قرأت مقال الأستاذ عبد السلام بنعيسي وعنوانه “سجال حول الحرف المناسب لكتابة الأمازيغية” الذي رد فيه على مقالي السابق وعنوانه “يجب على اللغة الأمازيغية أن تغزو الحرف اللاتيني“. فشكرا لك يا أستاذ عبد السلام بنعيسي على مجهودك ووقتك الذي أنفقته في هذا الموضوع المهم. ومرحبا بالحوار معك.
سأرد في هذا المقال على أهم النقط الخلافية التي أوردها الأستاذ عبد السلام بنعيسي في مقاله حول موضوع حرف تدريس وترسيم الأمازيغية.
1) “غزو الأمازيغية للحرف اللاتيني”:
قال الأستاذ بنعيسي: “… الأمازيغية، إذا تمت الموافقة على كتابتها بالحرف اللاتيني، كما يقترح الأستاذ بلقاسم، ستستعير هذا الحرف الغريب عنها، لتُكتب بواسطته، إنها ستلجأ إليه توسلا للانتشار بين الجمهور، فهي التي في حاجة إليه، وهو الذي سيغزوها في عقر دارها”.
– ردي عليه: الذي شرحته في مقالي السابق هو أنه يجب على الأمازيغية أن تكتب وتدرس وترسم في المغرب بالحرف اللاتيني لكي تغزو (لكي تنتشر في) مجال الحرف اللاتيني الذي تحتكره الفرنسية في المغرب. المعلوم أنه يوجد في المغرب مجال للحرف اللاتيني تسيطر عليه الفرنسية وتلعب فيه الفرنسية دور الوسيط (السمسار) بين المغرب والعالم المتقدم (الناطق بالإنجليزية). إذن يجب على الأمازيغية أن تغزو مجال الحرف اللاتيني لكي تزاحم ثم تطرد الهيمنة الفرنسية من المغرب.
عندما تقتحم الأمازيغية مجال الحرف اللاتيني وتغزوه فستتمكن الأمازيغية من طرد هذا السمسار الفرنسي الذي يقتات على المغرب.
أما إذا بقي مجال الحرف اللاتيني محتكرا من طرف الفرنسية في المغرب فالهيمنة الفرنسية ستستمر في المغرب إلى الأبد أو إلى أجل غير مسمى، خصوصا وأن العربية قد فشلت فشلا ذريعا في إخراج الفرنسية من المغرب رغم الترسيم والدعم الضخم الذي تمتعت به العربية من طرف الدولة. وإذا كتبنا الأمازيغية بالحرف العربي أو بحرف ثيفيناغ فقط وحرمناها من الحرف اللاتيني فالأمازيغية ستكرر تجربة العربية فقط لا غير، وستفشل الأمازيغية كما فشلت العربية في طرد الهيمنة الفرنسية. بل إن سطوة الفرنسية تصاعدت في المغرب في العقود الأخيرة. وها هي الدولة المغربية تحاول الآن إدخال الفرنسية في التعليم الأولي (الروض) وتريد جعل الفرنسية لغة تدريس في كل المستويات. وهذا كله سيؤدي إلى فرنسة عميقة للشعب المغربي وإبادة الأمازيغية عن آخرها وتحويل الفرنسية إلى “لغة أم” للمغاربة مثلما تحولت الفرنسية إلى لغة أم لسكان دولة هايتي Haiti مثلا.
نعم، الأمازيغية تحتاج إلى الحرف اللاتيني لكي يخدمها وينشرها في المغرب والعالم. الهدف من الحرف هو خدمة اللغة ونشرها. الخادم الأفضل للأمازيغية في الظروف الحالية هو الحرف اللاتيني.
ورغم أن موضوع الهوية منفصل تماما عن موضوع الحرف إلا أنني أريد أن أشير للأستاذ بنعيسي إلى أن المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا هي أجزاء من الأمازيغية ومن العالم الأمازيغي. فالأمازيغية أقدم من كل هذه الدول بآلاف السنين. وعندما كان سكان شمال أفريقيا يتكلمون الأمازيغية قديما منذ آلاف السنين لم يكن هناك شيء اسمه “مغرب” ولا “جزائر” ولا “موريتانيا”، ولم يكن هناك شيء اسمه “إسلام” ولا “مسيحية” ولا “يهودية”، ولم يكن للعربية ولا للعبرية ولا للفرنسية وجود في شمال أفريقيا. أما وجود العربية والعبرية والفرنسية بالمغرب حاليا فهو وجود كلغة وكثقافة وليس كهوية تاريخية أصلية. وهذا الكلام قد لا يروق للبعض ولكنه الحقيقة التاريخية.
