاريخي
عند ايشاوين دائما و أبدا ما كانت النخب صناعة عسكرية أي أن المنتصر في الحرب هو من يملك الشرعية و هذا ما كرس بطرق إلتوائية بعد الاستقلال من أجل خلق نخب جديدة قضت على النخب التقليدية لتبرز هي بدعم فوقي تحت اسم الاسرة الثورية و المعروف دورها في التدجين الثقافي و السياسي لإيشاوين لكن و بعد شبه انقراض لهذه النخب تحت حتمية مسارات الزمن و بعد تفويت فرصة تعويضها بمقاومي العشرية الدامية بل و تصفيتهم كشريحة حصلت القطيعة مع الاساليب الاجتماعية القديمة لافراز النخب مما فتح الباب امام الفوضى صحيح و هذا ملاحظ ملاحظة عينية لكن الفوضى كانت للتزاحم من اجل ملأ الفراغ و هي في الحقيقة فرصة لصناعة المراجع المحلية و ابراز نخب ثقافية حقيقية غير معسكرة و لا مدعومة فوقيا الا ان هيمنة التواكل على كل مشاريع الناشطين الثقافيين ان كانت هناك مشاريع اصلا ما يترك الفراغ للفوضى فالمتزاحمين على الآفاق الشاوية يمثلون غالبا نزعات استلابية متفرعة أغلبها ان لم نقل جلها من النزعة العربو اسلامية مع بهارات فايسبوكية من النسخة الشاوية للبروبرو .
و كما حدث في التسعينيات من القرن الماضي لحظة مفترق الطرق المعروف اضطررنا للاعتماد على الاسرة الثورية الممثلة لنقيض كل نضالاتنا من أجل هيكلة مقاومة الارهاب قد نضطر في مرحلة حاسمة قادمة الاعتماد على من هم أسوأ لمقاومة النزعات التدميرية المتربصة و سيكون خيارا مأساويا ان حدث فأن يعيد التاريخ نفسه مرتين و أن نلدغ من الجحر مرتين و أن نعبر عن عجزنا عند كل منعطف تاريخي حاسم يعني أن انقراضنا واجب و طني و هو آخر فضيلة متاحة لنا ,لذا فيجب ان نعرف الكتف التي تؤكل و من اين تؤكل و أن نسعى لأكلها لا أن ننتظر أن توضع في بطوننا من حيث ما وافق .
ملحق المفترض المأمول
و الحديث عن مشكل المتلقي و المتأثر من الجموع سابق عن أوانه في ظرفيتنا فغياب المؤثر المحلي الهوى و الهوية ما يجب التركيز عليه ,صحيح قد تكون الاشكاليتين عضويتا الترابط لكن لا يمكن الخوض في الأولى مع شبه انعدام تجارب حتى الفاشلة منها ,و أكيد أن الفشل سيكون الحليف الدائم لأي تجربة قادمة خاضعة لنفس “المناهج” و الظروف أما في حال نشوء نهضة ابداعية شاوية كمشروع عند بعض الناشطين فأكيد لن تكون ربحية الجدوى بل تستلزم مجرد مواصلة نضال و تضحيات في مسارات جديدة و نجاح هذه النهضة لا يقتصر على و جود النخب المنتجة ثقافيا بل النشاط الجمعوي و الاعلامي المكثف ضرورة ,و بما أن التهيكل حتى في إطار القانون هو اجراءات ادارية شكلية بعيدة عن تنظيم و تكوين الأفراد في بنى فاعلة و هذا تبعا للمنظومة السائدة المفككة لكل الاطر الجماعية لإيشاوين لكن فعل المقاومة الواعي هو ما يجب أن يسود أي مقاومة المنظومة لا القانون أما إعلاميا فيجب تجاوز فكرة الإعلام التقليدي للهيمنة المباشرة للمركز على المؤسسات العامة و النزعة الاستلابية أو الجهوية للخواص و بما أن لا مستثمر شاوي ذو نزعة انتمائية لكيان جهوي أو اثني محلي قد يمول مشروع كهذا لعدم الشعور الانتمائي أصلا و هو العام او لحسابات ربحية او لدواعي محسوبيات ضرورية لمواصلة نشاطاته الاقتصادية ,لذا يبقى الاعلام البديل و أنا لا أقصد الصفحات الشخصية في الفايسبوك بل أقصد المواقع المتخصصة و القنوات المسوقة باحترافية تقنية و موضوعية أي أن أي مشروع ثقافي يكرس ثشاويث لا يمكن أن يكون فردي و لا جماعي بالمفهوم التقليدي بل تكاملي بين عدة مستويات من النشاط بنزعة نضالية مؤهلة في مجالاتها ,يعني أن القطاف و موسمه يستلزم نشاطا نضاليا بآليات مجدية أي أن الفاعل الثقافي ذو النزعة النضالية هو من قد يحرك الأمور بإرادة ذاتية محضة .
خاتمة
وأخيرا حديثنا في الملحق لا يمكن اتخاذه كمبرر ما للركود العام الحاصل فكما نلاحظ و تؤكد الساحة فالعقلية التواكلية مستمرة من المنبع أي من المثقفين النائين بأنفسهم عن أي فعل بل و حتى رد الفعل الابداعي مكتفين بالاستجداء المغلف بالخيار المطلبي منتهي الصلاحية معفين أنفسهم من مسؤولياتهم و دورهم الريادي المفترض متحملين ولو معنويا وزر مآسينا و تبعاتها من غزوات أجنبية ممنهجة و ذات استراتيجيات عابرة للحدود أو شعبويات محلية ذات تأثيرات سلبية ان لم تكن مدمرة و المتشرنقة في مظلومية تاريخية لم ننكرها لكن كان من الأجدى أن نتعلم درسها و نتجاوزها لحاضر بأفق مفتوح على كل الإحتمالات . و أما عن مسببات الذهنية التواكلية تاريخيا فالتمرد الذهني المصاحب آليا لفكرة النضال هو الكفيل بتفكيكها فرديا عند الناشطين قصد نشرها كأحد محمولات النشاط الثقافي أفقيا أو إنتظار القدر التاريخي ذو الارهاصات الغير مبشرة .)
موح ترّي
هذا المقال يأتي تكلمة لمقالين تجدونهم هنا و هنا