2) الحرف اللاتيني أقرب إلى الأمازيغية والمغرب من الحرف العربي:
الحرف اللاتيني أقرب إلى الأمازيغية والمغرب من الحرف العربي. فالحرف اللاتيني أقرب إلى بلاد الأمازيغ جغرافيا من حيث القرب لأوروبا. والأمازيغ عرفوا الحرف اللاتيني منذ أزيد من 2000 عام خلت، قبل أن يعرفوا الحرف العربي. وفي العصر الحديث، الغالبية الساحقة من الأدب الأمازيغي والقواميس والدراسات اللغوية الأمازيغية مطبوعة بالحرف اللاتيني في المغرب والجزائر. إذن فالحرف اللاتيني أقرب إلى الأمازيغية وإلى المغرب تاريخيا وجغرافيا وأدبيا وأكاديميا من الحرف العربي.
الحرف اللاتيني دخل إلى المغرب مع الاستعمار الروماني ثم الإسباني والفرنسي. وكذلك الحرف العربي دخل إلى المغرب مع الاستعمار الأموي. فالحرفان كلاهما من أصل استعماري أجنبي. ولكن نحن اليوم تجاوزنا هذه الأمور. وننظر إلى الأمر من زاوية المصلحة المغربية والأمازيغية.
فدول إندونيسيا وماليزيا وتركيا وتانزانيا وكينيا اختارت في القرن العشرين التخلي عن الحرف العربي واستعمال الحرف اللاتيني لكتابة لغاتها الوطنية الرسمية رغم حروبها مع الأوروبيين وتعرضها للاحتلال الأوروبي. وتستعد كازاخستان حاليا للانتقال من الحرف الروسي إلى الحرف اللاتيني.
ما الذي يفعله الحرف اللاتيني في أقاصي إندونيسيا البعيدة كل البعد عن أوروبا؟! الإندونيسيون اختاروه لمصلحة لغتهم وبلدهم. وبالمناسبة، فإندونيسيا تملك حروفا قديمة خاصة بها وهي Kawi alphabet وPallava alphabet وتوجد في إندونيسيا نقوش حجرية قديمة بتلك الحروف. وكان الحرف العربي قد انتشر فيها خلال الفترة الإسلامية. وفي عام 1947 بعد استقلال إندونيسيا عن الاستعمار الهولندي قررت وزارة التعليم الإندونيسية كتابة وتدريس اللغة الإندونيسية بالحرف اللاتيني.
3) رفض الأدلة الدامغة التي أقدمها:
قال الأستاذ بنعيسي: “… فإنني لن أناقش الأستاذ بلقاسم في ما أسماه إحدى عشر حجة علمية وتقنية لصالح كتابة وتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني، وضد كتابتها بالحرف العربي، ساقها في مقاله، فبالنسبة له الحرف العربي غير صالح لكتابة الأمازيغية ولتدريسها، ونقطة على السطر، وبإمكانه، نتيجة لهذا الحكم الذي عنده في ذهنه عن الحرف العربي، أن يسرد، كما قال، مئات أو آلاف الحجج على عدم صلاحيته لكتابة الأمازيغية، ولا أحد سيمنعه من أن يفعل، فما دام الهدف الاستراتيجي مرسوما، ألا وهو عدم قبول كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، فإن أي حجة، مهما كانت طبيعتها، يمكنها أن تصبح صالحة لتبرير الهدف المرسوم”.
– ردي عليه: طيب. إذا أنا قدمت له الحجج والدلائل رَفَضَ مناقشتها، وإذا لم أقدمها له طَالَبَ بها! فكيف سنتفاهم إذن؟!
أنا أقدم الدلائل والحجج للأستاذ بنعيسي ولكنه يرفض مناقشتها ويقول بأن الهدف مرسوم في ذهني مسبقا. وإذا لم أقدم له الدلائل والحجج اشتكى الأستاذ من أنني لم أقدم أية دلائل أو حجج تدعم مزاعمي!
يجب أن يتذكر الأستاذ بنعيسي أنه طرح سؤالا في مقاله الأسبق يقول: “بماذا سيضر الأمازيغية فيما لو أنها كتبت بالحرف العربي، وصارت تُدرَّس بواسطته؟”
ها أنا قد قدمت له وللقراء الجواب على سؤاله بـ 11 حجة واضحة وبسيطة ومشروحة تبين أن استخدام الحرف العربي في تدريس وترسيم الأمازيغية سيضر بالأمازيغية، وأنه يوجد حرف أفضل بكثير لهذه المهمة ألا هو الحرف اللاتيني.
الحجج والأدلة موجودة ومشروحة وموضوعة على الطاولة. وإذا رفض الأستاذ بنعيسي أن يناقشها ويرد عليها فهذا يعني أن تلك الحجج ما زالت صالحة وقائمة لم تتعرض لأي دحض.
وواحدة من الحجج التي قدمتها في مقالي هي عن مشكل “الكتابة الأبجدية” المختصرة القزمية الكسولة وعن مشكل الحركات الشكلية العربية (الفتحة، الضمة، الشدة، السكون…)، وكيف أن الأمازيغية ستكون تحت رحمة تلك الشكلات الصغيرة المجهرية التي تتسبب في الفوضى الإملائية. وقدمت مثالا بسيطا جدا حول كيف أن الحرف العربي يكتب كلمة أمازيغية بسيطة مثل Tamaziɣt بـ16 طريقة مختلفة ومتضاربة (وكلها تعتبر صالحة في عرف مستخدمي الحرف العربي):
تامازيغْتْ، تامَزِيغْتْ، تامَزِغْتْ، تَمَزِغْتْ، تَمازِغْتْ، تَمازيغْتْ، تامازِغْتْ، تَمَزيغْتْ.
تامازيغت، تامزيغت، تامزغت، تمزغت، تمازغت، تمازيغت، تامازغت، تمزيغت.
وهذا التضارب الإملائي الفوضوي الذي يتسبب فيه استخدام الحرف العربي يسري على عشرات الآلاف من الكلمات الأمازيغية وسيتسبب في فوضى عارمة ستضر بفعالية تدريس الأمازيغية.
4) “الهدف الاستراتيجي المرسوم في ذهني”:
قال الأستاذ بنعيسي: “… فبالنسبة له الحرف العربي غير صالح لكتابة الأمازيغية ولتدريسها، ونقطة على السطر، […] فما دام الهدف الاستراتيجي مرسوما، ألا وهو عدم قبول كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، فإن أي حجة، مهما كانت طبيعتها، يمكنها أن تصبح صالحة لتبرير الهدف المرسوم”.
– ردي عليه: مفاد كلام الأستاذ بنعيسي هو أن لي هدفا استراتيجيا مسبقا مرسوما في ذهني ألا وهو منع كتابة الأمازيغية بالحرف العربي مما يجعلني ألوي عنق الحقائق في سبيل ترويج أطروحتي.
(هذا الاتهام لا يضايقني إطلاقا بل أجده طريفا جدا).
ولا أرى في محاكمة النوايا هذه إلا وسيلة للتهرب من مناقشة حججي الواضحة.
ثم ألا يمكن لأي شخص أن يقول نفس الشيء بشكل معكوس عن الأستاذ بنعيسي وكل من يريد كتابة الأمازيغية بالحرف العربي أو بأي حرف آخر؟! فبنفس الطريقة يمكن لأي شخص أن يزعم بأن الأستاذ بنعيسي “لديه هدف مرسوم مسبقا في ذهنه وهو أن تكون الأمازيغية مكتوبة بالحرف العربي وتابعة للغة للعربية لكي تكون للعربية الكلمة العليا في المغرب…إلخ”.
طبعا أنا لا أتهم الأستاذ بهذا، ولكن العملة الوحيدة الصالحة للتعامل في هذه الأمور هو مناقشة الحجة بالحجة والدليل العلمي العقلي بالدليل العلمي العقلي. وما عدا ذلك ليس سوى انطباعات شخصية.
فأنا على الأقل قدمت 11 حجة تقنية علمية واضحة تدعم أطروحتي حول الحرف اللاتيني ودحضت مزاعم الأستاذ السابقة حول “دستورية الحرف العربي” وحول أن “اللاتيني أكثر أجنبية من الحرف العربي”. أما الأستاذ بنعيسي فقد رفض الرد على حججي التقنية العلمية ولم يأت بأية حجج موضوعية تقنية علمية تبرهن على أن الحرف العربي يكتب الأمازيغية أحسن من الحرف اللاتيني أو أن الحرف العربي أنفع للأمازيغية.
وحجة الأستاذ بنعيسي بأن الحرف العربي يقرّب الأمازيغية من كل المغاربة مردود عليها بأن الحرف اللاتيني يقرب الأمازيغية من كل المغاربة والسياح والأجانب داخل وخارج المغرب.
5) الحرفان اللاتيني والعربي في تاريخ الأمازيغ والترك والإندونيسيين:
وقال الأستاذ بنعيسي: “… الحرف العربي ظل سائدا على أيدي الممالك الأمازيغية الإسلامية، فلا أحد كان يُجبر هؤلاء السلاطين على الكتابة بالحرف العربي.”
– ردي عليه: لم يقل أحد أن السلاطين الأمازيغ كانوا مجبرين على الكتابة بالحرف العربي. فهؤلاء السلاطين استخدموا الحرف العربي والعربية والإسلام والتحالف مع رجال الدين بجانب العصبية القبلية الأمازيغية (الزناتية، المصمودية، الصنهاجية…) كأدوات للاستيلاء على السلطة وتوريثها لأولادهم.
الحرف العربي كان مستخدما من طرف الدول الأمازيغية الإسلامية في المغرب وثامازغا، مثلما كان هذا الحرف العربي أيضا مستخدما من طرف الإمارات الإسلامية في بلاد الأتراك والماليزيين والإندونيسيين والأزربيجانيين والتركمانستانيين والأوزبكيين. وكلهم تخلوا اليوم عن الحرف العربي وقرروا استخدام الحرف اللاتيني في كتابة وتدريس لغاتهم الوطنية الرسمية.
وقبل الفترة الإسلامية بكثير كان الأمازيغ المسيحيون في بعض الإمارات الأمازيغية المسيحية يكتبون ويقرأون باللاتينية وبالحرف اللاتيني في المجال الديني المسيحي (الإنجيل اللاتيني) وفي تعاملاتهم مع الرومان والبيزنطيين. وتوجد لدينا كلمات أمازيغية دينية ذات طابع مسيحي واضح وذات أصل لاتيني مثل الكلمة الأمازيغية abekkaḍ (الخطيئة، الجريمة) من اللاتينية peccatum، والكلمة الأمازيغية adaymun (الشيطان) من اللاتينية daemon، والكلمة الأمازيغية anejlus أو aneglus (المَلاك) من اللاتينية angelus، والكلمة الأمازيغية tafaska (العيد الديني) من اللاتينية pascha.
6) المغربي يتعرف بسهولة على الأمازيغية المكتوبة بالحرف اللاتيني:
يقول الأستاذ بنعيسي: “… نعم أنا مغربي، وتهمني اللغة الأمازيغية ومصلحتها، ولذلك أظن أن الحرف العربي هو الأقرب إليها تاريخا وثقافة وإنسانا”.
– ردي عليه: تاريخيا الحرف اللاتيني أقدم وجودا بالمغرب من الحرف العربي. والحرف العربي انتشر بالمغرب تحت عباءة الإسلام ولم ينتشر لسبب ذاتي خاص بالعرب أو بالعربية. فلولا الإسلام لما كان بالمغرب أي وجود للعربية ولا للحرف العربي. وحاليا الحرفان اللاتيني والعربي منتشران في المغرب بشكل متساو مع أفضلية للحرف اللاتيني من حيث النفوذ الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بالمغرب. وثقافيا، المغرب حاليا متعدد ثقافيا وفيه ثقافات أمازيغية وعربية وإسلامية وغربية وفرنكوفونية ومسيحية ويهودية وأندلسية وإسبانية.
يقول الأستاذ بنعيسي: “… وهو [أي الحرف العربي] المؤهل لكتابتها [أي الأمازيغية] وللحفاظ عليها لغة وطنية”.
– ردي عليه: كيف عرف الأستاذ بنعيسي أن الحرف العربي مؤهل لكتابة الأمازيغية أكثر من الحرف اللاتيني؟ ما هي المؤهلات التقنية لهذا الحرف التي تجعله متفوقا على غيره؟ أين الدلائل على هذا الزعم؟ لقد قدمت للأستاذ بنعيسي 11 حجة تقنية مشروحة تدل على أن الحرف العربي غير مؤهل لكتابة الأمازيغية كتابة دقيقة وسهلة وفعالة وأن الحرف اللاتيني متفوق عليه بكثير في هذا المجال.
ويقول الأستاذ بنعيسي: “… لأنه إذا تمت كتابتها [أي الأمازيغية] بالحرف اللاتيني، أظن صادقا مع نفسي، أنها ستصبح لغة غريبة عني، ستتحول إلى لغة مرتبطة بالحرف الذي يقدمها لي بين ثناياه، وبماذا سأميزها عن الفرنسية، أو الإسبانية، أو الإنجليزية”.
– ردي عليه: الأستاذ بنعيسي دخل إلى مجال الظن والأحاسيس والانطباعات الشخصية وهذا مجال لا دخل لي فيه. ومن حقه طبعا أن يظن ويتصور وتكون لديه انطباعات شخصية ولكن هذا ليس حجة ولا دليلا على أي شيء. فنحن هنا نتناقش بالحجج والدلائل والبراهين التقنية والعلمية.
إذا وضعنا أمام أي مغربي بمستوى الإعدادي أو الثانوي نصا إنجليزيا ونصا فرنسيا ونصا إسبانيا وكلها بالحرف اللاتيني فأنا أجزم بأنه سيميز بسهولة بين النص الإنجليزي والفرنسي والإسباني رغم كونها لغات أوروبية متقاربة ومتشابهة الكلمات، فما بالك بتمييز النص الأمازيغي المكتوب بالحرف اللاتيني عن الإنجليزية والفرنسية والإسبانية ونحن نعلم الاختلاف الشديد بين الأمازيغية واللغات الأوروبية.
فالمواطن التركي في تركيا مثلا لا يجد أية صعوبة في التمييز بين لغته التركية المكتوبة واللغة الإنجليزية المكتوبة رغم كونهما مكتوبتين بالحرف اللاتيني.
وإذا وجد الأستاذ بنعيسي هذه العبارة الأمازيغية أمامه مثلا:
Aɣerbaz Amuran en Tmestagt ed Usefrek
(اختصارا: Ɣ.M.M.S)
فأنا متأكد من أنه سيستطيع فورا وبسهولة أن يعرف أنها ليست عبارة فرنسية ولا إسبانية ولا إنجليزية لأنه يستطيع التعرف على حروف الكلمات ولو لم يفهمها، وسيستنتج بسرعة أنها أمازيغية.
أما إذا أراد أن يعرف معنى الجملة فسيكون عليه أن يفسر كلماتها مستعينا برصيده المعرفي. وإذا لم يفهم كلماتها فسيستعين بقاموس أمازيغي، أو قد يسأل شخصا عارفا باللغة الأمازيغية.
(معنى العبارة: المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير).
فالمغربي يستطيع بسهولة أن يتعرف على نص أمازيغي مكتوب بالحرف اللاتيني لأن أسلوب الكتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني وجرسها النطقي لا تخطئه عين ولا أذن المغربي.
اسأل أي مغربي عن جنسية هذه الكلمة Tamestagt وسيقول لك بسرعة “إنها أمازيغية!” حتى لو لم يعرف أن معناها هو “التجارة”. فالجرس النطقي أو الموسيقي لكلمة Tamestagt أمازيغي فريد من نوعه في العالم. وكتابة تلك الكلمة بالحرف اللاتيني لا تخفي حقيقتها عن أي مغربي أصيل.
7) الأميون في الأمازيغية والأميون في العربية:
يقول الأستاذ بنعيسي: “… نحن هنا أمام عقلية لا أريكم إلا ما أرى، فالضالعون في الأمازيغية الذين هم كلهم أمازيغ، هم الذين يحقُّ لهم لوحدهم دون غيرهم تناول موضوع الأمازيغية لغة وحرف كتابة، كل من لم يكن منهم، لا يجوز له الحديث عن هذا الموضوع، أو الاقتراب منه، لأنه أمي في الأمازيغية.”
– ردي عليه: لا أحد يمنع الأستاذ ولا بقية المغاربة من الخوض في الأمازيغية واقتراح الحلول. ولا أحد يمنعهم من تعلم الأمازيغية. فالإنترنيت تعج بالكتب والقواميس المجانية لتعلم الأمازيغية. ولكن من يقترح شيئا بخصوص كيفية تدريس وترسيم الأمازيغية يجب أن يقدم حججا تقنية وعلمية لا أن يقدم تبريرات أيديولوجية ودينية. معظم الشعب المغربي والبرلمانيين والسياسيين هم فعلا أميون في الأمازيغية لا يعرفون كتابتها ولا قراءتها. ومن يريد منهم أن يدلي برأيه في حرف كتابة الأمازيغية فعليه أن يكون رأيه مؤسسا على حجج علمية وتقنية أمازيغية نستطيع أن نتناقش فيها معه. أما الحجج الأيديولوجية والدينية والميولات المزاجية الشخصية فهي غير صالحة في موضوع الأمازيغية.
ولا أظن أن الأستاذ بنعيسي سيفرح كثيرا إذا تم فتح الباب أمام الأميين في العربية ليحددوا حرف كتابتها أو طريقة تدريسها وترسيمها وتطويرها بالاستفتاءات الشعبية والمهرجانات الغوغائية والفتاوى الدينية، وإنما سيفضل الأستاذ مناقشة مشاكل العربية بالطرق العلمية والتقنية بمشاركة جميع من له رأي علمي ومنهجي. فالشرط الأول هو أن يكون الشخص عارفا بموضوع النقاش وجوانبه العلمية والتقنية لا أن يأتي ببضاعته الأيديولوجية والدينية والسياسية والمزاجية الشخصية ليقحمها في الموضوع.
ويقول الأستاذ بنعيسي: “… فإذن على هذا المنوال، الشعب أمي في السياسة، وفي الاقتصاد، والاجتماع، وفي الثقافة، والإعلام، وفي الدستور.. فلا يجوز له، طبقا لهذا المنطق، الحديث في مثل هذه المواضيع التي هي من اختصاص الجهابذة والمفكرين العظام”.
– ردي عليه: الأستاذ بنعيسي يقوم بقياس خاطئ. الأمازيغية لغة لها قاموس ونحو وصرف ونطق وإملاء. هناك من يعلمها وهناك من يجهلها. فإما أنك تعرف الأمازيغية وإما أنك لا تعرفها. وإذا كنت لا تعرفها فأنا أشجعك على تعلمها أو على الأقل على تعلم بعض جوانبها. الباب ليس مسدودا على الأميين في الأمازيغية. الباب دائما مفتوح على الأميين في الأمازيغية لتعلمها بالكتب والقواميس المتوفرة.
أما السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والإعلام والدستور فهي مواضيع فضفاضة ومختلفة وليست لغات دقيقة. السياسة ليست جسما واحدا متجانسا كاللغة. وإنما السياسة مجال متشعب بين الشعب والدولة والملك والوزراء والبوليس والمخابرات والجيش والمحاكم والبرلمانيين والأحزاب والانتخابات والنظريات السياسية والممارسة اليومية. والمواطن المغربي المتعلم أو الأمي حين يخوض في السياسة فهو قد يصوت في الانتخابات لنائب برلماني أو رئيس بلدية في موسم انتخابي ثم قد يغير رأيه فيصوت لشخص آخر أو حزب آخر في الانتخابات الموالية. وهكذا دواليك. وهذا التقلب الفجائي العشوائي المزاجي لا يوجد في اللغة. فاللغة شيء متجانس ودقيق ولا مقارنة بينها وبين السياسة أو الاقتصاد.
8) لماذا يتهافت بعض المغاربة على الحرف اللاتيني للفرنسية ويرفضونه للأمازيغية؟
وقال الأستاذ بنعيسي: “… حقيقة أنا شخصيا لا أفهم قول الأستاذ بلقاسم: ((من يرفض الحرف اللاتيني للأمازيغية ويريده للغات الأخرى ليس إلا حاسدا للأمازيغية خائفا من تقدمها وارتقائها به)). استنادا على ماذا خرج بهذه الخلاصة؟”.
– ردي عليه: الحقيقة أن ذلك مجرد تقدير من طرفي. ولكن تلك الظاهرة المغربية العجيبة تستحق النقاش. فنحن نجد كثيرين من المغاربة يستهجنون بشدة وضراوة تدريس وترسيم الأمازيغية بالحرف اللاتيني (وبعضهم يتحدث عن مؤامرة فرنكوفونية صهيونية) ولكنك تجد نفس هؤلاء المغاربة يتهافتون على تدريس الفرنسية والإنجليزية لأولادهم بذلك الحرف اللاتيني “الصهيوني الاستعماري”!
إذا كان الحرف اللاتيني حرفا صهيونيا استعماريا مرفوضا فلماذا يتهافت عليه هؤلاء المغاربة لتعليم الفرنسية والإنجليزية لأولادهم ثم يرفضونه للأمازيغية بمبرر “المؤامرة الاستعمارية” المزيف. لا بد أن بعضهم مدفوع بحسد تجاه الأمازيغية أو بأجندة إسلامية أو تعريبية مضادة للأمازيغية بالذات.
هل يجرؤ هؤلاء المغاربة على تحريم الحرف اللاتيني على أطفالهم ومنعهم من استعماله في دراسة اللغات الأوروبية؟! لا. فهم يعلمون علم اليقين أنه الحرف الأهم في المغرب والعالم، لذلك يحرصون على تلقين ذلك الحرف لأولادهم لضمان مستقبلهم ورفع فرصهم في أسواق الشغل التي تسيطر عليها الفرنسية بالحرف اللاتيني بالمغرب وتسيطر عليها الإنجليزية بالحرف اللاتيني في العالم.
9) من هم الدواعش والتعريبيون البعثيون المحاربون للأمازيغية في المغرب؟
المقصود بـ”الدواعش والتعريبيين” هم الذين لا يرون مصلحة العربية إلا في الوقوف على جثة الأمازيغية ولا يفوتون فرصة إلا واستغلوها في عرقلة الأمازيغية وتلغيم طريقها.
لا أحد يمنعك من الدفاع عن اللغة العربية ونشرها وطباعتها بالمغرب بأي حرف يعجبك. ولكن هناك مرضا فاشيا خبيثا تفشى في أوساط الإسلاميين والعروبيين بالمغرب وهو رغبتهم في إبادة الأمازيغية أو في تعريبها ومنع ترسيمها وتعطيل تدريسها كسبيل وحيد لضمان أمن العربية. وهذا المرض الفاشي ينبع من عدم ثقتهم بقوة العربية والإسلام وخوفهم من انهيار العربية والإسلام أمام صعود الأمازيغية. ويرون في الأمازيغية شيئا يذكر المغاربة بفترة ما قبل الإسلام، أي بالمسيحية والوثنية وبالدول الأمازيغية القديمة. هؤلاء الإسلاميون والتعريبيون هم المقصودون بالدواعش التعريبيين.
من يعتني بالعربية في المغرب وينتج بها وينشرها ويحببها إلى الناس فذلك شخص مجتهد ليس لدينا أي مشكل معه على الإطلاق.
العدوانية ضد الأمازيغية الموجودة لدى معظم الإسلاميين والتعريبيين تأتي من كونهم يرون في الأمازيغية حاجزا ضد مشروعهم الذي هو إقامة دولة عربية إسلامية أحادية اللغة وأحادية الدين في المغرب. ولذلك حاربوا بشدة ترسيم الأمازيغية وتدريسها ورفضوا كتابتها بالحرف اللاتيني وثيفيناغ ورفضوا مساواتها في الدستور بالعربية. الإسلاميون والتعريبيون هم الذين تسببوا في الترسيم الدستوري المشوه الأعرج للأمازيغية وفي خدعة القانون التنظيمي الذي ليس سوى عصا في العجلة وحصاة في حذاء الأمازيغية. وهذا القانون التنظيمي وُضِعَ في الدستور خصيصا لتعطيل الأمازيغية وتأجيلها.
هؤلاء الإسلاميون التعريبيون البعثيون جعلوا من إبادة الأمازيغية بالمنع أو بالتعريب أو بالعرقلة ركنا من أركان الدفاع عن العربية والإسلام. أما المغاربة المشتغلون على العربية من أساتذة وكتاب وأدباء ومترجمين وباحثين وصحفيين فليس لدينا معهم أي مشكل على الإطلاق.
10) الحرف العربي ليس دستوريا بالمغرب والأمازيغية ليست مقيدة بأي حرف:
وقال الأستاذ بنعيسي: “… فالأجدر دستوريا، هو أن يكون هذا الحرف هو الحرف العربي”.
– ردي عليه: الأستاذ بنعيسي يكرر عبارة “فالأجدر دستوريا” حيث يقوم بـ”تأصيل” دستوري للحرف العربي. وهذا تفسير خاطئ للدستور المغربي لأن الدستور المغربي لا يحدد حرف أية لغة سواء أكانت أمازيغية أم عربية. لا توجد “جدارة دستورية” هنا لأن العربية لغة منفصلة عن الحرف. وكذلك الأمازيغية منفصلة عن الحرف.
الدولة ليست ملزمة دستوريا باستعمال أي حرف بالذات وإنما هي تستعمل الحروف المتعارف عليها لدى الناس. الحرف العربي حاليا متعارف عليه كحرف لبعض اللغات من بينها العربية والفارسية والأردية وهذه فقط حالة عرفية وليست قانونية ولا دستورية. وكذلك الحرف اللاتيني حرف عرفي لعدد من اللغات في العالم كالإنجليزية والتركية والأمازيغية والألمانية والإندونيسية والسواحيلية Swahili في كينيا وتانزانيا. فما دام الدستور المغربي لا يحدد الحرف الرسمي للغة فلا داعي للربط الدستوري للغة ما بحرف معين. بل إنه حتى في حالة تحديد الدستور أو القانون لحرف رسمي فذلك لن يمنع الناس من ممارسة حقهم في استخدام حروف أخرى في كتاباتهم.
وقال الأستاذ بنعيسي: “… فليس منطقيا ومقبولا أن تتخلى الأمازيغية عن حرف للغة وطنية رسمية للدولة تتقاسم معها التراث، والعيش المشترك، والمصير الواحد، ألا وهي العربية، وتلجأ إلى لغات بعيدة عن الوطن، ومن خارجه لتستعير منها الحرف الذي تُكتب به”.
– ردي عليه: اللغة الأمازيغية ليست مقيدة بأي حرف ولا بأية ديانة ولا بأية لغة أخرى. الأمازيغية ليست مقيدة بالحرف الليبي الأمازيغي (Libyco-Berber) ولا باللاتيني ولا بثيفيناغ ولا بالعربي. الكاتبون باللغة الأمازيغية يختارون الحرف الأنفع لها ولهم حسب الظروف والمصالح. الأمازيغية لم تلجأ إلى أية لغة لتستعير منها الحرف اللاتيني. الحرف اللاتيني شائع ومهيمن حاليا في المغرب والعالم لذلك فهو يسهل نشر الأمازيغية. الحرف اللاتيني ليس ملكا لأحد، فالفرنسية نفسها استوردته من إيطاليا. واستخدام الأمازيغية للحرف اللاتيني لا يجعلها تابعة لفرنسا ولا لإيطاليا ولا لغيرهما، فالحرف اللاتيني مَشاع (ملكية عمومية) لكل الشعوب يستخدمه من يشاء دون رخصة ولا إذن من أحد.
ما يصلح للأمازيغية ليس صالحا للعربية بالضرورة، والعكس صحيح. إذا كان الكاتبون والمشتغلون بالعربية فرحانين بحرفهم العربي فهنيئا لهم. أما مصلحة الأمازيغية فهي حاليا في الحرف اللاتيني كحرف أساسي وحرف ثيفيناغ كحرف رمزي. الحرف اللاتيني سينفعها في التدريس والترسيم والتطبيق الوظيفي ومجال العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد وحرف ثيفيناغ له وظيفة رمزية.
إذن من يريد مصلحة الأمازيغية فعليه أن يشتغل على مصلحة الأمازيغية بدون إقحام اللغات الأخرى والأديان في شؤون الأمازيغية. ومن يريد مصلحة العربية فعليه أن يشتغل على مصلحة العربية بدون إقحام اللغات الأخرى والأديان في شؤون العربية.
11) خلاصات عامة:
– الحرف اللاتيني أقدم وجودا بالمغرب من الحرف العربي.
– الحرف اللاتيني يكتب الأمازيغية بدقة أعلى من الحرف العربي.
– الحرف اللاتيني يسهل تعلم الأمازيغية على كل المغاربة والسياح والأجانب.
– الحرف اللاتيني يسهل إدخال اللغة الأمازيغية في التعليم الثانوي بالمغرب فورا ليدرسها التلاميذ بدءا من الثانوي كما يدرسون الألمانية والإسبانية والإيطالية والإنجليزية بدءا من الثانوي، بدل تضييع الوقت في نشر حرف ثيفيناغ انطلاقا من القسم التحضيري في المستوى الابتدائي وما يعنيه من بطء شديد قاتل للأمازيغية كما رأيناه منذ 2003 وإلى الآن.
– الحرف اللاتيني ليس فرنسيا ولا ملكا لفرنسا ولا لإيطاليا بل هو حرف عمومي متاح للجميع.
– من لم يتعود بعد على فكرة كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني أو لا يستوعبها فعليه أن يطلع مثلا على ترجمتي الكاملة للدستور المغربي إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني هنا: www.freemorocco.com/tamendawt.pdf
– جميع المغاربة مرحب بهم لخدمة الأمازيغية أو لمناقشة شؤونها سواء أكانوا ناطقين بالأمازيغية أم غير ناطقين بها. ومعيار الحكم على أطروحاتهم واقتراحاتهم هو مدى علميتها وعقلانيتها وعدالتها.
وشكرا للأستاذ عبد السلام بنعيسي. وأترقب رده المقبل وانضمام بقية المهتمين إلى هذا النقاش.
مبارك بلقاسم tussna@gmail.com